المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الدرس السادس والأربعون - توفيق الرحمن في دروس القرآن - جـ ١

[فيصل آل مبارك]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌فصل

- ‌الدرس الأول

- ‌[سورة الفاتحة]

- ‌سورة الفاتحة لها ثلاثة أسماء: فاتحة الكتاب، وأم القرآن، والسبع المثاني

- ‌الدرس الثاني

- ‌[سورة البقرة]

- ‌الدرس الثالث

- ‌الدرس الرابع

- ‌الدرس الخامس

- ‌الدرس السادس

- ‌الدرس السابع

- ‌الدرس الثامن

- ‌الدرس التاسع

- ‌الدرس العاشر

- ‌الدرس الحادي عشر

- ‌الدرس الثاني عشر

- ‌الدرس الثالث عشر

- ‌الدرس الرابع عشر

- ‌الدرس الخامس عشر

- ‌الدرس السادس عشر

- ‌الدرس السابع عشر

- ‌الدرس الثامن عشر

- ‌الدرس التاسع عشر

- ‌الدرس العشرون

- ‌الدرس الحادي والعشرين

- ‌الدرس الثاني والعشرون

- ‌الدرس الثالث والعشرون

- ‌الدرس الرابع والعشرون

- ‌الدرس الخامس والعشرون

- ‌الدرس السادس والعشرون

- ‌الدرس السابع والعشرون

- ‌الدرس الثامن والعشرون

- ‌الدرس التاسع والعشرون

- ‌الدرس الثلاثون

- ‌الدرس الحادي والثلاثون

- ‌الدرس الثاني والثلاثون

- ‌الدرس الثالث والثلاثون

- ‌الدرس الرابع والثلاثون

- ‌الدرس الخامس والثلاثون

- ‌الدرس السادس والثلاثون

- ‌[سورة آل عمران]

- ‌الدرس السابع والثلاثون

- ‌الدرس الثامن والثلاثون

- ‌الدرس التاسع والثلاثون

- ‌الدرس الأربعون

- ‌الدرس الحادي والأربعون

- ‌الدرس الثاني والأربعون

- ‌الدرس الثالث والأربعون

- ‌الدرس الرابع والأربعون

- ‌الدرس الخامس والأربعون

- ‌الدرس السادس والأربعون

- ‌الدرس السابع والأربعون

- ‌الدرس الثامن والأربعون

- ‌الدرس التاسع والأربعون

- ‌الدرس الخمسون

- ‌الدرس الحادي والخمسون

- ‌الدرس الثاني والخمسون

- ‌[سورة النساء]

- ‌الدرس الثالث والخمسون

- ‌الدرس الرابع والخمسون

- ‌الدرس الخامس والخمسون

- ‌الدرس السادس والخمسون

- ‌الدرس السابع والخمسون

- ‌الدرس الثامن والخمسون

- ‌الدرس التاسع والخمسون

- ‌الدرس الستون

- ‌الدرس الحادي والستون

- ‌الدرس الثاني والستون

- ‌الدرس الثالث والستون

- ‌الدرس الرابع والستون

- ‌الدرس الخامس والستون

- ‌الدرس السادس والستون

- ‌الدرس السابع والستون

- ‌الدرس الثامن والستون

الفصل: ‌الدرس السادس والأربعون

‌الدرس السادس والأربعون

{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (129) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ

ص: 445

يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم

مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) } .

* * *

ص: 446

وقوله عز وجل: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) } .

قال قتادة: تبوئ: تهيئ، وتنزل. غدا نبي الله صلى الله عليه وسلم من أهله إلى أُحُد يبوئ المؤمنين مقاعد للقتال، قال مجاهد: يمشي على رجليه، فجعل يصّف أصحابه للقتال.

وقوله تعالى: {إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} .

