الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2- باب القبلة للصائم
42-
(3) حديث عَائشة رضي الله عنها: "أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَيَمُصُّ لِسَانَهَا".
ذكر ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث في (زاد المعاد) 1، وذكر أنه قد اخْتُلِفَ فيه، فَضَعَّفَهُ جماعة، وَحَسَّنَهُ آخرون. وتَكَلمَ عليه في (تهذيب السنن) 2 فلم يذكر إلا تضعيفه، فنقل عن أبي داود وعبد الحقِّ أنهما ضَعَّفَا إسناد هذا الحديث.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 3، وأحمد في (مسنده) 4 وابن خزيمة في (صحيحه) 5، والبيهقي في (سننه) 6، من طرق، عن:
محمد بن دينار7، عن سعد بن أوس8، عن مِصْدَع9، عن
(2/58) .
(3/263 - 264) .
(2/780) ح 2386 ك الصوم، باب الصائم يبلع الريق.
(6/123، 234) .
(3/246) ح 2003 ك الصوم، باب الرخصة في مصِّ الصائم لسان المرأة خلاف من كره القبلة للصائم على الفم.
(4/234) باب إباحة القبلة لمن لم تحرك شهوته، أو كان يملك إِرْبَهُ.
7 الأزدي، ثم الطَّاحي، أبو بكر بن أبي الفرات البصري، صدوق سيء الحفظ، ورُمِيَ بالقدر، وتغير قبل موته، من الثامنة / د ت. (التقريب 477) .
8 العدوي، أو العبدي، البصري، صدوق له أغاليط، من الخامسة / د ت س. (التقريب 230) .
9 أبو يحيى الأعرج المعرقب، مقبول، من الثالثة/ م 4. (التقريب 533) .
عائشة رضي الله عنها به.
وفي إسناد هذا الحديث جماعة مُتَكَلَّمٌ فيهم:
أولهم: محمد بن دينار الطاحي، وقد ذكر ابن القيم –رحمه الله– أنَّ عبد الحق ضَعَّفَ الحديث به، وأنَّ ابن عديّ ذهب إلى تفرده بلفظة "ويمص لسانها".
ومحمد هذا قد اختلفت فيه أقوال الأئمة، فقال ابن معين1، والنسائي2، وأبو حاتم3، والعجلي4:"لا بأس به". وقال أبو زرعة: "صدوق"5. وقال ابن معين في رواية معاوية بن صالح: "ضعيف"6. وفي سؤالات ابن الجنيد لابن معين7: سأله ابن الغلابي عنه؟ فقال: "ليس به بأس". فعاوده، فقال:"ليس بالقويِّ". وفيها - أيضاً - قول ابن معين: "ليس بذاك القويِّ"8. وقال النسائي مرة: "ضعيف"9. وقال أبو داود: "تَغَيَّرَ قبل أن يموت"10. وقال الدارقطني: "ضعيف". ومرة قال:
1 تهذيب التهذيب: (9/155) .
2 المصدر السابق.
3 الجرح والتعديل: (3/2/250) .
4 الثقات: ترتيب الهيثمي: (ص403) .
5 الجحر والتعديل: (3/2/250) .
6 الضعفاء للعقيلي: (4/63) .
(ص 409) .
8 المصدر السابق: (427) .
9 تهذيب التهذيب: (9/155) .
10 المصدر السابق.
"متروك"1. وقال العقيلي: "في حديثه وَهْمٌ"2. وقال ابن عدي: "حسن الحديث، وعامة حديثه يتفرد به"3. وقال الذهبي: "حَسَّنُوا أمره"4. وأما ابن حبان رحمه الله فإنه ذكره في (المجروحين) 5 وقال فيه: "كان يخطئ، لم يفحش خطؤه حتى استحق الترك، ولا سَلَكَ سنن الثقات مما لا ينفكُّ منه البشر فَيُسْلَك به مسلك العدول، فالإنصاف في أمره: تركُ الاحتجاج بما انفرد، والاعتبار بما لم يخالف الثقات، والاحتجاج بما وافق الأثبات" ولأجل ذلك فقد ذكره رحمه الله في (الثقات)6.
قلت: والأمر فيه على ما قال ابن حبان رحمه الله، ومن تَأَمَّلَ أقوال الأئمة فيه توثيقاً وتضعيفاً علم أن حاله لا يخرج عمَّا وصف ابن حبان؛ فإن الرجل صدوقٌ ليس في المرتبة العليا من التوثيق، كما يشعر به قول أكثرهم:"ليس به بأس"، وهو - مع ذلك - في حفظه خللٌ لا ينزل به إلى درجة ترك حديثه، فيكون حديثه في منزلة الحسن كما وصفه ابن عديّ، وَأَقَرَّهُ الذهبي، وذلك حيث يوافق غيره من أهل الضبط والعدالة، فإن خالف وانفرد بما لا يُتَابَعُ عليه طُرِحَت روايته، وهذا ما قَرَّرَهُ ابن حبان.
1 وكلا القولين في (سؤالات البرقاني للدارقطني) : (ص59) .
2 الضعفاء: (4/63) .
3 الكامل: (6/199) .
4 الكاشف: (3/36) .
(2/272) .
(7/419) .
