المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌8- باب أول ما يقع من الإنسان على الأرض عند السجود - ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها - جـ ٢

[جمال بن محمد السيد]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الثاني: آراء ابن القيم ومنهجه في الحديث وعلومه

- ‌الفصل الثالث: منهج ابن القيم في تخريج الحديث والحكم عليه

- ‌المبحث الأول: منهج ابن القيم في تخريج الحديث وعزوه

- ‌المبحث الثاني: فِي بَيَانِ مَنْهَجِهِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الحديث

- ‌الفصل الربع: منهج ابن القيم في شرح الحديث، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه

- ‌المبحث الأول: منهجه في شرح الحديث، وبيان معانيه

- ‌المبحث الثاني: مَنْهَجُهُ في بَيَانِ غَرِيبِ الحَدِيثِ

- ‌المبحث الثالث: مَنْهَجُهُ في التعريفِ ببعضِ الأماكنِ والبقاعِ التي تَرِدُ في النصوص الحديثية، وضبط ذلك

- ‌المبحث الرابع: مَنهَجُهُ في الاستدلالِ بِالنُّصُوصِ الْحَدِيْثِيَّةِ عَلَى آرَائِهِ واخْتِيَارَاتِه

- ‌المبحث الخامس: مَنْهَجُهُ في التوفيقِ والجمعِ بينَ الأحاديث التي ظَاهِرُهَا التَّعَارض

- ‌الباب الثالث: دراسة جملة من الأحاديث المختارة مما تكلم عليه ابن القيم

- ‌المدخل

- ‌من كتاب الطهارة

- ‌1ـ باب ما جاء في الرخصة في استقبال القبلة عند الحاجة

- ‌2- باب وضع الخاتم عند دخول الخلاء

- ‌3- باب ما جاء في تخليل الأصابع عند الوضوء

- ‌4- باب من قال بالموالاة في الوضوء وعدم جواز تفريقه

- ‌5- بابُ الوضوء من مس الذكر

- ‌6- باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر

- ‌7 ـ باب الوضوء من لحم الإبل

- ‌8 - باب التوقيت في المسح على الخفين

- ‌9- باب من قال بعدم التوقيت في المسح على الخفين

- ‌10- باب ما جاء في مسح أعلى الخف وأسفله

- ‌ من كتاب الحيض

- ‌1- باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة

- ‌2- باب في المستحاضة: أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد

- ‌3- بابُ كفارة من أتى حائضا

- ‌ من كتاب الصلاة

- ‌1- باب ما جاء في رفع اليدين عند افتتاح الصلاة

- ‌2- باب ما يقال من الدعاء في افتتاح الصلاة

- ‌4- باب ترك القراءة خلف الإمام فيما يجهر فيه

- ‌5- باب من قال: لا يقرأُ المأمومُ خلف الإمام مطلقاً

- ‌6- باب في التأمين بعد الفاتحة، والجهر بها

- ‌7- باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌8- باب أول ما يقع من الإنسان على الأرض عند السجود

- ‌9- باب ما جاء في التشهد في الصلاة

- ‌10- باب في ذكر نوع آخر من التشهد

- ‌11- باب التسليم في الصلاة وما جاء في التسليمة الواحد

- ‌12- باب في صلاة الرجل وحده خلف الصف

- ‌13- باب ما جاء في صلاة الإمام جالسا

- ‌14- باب من ترك القصر في السفر

- ‌15- باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌من كتاب الزكاة

- ‌1- باب في عقوبة مانع الزكاة

- ‌من كتاب الصوم

- ‌1 ـ باب السواك للصائم

- ‌2- باب القبلة للصائم

- ‌3- باب ما جاء في الإفطار في السفر

- ‌5- باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال

- ‌ من كتاب الحج

- ‌1- باب الإهلال بعمرة من بيت المقدس

- ‌2- باب لا تنتقب المرأة المحرمة

- ‌3- باب لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين

- ‌4- باب في إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي

- ‌5- باب من قال: كان الفسخ لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة

- ‌6- باب النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس

- ‌7- باب من قال بجواز رمي الجمرة قبل طلوعِ الشمس للعذر

- ‌8 ـ باب من قال بجواز التضحية ثلاثة أيام بعد النحر

- ‌9- باب ما يستحب من ذبح صاحب النسيكة نسيكته بيده، وجواز الاستنابة فيه

- ‌10- باب ما جاء في طواف الإفاضة

- ‌11- باب الشرب من ماء زمزم

- ‌12- باب فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌من كتاب الجهاد

- ‌1 ـ باب ما جاء في حلية السيف

- ‌ من كتاب الجنائز

- ‌1- باب في الغسل من غسل الميت

- ‌2- باب ما جاء في المشي خلف الجنازة

- ‌3- باب ما جاء في القيام للجنازة

- ‌4- باب الصلاة على الجنازة في المسجد

- ‌5 - باب ما جاء في الصلاة على الطفل

- ‌6- باب ما جاء في الصلاة على الشهداء

- ‌7- باب ما جاء في تلقين الميت بعد دفنه

- ‌ من كتاب النكاح

- ‌1- باب في البكر لا تزوج إلا برضاها

- ‌2- باب ما جاء في العزل

الفصل: ‌8- باب أول ما يقع من الإنسان على الأرض عند السجود

‌8- باب أول ما يقع من الإنسان على الأرض عند السجود

قال ابن القَيِّم رحمه الله عند كلامه على صفة سجوده صلى الله عليه وسلم: "وكان صلى الله عليه وسلم يضعُ ركبتيه قبل يديه، ثم يديه بعدهما، ثم جبهته وأنفه، هذا هو الصحيح

