الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3- باب ما جاء في الإفطار في السفر
43-
(4) عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصَّائِمُ في السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ في الْحَضَرِ".
ذكر ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث في (تهذيب السنن) 1 وعزاه إلى النسائي، ثم قال:"ولا يَصِحُّ رَفْعُهُ، وإنما هو موقوف".
قلت: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في (سننه) 2 من طريق:
عبد الله بن موسى3 التيمي، عن أسامة بن زيد4، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه عبد الرحمن بن عوف أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صَائِمُ رمضانَ في السَّفَرِ كالمفطرِ في الْحَضَرِ".
وأخرجه البزار في (مسنده) 5 من الطريق نفسه، لكن قال فيه:"عبد الله بن عيسى المدني" بدل "عبد الله بن موسى". وقد ذكره ابن القطان من جهة البزار، ثم قال: "هكذا قال: عبد الله بن عيسى المدني، وقال
(3/285) .
(1/532) ح 1666، باب ما جاء في الإفطار في السفر.
3 ابن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله التيمي، أبو محمد المدني، صدوق كثير الخطأ، من الثامنة/ق. (التقريب 325) .
4 الليثي مولاهم، أبو زيد المدني، صدوق يَهِم، من السابعة، مات سنة 153هـ- / خت م 4. (التقريب 98) .
(3/236) ح 1025.
غيره: عبد الله بن موسى التيمي، وهو أشبه بالصواب"1. ولفظ البزار كلفظ ابن ماجه إلا أن عنده "كمفطره".
وأخرجه ابن عدي في (الكامل) 2 من طريق: يزيد بن هارون، ثنا يزيد بن عياض3، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبيه عبد الرحمن بن عوف مرفوعاً. وسيأتي كلام ابن عديّ عليه بعد قليل.
وقد أُعِلَّ هذا الحديث بعلتين:
أولاهما: أنه لا يصحُّ رفعه، بل الصواب فيه موقوف على عبد الرحمن بن عوف، كما تقدم من كلام ابن القَيِّم.
الثانية: أنه منقطع بين أبي سلمة وأبيه عبد الرحمن بن عوف.
أما العلة الأولى: وهي أنه لا يصح مرفوعاً، وأن الصواب وقفه: فإنه قد أخرجه النسائي في (سننه) 4 من طريق: معن بن عيسى5، عن ابن أبي ذئب6، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبيه
1 انظر: نصب الراية: (2/462) .
(7/2720) .
3 ابن جعدبة الليثي، أبو الحكم المدني، نزيل البصرة، وقد يُنْسَبُ لجده، كَذَّبَهُ مالك وغيره، من السادسة/ ت ق. (التقريب 604) .
(4/183) ك الصوم، باب ذكر قوله: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر.
5 أبو يحيى المدني القزاز، ثقة ثبت، من كبار العاشرة، مات سنة 198 هـ- / ع. (التقريب 542) .
6 هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي، العامري، أبو الحارث المدني، ثقة فقيه فاضل، من السابعة، مات سنة 158 هـ- / ع. (التقريب493) .
عبد الرحمن بن عوف أنه قال: "يقال: الصيام في السفر كالإفطار في الحضر". هكذا موقوفاً على عبد الرحمن بن عوف، وبدون ذكر "رمضان".
ثم أخرجه1 من طريق حماد بن خالد الخَيَّاط2 وأبي عامر3، قالا: حدثنا ابن أبي ذئب بالإسناد السابق، وليس فيه قوله:"يقال".
وهذا إسناد صحيح، وقد رَجَّحَ جماعة من العلماء الرواية الموقوفة، منهم: أبو حاتم، فقد سأله عنه ابنه، فذكر الاختلاف فيه، ثم قال:"الصحيح: عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبيه موقوفاً"4. كذا نقل الزيلعي5، وابن حجر6 عن ابن أبي حاتم، والذي في (العلل) أن الكلام لأبي زرعة! وأظنه خطأ، لما نقله هذان الإمامان عن ابن أبي حاتم، وأيضاً السؤال وَجَّهَهُ ابن أبي حاتم لأبيه، فالله أعلم.