ولما كانت هذه الزيادة وهي قوله: " ويمص لسانها" قد انفرد بها محمد بن دينار هذا - كما قرره ابن عدي، حيث قال:"قوله: ويمص لسانها. لا يقوله إلا محمد بن دينار"1. وقال الذهبي: "هذه اللفظة لا توجد إلا في هذا الخبر"2 - لما كان كذلك، فإن هذه اللفظة تكون ضعيفة بسبب ضعف محمد هذا. وقد ضَعَّفَهَا به غير واحدٍ كما سيأتي من كلامهم.
ثانيهم: مِصْدَع أبو يحيى، راويه عن عائشة رضي الله عنها، وقد اخْتُلِفَ فيه أيضاً، فقد وَثَّقَهُ العجلي3، وقال الجوزجاني:"كان زائغاً حائداً عن الطريق"4. لكن تَعَقَّبَه ابن حجر فقال: "والجوزجاني مشهور بالنصب والانحراف، فلا يقدح فيه قوله"5. وقال ابن حبان: "كان ممن يخالف الأثبات في الروايات، وينفرد عن الثقات بألفاظ الزيادات، مما يوجب ترك ما انفرد منها، والاعتبار بما وافقهم فيها"6. وقال الذهبي: "صدوق، قد تكلم فيه"7.
وذكره ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 8 ولم يذكر فيه جرحاً
1 الكامل: (6/198) .
2 الميزان: (3/541) .
3 الثقات: ترتيب الهيثمي: (ص429) .
4 أحوال الرجال: (ص144) .
5 تهذيب التهذيب: (10/158) .
6 المجروحين: (3/39) .
7 الميزان: (4/118) .
(4/1/429) .
ولا تعديلاً. وقال ابن خزيمة: "لا أعرفه بعدالة ولا جرح"1.
فالرجل وثقه جماعة، وضعفه آخرون، وَتَوَقَّفَ في أمره بعضهم، وخَلص الحافظ ابن حجر رحمه الله إلى أنه "مقبول"، يعني حيث يُتابع، وإلا فهو لَيِّنُ الحديث. وهو هنا لم يتابع على زيادته تلك، فيكون إلى الضعف أقرب. وقد ذهب ابن حبان - أيضاً - إلى ترك ما انفرد به.
وثالثهم: سعد بن أوس، فإنه - أيضاً - وَثَّقَهُ جماعة وضعفه آخرون، فقال ابن معين:"بصريٌّ ضعيف"2. قال عبد الحق: "لا يحتجُّ به"3. وقال السَّاجي: "صدوق"4. وذكره ابن حبان في (الثقات) 5. وقال الذهبي: "يُضَعَّفُ"6.وقال الحافظ ابن حجر: "صدوق له أغاليط"7.
فَتَلَخَّصَ: أن هذا الحديث ضعيف السَّنَدِ، وأن زيادة كلمة "يمص لسانها" في متنه لا تصحُّ؛ لتفرد مِصْدَع بها عن عائشة، وأن غيره من الثقات رووا هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها فلم يذكروا فيه هذه الزيادة، من ذلك: حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة:
1 صحيح ابن خزيمة: (3/246) .
2 الجرح والتعديل: (2/1/80) .
3 نصب الراية: (4/253) .
4 تهذيب التهذيب: (3/467) .
(6/377) .
6 الميزان: (3/542) .
7 التقريب: (ص230) .
"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُقَبِّلُ بعضَ نسائه وهو صائم"، أخرجه البخاريُّ في (صحيحه)1.
وقد حكم عليه بالضعف جماعة من العلماء، فقال أبو داود - كما نقل عنه ابن الأعرابي -:"هذا الإسناد ليس بصحيح". وقال ابن خزيمة: "باب الرخصة في مصِّ الصائم لسان المرأة
…
إن صحَّ الاحتجاج بمصدع أبي يحيى". وقال ابن عدي: "قوله: ويمص لسانها. لا يقوله إلا محمد بن دينار، وهو الذي رواه"2. وقال عبد الحق: "هذا حديث لا يصحُّ
…
"3. وذكره ابن الجوزي في (العلل المتناهية) 4 وَضَعَّفُهُ بالثلاثة الماضي ذكرهم. وضعفه ابن القطان بمصدع فقط5. وأشار الذهبي إلى أن هذه اللفظة لم تَرِدْ إلا في هذا الخبر6. وقال الزيلعي: "هذا حديث لا يصحُّ"7. وقال ابن حجر: "إسناده ضعيف، ولو صحَّ فهو محمول على من لم يبتلع ريقه الذي خالط ريقها"8.
وبعد، فهذه أقوال الأئمة رحمهم الله في هذا الحديث.
وأما ابن القَيِّم: فقد ذكر في كتابه (زاد المعاد) أن الحديث مختلف
1 ك الصلاة، باب القبلة للصائم، ح 1928. (فتح الباري 4/152) .
2 الكامل: (6/198) .
3 نصب الراية: (4/253) .
(2/53 - 54) .
5 نصب الراية: (4/253) .
6 الميزان: (3/541) .
7 بيان الوهم والإيهام: (3/111) ح 803.
8 فتح الباري: (4/153) .
فيه ما بين مُضَعِّفٍ له ومُحَسِّنٍ، ولم أقف على قول من حَسَّنَه. وأما في كتابه (تهذيب السنن) فيبدو أنه يُرَجِّحُ ضَعْفَ هذه الزيادة في الحديث، حيث نقل عن أبي داود، وعبد الحق القول بضعفه، وهو الصواب، كما تقدم في أقوال الأئمة الماضي ذكرهم، والله أعلم.