الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4- باب في إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي
49-
(4) عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"هَذِهِ عُمْرَةُ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا، فَمَنْ لم يَكُنْ عِنْدَهُ هَدْيٌ فَلَيُحِلَّ الحِلَّ كُلَّهُ، وقد دَخَلَتْ العمرةُ في الحَجِّ إلى يومِ القِيَامَةِ ".
قال أبو داود: "هذا منكر، إنما هو قول ابن عباس".
50-
(5) وعن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:"إِذَا أَهَلَّ الرَّجُلُ بِالْحَجِّ، ثُمَّ قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالمروة، فقد حَلَّ، وهي عُمْرَةٌ ".
تناول ابن القَيِّم رحمه الله هذين الحديثين بالكلام، فقال:"وقوله: "دخلتِ العمرةُ في الحجِّ إلى يوم القيامةِ". لا ريب في أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل أحدٌ إنه من قول ابن عباس، وكذلك قوله: "هَذِه عمرةٌ تَمَتَّعْنَا بهَا ". وهذا لا يشكُّ فيه من له أدنى خبرة بالحديث".
ثم قال معلقاً على الحديث الثاني منهما:
"والتعليل الذي تَقَدَّمَ لأبي داود في قوله: "هذا حديث منكر". إنما هو لحديث عطاء هذا، عن ابن عباس يرفعه
…
؛ فإن هذا قول ابن عباس الثابت عنه بلا ريبٍ، رواه عنه أبو الشعثاء، وعطاء، وأنس بن سليم وغيرهم من كلامه، فانقلبَ على النَّاسخ، فَنَقَلَهُ إلى حديث
مجاهد عن ابن عباس، وهو إلى جانبه، وهو حديثٌ صحيحٌ لا مَطْعَنَ فيه ولا عِلَّةَ، ولا يُعَلِّلُ أبو داود مِثْلَهُ، ولا مَنْ هو دون أبي داود، وقد اتَّفَقَ الأئمةُ الأثبات على رفعه"1.
قلت: أما حديث مجاهد، عن ابن عباس: فقد أخرجه مسلم في (صحيحه) 2، وأبو داود، والنسائي في (سننيهما) 3، وأحمد، والطيالسي، والدارمي في (مسانيدهم) 4، والطبراني في الكبير5، والبيهقي في (سننه) 6، من طرق: عن: شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس به.
وأخرجه الطبراني في (الكبير) 7 من طريق: أبي مريم، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال:"إنما جَعَلَهَا النبي صلى الله عليه وسلم عمرةً؛ فإنهم قدموا مكة قبل عرفة بأربع ليالٍ، فَكَرِهَ أن يمكث المسلمون أربع ليالِ لا يطوفون بالبيت، وعلم أنهم إذا طافوا بالبيت حلُّوا، إلا من كان ساق هدايا، فقال: "عمرةٌ استمتعنا بها - ثلاث مرات - ثم دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة".
1 تهذيب السنن: (2/314 - 316) .
(2/911) ح203 (1241) بابُ جواز العمرة في أشهر الحجِّ.
3 د: (2/387) ح1790 باب إفراد الحجِّ. س: (5/181) باب إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي.
4 حم: (1/236، 341) . طس: (ح2642) . مي: (1/379) ح1863، باب من اعتمر في أشهر الحج.
(11/60) ح11045.
(5/18) .
(11/61) ح11046.
وأخرجه الترمذي في (جامعه) 1 من طريق: يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم مختصراً، ولفظه:"دخلت العمرة في الحجِّ إلى يوم القيامة ".
وأما طَعْنُ أبي داود في هذا الحديث، وقوله:"إنه منكرٌ، وأن الصحيح: موقوف على ابن عباس" فقد رده المنذري رحمه الله، فقال:"وفيما قاله أبو داود نظرٌ؛ وذلك أنه قد رواه: الإمام أحمد بن حنبل، ومحمد بن المثني، ومحمد بن بشار، وعثمان بن أبي شيبة، عن محمد جعفر، عن شعبة مرفوعاً. ورواه أيضاً: يزيد بن هارون، ومعاذ بن معاذ العَنْبَريِّ، وأبو داود الطيالسي، وعمرو بن مرزوق، عن شعبة مرفوعاً، وتقصير من يُقَصِّرُ به من الرواةِ لا يُؤَثِّرُ فيما أَثْبَتَهُ الحُفَّاظ"2.
وقد ذهب ابن القَيِّم - كما مضى من كلامه - إلى أن تعليل أبي داود هذا إنما هو لحديث عطاء الذي بعده، وأن الناسخ نقله إلى هذا الحديث، ثم قال رحمه الله:"والمنذري رحمه الله رأى ذلك في السنن، فنقله كما وجده"3.
قلت: ويُقَوِّي ما ذهب إليه ابن القَيِّم: أنني لم أر - بعد البحث - أحداً نقل كلمة أبي داود هذه، مؤيداً لها أو منتقداً: كالمزي في (تحفة الأشراف) 4، وابن الأثير في (جامع الأصول) 5، ولا انتقده الدارقطنيُّ
(3/262) ح932.
2 مختصر السنن: (2/314 - 315) .
3 تهذيب السنن: (2/316) .
(5/216) .
(3/136) .
فيما تتبعه من أحاديث مسلم، ومثله لا يَسْكُتُ النسائيُّ عن ذكر عِلَّتَهُ وقد أخرجه، وكذا البيهقي فإنه عادةً ما يُنَاقِشُ مثل هذا، فالظاهر - والله أعلم - صِحَّة ما ذهب إليه ابن القَيِّم، وأن الحديث صحيح رفعه، ولا وجه لإعلاله.
ثم رأيت الحافظ ابن حجر رحمه الله يقول في (الدراية) 1: "رواته ثقات، إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه"! ولَعَلَّهُ بَنَى حكمه هذا على مقالة أبي داود المتقدمة، فإن كان الأمر كذلك فقد عُرِفَ ما فيها.
وأما الحديث الآخر الذي رواه عطاء، عن ابن عباس: فقد أخرجه أبو داود في (سننه) 2 من طريق: عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن النَّهَّاس3، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تقدم من كلام ابن القَيِّم أن إعلال أبي داود الماضي: إنما المقصود به حديث عطاء هذا.
وقد أَعَلَّ المنذري حديث عطاء هذا "بالنهاس"، فقال: "في إسناده النهاس بن قهم
…
ولا يحتجُّ بحديث"4.
قلت: ولا يبعد أن يكون الخطأ في هذا الحديث منه، فقد قال عنه
(2/34) ح 489.
(2/388) ح 1791.
3 ابن قهم، القيسي، أبو الخطاب، البصري، ضعيف، من السادسة/ بخ د ت ق. (التقريب 566) .
4 مختصر السنن: (2/315) .
يحيى بن سعيد: "
…
وكان يروي عن عطاء، عن ابن عباس أشياء منكرة"1.
فَتَلَخَّص من ذلك: صِحَّةَ حديث مجاهد، عن ابن عباس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه لا وجه للطَّعْنِ فيه، وأن حديث عطاء، عن ابن عباس ضعيف، والله أعلم.
1 تهذيب التهذيب: (10/478) .