قال قتادة: وذلك يوم أحد. والطائفتان: بنو سلمة، وبنو حارثة، حيان من الأنصار هموا بأمر فعصمهم الله من ذلك. وقد ذكر لنا أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: لم يسُرُّنا إنا لم نهم بالذي هممنا به، وقد أخبرنا الله أنه ولينا. وقال السدي: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد في ألف رجل، وقد وعدهم الفتح إن صبروا، فلما رجع عبد الله بن أبيّ بن سلول في ثلاثمائة، فتبعهم أبو جابر السلمي يدعوهم، فلما غلبوه وقالوا له: ما نعلم قتالاً، ولئن أطعتنا لترجعن معنا، وقال:{إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا} ، وهم: بنو سلمة، وبنو حارثة هموا بالرجوع حين رجع عبد الله بن أبيّ فعصمهم الله، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعمائة. قال ابن عباس: الفشل: الجبن.

قوله عز وجل: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ

رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ (124) بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ (127) } .

قال ابن إسحاق: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ} ، يقول: وأنتم أقل عددًا وأضعف قوة، فاتقوا الله لعلكم تشكرون، أي: فاتقون؛ فإنه شكر نعمتي. قال قتادة: وبدر ماء بين مكة والمدينة التقى عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم والمشركون، وكان أول قتال قاتله نبي الله صلى الله عليه وسلم والمشركون. وذكر لنا أنه قال لأصحابه يومئذٍ: أنتم اليوم بعدة أصحاب طالوت يوم لقي جالوت. فكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، والمشركون يومئذٍ ألف، أو راهقوا ذلك.

وقوله تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ

ص: 447

الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ * بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} . عن ابن عباس قال: حدثني رجل من بني غفار قال: أقبلت أنا وابن عم لي حتى أصعدنا في جبل يشرف على بدر، ونحن مشركان ننتظر الوقعة على من تكون الدائرة، فننتهب مع من ينتهب. قال: فبينا نحن في الجبل إذ دنت منا سحابة فسمعنا فيها حمحمة الخيل، فسمعت قائلاً يقول: أقدم حيزوم. قال: فأما ابن عمي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه، وأما أنا فكدت أهلك، ثم تماسكت. قال ابن عباس: لم تقاتل الملائكة

في يوم من الأيام سوى يوم بدر، وكانوا يأتون فيما سواه من الأيام عددًا ومددًا لا يضربون.

وقوله تعالى: {وَيَأْتُوكُم} ، أي: المشركون. وقال قتادة: {مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا} ، يقول: من وجههم هذا. قال: كان يوم بدر أمدهم الله تعالى بألف من

ص: 448

الملائكة، كما قال:{فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ} ، ثم صاروا ثلاثة آلاف، ثم صاروا خمسة آلاف. وقال الضحاك: كان هذا موعدًا من الله يوم أحد عرضه على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنّ المؤمنين إنْ اتقوا وصبروا أمدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين، ففر المسلمون يوم أحد وولوا مدبرين، فلم يمدهم الله. وقال عكرمة في قوله:{وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ} . قال: فورهم ذلك كان يوم أحد، غضبوا ليوم بدر مما لقوا - يعني: الكفار -. وقال الضحاك في قوله: {وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا} ، يقول: من وجههم وغضبهم.

وقوله تعالى: {بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} ، أي: معلمين. قال قتادة: كان سيمًا خيلهم صوفًا في نواصيها. قال الربيع: كانوا يومئذٍ على خيل بلق. وقال ابن عباس: كان سيمًا الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمر. ولم تضرب الملائكة في يوم سوى يوم بدر.

وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِندِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} ، أي: ولما أنزل الله الملائكة ولعلمكم بذلك إلا بشارة لكم، وما النصر إلا من عند الله. قال ابن

إسحاق: {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ} ، لما عرف من ضعفكم، وما النصر إلا من عندي بسلطاني وقدرتي، وذلك أني أعرف الحكمة لا إلى أحد من خلقي. قال ابن زيد: وما النصر إلا من عند الله، ولو شاء الله أن ينصركم بغير الملائكة فعل. {الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} ، أي: العزيز الذي لا يغالب. الحكيم: في أقواله وأفعاله.

