الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4- باب من قال بالموالاة في الوضوء وعدم جواز تفريقه
5-
(5) عن خالد بن معدان، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:"أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي، في ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ1 قَدْرَ الدِّرْهَم لم يُصِبْهَا الماءُ، فَأَمَرَهُ النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعِيدَ الوضوء والصلاة".
بَحَثَ ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث، وأجاب عَمَّا أُعِلَّ به، وذلك في (كلامه على سنن أبي داود) 2، وسيأتي نقل كلامه في ذلك.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 3، والبيهقي كذلك في (سننه) 4 من طريق أبي داود. قال أبو داود: حدثنا حيوة بن شريح، حدثنا بقية5، عن بحير بن سعد6، عن خالد بن معدان7، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم به.
1 اللُّمْعَة في الأصل: القطعةُ من النَّبْتِ تأخذُ في اليبس، قال ابن الأعرابي:"وفي الأرض لمعة من خَلىً" أي: شئ قليل، والجمع: لِمَاعٌ ولُمِعٌ. وقيل للموضع الذي لا يصيبه الماء في الغسل أو الوضوء من الجسد: لَمْعَةٌ على التشبيه بالقطعة من النبت. (النهاية: 4/272)، و (المصباح المنير: 2/559) .
2 تهذيب السنن: (1/128-129) .
(1/121) ح175 ك الطهارة، باب تفريق الوضوء.
(1/83) .
5 ابن الوليد بن صائد بن كعب الكلاعي، أبو يحمد، صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، من الثامنة، مات سنة 197هـ/خت م 4. (التقريب 126) .
6 السحولي، أبو خالد الحمصي، ثقة ثبت، من السادسة /بخ 4. (التقريب 120) .
7 الكلاعي الحمصي، أبو عبد الله، ثقة عابد يرسل كثيراً، من الثالثة، مات سنة 103هـ، وقيل بعد ذلك /ع. (التقريب 190) .
وقد أُعِلَّ هذا الحديث بعلتين:
أولهما: أن في إسناده بقية بن الوليد، وفيه مقال. قال ذلك المنذري في (مختصر السنن)1.
العلة الثانية: أن راويه مجهول لا يُدْرَى من هو. أَعَلَّه بذلك ابن حزم2 وأَعَلَّه ببقية أيضاً.
وقد نَقَلَ ابن القَيِّم رحمه الله هاتين العلتين، ثم شَرَعَ في الجواب عنهما3 فقال:
"أما الأولى: فإن بقية ثِقَةٌ في نفسه صدوق حافظ، وإنما نُقِمَ عليه التدليس، مع كثرةِ روايته عن الضعفاء والمجهولين4 وأما إذا صَرَّحَ بالسَّمَاع فهو حُجَّةٌ5. وقد صَرَّحَ في هذا الحديث بسماعه له6، قال
(1/128) .
2 المحلى: (2/98) .
3 انظر: تهذيب السنن: (1/129) .
4 وقد نَصَّ أكثر من واحد من أئمة الشأن على قبول رواية بقية إذا رَوَى عن الثقات المعروفين، وترك روايته إذا روى عن الضعفاء والمجاهيل، منهم: أحمد بن حنبل، وابن معين، والعجلي، وأبو زرعة، وابن سعد وغيرهم. انظر حول ذلك:(تهذيب الكمال: 4/196-198) .
5 وقد ذكره ابن حجر في الطبقة الرابعة من طبقات المدلسين، وهم الذين اتفق على عدم قبول شيء من حديثهم إلا ما صرحوا فيه بالسماع. (طبقات المدلسين ص121) .
6 لكن تبقى عنعنته في شيخ شيخه؛ فإنه كان معروفاً بتدليس التسوية، وقد رَوَى هذا الحديث بالعنعنة في شيخ شيخه "خالد بن معدان" فينظر في ذلك، وقد يَجْبرُ ذلك كون روايات بقية عن "بحير بن سعد" لها مزيَّة عن غيرها؛ رُبَّمَا لنوع اختصاص له به، ولذا كان شعبة يحضُّ بقية على التحديث عنه فيقول له:"بَحِّر لنا، بَحِّر لنا". ويقول له: "أهد إلى حديث بحير" وهذا الحديث من روايته عنه، والله أعلم. (الميزان 1/338) .
أحمد في (مسنده) 1: حدثنا إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا بقية، حدثني بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
…
فذكر الحديث، وقال: فأمره أن يعيد الوضوء".
كذا قال ابن القَيِّم رحمه الله، وسبقه إلى هذا الجواب ابن دقيق العيد، على ما نقله عنه ابن الملقن في (البدر المنير) 2، لكن وقع عنده:(في المستدرك) بدل (مسند أحمد) ، وحمله ابن الملقن رحمه الله على أنه خطأ من الناسخ، بدليل أنه جاء به في (الإلمام) على الصواب. وقد تابع ابن دقيق العيد على ذلك: ابنُ حجر رحمه الله، لكنه قال:"في المسند والمستدرك تصريح بقية بالتحديث"3! ونقل ذلك عنه الشيخ الألباني في (إرواء الغليل) 4! كذا قالوا، وليس هذا الحديث في (المستدرك) ألبتة، كما نَبَّهَ على ذلك ابن الملقن رحمه الله، وبحثت أنا عنه كثيراً فلم أقف له على أثر فيه.
وأما قول ابن القَيِّم - ومن بعده ابن الملقن، ثم ابن حجر -: إنه في (المسند)"عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم". فلم أجده هكذا، وإنما هو عند الإمام أحمد بالإسناد الذي ساقه ابن القَيِّم:"عن بعض أصحاب النبي" فلينظر في ذلك؟
1 انظر: المسند: (3/424) .
2 جـ 1 (ق97/أ) .
