الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3- باب ما جاء في تخليل الأصابع عند الوضوء
4-
(4) عَنِ الْمُسْتَورد بن شَدَّاد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم:"أَنَّه كَانَ يُدَلِّكُ أَصَابِعَ رِجْلَيْه عِنْدَ الوضوءِ".
ذكر ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث في معرض كلامه على عدم مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الفعل، ثم تَكَلَّم رحمه الله على هذا الحديث بما حاصله:
1-
أن في إسناده ابن لهيعة، لذلك: فالحديث - في نظره - في ثبوته نظر. لكن كأنه لم يقطع بضعفه، وأنه قَابلٌ للتصحيح، ولذلك قال:
2-
"وهذا إن ثبتَ عنه: فإنما كان يفعله أحياناً". ثم استدل على عدم مداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك بقوله:
3-
"ولهذا لم يروه الذين اعتنوا بضبط وضوئه، كعثمان، وعلي، وعبد الله بن زيد، وغيرهم"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه في (سنهم) 2 وأحمد في (مسنده) 3، والبيهقي في (سننه) 4، من طرق، عن:
1 انظر: زاد المعاد: (1/ 198) .
2 د: (1/ 103) ح 148، باب غسل الرجلين. ت:(1/ 57) ح 40، باب ما جاء في تخليل الأصابع. جه:(1/ 152) ح 446، باب تخليل الأصابع، ثلاثتهم في ك الطهارة.
(4/ 229) .
(1/ 76) باب كيفية التخليل.
ابن لهيعة1، عن يزيد بن عمرو2، عن أبي عبد الرحمن الحبلي3، عن المستورد بن شداد4 رضي الله عنه قال:"رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا تَوَضَّأَ يدلك أصابعَ رجليه بخنصره". هذا لفظ أبي داود، ومثله الترمذي. وعند أحمد:"يُخَلِّلُ"، وابن ماجه "خَلَّلَ" بدل:"يدلك". ولفظ البيهقي مثل أبي داود، لكن عنده:"ما بين أصابع رجليه".
أما إعلال هذا الحديث بأن ابن لهيعة في إسناده: فقد أجاب عنه الأئمة: بأن ابن لهيعة لم ينفرد به، بل تُوبع عليه:
قال ابن القطان: "وابن لهيعة ضعيف، ولكنه قد رواه غيره، فَصَحَّ"5، ثم ساق هذه المتابعة من طريق ابن أبي حاتم6.
وأشار ابن الْمُلَقِّن7 رحمه الله إلى هذه المتابعة. وقال ابن حجر: "وفي إسناده ابن لهيعة، لكن تابعه: الليث بن سعد، وعمرو بن
1 عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي، أبو عبد الرحمن المصري، القاضي، صدوقٌ خَلَّطَ بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدلُ من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون، مات سنة 174 هـ/م د ت ق. (التقريب 319) .
2 المعافري، المصري، صدوق، من الرابعة/د ت ق. (التقريب 604) .
3 هو: عبد الله بن يزيد المعافري، ثقة، من الثالثة، مات سنة100هـ بإفريقية/بخ م 4. (التقريب 329) .
4 ابن عمرو القرشي الفهري، حجازي، نزل الكوفة، له ولأبيه صحبة، مات سنة 45هـ/ خت م 4. (التقريب 527) .
5 بيان الوهم والإيهام: (5/264) ح 2463.
6 وهي في (الجرح والتعديل) - المقدمة: (1/ 31-32) .
7 البدر المنير: جـ 1 (ق 95/ب) .
الحارث. أخرجه البيهقي، وأبو بشر الدولابي، والدارقطني في غرائب مالك، من طريق ابن وهب عن الثلاثة"1.
قلت: وهذه المتابعة أخرجها البيهقي2 من طريق: عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: أنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب3، قال: سمعت عَمِّي - يعني عبد الله بن وهب - يقول: سمعت مالكاً يُسْئَلُ عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء؟ فقال: ليس ذلك على الناس. قال: فتركته حتى خَفَّ الناس، فقلت له: يا أبا عبد الله! سمعتك تُفْتِي في مسألة تخليل أصابع الرجلين، زعمت أن ليس ذلك على الناس، وعندنا في ذلك سُنَّة. فقال: وما هي؟ فقلت: ثنا الليث بن سعد وابن لهيعة وعمرو بن الحارث4، عن يزيد بن عمرو المعافري
…
فساق الحديث كما مضى. قال مالك: هذا حديث حسن، وما سمعت به قط إلا الساعة. ثم سمعته يسئل بعد ذلك، فأمر بتخليل الأصابع.
فهذه - كما نرى - متابعةٌ قويةٌ من الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث لابن لهيعة على هذا الحديث، ولا سيما أنها من طريق ابن وهب، وروايته عن ابن لهيعة أعدل من رواية غيره عنه5.