" ثم ذكر ما يؤيد ذلك، ويدل عليه، وهو حديث:

24-

(9) وائل بن حجر رضي الله عنه، أنه قال:"رأيتُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيهِ قَبْل يديه، وإذا نَهَضَ رفع يديه قبل رُكْبَتَيْهِ".

ثم قال رحمه الله: "ولم يُرو في فعله ما يخالف ذلك"1.

وقال في موضع آخر: "وقد صححه ابن خزيمة، وأبو حاتم بن حبان، والحاكم"2.

قلت: هذا الحديث أخرجه أصحاب (السنن الأربعة) 3، والدارمي في (مسنده) 4، وابن خزيمة، وابن حبان في (صحيحهما) 5، والدارقطني،

1 زاد المعاد: (1/223) .

2 تهذيب السنن: (1/397) .

3 د: (1/524) ح 838، ك الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه؟. ت:(2/56) ك الصلاة، باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود. س:(2/206) ك الافتتاح، باب أول ما يصلُ إلى الأرض من الإنسان في سجوده، و (2/234) باب رفع اليدين عن الأرض قبل الركبتين. جه:(1/286) ح 882 ك إقامة الصلاة والسنة فيها، باب السجود.

(1/245) ح 1326 ك الصلاة، باب أول ما يقع من الإنسان على الأرض

5 خز: (1/318) ح626، و (1/319) ح629. حب: الإحسان: (3/190) ح1909.

ص: 268

والبيهقي في (سننيهما) 1، والحاكم في (المستدرك) 2، والحازمي في (الاعتبار) 3 كلهم من طريق:

يزيد بن هارون، عن شريك، عن عاصم بن كليب4، عن أبيه5، عن وائل بن حجر رضي الله عنه به.

والحديث بهذا الإسناد ضعيف لأجل شريك بن عبد الله؛ فإنه سيئ الحفظ، كثير الخطأ، يغلط في حديثه، كما شهد عليه بذلك غير واحد من أئمة النقد: كيحيى القطان، وابن معين، وأبي حاتم، والجوزجاني، وغيرهم6. ولذلك قال يحيى بن معين:"إذا خالف فغيره أحبُّ إلينا منه"7. وسيأتي من كلام الدارقطني مثل ذلك، وقد خُولف شريك في هذا الحديث، فرواه غيره على غير هذا الوجه كما سيأتي بيانه.

وقد أشار الأئمة إلى تفرد شريك به، فقال الترمذي:"حديث حسن غريب، لا نعرف أحداً رواه مثل هذا عن شريك". وفي بعض نسخ

1 قط: (1/345) ح 6. هق: (2/98) .

(1/226) .

(ص 80) باب ما ذكر في وضع اليدين قبل الركبتين.

4 ابن شهاب بن المجنون الجَرْمي، الكوفي، صدوقٌ رُمِيَ بالإرجاء، من الخامسة، مات سنة بضع وثلاثين ومائة/ خت م 4. (التقريب 286) .

5 كليب بن شهاب الجرمي، صدوق، من الثانية، ووهم من ذكره من الصحابة/ي 4. (التقريب462) .

6 انظر: الميزان: (2/270 - 271)، وتهذيب التهذيب:(4/333 - 337) .

7 الميزان: (2/270) .

ص: 269

الترمذي: "

غير شريك". وهو الأنسب. وقال في (العلل) 1: "قال يزيد - يعني ابن هارون -: لم يرو شريك، عن عاصم بن كليب إلا هذا الحديث الواحد". قال الترمذي عقبه: "

وشريك بن عبد الله كثير الغلط والوهم". وقال النسائي: "لم يقل هذا عن شريك غيرُ يزيد بن هارون"2. وقال الدارقطني: "تفرد به يزيد عن شريك، ولم يحدث به عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به"3.

وقال البيهقي: "هذا حديث يُعَدُّ في أفراد شريك القاضي"4. وقد حَكَمَ بتفرد شريك به أيضاً: البخاري، وابن أبي داود، كما في (التلخيص الحبير) 5.

وقد خُولف شريك - مع ذلك - في إسناد حديثه هذا، فأخرجه أبو داود في (سننه) 6، والبيهقي7 كذلك، من طريق: هَمَّام، عن شقيق8، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، ليس فيه ذكر "وائل بن حجر".

وأشار الترمذي رحمه الله إلى هذا المرسل، فقال: "وَرُوِيَ

(1/220 - 221) .

2 السنن: (2/234 - 235) .

3 السنن: (2/345) .

4 السنن: (2/99) .

(1/254) .

(1/524 - 525) ح 839.