وقال البزار: "هذا الحديث أسنده أسامة بن زيد، وتابعه على إسناده يونس. وقد رواه ابن أبي ذئب وغيره: عن الزهري، عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن، عن أبيه موقوفاً من قول عبد الرحمن، ولو ثبت مرفوعاً
1 سنن النسائي: (4/183) .
2 القرشي، أبو عبد الله البصري، نزيل بغداد، ثقة أُمِّيٌّ، من التاسعة/ م 4. (التقريب 178) .
3 هو: عبد الملك بن عمرو القيسي، العقدي، ثقة، من التاسعة، مات سنة 204هـ- أو 205/ع. (التقريب 364) .
4 علل ابن أبي حاتم: (1/238 - 239) ح 694.
5 نصب الراية: (2/462) .
6 التلخيص الحبير: (2/205) .
لكان خروج النبي صلى الله عليه وسلم حين خَرَجَ فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر وأمر الناس بالفطرِ دليلاً على نسخ هذا الحديث؛ لأنه يؤخذ بالآخر
…
"1.
وجَزَمَ ابن عدي بوقفه، فقال - بعد أن أخرجه -: "وهذا الحديث لا يرفعه عن الزهري غير يزيد بن عياض
…
من رواية سلام بن روح عنه، ويونس بن يزيد من رواية القاسم بن مبرور عنه، وأسامة بن زيد، من رواية عبد الله بن موسى التيمي. والباقون من أصحاب الزهري: رووه عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبيه من قوله"2.
ورَجَّحَ الدارقطني - كذلك - رواية الوقف كما نقله عنه ابن حجر3. وكذا البيهقي، فقال: "هو موقوف
…
ورُوِيَ مرفوعاً، وإسناده ضعيف"4.
ونقل ابن حجر عن النسائي أنه صَوَّبَ وقفه أيضاً5، ولم أقف على قولة النسائي في ذلك.
وقد تابع أبا سلمة بن عبد الرحمن على وقفه: أخوه حميد بن عبد الرحمن بن عوف، فأخرجه النسائي - أيضاً - في (سننه) 6 من طريق: أبي معاوية، حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن حميد، عن أبيه عبد الرحمن به.
1 مسند البزار: (3/237 - 238) .
2 الكامل: (7/2720) .
3 التلخيص الحبير: (2/205) .
4 سنن البيهقي: (4/244) .
5 التلخيص الحبير: (2/205) .
(4/183) .
وهذا إسناد صحيح أيضاً، بل قال ابن حزم رحمه الله:"وهذا سندٌ في غاية الصحة"1. وصححه كذلك الشيخ الألباني2. فهذه الرواية تؤيد رواية أبي سلمة المتقدمة عن أبيه موقوفاً، وأنها هي الصواب، وأن الرواية المرفوعة خطأ.
قلت: وإسناد الرواية المرفوعة فيه "أسامة بن زيد الليثي"، وفيه ضَعْفٌ من قبل حفظه3، وقد ضَعَّفَ ابنُ حزم الرواية المرفوعة به، فقال:"وأما نحن فلا نحتجُّ بأسامة بن زيد الليثي، ولا نراه حجةً لنا ولا علينا"4. وكذا ضَعَّفَ إسناده البيهقي5، والبوصيري6. فلعلَّ الوهمَ في هذا الحديث جاء من قِبَلِهِ بجعله هذا الحديث مرفوعاً، وخالفه من هو أوثق منه وأتقن: ابن أبي ذئب، فوقفه على عبد الرحمن بن عوف، وحكم الأئمة له، وقدموا روايته.
وأما العلة الثانية، وهي انقطاعه: فإن أبا سلمة لم يسمع من أبيه شيئاً، كما قال البخاري وابن معين7. ولذلك فقد أعله غير واحد بأنه منقطع، فقال البيهقي: "في إسناده انقطاع"8. وأَقَرَّهُ على ذلك
1 الْمُحَلَّى: (6/257) .
2 السلسلة الضعيفة: (ح498) .
3 تنظر ترجمته في (تهذيب التهذيب) : (1/208 - 210) .