1 التلخيص الحبير: (1/ 94) .
2 السنن: (1/ 76-77) .
3 ابن مسلم، المصري، لقبه: بحشل، أبو عبيد الله، صدوق تغير بأخرة، من الحادية عشرة، مات سنة 264 هـ/م. (التقريب 82) .
4 ابن يعقوب الأنصاري مولاهم، المصري، أبو أيوب، ثقة فقيه حافظ، من السابعة، مات قديماً قبل 150 هـ/ع. (التقريب 419) .
5 قال الذهبي رحمه الله: "حدث عنه ابن المبارك وابن وهب وأبو عبد الرحمن المقرئ وطائفة قبل أن يكثر الوهم في حديثه وقبل احتراق كتبه، فحديث هؤلاء عنه أقوى، وبعضهم يصححه، ولا يرتقى إلى هذا". (تذكرة الحفاظ 1/238) . وتقدم معنا نقل كلام الحافظ ابن حجر في ذلك في مطلع الدراسة لهذا الحديث.
لكنَّ ابن التركماني رحمه الله – حاولَ غمز هذه المتابعة، فقال:"في ذلك السند أحمد بن أخي ابن وهب؛ وهو وإن خَرَّجَ عنه مسلم، فقال أبو زرعة: أدركناه ولم نكتب عنه. وقال ابن عدي: رأيت شيوخ أهل مصر الذين لحقتهم مجمعين على ضعفه"1.
كذا قال ابن التركماني، ولم يذكر أن جماعةً وَثَّقُوه وارتضوه، منهم: محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، حيث قال:"ثِقَة، ما رأينا إلا خيراً"2. وقال أبوحاتم: "أدركته وكتبت عنه"3. ومرة قال: "كان صدوقاً"4. وقال أبوحاتم: "سمعت عبد الملك بن شعيب بن الليث يقول:
…
ثقة"5.
وأما عدم كتابة أبي زرعة عنه فلأنه خلط في أحاديث6، ولكنه رجع عن ذلك رحمه الله، وقد بلغ أبا زرعة رُجُوُعُه عن تلك الأحاديث، فقال:"إن رجوعه مما يُحَسِّنُ حاله، ولا يبلغ به المنزلة التي كان قبل ذلك"7. ومن أجل رجوعه تَمَسَّكَ ابن خزيمة بالرواية عنه؛ فإنه قِيلَ له: لِمَ رويتَ عن ابن أخي ابن وهب وتركتَ سفيان بن وكيع؟ فقال: "لأن أحمد لما أنكروا عليه تلك الأحاديث رجع عنها إلى آخرها، إلا حديث
1 الجوهر النقي: (1/76-77) .
2 الجرح والتعديل: (1/1/60) .
3 المصدر السابق.
4 المصدر السابق.
5 المصدر السابق.
6 انظر: الكواكب النيرات: (ص63-71) .
7 الجرح والتعديل: (1/1/60) .
مالك عن الزهري عن أنس "إذا حَضَرَ العشاء
…
" وأما سفيان بن وكيع: فَإِنَّ وَرَّاقَهُ أدخل عليه أحاديث فرواها، فَكَلَّمْنَاهُ فلم يرجع عنها، فاستخرت الله وتركته"1. وقال ابن القطان: "وَثَّقَهُ أهل زمانه"2.
فهؤلاء الأئمةُ قد وثقوه وأثنوا عليه، وحمدوا له رجوعه عن تلك الأحاديث التي أُنْكِرت عليه، وتمسك بالرواية عنه ابن خزيمة مع شدة تحريه في الرجال، هذا كله مع إخراج مسلم له في (الصحيح) ، فهل يُسْمَعُ بعد ذلك قولُ طاعن فيه؟!
ولكن، ثَمَّةَ أمرٌ آخر قد يكون مدخلاً للطعن في هذه المتابعة، وهو ما ذكره ابن القطان رحمه الله إذ قال:"وَإِنَّمَا الذي يجب أن يُتَفَقَّدَ من أمر هذا الحديث: قول أبي محمد بن أبي حاتم: أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن. فإني أظنه يعني في الإجازة؛ فإنه لَمَّا ذكرهُ في بابه قال: إِنَّ أبا زرعة أدركه ولم يكتب عنه، وإن أباه قال: أدركته وكتبتُ عنه. وظاهر هذا أنه هو لم يسمع منه؛ فإنه لم يقل: كتبت عنه مع أبي، وسمعت منه، كما هي عادته أن يقول فيمن يشترك فيه مع أبيه"3.
وقد أجاب ابن الملقن رحمه الله عن شبهة ابن القطان هذه، فقال: "وقد استغنينا عن هذا التفقد الذي أشار إليه ابن القطان برواية البيهقي المتقدمة حيث قال - يعني ابن أبي حاتم-: حدثني أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، وكذلك - أيضاً - رواه عن ابن أخي ابن وهب: أبو بشر أحمد بن محمد بن حماد الدولابي، حَدَّثَ به الدارقطني في (غرائب
1 تهذيب التهذيب: (1/54-55) .