(2/99) .

8 أبو ليث، مجهول، من السادسة /د. (التقريب 268) .

ص: 270

هَمَّام بن يحيى، عن شقيق

" ثم قال: "وشريك بن عبد الله كثير الغلط والوهم"1. فكأنه يشير إلى تقديم المرسل. وقال البيهقي: "

وإنما تابعه همام من هذا الوجه مرسلاً، هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين"2. وقال الحازمي - بعد أن حَسَّنَ حديث وائل المتصل-: "قال هَمَّام: وحدثنا شقيق

مرسلاً، وهو المحفوظ"3.

وحديث هَمَّامٍ هذا مع إرساله، فإن في إسناده رجلاً مجهولاً، وهو شقيق أبو ليث.

وقد رُوِي الموصول من وجه آخر عن وائل بن حجر رضي الله عنه، فأخرجه أبو داود في (سننه) 4، وكذا البيهقي5 من طريق: همام، عن محمد بن جُحادة6، عن عبد الجبار بن وائل7، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر صفة صلاته صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: "

فلما أراد أن يسجد، وقعت ركبتاه على الأرض قبل أن تقع كَفَّاه".

ولكنَّ هذه الطريق معلولة؛ فإن عبد الجبار لم يسمع من أبيه، أعَلَّهُ

1 علل الترمذي: (1/221) .

2 سنن البيهقي: (2/99) .

3 الاعتبار: (ص80) .

(1/524) ح 839.

(2/98) .

6 ثقة، من الخامسة، مات سنة 131 هـ / ع. (التقريب 471) .

7 ابن حُجْر، ثقة لكنه أرسل عن أبيه، من الثالثة، مات سنة 112 هـ / م 4. (التقريب 332) .

ص: 271

بذلك ابن حجر1. وقد نصَّ الأئمة على عدم سماعه من أبيه، فقال ابن معين: "لم يسمع من أبيه شيئاً، إنما كان يُحَدِّثُ عن أهل بيته عن أبيه"2. وقال البخاري: "لم يسمع من أبيه، وُلِدَ بعد موت أبيه"3. وقال ابن حبان: "ومن زعم أنه سمع أباه فقد وَهِمَ؛ لأن وائل بن حجر مات وأمه حامل به، ووضعته بعد موت وائل بستة أشهر"4. وقال بذلك غير هؤلاء5.

وأخرجه البيهقي6 أيضاً: عن محمد بن حجر، عن سعيد بن عبد الجبار7، عن عبد الجبار بن وائل، عن أمه، عن وائل بن حجر رضي الله عنه، أنه قال:"صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سَجَدَ وكان أولُ ما وصلَ إلى الأرض ركبتاه". فهل يصير الإسناد بذلك متصلاً؟

قال ابن حجر في (تهذيبه) 8 - عند ذكره شيوخ عبد الجبار بن وائل-: "

وعن أمه أم يحيى، وقيل: لم يسمع من أبويه". ولقائل أن يقول: لم يَجْزِمْ ابن حجر هنا بعدم سماع عبد الجبار من أمه، وإنما نقل

1 التلخيص الحبير: (1/254) .

2 تاريخ الدوري عن يحيى: (2/340) .

3 علل الترمذي: (2/619) .

4 الثقات: (7/135) .

5 انظر: تهذيب التهذيب: (6/105) .

6 السنن: (2/99) .

7 ابن وائل بن حجر، الحضرمي، الكوفي، ضعيف، من السابعة، مات سنة 158هـ / تمييز. (التقريب 238) .

(6/105) .

ص: 272

ذلك بصيغة تمريض، مما يجعل احتمال الضعف يتطرق إلى هذا القول؟

ويجاب عن ذلك: بأنه لو سُلِّمَ القول بالاتصال، فإنه يبقى الإسناد ضعيفاً من جهة أخرى؛ ذلك أن محمد بن حجر - ابن أخي سعيد بن عبد الجبار - ضعيف، قال أبو حاتم:"شيخ"1 وقال البخاري: "فيه نظر"2. وقال ابن حبان: "يروي3 عن عمه سعيد بن عبد الجبار، عن أبيه عبد الجبار، عن أبيه وائل بن حجر بنسخة منكرة

لا يجوز الاحتجاج به"4. وقال الذهبي: "له مناكير"5.

وعمه سعيد بن عبد الجبار - شيخه في هذا الإسناد - ضعيف أيضاً، قال النسائي:"ليس بالقويِّ"6.

فَتَبَيَّنَ من ذلك: أن هذا الإسناد دائر بين الانقطاع والضعف، لا ينفك عنه واحدٌ منهما.

فالحاصل: أن حديث وائل بن حُجْر هذا ضعيف؛ لِتَفَرّدِ شريك به، ومخالفة غيره له، ولا حُجَّةَ فيما ينفرد به، وما وُجِدَ من طرق أخرى لحديثه: فهي تدور بين الضعف والانقطاع.

1 الجرح والتعديل: (3/2/239) .

2 التاريخ الكبير: (1/1/69) .

3 بمعنى: "يُحَدِّث"، ولذلك قال:"بنسخة" فعدَّاها بالباء.