4 المحلى: (6/258) .
5 السنن: (4/244) .
6 مصباح الزجاجة: (2/64) .
7 انظر: المراسيل لابن أبي حاتم: (ص255)، وجامع التحصيل:(ص260) .
8 السنن: (4/244) .
النووي1 رحمه الله. وقال الزيلعي: "وفي سماع أبي سلمة من أبيه نظر"2. وقال البوصيري: "منقطع
…
أبو سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئاً، قاله ابن معين والبخاري"3. وقال ابن حجر:"ومع وقفه فهو منقطع؛ لأن أبا سلمة لم يسمع من أبيه"4.
ولكن لم يرض ابن حزم رحمه الله بذلك، فقال في (المحلى) 5:"إسناد صحيح، وقد صحَّ سماع أبي سلمة من أبيه".
قلت: وقوله مُعَارَضٌ بقول من نقلنا أقوالهم قبل قليل.
وبعدُ، فقد ظهر أن الصواب في هذا الحديث: أنه موقوف، ومع وقفه فإنه منقطع الإسناد، وقد ذكر ابن القَيِّم رحمه الله من ذلك: عدم صحة رفعه فقط، ولم يتعرض لانقطاعه، وقد نقلتُ أقوال الأئمة في تقرير ذلك. والله أعلم.
1 انظر: المجموع: (6/219) .
2 نصب الراية: (2/462) .
3 مصباح الزجاجة: (2/64) .
4 فتح الباري: (4/184) .
(6/257) .
4-
باب في صيام يوم عرفة
44-
(5) عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال:"نَهَى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَومِ عَرَفَةَ بِعَرَفَة".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "وفي إسناده نظر؛ فإن مَهْدِي بن حرب العَبْدِي ليس بمعروف، ومداره عليه"1. وقال مرة: "ورُوِي عنه أنه نهى
…
"2. فَصَدَّرَهُ بصيغة تمريض.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه في (سننيهما) 3، والنسائي في (الكبرى) 4، وأحمد في (مسنده) 5، والبخاري في (تاريخه) 6، وابن خزيمة في (صحيحه) 7، والحاكم في (المستدرك) 8، والبيهقي في (السنن) 9، والعقيلي في (الضعفاء) 10، كلهم من طريق:
1 زاد المعاد: (1/61) .
2 المصدر السابق: (2/77) .
3 د: (2/816) ح 2440 ك الصوم، باب في صوم يوم عرفة بعرفة، جه:(1/551) ح 1732 ك الصوم، باب صيام يوم عرفة.
(3/229) ح 2844.
(2/304، 446) .
6 الكبير: (4/1/424) .
(3/292) ح 2101 ك الصوم.
(1/434) .
(4/284) ، (5/117) .
10 (1/298) ترجمة "حوشب بن عقيل".
حوشب بن عقيل1، عن مهدي بن حرب2، عن عكرمة مولى ابن عباس، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ساقه ابن القَيِّم هنا، وهو لفظ: البخاري في (تاريخه) ، وابن خزيمة، والحاكم، والبيهقي.
وعند أبي داود قول عكرمة: "كنا عند أبي هريرة في بيته، فحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى
…
" الحديث.
وعند أحمد والنسائي: قال عكرمة: "دخلت على أبي هريرة فسألته
…
".
والحديث بهذا الإسناد ضعيف؛ فإن مهدي بن حرب لم يوثقه غير ابن حبان3، وقال ابن معين:"لا أعرفه"4. وقال ابن حزم: "فإنه من رواية حوشب بن عقيل، وليس بالقويِّ، عن مهدي الهجري، وهو مجهول، ومثل هذا لا يُحْتَجُّ به"5.
قلت: وفي تضعيف ابن حزم لحوشب بن عقيل نظرٌ، فإنه ثقة، وَثَّقَهُ الأئمة: يحيى القطان، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وأبو حاتم، وأبو داود، والنسائي، وابن حبان. وانفرد الأزدي بتضعيفه6.
1 أبو دِحْيَة البصري، ثقة، من السابعة/ د س ق. (التقريب 184) .
