الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12- باب فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم
ذكر ابن القَيِّم رحمه الله فضلَ مكة، والبيت الحرام، وأنه أَفْضَلُ بقاع الأرض على الإطلاق، فقال: "وَثَبَتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، ففي (سنن النسائي) ، و (المسند) بإسناد صحيح، عن:
60 -
(15) عبد الله بن الزبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"صلاة في مَسْجِدي هذا أفضل من أَلف صلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ، إلا المسجدَ الحرامَ، وصلاةٌ في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مَسْجِدي هذا بمائة صلاةٍ ". ورواه ابن حبان في صحيحه1.
قلت: هذا الحديث أخرجه: أحمد في (مسنده) 2، وابن حبان في (صحيحه) 3، والبيهقي في (سننه) 4، وابن عبد البر في (التمهيد) 5، كلهم من طريق: حَمَّاد بن زيد، عن حبيب الْمُعَلَّم6.
1 زاد المعاد: (1/48) .
(4/5) .
3 الإحسان: (3/71) ح 1618.
(5/246) .
(6/25) .
6 أبو محمد البصري، مولى معقل بن يسار، اختلف في اسم أبيه، فقيل: زائدة، وقيل: زيد، صدوق، من السادسة، مات سنة 130 هـ / ع. (التقريب 152) .
وأخرجه الطيالسي في (مسنده) 1 عن: الربيع بن صبيح2. كلاهما - حبيب والربيع - عن:
عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن الزبير، عن النبي صلى الله عليه وسلم به، ووقع عند الطيالسي قول عطاء: "بينما ابن الزبير يخطبنا إذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
" الحديث، قال عطاء في آخره: "فكأنه مائة ألف". وعند ابن حبان: "وَصَلاةٌ في ذاكَ أَفْضَل من مائةِ صلاةٍ في هذا ".
وعزاه الهيثمي في (مجمع الزوائد) 3 لأحمد، والطبراني، والبزار، وأما ما قاله ابن القَيِّم رحمه الله من أن هذا الحديث في (سنن النسائي) فإنني لم أقف عليه فيه بعد البحث، ولا هو في (السنن الكبرى) له فيما بحثت، ولم يذكره المزيُّ في (تحفة الأشراف) في مسند ابن الزبير، فلعله سبق قلم من ابن القَيِّم رحمه الله.
وإسناد هؤلاء الجماعة - ما عدا الطيالسي - صحيح على شرط الشيخين، وإلى ذلك أشار الهيثمي رحمه الله، فقال:"ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح"4.
ولكن رُوِيَ هذا الحديث عن عطاء من وجهٍ آخر موقوفاً على
1 ح (1367) .
2 السَّعْدِي، البصري، صدوق سيء الحفظ، وكان عابداً مجاهداً، من السابعة، مات سنة 160هـ / خت ت ق. (التقريب 206) .
(4/4 - 5) .
4 مجمع الزوائد: (4/4-5) .
ابن الزبير، أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) 1 عن: ابن جريج. وابن عبد البر في (التمهيد) 2 من طريق: حجاج بن أرطاة3، كلاهما عن: عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن الزبير موقوفاً عليه. ولفظ عبد الرزاق: عن عطاء، أنه سمع ابن الزبير يقول على المنبر:"صلاة في المسجد الحرام خيرٌ من مائة صلاة فيما سواه من المساجد". قال: ولم يُسَمِّ مسجد المدينة، فَيُخَيَّلُ إليَّ أَنَّمَا يريد مسجد المدينة. ولفظ ابن عبد البر:"الصلاة في المسجد الحرام تفضل على مسجد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بمائة ضِعْفٍ". قال عطاء: فنظرنا في ذلك، فإذا هي تفضل على سائر المساجد بمائة ألف ضِعْفٍ.
قال ابن عبد البر: "هكذا رواه عطاء بن أبي رباح، عن عبد الله بن الزبير، واخْتُلِفَ في رفعه عن عطاء
…
وَمَنْ رَفَعَهُ عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أحفظ وأثبت من جهة النقل. وهو أيضاً صحيح في النظر؛ لأنَّ مثله لا يُدْرَكُ بالرأي، ولا بد فيه من التوقيف، فلهذا قلنا: إن مَنْ رَفَعَهُ أولى، مع شهادة أئمة الحديث لِلَّذي رفعه بالحفظ والثقة"4. وقال أيضاً:"ولكن الحديث لم يُقِمْهُ ولا جَوَّدَهُ إلا حبيب المعلم، عن عطاء، أقام إسناده، وجود لفظه"5. وقال: "فأسند حبيب المعلم هذا الحديث وَجَوَّدَهُ،
(5/121) ح 9133.
(6/23) .
3 ابن ثور بن هبيرة، النخعي، أبو أرطاة الكوفي، القاضي، أحد الفقهاء، صدوق كثير الخطأ والتدليس، من السابعة، مات 145هـ/ بخ م4. (التقريب 152) .
4 التمهيد: (6/23) .
5 المصدر السابق: (6/ 24) .
ولم يُخَلِّطْ في لفظه ولا معناه، وكان ثقة"1. ثم أخذ في نقل أقوال الأئمة في توثيق حبيب. ثم قال: "ولم يُرو عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهٍ قَوىٍّ ولا ضعيف، ما يعارض هذا الحديث، ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم. وهو حديث ثابت لا مطعن فيه لأحدٍ، إلا لِمُتَعَسِّفٍ لا يُعَرَّجُ على قوله في حبيب المعلم
…
وقد رواه الحجاح بن أرطاة، عن عطاء، مثل رواية حبيب المعلم سواء"2.
قلت: وقد تابعَ حبيباً على رفعه الربيع بن صبيح، كما تقدم عند الطيالسي، ومع ذلك، فإنه لا يمتنع أن يكون رُوِيَ عن ابن الزبير على الوجهين، فمع أنه كان عنده مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه كان ربما لا يرفعه، وبخاصة أنه قاله في خطبة له على المنبر، وإلا فإنه مما لا مجال فيه للرأي، ولابدَّ فيه من توقيف كما تقدم في كلام ابن عبد البر رحمه الله. ويؤكده: أن حجاج بن أرطاة قد روى المرفوع أيضاً، فدلَّ ذلك على أن الحديث عن ابن الزبير على الوجهين.
فَتَلَخَّص من ذلك: أن الحديث صحيح الإسناد، كما قال ابن القَيِّم رحمه الله، ولا مطعن لأحدٍ فيه، وما رُوي من ذلك موقوفاً على ابن الزبير لا يُعَلُّ به المرفوع، فإما الجمع بينهما، أو ترجيح المرفوع، وهو ظاهرٌ، والله تعالى أعلم.
1 التمهيد: (6/25) .
2 المصدر السابق: (6/26) .