4 المجروحين: (2/273) .

5 الميزان: (3/511) .

6 الضعفاء والمتروكين: (ص52) .

ص: 273

وأما اعتماد ابن القَيِّم في ذلك على تصحيح الحاكم، وابن خزيمة، وابن حبان: فإنه مُعَارضٌ بتضعيف من ضَعَّفَهُ من الأئمة المتقدم كلامهم، ولم يقل أحدٌ: إن كلَّ ما أخرجوه في كتبهم صحيح، بل وُجِدَت عندهم أحاديث ضعيفة، على تفاوت بينهم، ومع ذلك: فإن قول الحاكم عقب هذا الحديث: "قد احتج مسلم بشريك

" غير مُسَلَّمٍ؛ لأن مسلماً لم يُخرج له إلا متابعة1. وسيأتي أن الحاكم رحمه الله لم يأخذ بحديث شريك هذا، مع تصحيحه إياه.

وقد ذكر ابن القَيِّم رحمه الله شاهداً لحديث وائل بن حجر، وهو حديث:

25-

(10) أنس رضي الله عنه، أنه قال:" رَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم انْحَطَّ بالتكبير، حَتَّى سَبَقَت رُكْبَتَاه يَدَيه".

عزا ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث للحاكم، ونقل عنه قوله:"على شرطهما، ولا أعلم له عِلَّة". ثم نقل عن أبي حاتم أنه أنكره، ثم قال:"وإنما أنكره - والله أعلم - لأنه من رواية العلاء بن إسماعيل العطَّار، عن حفص بن غياث، والعلاء هذا مجهول، لا ذكر له في الكتب السِّتة"2.

1 انظر: الميزان: (2/274) .

2 زاد المعاد: (1/228 - 229) .

ص: 274

قلت: هذا الحديث أخرجه الدارقطني في (سننه) 1، والحاكم في (المستدرك) 2، والبيهقي في (السنن) 3، والحازمي في (الاعتبار) 4 - من طريق الدارقطني - كلهم من طريق: العباس بن محمد الدوري، عن العلاء بن إسماعيل العطار، عن حفص بن غياث، عن عاصم الأحول، عن أنس رضي الله عنه، قال:" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ فحاذى بإبهاميه أذنيه، ثم ركع حتى اسْتَقَرَّ كل مفصل منه في موضعه، ورفع رأسه حتى استقرَّ كل مفصل منه في موضعه، ثم انحطَّ بالتكبير حتى سبقت ركبتاه يديه". هذا لفظ الدارقطني، والبيهقي. ولفظ الحاكم مثلهم إلا أنه ليس عنده قوله " ورفع رأسه

". ولفظ الحازمي مختصر، وهو الذي أورده ابن القَيِّم رحمه الله.

قال أبو عبد الله الحاكم: "إسناد صحيح على شرط الشيخين، ولا أعرف له عِلَّةً، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، كذا قالا رحمهما الله، وسكت عنه الحازمي مُؤَيِّدَاً!

ولكن الأمر على خلاف ذلك؛ فقد سُئِلَ عنه أبو حاتم؟ فقال: "هذا حديث منكر"5. وقال الدارقطني: "تفرد به العلاء بن إسماعيل، عن حفص بهذا الإسناد". وكذا قال البيهقي، زاد ابن حجر:"وهو مجهول"6.

(1/345) ح 7.

(1/226) .

(2/99) .

(ص 80) .

5 علل ابن أبي حاتم: (1/188) ح 539.

6 التلخيص الحبير: (1/254) .

ص: 275

والعلاء بن إسماعيل هذا لم أجد له ترجمةً فيما بين يديَّ من كتب الرجال، ولكن ذكره ابن حجر في (لسان الميزان) 1 فلم يزد على أن ذكر فيه قول ابن القَيِّم:"مجهول"، وكلمة أبي حاتم في نكارة هذا الحديث، ثم قال:"وخالفه عمر بن حفص بن غياث - وهو من أثبت الناس في أبيه - فرواه عن أبيه، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة وغيره، عن عمر موقوفاً عليه، وهذا هو المحفوظ".

فَلَتَخَّصَ من ذلك: أن هذا الحديث منكر بإسناد فيه رجلٌ مجهول، وقد تَفَرَّدَ به، فأنى له أن يكون على شرط الشيخين؟!

وإذا كان كذلك، فإنه لا قَيِّمة لهذا الشاهد في تقوية حديث وائل ابن حجر، بل إنه باقٍ على ضعفه.

ثم انتقل ابن القَيِّم بعد ذلك إلى الأحاديث التي تعارض حديث وائل بن حجر المتقدم، فذكر منها:

26 -

(11) حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"إذا سَجَدَ أَحَدُكُم، فَلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه".

قال ابن القَيِّم رحمه الله: "فالحديث - والله أعلم - قد وَقَعَ فيه وَهْمٌ من بضع الرواة؛ فإن أَوَّلَهُ يُخالف آخره، فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه، فقد بَرَكَ كما يبرك البعير، فإن البعير إنما يضع يديه أولاً"2.

(4/182 - 183) .

2 زاد المعاد: (1/223 - 224) .

