الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10- باب ما جاء في مسح أعلى الخف وأسفله
12-
(12) عَن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: "وَضَّأْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم في غزوةِ تبوك، فَمَسَحَ أَعْلَى الخُفِّ وَأَسْفَلَهُ".
ذكر ابن القَيِّم هذا الحديث، وبين أنه قد أُعِلَّ بأربع علل وهي:
1-
أن ثورَ بن يزيد لم يسمعه من رجاء بن حيوة، بل قال: حُدِّثْتُ عن رجاء.
2-
أنه مرسلٌ.
3-
أن الوليدَ بن مسلم عَنْعَنَهُ، وهو مُدَلِّسٌ.
4-
أن كاتبَ المغيرة لم يُسَم فيه، فهو مجهول.
ثم ذَكَرَ ابن القَيِّم رحمه الله أن هذه العلل يُمْكِنُ الجواب عنها، وَأَخَذَ في سرد هذه الأجوبة، وستأتي الإشارة إلى شيء من ذلك أثناء البحث.
ثم عَادَ ابن القَيِّم رحمه الله فَرَجَّحَ أن هذا الحديث معلولٌ، وأن الأئمة الكبارَ قد ضَعَّفُوهُ، وأن الأحاديثَ الصحيحةَ على خلافه، وأنَّ هذه العلل وإنْ كان بَعْضُهَا غير مُؤَثِّرٍ، فإن بَعْضَهَا الآخر مؤثرٌ مانع من تصحيح الحديث1.
1 تهذيب السنن: (1/124-126) .
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 1، والترمذي في (جامعه) 2، وفي (العلل) 3 له، وابن ماجه في (سننه) 4، وأحمد في (مسنده) 5، وابن الجارود في (المنتقى) 6، والدارقطني والبيهقي في (سننيهما) 7، والخطيب في (تاريخ بغداد) 8 من طرق، عن:
الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب9 المغيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم به.
واللفظُ الذي ذكرته هو لفظ أبي داود، والدارقطني، والبيهقي. وعند الترمذي، وابن ماجه، وابن الجارود:"أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مَسَحَ أَعْلَى الخُفِّ وأسفله".
وأما العلل التي أُعِلَّ بها الحديث، فَبَيَانُهَا كالتالي:
(1/116) ح 165 ك الطهارة، باب كيف المسح؟
(1/162) ح 97، باب ما جاء في المسح على الخفين: أعلاه وأسفله.
(1/179) .
(1/183) ح 550 باب في مسح أعلى الخف وأسفله.
(1/251) .
(ح 84) .
7 قط: (1/195) ح 6، 7. هق:(1/290) .
(2/135) .
9 هو: وَرَّاد، الثَّقفي، أبو سعيد أو أبو الورد، الكوفي، كاتب المغيرة ومولاه، ثقة، من الثالثة /ع. (التقريب 580) .
أولاً: أن ثورَ بن يزيد لم يسمعه من رجاء بن حيوة، قال أبو داود - عقب إخراجه -:"وبلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء". وكذا قال موسى بن هارون1. وإنما قال ثور بن يزيد: "حُدِّثْتُ عن رجاء بن حيوة". فَأَعَلَّه بذلك الأئمة: أحمد2، والبخاري3، والترمذي4، وغيرهم.
وقد أجاب ابن القَيِّم رحمه الله عن هذه العلة: بأن الدارقطني رواه وفيه تصريح ثور بن يزيد بتحديث رجاء له.
ولكنه جوابٌ فيه نَظَرٌ؛ قال ابن حجر رحمه الله: "ووقع في سنن الدارقطني ما يوهم رفع العِلَّة وهي: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، ثنا داود بن رشيد، عن الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، ثنا رجاء بن حيوة فذكره. فهذا ظاهره أن ثوراً سَمِعَهُ من رجاء فتزول العلة. ولكن رواه أحمد بن عبيد الصفار في (مسنده) ، عن أحمد بن يحيى الحلواني، عن داود بن رشيد فقال: عن رجاء، ولم يقل: حدثنا رجاء، فهذا اختلاف على داود يمنع من القول بِصِحَّة وصله، مع ما تَقَدَّمَ في كلام الأئمة"5. فَتَبَيَّنَ من ذلك أن هذه العِلَّةَ ثابتة لا تندفع.
ثانياً: أنه يُروى مرسلاً. وقد أشار إلى هذه الرواية الإمام أحمد،
1 التلخيص الحبير: (1/159) .
2 المصدر السابق.
3 علل الترمذي: (1/180) .
4 في جامعه: (1/163) .
5 التلخيص الحبير: (1/160) .
