الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{شَعَآئِرِ اللهِ} : معالم دينه، والمراد به هنا: المناسك التي جعلها أعلامًا لطاعته وموضعًا لعبادته. روى البخاري عن أنس قال: كنا نرى أن الصفا والمروة من أمر الجاهلية، فلماجاء الإسلام أمسكنا عنها، فأنزل الله عز وجل:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} . وقال الشعبي: كان أساف على الصفا، وكانت نائلة على المروة، وكانوا يستلمونها، فتحرجوا بعد الإسلام من الطواف بينهما، فنزلت هذه الآية. وذكر ابن إسحاق أن أسافًا ونائلة كانا بشرين فزينا داخل الكعبة فمسخا حجرين، فنصبتهما قريش تجاه الكعبة ليعتبر بهما الناس، فلما طال عهدهما عُبدا، ثم حولا إلى الصفا والمروة فنصبا هنالك، فكان من طاف بالصفا والمروة يستلمهما.
وفي صحيح مسلم من حديث جابر الطويل: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من طوافه بالبيت عاد إلى الركن فاستلمه، ثم خرج من باب الصفا وهو يقول: « {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} - ثم قال -:
…
«أبدأ بما بدأ الله به» . وفي رواية النسائي: «ابدءوا بما بدأ الله به» . وفي الحديث الآخر: «اسعوا فإن الله كتب
عليكم السعي» . رواه أحمد.
وقوله تعالى: {وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} ، أي: من تطوع بالحج والعمرة بعد أداء الواجب فإن الله مجاز لعبده بجميع علمه عليم بنيته.
قال قتادة: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ} ، أولئك: أهل الكتاب كتموا الإسلام وهو دين الله، وكتموا محمدًا صلى الله عليه وسلم وهم يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» .
وقوله تعالى: {أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} ، أصل اللعن الطرد، والإبعاد. قال مجاهد: إذا أجدبت الأرض قالت البهائم: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم.
وقوله تعالى: {إِلا الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ} ، أي: رجعوا عما كانوا عليه من المعاصي وأصلحوا أعمالهم، وبينوا للناس ما كتموا {فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} .
قال قتادة: إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله، ثم تلعنه الملائكة ثم يلعنه الناس أجمعون.
وقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا} ، أي: في نار جهنم، كما قال تعالى:{وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ} .
وقوله تعالى: {لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ} ، أي: لا يمهلون، كما قال تعالى:{لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ} .
قال أبو العالية: لا ينظرون فيعتذروا، كقوله تعالى:{وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} .
قال البغوي: سبب نزول هذه الآية أن كفار قريش قالوا: يا محمد صف لنا ربك وانسبه. فأنزل الله تعالى هذه الآية، وسورة الإِخلاص. والواحد: الذي لا نظير له ولا شريك له. وذكر حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«إن في هاتين الآيتين اسم الله الأعظم: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} ، و {الم * اللهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} » . قال أبو الضحى: (لما نزلت هذه الآية قال المشركون: إن محمدًا يقول: إن إلهكم إله واحد، فليأتنا بآية إن كان من الصادقين، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الآية) . قال عطاء: نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} ، فقال كفار قريش بمكة: كيف يسع الناس إله واحد؟ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ} إلى قوله:
…
{لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ، فبهذا يعلمون أنه إله واحد، وأنه إله كل شيء وخالق كل شيء.
يذكر تعالى حال المشركين به في الدنيا وما لهم في الآخرة، حيث جعلوا له {أَندَاداً} ، أي: أمثالاً ونظراء، يعبدونهم معه ويحبونهم
كحبه، وهو الله لا إله إلا هو لا شريك له ولا ند له، فقال تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ} . قال الربيع: هي الآلهة التي تعبد من دون الله، يقول: يحبون أوثانهم كحب الله {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ} ، أي: من الكفار لأوثانهم. وقال مجاهد: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} مباهاة ومضاهاة للحق بالأنداد، {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ} من الكفار لأوثانهم.
قال ابن كثير: وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ} ولحبهم لله وتمام معرفتهم به، وتوقيرهم وتوحيدهم له، لا يشركون به شيئًا، بل يعبدونه وحده ويتوكلون عليه، ويلجأون في جميع أمورهم إليه.
وقوله تعالى: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} ، أي: ولو يعلم الذين ظلموا باتخاذ الأنداد، {إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} عاينوه يوم القيامة، {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} ، أي: لو يعلمون أن القدرة لله جميعًا، لا قدرة لأندادهم، {إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} يوم القيامة لندموا أشد الندامة {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ} ، وهم: القادة {مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ} ، أي: الأتباع، {وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} ، أي: أسباب الخلاص، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} .
كما قال تعالى: {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} ، وقال تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} ، وقال تعالى:{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} ، قال ابن كيسان:{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ} أنهم أشركوا بالله الأوثان، برجاء أن تقربهم إلى الله عز وجل، فلما عذبوا على ما كانوا يرجون ثوابه، تحسروا وندموا. وبالله التوفيق.
* * *