ص: 276

ثم أخذ في الرد على من يقولون: إن رُكْبَتَي البعير في يديه، وأنه إذا بَرَك وضع ركبتيه أولاً، ولهذا نُهِيَ عن التشبه به. وأخذ رحمه الله في بيان فساد هذا القول، وأن ذلك غير معروف في اللغة، ثم ذكر بعد ذلك: أن البخاري، والترمذي، والدارقطني ضَعَّفُوا حديث أبي هريرة هذا1.

قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود، والنسائي في (سننيهما) 2، وأحمد، والدارمي في (مسنديهما) 3، والدارقطني والبيهقي في (سننيهما) 4، والبخاري في (التاريخ الكبير) 5، والحازمي في (الاعتبار) 6، كلهم من طريق:

عبد العزيز بن محمد الدَّراوردي7، عن محمد بن عبد الله بن حسن8، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه به. وعند الدارمي زيادة وهي: قيل لعبد الله - لعله الدارمي -: ما تقول؟ قال: "كله

1 زاد المعاد: (1/228) .

2 د: (1/525) ح 840. س: (2/207) .

3 حم: (2/381) . مي: (1/245) ؛ 1327.

4 قط: (1/344 - 345) ح 3، 4. هق:(2/99) .

(1/1/139) .

(ص 79) .

7 أبو محمد الجهني مولاهم، المدني، صدوق كان يُحَدِّثُ من كتب غيره فيخطئ، قال النسائي: حديثه عن عبيد الله العُمَري منكر، من الثامنة، مات سنة 186، أو 187 هـ / ع. (التقريب 358) .

8 ابن حسن بن علي الهاشمي، المدني، يلقب بـ "النفس الزكية"، ثقة، من السابعة، قتل سنة 145هـ، وكان خرج على المنصور، وغلب على المدينة، وتسمى بالخلافة، فقتل/ د ت س. (التقريب 487) .

ص: 277

طَيِّب"1. وقال: "أهل الكوفة يختارون الأول".

وأخرجه أبو داود - ومن طريقه البيهقي2 - والترمذي، والنسائي في (سننهم) 3 من طريق: عبد الله بن نافع4، عن محمد بن عبد الله بن حسن، بالإسناد السابق إلى أبي هريرة رضي الله عنه، لكن بلفظ:"يعمد أَحَدَكُم في صلاته فيبرك كما يبرك الجمل؟! " هكذا بدون ذكر تقديم اليدين.

وقد أَعَلَّ قومٌ حديث أبي هريرة هذا: فقال البخاري في ترجمة محمد بن عبد الله بن حسن: "ولا يتابع عليه، ولا أدري سمع من أبي الزناد أم لا؟ "5. وقال الترمذي عقبه: "حديث غريب، لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه". وقال الدارقطني: "تَفَرَّد به الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن حسن

"6. وقال الحازمي مثل قول الترمذي، وزاد: "وهو على شرط أبي داود، والترمذي، والنسائي، أخرجوه في كتبهم"7. وقدَّمَ عليه الخطابي حديث

1 لعل الدارمي رحمه الله يُنَبِّهُ بذلك إلى أن فِعْل ما هو خلاف الراجح لا ينبغي أن يكون موضع إنكار.

2 في سننه: (2/100) .

3 د: (1/525) ح 841. ت: (2/57) ح 269. س: (2/207) .

4 الصائغ المخزومي مولاهم، أبو محمد، المدني، ثقةٌ صحيح الكتاب، في حفظه لِيْنٌ، من كبار العاشرة، مات سنة 206هـ وقيل بعدها/ بخ م 4. (التقريب 326) .

5 التاريخ الكبير: (1/1/139) .

6 مختصر السنن للمنذري: (1/399) .

7 الاعتبار: (ص79) .

ص: 278

وائل بن حجر، فقال:"حديث وائل بن حجر أثبت من هذا"1.

والجواب عن ذلك:

- أما تفرد محمد بن عبد الله بن حسن به: فإن ذلك لا يَضُرُّه شيئاً؛ لأن محمداً ثقة، وثَّقَهُ النسائي2، وذكره ابن حبان في (الثقات)3. صحيح أنه ليس في الدرجة العليا من التوثيق - فإنني لم أر أحداً وثقه غير النسائي، مع كلام البخاري في سماعه من أبي الزناد، وذكر ابن أبي حاتم له في (الجرح والتعديل) 4 ساكتاً عنه، وإدخال الذهبي له في كتابه (المغني في الضعفاء) 5 - لكنه مع ذلك أحسن حالاً من شريك، راوي حديث وائل بن حجر المتقدم، وقد اختار الحافظ ابن حجر رحمه الله توثيقه، فقال: "ثقة". وقال ابن التركماني: "وقول البخاري: "لا يُتابع على حديثه". ليس بصريح في الجرح، فلا يعارض توثيق النسائي"6.

- وأما القول بعدم سماع محمد بن عبد الله هذا من أبي الزناد: فإن البخاري رحمه الله لم يجزم به كما مضى كلامه، وعلى فرض جزم البخاري بذلك، فإنما هو على مذهبه في اشتراط ثبوت اللقاء، قال

1 معالم السنن: (1/398) .