والدارقطني وغيرهما، قال الإمام أحمد:"ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي فقال: عن ابن المبارك، عن ثور: حُدِّثْتُ عن رجاء، عن كاتب المغيرة، ولم يذكر المغيرة. قال أحمد: وقد كان نعيم بن حَمَّاد حدثني به عن ابن المبارك كما حدثني الوليد بن مسلم عن ثور، فقلت له: إنما يقول هذا الوليد، فأما ابن المبارك فيقول: حدثت عن رجاء، ولا يذكر المغيرة. فقال لي نعيم: هذا حديثي الذي أُسْأَلُ عنه، فأخرجَ إليَّ كتابه القديم بخط عتيق، فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم: "عن المغيرة"، فأوقفته عليه، وأخبرته أن هذه الزيادة في الإسناد لا أصل لها، فجعلَ يقول للناس بعد وأنا أسمع: اضربوا على هذا الحديث"1.
وقال البخاريُّ لما سأله عنه الترمذي: "لا يصح هذا، روي عن ابن المبارك، عن ثور
…
عن كاتب المغيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً"2. وقال الدارقطني: "
…
لا يثبتُ؛ لأن ابنَ المبارك رواه عن ثور بن يزيد مرسلاً"3.
وقال ابن القَيِّم رحمه الله وهو يُرَجِّحُ القولَ بضعفه مؤكداً إعلاله بالإرسال -:"وقد تَفَرَّدَ الوليد بن مسلم بإسناده ووصله، وخَالَفَهُ من هو أحفظُ منه وأجلُّ، وهو الإمام الثبت عبد الله بن المبارك، فرواه عن ثور، عن رجاء وإذا اختلفَ عبد الله بن المبارك والوليد بن المسلم،
1 التلخيص الحبير: (1/159) .
2 علل الترمذي: (1/180) .
3 علل الدارقطني: جـ 2 (ق 100) .
فالقول ما قال عبد الله"1.
فَتَبَيَّنَ من ذلك أن الصَّوابَ في هذا الحديث: أنه مُرسل، وأنَّ من وصله قد أخطأ.
ثالثاً: تدليس الوليد بن مسلم: وقد أجاب ابن القَيِّم عن هذه العلة بأن رواية أبي داود من طريق: "محمود بن خالد الدمشقي، حدثنا الوليد، أخبرنا ثور بن يزيد". فقد أُمْنَ بذلك تدليسُ الوليد.
قلت: وكذلك في رواية الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم، ثنا ثور. وعند ابن ماجه من طريق هشام بن عمار: عن الوليد، حدثنا ثور.
رابعاً: جهالة كاتب المغيرة: وهذه العلَّة لم يقل بها أحدٌ سوى ابن حزم2 رحمه الله، وقد بَيَّنَ ابن القَيِّم أنه في رواية ابن ماجه التصريح باسمه، وأنه "وَرَّاد"، وقد خُرِّجَ له في (الصحيحين)، وإنما تُرِكَ ذكر اسمه في هذه الرواية لشهرته وعدم التباسه بغيره. قال ابن القَيِّم:"ومن له خِبْرَةٌ بالحديثِ ورواته لا يَتَمَارَى في أنه وَرَّاد كاتبه"3.
فظهرَ أنَّ العِلَّتين الثالثة والرابعة لا أثرَ لهما، وإنما التأثيرُ للعلتين الأولى والثانية، وهما: أن الصواب إرساله، وأنه منقطع بين ثور بن يزيد ورجاء بن حيوة، وهاتان العلتان هما اللتان ذكرهما الحفاظ وأعلوا بهما الحديث.
1 تهذيب السن: (1/126) .
2 المحلى: (2/156) .
3 تهذيب السنن: (1/125) .
فقد ضَعَّفَهُ الأئمة: أحمد، وأبو داود، والترمذي، والبخاري، وموسى بن هارون، والدارقطني، وقد مضىكلامهم. وَضَعَّفَهُ أيضاً: أبو زرعة1، وقال أبو حاتم:"ليس بمحفوظ، وسائر الأحاديث عن المغيرة أصحُّ"2 وَضَعَّفَهُ ابن حزم3وابن الجوزي4 مستشهداً بكلام الأئمة السابقين، وقال الشيخ الألباني:"ضعيف"5.
فَتَلَخَّصَ: أن ابن القَيِّم قد أصاب حينما اختار ضَعْفَ هذا الحديث، واستندَ في ذلك إلى ما يلي:
1-
مخالفةُ الأحاديث الصحيحة الكثيرة له.
2-
أنَّ العِلَلَ التي أُعِلَّ بها منها ما هو مانعٌ من صحته؛ كالقول بانقطاعه وإرساله6.
ويؤكد ابن القَيِّم رحمه الله ضعف هذا الحديث في مناسبة أخرى فيقول: "وكان يمسح ظاهرَ الْخُفَّين، ولم يصح عنه مَسْح أسفلهما إلا في حديث منقطع، والأحاديث الصحيحة على خلافه"7.
1 علل الترمذي: (1/180) .
2 علل ابن أبي حاتم: (1/54) ح 135.
3 المحلى: (2/155-156) .
4 العلل المتناهية: (1/360) ح 594.
5 ضعيف ابن ماجه: (ح 120) .
6 تهذيب السنن: (1/125-126) .
7 زاد المعاد: (1/199) .