2 بيان الوهم والإيهام: (5/265) .
3 بيان الوهم والإيهام: (5/266) .
مالك) عن أبي جعفر
…
عن الدولابي: ثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، حدثني عمى
…
عن ابن لهيعة والليث بن سعد، ولم يذكر عمرو بن الحارث. فهذا أبو محمد بن أبي حاتم، وأبو بشر الدولابي كلٌّ منهما يقول: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن"1.
قلت: فزالت - بحمد الله - هذه الشبهة، وبقيت هذه المتابعة قوية، تشد رواية ابن لهيعة الماضية وتعضدها.
وقد صَحَّحَ العلماء حديث المستورد هذا بهذه المتابعة، فقال ابن القطان - ومضى كلامه -: "
…
فَصَحَّ بإسناد صحيح". وقال ابن الملقن: "الحديث حسن صحيح"2. وقد مضى استحسان الإمام مالك له وعمله به. وظاهرُ صَنِيع البيهقي يقتضي تصحيحه إياه، حيث سَاقَ له هذه المتابعة بإسناده إلى ابن وهب. وقال ابن حجر رحمه الله: "وفي إسناده ابن لهيعة، لكن تابعه الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث
…
"3. وقال في (النكت الظراف) 4 - مُعَلِّقَاً على قول الترمذي: حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة -: "وهو يُتَعَقَّبُ؛ فقد أخرجه ابن أبي حاتم، عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب
…
وصَحَّحَه ابن القطان من هذا الوجه". وذكره البغوي في قسم الحسن من (مصابيحه) ، وتَبِعَهُ على ذلك
1 البدر المنير: جـ 1 (ق 95/ب) .
2 البدر المنير: جـ 1 (ق95/ب) .
3 التلخيص الحبير: (1/94) .
(8/376) .
التبريزي في (المشكاة)1. وصَحَّحَه الشيخ الألباني2.
ومع ذلك فللحديث شواهد عدة، أَمْثَلُهَا - كما قال الزيلعي3 - حديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء؟ قال: "أَسْبِغْ الوضوء، وخَلِّلْ بين الأصابع، وَبَالِغْ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائماً" هذا لفظ الترمذي4، وأخرجه أيضاً: أبو داود في (سننه) 5، وأحمد، والدرامي في (مسنديهما) 6، وابن الجارود في (المنتقى) 7، وابن خزيمة وابن حبان في (صحيحيهما) 8، والحاكم في (المستدرك) 9، والبيهقي في (سننه)10. وسياقه عند أحمد وأبي داود مُطَوَّل، فيه ذكر قصة وفد بني المنتفق، أما الباقون فلفظهم مختصر قريب من لفظ الترمذي. وهو عند الجميع من طريق: عاصم بن لقيط11، عن أبيه لقيط بن صبرة به.
(1/128) ح407.
2 صحيح ابن ماجه: (ح360)، وحاشية المشكاة:(1/128) ح407.
3 نصب الراية: (1/ 27) .
(3/ 146) ح 778 ك الصوم، باب كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم.
(1/ 97) ح 142، ك الطهارة، باب في الاستنثار.
6 حم: (4/ 211) مي: (1/ 144) ح 711 ك الطهارة، باب تخليل الأصابع.
(ص 36) ح 80.
8 خز: (1/ 78) ح150 ك الطهارة، باب الأمر بالمبالغة في الاستنشاق إذا كان المتوضئ مفطراً. حب: الإحسان: (2/ 208) ح 1084.
(1/147، 148) .
10 (1/76) باب تخليل الأصابع.
11 ابن صبرة العقيلي، ثقة، من الثالثة/بخ 4. (التقريب 286) .
قال الترمذي: "حسن صحيح". وقال البغوي: "حسن"1، وَصَحَّحَه ابن القطان2. وقال الحاكم:"حديث صحيح، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي. وقال ابن الملقن: "رجاله رجال الصحيح، إلا إسماعيل بن كثير المكي
…
وإلا عاصم بن لقيط بن صبرة"3. ثم نقل أقوال الأئمة في توثيقهما. وَتَقَدَّمَ قول الزيلعي أنه أمثل الأحاديث الواردة في ذلك.
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن حديثَ المستورد بن شداد صحيحٌ، أو حسنٌ على أقلِّ أحواله، وما أَعَلَّهُ به ابن القَيِّم من وجود ابن لهيعة في إسناده مردود بمتابعة جماعةٍ له على روايته. ثم يأتي حديث لقيط بن صبرة فيشهد له ويشد أزره.
1 مصابيح السنة: (1/22) باب سنن الوضوء.
2 بيان الوهم والإيهام: (5/592) ح2810.
3 البدر المنير: (3/312) .