2 تهذيب التهذيب: (9/252) .

(9/40) .

(3 / 2 / 295) .

(2/596) .

6 الجوهر النقي: (2/100) .

ص: 279

الشيخ الألباني في (إرواء الغليل) 1: "وليس ذلك بشرط عند جمهور المحدثين، بل يكفي عندهم مجرد إمكان اللقاء، مع أمن التدليس

وهذا متوفر هنا، فإن محمد بن عبد الله لم يُعرف بتدليس، ثم هو قد عاصر أبا الزناد وأدركه زماناً طويلاً، فإنه مات سنة (145هـ) وله من العمر:(53) ، وشيخه أبو الزناد مات سنة (130) ، فالحديث صحيحٌ لا ريب فيه". كذا قال الشيخ الألباني، وقد تقدم رُجْحان مذهب البخاري في ذلك. وأما قول الدارقطني بتفرد الدراوردي به عن محمد بن عبد الله بن حسن: فليس كذلك، قال الحافظ المنذري: "وفيما قاله الدارقطني نظرٌ؛ فقد روى نحوه عبد الله بن نافع، عن محمد بن عبد الله بن حسن، وأخرجه أبو داود، والترمذي، والنسائي من حديثه"2.

قلت: وقد مضى قبل قليل تخريج هذا الطريق، وهو وإن كان أخصر من لفظ الدراوردي، إلا أنه يشهد له في الجملة، وقوله صلى الله عليه وسلم فيه:"يعمد أحدكم فيبرك في صلاته برك الجمل". يفسره حديث الدراوردي، وأن عدم التشبه بالبعير يقتضي تقديم اليدين في السجود.

ومما يؤكد عدم ثبوت العلل التي رُمي بها إسناد هذا الحديث: أنه قد صححه جماعة من الأئمة: فصححه عبد الحق، وقال:"إنه أحسن إسناداً من حديث وائل بن حجر"3. وقال النووي: "إسناده جَيِّد"4. وكذا قال

(2/79) .

2 مختصر السنن: (1/399) .

3 إرواء الغليل: (2/78) .

4 المجموع: (3/362) .

ص: 280

الزرقاني1. وقال الحافظ ابن حجر: "وهو أقوى من حديث وائل بن حُجْر"2. ورمز له السيوطي بالصحة3. وقال العلامة أحمد شاكر: "والظاهر من أقوال العلماء في تعليل الحديثين: أن حديث أبي هريرة هذا حديث صحيح، وهو أصحُّ من حديث وائل، وهو حديث قَوْلِيٌّ يرجح على الحديث الفِعْلِي

"4. وصححه كذلك الشيخ الألباني5.

وأما ما ذهب إليه ابن القَيِّم رحمه الله من القول بوقوع قلبٍ في حديث أبي هريرة هذا، وأنه وَقَعَ فيه وهمٌ من بعض الرواة، ولعله:"وليضعْ ركبتيه قبل يديه": فقد استدلَّ على ذلك بأمور، منها:

أولاً: أن أول الحديث يخالف آخره؛ وقد تقدم نقل كلامه في ذلك أول البحث.

ثانياً: أنه قد رُوي عن أبي هريرة - كما قال ابن القَيِّم رحمه الله بلفظ: " إذا سجد أحدكم، فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك كبروك الفَحْل". فيتأ يَّدُ بذلك ما ذهب إليه ابن القَيِّم من حدوث القلب في متنه6.

ثالثاً: أنه قد رُوي عن أبي هريرة - أيضاً - من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما

1 شرح المواهب: (7/320) .

2 بلوغ المرام مع سبل السلام: (1/316) ح 292.

3 الجامع الصغير مع فيض القدير: (1/373) ح 673.

4 التعليق على الترمذي: (2/58) .

5 الإرواء: (2/78) ، وتمام المنة (ص 193 - 196) .

6 زاد المعاد: (1/223 - 225) .

ص: 281

يوافق ذلك، وهو قوله:" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه". فهذا يوافق حديث وائل بن حجر المتقدم في حكاية فعله صلى الله عليه وسلم1.

رابعاً: أن حديث وائل بن حجر لم يُخْتَلفْ فيه، بينما حديث أبي هريرة قد اختلف فيه كما تقدم، فروي عنه ما يوافق حديث وائل بن حجر2.

فهذا أبرز ما استدل به ابن القَيِّم رحمه الله على تأكيد دعوى القلب في هذا الحديث، ورجحان البداءة بالركبتين.

والجواب عن ذلك من وجوه:

- أما قوله: إن أهل اللغة لا يعرفون أن ركبتي البعير في يديه: فغير صحيح، فقد قال ابن منظور: "وركبة البعير في يده

وركبتا يدي البعير: المفصلان اللذان يليان البطن إذا برك، وأما المفصلان الناتئان من خلف: فهما العرقوبان. وكل ذي أربع ركبتاه في يديه، وعرقوباه في رجليه"3. فإذا ثبت ذلك لغةً، فإن أول الحديث يوافق آخره ولا يخالفه، فيكون الساجد مأموراً بالنزول على يديه، مخالفاً بذلك فعل البعير الذي ينزل على ركبتيه، وحينئذٍ لا يكون لابن القَيِّم رحمه الله متعلق في ذلك من ناحية اللغة.