وقوله تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ} . قال الحسن: هذا يوم بدر قطع الله طائفة منهم، وبقيت طائفة. وقال ابن إسحاق:{أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ} ، أو يردهم خائبين، أو يرجع من بقي منهم خائبين لم ينالوا شيئًا مما كانوا يأملون.

ص: 449

قوله عز وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (129) } .

عن أنس قال: (قاتل النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وكسرت رباعيته، وشج، فجعل يمسح عن وجهه الدم ويقول: «كيف يصلح قوم خضبوا نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم» ! ؟ فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} ) . رواه ابن جرير وغيره. قال ابن إسحاق: أي: ليس لك من الحكم شيء في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم، أتوب عليهم برحمتي؛ فإن شئت فعلت، أو أعذبهم بذنوبهم فإنهم ظالمون، أي: قد استحقوا ذلك بمعصيتهم إياي. وعن ابن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو على أربعة نفر، فأنزل الله عز

وجل: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} . قال: وهداهم الله للإسلام) . رواه ابن جرير.

وقوله تعالى: {وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} . قال ابن إسحاق: أي: يغفر الذنوب، ويرحم العباد على ما فيهم.

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) } .

ص: 450

قال عطاء: كانت ثقيف تداين في بني المغيرة في الجاهلية، فإذا حلّ الأجل قالوا: نزيدكم وتؤخرون. فنزلت: {لَا تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً} . وقال ابن زيد في قوله: {لَا تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً} كان أبيّ يقول: إنما كان الربا في الجاهلية في التضعيف، وفي السِّن، يكون للرجل فضل دين فيأتيه إذا حلّ الأجل، فيقول له: تقضيني وتزيدني. فإن كان عنده شيء يقضيه قضى، وإلا حوله إلى السِّن التي فوق ذلك.

قوله عز وجل: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا

فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) } .

قال ابن إسحاق: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} ، أي: ذلك لمن أطاعني وأطاع رسولي. قال قتادة: كانوا يرون الجنة فوق السماوات السبع تحت العرش، وأن جهنم تحت الأرضين السبع.

وقال ابن عباس في قوله: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء} يقول: في

ص: 451

اليسر والعسر. وقال قتادة: قوله: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ، قوم أنفقوا في العسر واليسر، والجهد والرخاء، فمن استطاع أن يغلب الشر بالخير فليفعل ولا قوة إلا بالله فنعمت والله يا ابن آدم الجرعة تجرعها من صبر وأنت مغيظ، وأنت مظلوم. وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من كظم غيظًا وهو يقدر على إنفاذه ملأه الله أمنًا وإيمانًا» . رواه ابن جرير.

وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} ، الفاحشة: الزنا، والكبائر.

وقوله: {أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ} ، أي: بالصغائر. قال ابن مسعود: كانت بنو إسرائيل إذا أذنبوا ذنبًا أصبح مكتوبًا على بابه الذنب وكفارته، فأعطينا خيرًا من ذلك هذه الآية. قال ابن إسحاق:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً} ، أي: إن أتوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم بمعصية ذكروا

نهي الله عنها، وما رحم عليهم، فاستغفروا لها وعرفوا أنه لا يغفر الذنوب إلا هو.

وقال قتادة في قوله: {وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} فإياكم والإِصرار فإنما هلك المصرون الماضون قدمًا، لا ينهاهم مخافة الله عن حرام حرّمه الله عليهم، ولا يتوبون من ذنب أصابوا حتى أتاهم الموت وهم على ذلك.

ص: 452

وفي الحديث الصحيح يقول الله عز وجل: (يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك) .

وقوله تعالى: {أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} . قال ابن إسحاق: أي: ثواب المطيعين. والله أعلم.

* * *

ص: 453