2 العبدي، وهو: ابن أبي مهدي الهجري، مقبول، من السادسة/ د س ق. (التقريب 548) .
3 الثقات: (7/501) .
4 الجرح والتعديل: (4/1/337) .
5 المحلى: (6/440) .
6 انظر: تهذيب الكمال: (7/461 - 463)، وتهذيب التهذيب:(3/65 - 66) .
وأخرجه العُقَيْلِي في ترجمة حوشب بن عقيل، عن الهجري، ثم قال: "لا يتابع عليه
…
"1. وقال الإمام النووي: "رواه أبو داود، والنسائي بإسناد فيه مجهول". ثم قال:"ضعيف"2. وقال الشيخ الألباني: "فأنى للحديث الصحة وفيه هذا الرجل المجهول؟! "3. وأورده في (ضعيف ابن ماجه) 4، وقال في (تمام المنة) 5:"إسناده ضعيف".
أما الحاكم أبو عبد الله فقد قال: "هذا حديث صحيح على شرط البخاريّ، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي! فَتَعَقَّبَهُمَا الشيخ الألباني قائلاً: "وهذا من أو هَامِهِمَا الفاحشة؛ فإن حوشب بن عقيل، وشيخه مهدي الهجري لم يُخْرِجْ لهما البخاري، بل إن الهجري مجهولٌ كما قال ابن حزم
…
"6.
والحديث مع ضعفه اخْتُلِفَ في إسناده؛ فقد أخرجه البيهقي من طريق: الحارث بن عبيد7، عن حوشب بن عقيل، عن مهدي الهجري، عن عكرمة، عن ابن عباس به. قال البيهقي: "كذا قال الحارث بن
1 الضعفاء: (1/298) .
2 المجموع: (6/349) .
3 السلسلة الضعيفة: (1/397) ح 404.
(ح 378) .
(ص 410) .
6 السلسلة الضعيفة: (1/397) .
7 الإيادي، أبو قدامة البصري، صدوق يخطئ، من الثامنة/ خت م د ت. (التقريب 147) .
عبيد، والمحفوظ: عن عكرمة، عن أبي هريرة"1.
وللحديث شاهدٌ من رواية عائشة رضي الله عنها، أخرجه الطبراني في (معجمه الأوسط) 2 من طريق: إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى3، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"نهى رسول الله عن صيام يوم عرفة بعرفات". قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن صفوان إلا إبراهيم".
قال الشيخ الألباني: "فإن قيل: قد رَوَى الطبراني عن عائشة مثل هذا الحديث، فهل يَتَقَوَّى به؟ قلت: لا؛ لأن في إسناده إبراهيم بن محمد الأسلمي، وهو ضعيف جداً، فمثله لا يُتَقَوَّى به"4.
فالحاصل: أن النهي عن صيام يوم عرفة بعرفة لا يصحُّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن صحَّ من فعله أنه أفطر في ذلك اليوم، وذلك من حديث أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها: "أن ناساً تَمَارَوا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فَأَرْسَلَتْ إليه بَقَدَحِ لبنٍ وهو واقف على بعيرِه فَشَرِبَه". أخرجه البخاري في (صحيحه)5.
قال العقيلي: "وقد رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جياد أنه لم يَصُم
1 سنن البيهقي: (5/117) .
(3/173) ح 2349.
3 الأسلمي، أبو إسحاق المدني، متروك، من السابعة، مات سنة 184هـ/ ق. (التقريب 93) .
4 السلسلة الضعيفة: (1/398) .
5 ك الصوم، باب صوم يوم عرفة ح 1988 (فتح الباري 4/236) .
يوم عرفة، ولا يصح عنه أنه نهى عن صومه"1.
وقال البيهقي - بعد أن أخرج حديث أبي هريرة المتقدم -: "وفي حديث أمِّ الفَضْلِ كفاية"2.
وبذلك يكون ابن القَيِّم رحمه الله قَدْ أَصَابَ في تضعيفه حديث أبي هريرة هذا، والله أعلم.
1 الضعفاء: (1/298) .
2 سنن البيهقي: (5/117) .