- وأما الحديث الذي ساقه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: " إذا

1 زاد المعاد: (1/223 - 225) .

2 تهذيب السنن: (1/400) .

3 لسان العرب: (ص 1714 - 1715) مادة: ركب.

ص: 282

سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه

": فحديث ضعيف لا تقوم بمثله حجة، أخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه) 1 - كما عزاه ابن القَيِّم، وعزاه أيضاً: إلى الأثرم في (سننه) - والبيهقي في (سننه) 2، من طريق:

محمد بن فضيل، عن عبد الله بن سعيد3، عن جَدِّهِ، عن أبي هريرة رضي الله عنه به. قال البيهقي عقبه:"إلا أن عبد الله بن سعيد المقبري ضعيف". وقال الحافظ ابن حجر: "ولكن إسناده ضعيف"4.

قلت: بل إنَّ هذا الإسناد شديد الضَّعْفِ؛ فإن عبد الله المقبري قال فيه أحمد، والفلاس، والدارقطني:"متروك". وكَذَّبَه يحيى بن سعيد، وقال الفلَاّس أيضاً:"منكر الحديث". وقال البخاري: "تركوه"5. فلا أدري كيف أورده ابن القَيِّم رحمه الله مورد الاحتجاج، مع معارضة الحديث الصحيح له؟ 6.

وقد قلبَ الشيخ الألباني هذه الدعوى - دعوى القلب - على ابن القَيِّم رحمه الله؛ فقال في حديث المقبري هذا: "وأحسنُ الظنِّ بهذا الْمُتَّهَم أنه أراد أن يقول: فليبدأ بيديه قبل ركبتيه - كما في الحديث

(1/263) .

(2/100) .

3 ابن أبي سعيد المقبري، أبو عبَّاد الليثي، مولاهم، المدني، متروكٌ، من السابعة/ت ق. (التقريب 306) .

4 فتح الباري: (2/291) .

5 تنظر أقوالهم هذه في (الميزان) : (2/429) .

6 مع أن ابن القَيِّم نفسه لم يرض بقول البيهقي في هذا الرجل: "ضعيف". فَتَعَقَّبَهُ قائلاً: "قلت: قال أحمد والبخاري: متروك"! (تهذيب السنن: 1/400) .

ص: 283

الصحيح - فانقلب عليه، فقال: بركبتيه قبل يديه"1.

- وأما ما استدل به ابن القَيِّم من رواية أبي هريرة أيضاً: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد بدأ بركبتيه": فيقال فيه ما قيل في الذي قبله، فقد ساقه ابن القَيِّم رحمه الله من رواية: ابن أبي داود، عن يوسف بن عدي، عن ابن فضيل

بالإسناد السابق بعينه: ففيه هذا المتروك "عبد الله بن سعيد الْمَقْبُرِيّ". فكيف تُعارَضُ الأحاديث الصحيحة بمثله؟!

فإذا ظهر ذلك، فإن حديث أبي هريرة رضي الله عنه يكون قد سَلِمَ من الإعلال سنداً ومتناً، وأن ابن القَيِّم رحمه الله لم يكن مصيباً في إعلاله إياه.

- وأما قوله بأن حديث أبي هريرة قد وقع فيه اختلاف واضطراب: فَيُجَاب عنه بأن ذلك ليس اضطراباً مؤثراً، وذلك لعدم تساوي وجوهه في القوة، فقد تقدم أن حديث أبي هريرة الذي يعارض حديث الباب ضعيف - بل شديد الضعف، لضعف عبد الله بن سعيد - فَيَتَرَجَّحُ عليه حديث أبي هريرة الذي فيه وضعُ اليدين قبل الركبتين، وإذا أمكن الترجيح زالت دعوى الاضطراب.

ثم إن حديث أبي هريرة رضي الله عنه له شاهد من رواية:

1 إرواء الغليل: (2/79) .

ص: 284

27-

(12) عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: " أَنَّه كَانَ يَضَعُ يَدَيْهِ قبل ركبتيه، ويقول: كَانَ النَّبِيُّ يَفْعَل ذلك".

ذكر ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث، ونقل فيه تصحيح الحاكم ولم يتعقبه بشيء1، ولكنه قال مرة: "وأما حديث ابن عمر: فالمرفوع منه ضعيف

"2.

وقال مرة أخرى: "حديث وائل بن حجر أثبت من حديث أبي هريرة وابن عمر"3.

قلت: هذا الحديث أخرجه ابن خزيمة في (صحيحه) 4، والدارقطني في (سننه) 5 من طريق: أصبغ بن الفرج6. وأخرجه الحاكم في (المستدرك) 7 - ومن طريقة البيهقي8 - من طريق: محرز بن سلمة9.

1 زاد المعاد: (1/228) .

2 تهذيب السنن: (1/400) .

3 الصلاة: (ص205) .

(1/318) ح 627.

(1/344) ح 2.