3 التلخيص الحبير: (1/96) .
(1/127) .
ثم قال ابن القَيِّم رحمه الله: "وأما العلة الثانية1: فباطلة أيضاً على أصل ابن حزم، وأصل سائر أهل الحديث، فإن عندهم جهالةُ الصَّحَابِي لا تَقْدَح في الحديث؛ لثبوت عدالة جميعهم. وأما أصل ابن حزم: فإنه قال في كتابه في أثناء مسئلة: كلُّ نساءِ النبي صلى الله عليه وسلم ثقات فواضل عند الله عز وجل، مقدسات بيقين".
وما ذكره ابن القَيِّم في جوابه عن أصل ابن حزم: فإنه قاله بناءً على رواية أحمد التي ذكرها وفيها: "عن بعض أزواج النبي"، وقد قَدَّمْنَا أن رواية المسند التي أمامنا ليس فيها إلا ما يُوافِقُ رواية أبي داود المتقدمة وهو:"بعض أصحاب النبي".
وقد شاركَ ابن حزم في القول بهذه العلة: البيهقيُّ، فقال في (سننه) 2:"وهو مرسل". وكذا قال ابن القطان، كما في (البدر المنير) 3، و (التلخيص الحبير)4.
قلت: وما أَعَلُّوهُ به من جهالة راويه قد يكون له وجهٌ؛ حيث إن عَنْعَنَة التابعي عن رجل - أو جماعة - من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يَقْبَلْهَا بعضهم، فقال أبو بكر الصيرفي - من الشافعية -: "وإذا قال في الحديث بعض التابعين: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: لا يُقبل؛ لأني لا أعلم سمع التابعيُّ من ذلك الرجل؟ إذ قد يُحَدِّث التَّابِعِيُّ عن رجل وعن رجلين
1 وهي جهالة راويه.
(1/83) .
3 جـ 1 (ق97/أ) .
(1/96) .
عن الصحابي، ولا أدري: هل أَمْكَنَ لِقَاءَ ذلك الرجل أم لا، فلو علمت إمكانه منه لجعلته كَمُدْرِكِ العصر. وإذا قال: سمعت رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبِلَ؛ لأن الكل عدول". نقله عنه الحافظ العراقي في (التقييد والإيضاح) 1 ثم قال: "وهو حسنٌ مُتَّجِهٌ، وكلامُ من أَطْلَقَ قبوله محمول على هذا التفصيل، والله أعلم".
لكن نَازَعَهَما الحافظ ابن حجر رحمه الله، فقال في (النكت على ابن الصلاح) 2:"وفيه نظرٌ؛ لأن التابعيَّ إذا كان سالماً من التدليس حُمِلَتْ عنعنته على السماع".
ثم قال رحمه الله: "وإن قلت: هذا إنما يَتَأتَّى في حقِّ كبار التابعين الذين جُلُّ روايتهم عن الصحابة بلا واسطة، وأما صغارُ التابعين الذين جُلُّ روايتهم عن التابعين: فلابد من تحقيق إدراكه لذلك الصحابي، والفرض أنه لم يسمعه حتى يُعْلَم هل أدركه أم لا؟ فينقدحُ صِحَّة ما قال الصيرفي. قلت: سَلَامَتُهُ من التدليس كافية في ذلك؛ إذ مدار ذلك على قوة الظَّنِّ به، وهي حاصلة في هذا المقام"3.
وقد يُقال: خالد بن معدان كثيرُ الإرسال، وَوَصَفَهُ الحافظ الذهبي بالتدليس4، الأمر الذي قد يورث خشيةً من عنعنته هنا كما قرره الحافظ ابن حجر. لكن يُقال: قد جعله الحافظ ابن حجر رحمه الله في الطبقة
(ص 74) في نوع " المرسل ".
(2/ 562) .
3 النكت على ابن الصلاح: (2/ 563) .
4 طبقات المدلسين: (ص 62) .
الثانية من طبقات المدلسين، وهم الذين احتمل الأئمةُ تدليسهم لإمامتهم، وَقِلَّةِ تدليسهم في جنبِ ما رووا1. وقد قال أبو عبد الله الحاكم في (مستدركه) 2- عقب حديث أخرجه من طريقه عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:"خالد بن معدان من خيار التابعين، صَحِبَ معاذ ابن جبل فمن بعده من الصحابة، فإذا أَسْنَدَ حديثاً إلى الصحابة فإنه صحيحُ الإسنادِ، وإن لم يُخْرِجَاهُ".
وقد سَأَلَ الأثرمُ الإمام أحمد فقال: "هذا إسناد جيد؟ قال: جيد"3. وَقَوَّاه كذلك ابن التركماني4، وصححه الشيخ الألباني5.
ومع ذلك، فللحديث شاهدٌ من رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلاً تَوَضَّأَ فترك موضع ظُفْرٍ على قدمه، فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ارْجِعْ فَأَحسِن وضُوءَكَ". فرجع ثم صلى6.
فَظَهَرَ من ذلك أن حديث خالد بن معدان هذا ثابت، وأن ابن القَيِّم رحمه الله قد وُفِّقَ في رَدِّ العلل التي رُمِيَ بها الحديث على ما بَيَّناهُ من كلامه، مع وجود شاهد له في (صحيح مسلم) . والله أعلم.
1 طبقات المدلسين: (ص 62) .
(2/ 600) .
3 نقله ابن القَيِّم في تهذيب السنن: (1/129) . وانظر: البدر المنير: جـ1 (ق 97/أ)، والتلخيص الحبير:(1/96) .
4 الجوهر النقي: (1/ 83 - 84) .
5 إرواء الغليل: (1/ 127) ح 86.
6 أخرجه مسلم في صحيحه: (1/ 215) ح 243.