الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: مَنهَجُهُ في الاستدلالِ بِالنُّصُوصِ الْحَدِيْثِيَّةِ عَلَى آرَائِهِ واخْتِيَارَاتِه
لقد كان ابن القَيِّم رحمه الله في بحوثهِ وآرائهِ وتقريراتهِ، يعتمد اعتماداً كبيراً - مع القرآن - على النصوصِ الحديثية، يستدل بها على ما يذهب إليه ويراه صواباً، ويردُّ بها على المخالفين ويدحض بها دعاواهم.
وكان من أهم السمات التي ميزت منهجه في سياق الأدلة، والاستنباط منها، وبيان أوجه الدلالة فيها، ما يلي:
1-
كان ابن القَيِّم رحمه الله يعرضُ القضيةَ التي يريدُ تقريرها، أو الرأيَ الذي يختاره ويذهب إليه، ثم يسوقُ الأدلة على ذلك:
- فيقول مثلاً: "وكان هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم في ابتداء السلام أن يقول: السَّلام عليكم ورحمة الله. وكان يَكْرَهُ أن يقولَ المبتدئ: عليك السلام. قال أبو جُزَيّ الهُجَيمِي: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: عليكَ السَّلام يا رسول الله. فقال: "لا تَقُلْ عَلَيك السَّلام؛ فإن عَليك السلام تحية الموتى" 1.
- وقال: "للصوم تأثيرٌ عجيبٌ في حفظِ الجوارحِ الظاهرةِ، والقوى الباطنة
…
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الصَّوم جُنَّة"2.
- وقال مرة: "وبالجملة: فَتَنْبيهُ الشَّارع وحكمته يقتضي أن الفِطْرَ لأجل الجهاد أولى منه لمجرد السفر، فكيف وقد أشار إلى العلة، وَنَبَّهَ
1 زاد المعاد: (2/420) .
2 زاد المعاد: (2/29) .
عليها، وَصَرَّحَ بِحُكْمِهَا، وَعَزَمَ عليهم بأن يفطروا لأجلها. ويَدُلُّ عليه: ما رواه عيسى بن يونس، عن شعبة، عن عمرو بن دينار قال: سمعت ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم فتح مكة: "إِنَّهَ يَومُ قِتَال فَأَفْطِرُوا "1.
ففي هذه الأمثلة وغيرها: نرى أَنَّ ابن القَيِّم رحمه الله يُقَرِّرُ المسألة، أو يضعُ القاعدة، أو يُبَوِّبُ الباب، ثم يسوقُ لذلك الأدلة من الأحاديث النبوية.
2-
ومع ذلك، فإنه - في مواطن أخرى - يقومُ بإيراد الحديث في مطلع كلامه، ثم يَتَكَلَّمُ عن أحكامه، وفقهه، ووجه الاستدلال منه، فمن ذلك:
- أَنَّه عند كلامه على حكمِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في حضانة الولد: ساقَ جملة أحاديث في الباب، ثم بدأَ في الكلامِ على الأحكام التي تشتمل عليها هذه الأحاديث2.
- وعند كلامه على أحكام الرضاعة، وما يحرمُ بها: ذكر أحاديث عِدَّة، ثم قال: "فَتَضَمَّنَتْ هَذِه السُّنَنُ الثَّابِتَة أَحْكَامَاً عديدة
…
"3 ثم أَخَذَ في بيان هذه الأحكام.
1 زاد المعاد: (2/ 54) .
2 زاد المعاد: (5 / 432 - 465) فما بعدها.
3 زاد المعاد: (5/ 552 - 556) .
- وَكَذَا صَنَع في الكلام على حكم استبراءِ المرأة من السبي قبل وطئها1.
3-
ومما تميز به ابن القَيِّم رحمه الله في هذا الباب: الإكثار من الأدلة التي يوردها للمسألة الواحدة:
- فعند كلامه على صِفَةِ حَجَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّه أَحْرَمَ قَارِنًا لبضعة وعشرين حديثاً صحيحة صريحة في ذلك"2.ثم أَخَذَ في سَرْدِهَا.
- وأورد ثمانية عشر حديثاً في إثبات عذاب القبر3.
- وَسَاق في بيان فضل السِّواك وتأكيده ثَمَانِيَة عشر حديثاً أيضاً4. والأمثلة على ذلك كثيرة جداً.
فهكذا كان رحمه الله: إذا تناول مسألةً، فَإِنَّهُ يورد في الاستدلالِ عليها قدراً كبيراً من الأحاديث النبوية على وجه الخصوص؛ إذ اعتماده في ذلك على النصوص في المقام الأول.
4-
لم يكتف ابن القَيِّم بِمُجَرَّدِ سَوْق النصوصِ الحديثية في معرض الاستدلال، بل إنه - في بعض الأحيان - يُبَيِّنُ وجه الاستدلال من النص
1 زاد المعاد: (5/ 711 - 745) .
2 زاد المعاد: (2/ 107 - 115) .
3 تهذيب السنن: (7/ 142 - 146) .
4 المنار المنيف: (ص 23 - 28) .
للمسألة المستدل لها، وبخاصة إذا لم تكن دلالة النص صريحة:
- فيقول مثلاً: عِنْد سِيَاقِه أَدِلَّة كفر تارك الصلاة -: "الدليلُ العاشر: قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا: فَهُوَ المسلم
…
" قال: "ووجه الدلالة فيه من وجهين
…
"1 فذكرهما.
وعلى ذلك أمثلة أخرى2.
5-
التَّدَرُّجُ في سياقِ الأدلةِ حسب قوتها وأهميتها، وقد مضى الكلام على ذلك عند عرض منهجه رحمه الله في التأليف3.
1 الصلاة: (ص 48) .
2 انظر مثلاً: الصلاة: (ص 19، 120، 121، 125) .
3 انظر (1/213) .