6 ابن سعيد الأموي مولاهم، الفقيه المصري، أبو عبد الله، ثقة، مات مستتراً أيام المحنة سنة 225هـ، من العاشرة/ خ د ت س. (التقريب 113) .

(1/226) .

8 السنن: (2/100) .

9 العدني، ثم المكي، صدوق، من العاشرة، مات سنة 234 هـ/ق. (التقريب521) .

ص: 285

والحازمي في (الاعتبار) 1 من طريق: ابن وهب، كلهم عن:

عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما به.

قال الحاكم أبو عبد الله: "صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي. وقال المنذري: "أخرجه الدارقطني في سننه بإسناد حسن"2. وقال ابن حجر: "صَحَّحَهُ ابن خزيمة"3. وقد جَعَلَهُ ابن حجر شاهداً لحديث أبي هريرة الماضي، فقال: "وهو - يعني حديث أبي هريرة - أقوى من حديث وائل بن حجر

؛ فإن للأول شاهداً من حديث ابن عمر

"4.

ومع ذلك، فقد قال الدارقطني رحمه الله عن حديث ابن عمر هذا:"وهذا تَفَرَّدَ به الدراوردي، عن عبيد الله". وقال مرة: "تفرد به أصبغ بن الفرج، عن عبد العزيز الدراوردي عن عبيد الله". نقل ذلك عن الدارقطني المنذري - ولم أقف عليه - ثم قال: "وأصبغ بن الفرج حَدَّثَ عنه البخاري في صحيحه محتجاً به

وعبد العزيز الدراوردي احتجَّ مسلم بحديثه في صحيحه، وأخرج البخاري حديثه في صحيحه مقروناً بعبد العزيز بن أبي حازم"5.

(ص79) .

2 مختصر السنن: (1/399) .

3 بلوغ المرام مع سبل السلام: (1/317) .

4 المصدر السابق.

5 مختصر السنن: (1/399) .

ص: 286

قلتُ: أما تَفَرُّد أصبغ بن الفرج به، فقد تقدم أنه تابعه عليه: محرز بن سلمة، وابن وهب، كلاهما عن الدراوردي به، ولذلك قال ابن حجر رحمه الله:"ولم يتفرد به أصبغ كما ترى"1.

ونظير قول الدارقطني هذا، ما قاله الحازمي رحمه الله، إذ قال:"هذا الحديث يُعَدُّ في مفاريد عبد العزيز، عن عبيد الله"2. قال الحافظ ابن حجر عقب قول الحازمي هذا: "وهذا أشبه بالصواب"3. يعني من قول الدارقطني: "تفرد به أصبغ بن الفرج".

وهذا من ابن حجر رحمه الله موافقة على القول بتفرد الدراوردي بهذا الحديث عن عبيد الله بن عمر، وقد تُكُلِّم في رواية الدراوردي عن عبيد الله4.

ولكن، لما كان للحديث شاهدٌ من رواية أبي هريرة كما تقدم، فإن تفرد الدراوردي عن عبيد الله هنا لا يضرُّ؛ لأن أصل الحديث ثابتٌ من وجه آخر.

وقد أعله البيهقي بعلة أخرى، فقال: "ولا أراه إلا وَهْماً - يعني رفعه -

والمشهور عن عبد الله بن عمر في هذا: ما أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري

" فساقه بإسناده إلى حماد بن زيد، عن أيوب،

1 تغليق التعليق: (2/328) .

2 الاعتبار: (ص79) .

3 تغليق التعليق: (2/328) .

4 تهذيب التهذيب: (6/354) .

ص: 287

عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال:" إذا سجد أحدكم فليضع يديه، فإذا رفع فليرفعهما، فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه"1.

ورَدَّهُ ابن التركماني، فقال: "وما عَلَّلَه به البيهقي

فيه نظر؛ لأن كلاًّ منهما معناه منفصل عن الآخر"2. وقال الحافظ ابن حجر: "ولقائلٍ أن يقول: هذا الموقوف غير المرفوع؛ فإن الأول في تقديم وضع اليدين على الركبتين، والثاني في إثبات وضع اليدين في الجملة"3.

فثبت بذلك أن حديث ابن عمر هذا: وإن أُعِلَّ بتفرد الدراوردي به، إلا أنه بانضمام حديث أبي هريرة إليه يتقوَّى، ولا يقلُّ بذلك عن درجة الحسن إن شاء الله.

فالحاصل: أن الراجح في ذلك هو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من النزول باليدين في السجود، أمراً منه صلى الله عليه وسلم وفعلاً، وأن ما جاء على خلاف ذلك فإنه لا يقوى على معارضته، حتى إن أبا عبد الله الحاكم مع كلامه في تقوية حديث وائل بن حجر في تقديم الركبتين، إلا أنه قال:"فأما القَلْبُ في هذا فإنه إلى حديث ابن عمر أَمْيَل، لرواياتٍ في ذلك كثيرة عن الصحابة والتابعين"4.

1 سنن البيهقي: (2/100 - 101) .

2 الجوهر النقي: (2/100) .

3 فتح الباري: (2/291) .

4 المستدرك: (1/226) .

ص: 288