الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
12- باب في صلاة الرجل وحده خلف الصف
32-
(17) عن وابصة بن معبد الأسدي رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يُصَلي خلف الصَّفِّ وَحْدَهُ، فأمره أن يُعِيدَ".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "وحديث وابصة أخرجه أيضاً1: ابن حبان في (صحيحه) ، والإمام أحمد"2.
ثم ذكر رحمه الله أن الحديث أُعِلَّ بعلتين:
الأولى: أنه وقع اختلاف في إسناده واضطراب، وأن الشافعي أَعَلَّهُ بذلك، فقال:"قد سمعت من أهل العلم بالحديث من يذكر: أن بعض الْمُحَدِّثِينَ يُدخِلُ بين هلال بن يساف ووابصة رجلاً. ومنهم من يرويه عن هلال عن وابصة، سمعه منه. وسمعت بعض أهل العلم منهم كان يوهنه بما وصفت"3.
العلة الثانية: أن هلال بن يساف تَفَرَّدَ به عن وابصة.
ثم قال: "والعلتان جميعاً ضعيفتان". ثم أخذ في الجواب عنهما.
قلت: هذا الحديث مداره على هلال بن يساف4 وقد رُوِيَ عنه على أوجه:
1 يعني مع أبي داود.
2 تهذيب السنن: (1/336 - 337) .
3 يُنظر كلام الشافعي هذا في اختلاف الحديث: (ص 130) باب صلاة المنفرد.
4 ويقال: ابن إساف، الأشجعي، مولاهم، الكوفي، ثقة، من الثالثة / خت م4. (التقريب 576) .
أولها: ما رواه عمرو بن مرة1، قال: سمعت هلال بن يساف، قال: سمعت عمرو بن راشد2، عن وابصة بن معبد به.
أخرجه كذلك: أبو داود3، والترمذي4، والطيالسي، وأحمد في (مسنديهما) 5، وابن حبان في (صحيحه) 6، والبيهقي في (سننه)7.
وهذا إسناد رجاله ثقات، ليس فيهم إلا عمرو بن راشد، روى عنه جماعة، ولم يوثقه غير ابن حبان8، وقال ابن حجر:"مقبول" يعني حيث يُتابع، وقد تُوبِعَ كما سيأتي.
ثانيها: ما رواه حُصين بن عبد الرحمن9، عن هلال بن يساف قال:
1 ابن عبد الله بن طارق الجملي، المرادي، أبو عبد الله الكوفي، الأعمى، ثقة عابدٌ، كان لا يُدَلِّسُ، ورُمي بالإرجاء، من الخامسة، مات سنة 118هـ / ع. (التقريب 426) .
2 الأشجعي، أبو راشد الكوفي، مقبول، من الثالثة/ د ت. (التقريب 421) .
3 في سننه: (1/439) ح 682، باب الرجل يصلي وحده خلف الصف.
4 في جامعه: (1/448) ح 231، ك الصلاة، باب ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده.
5 طس: (ح 1201)، حم:(4/228) .
6 الإحسان: (3/311) ح 2195، 2196.
(3/104) .
8 الثقات: (5/175) .
9 السلمي، أبو الهذيل الكوفي، ثقة تَغَيَّر حفظه في الآخر، من الخامسة، مات سنة 136 هـ / ع. (التقريب 170) .
أخَذ زياد بن أبي الجعد1 بيدي ونحن بالرَّقة، فقام بي على شيخ يَقال له: وابصة بن معبد، من بني أسد، فقال زياد: حدثني هذا الشيخ: "أن رجلاً صلى خَلْفَ الصَّفَ وحده - والشيخ يسمع - فَأَمَرَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُعيد الصلاة".
أخرجه من هذا الوجه: الترمذي في (جامعه) 2، وابن ماجه في (سننه) 3، وأحمد والدارمي في (مسنديهما) 4، وابن حبان في (صحيحه) 5، والبيهقي في (السنن)6. واللفظ المذكور للترمذي.
قال الترمذي: "حديث حسن". وقال الشيخ الألباني: "وهذا سَنَدٌ جَيِّد، رجاله كلهم ثقات، غير زياد بن أبي الجعد، فإن القول فيه كالقول في عمرو بن راشد، وأنه مجهول كما تقدم".
قلت: وقال فيه الحافظ أيضاً: "مقبول". قال الشيخ الألباني: "لكن لم يتفرد به زياد، بل تابعه هلال بن يساف في المعنى7
…
فصارت
1 واسم أبي الجعد: رافع، الكوفي، مقبول، من الرابعة/ ت. (التقريب 218) .
(1/445) ح 230.
(1/321) ح 1004، ك إقامة الصلاة والسنة فيها، باب صلاة الرجل خلف الصف وحده.
4 حم: (3/228)، مي:(1/237) ح 1289.
5 الإحسان: (3/311) ح 2197.
(3/104 - 105) .
7 يعني قوله: أخذ زياد بيدي.
الرواية من قبيل القراءة على الشيخ وهلال يسمع"1.
الوجه الثالث: ما رواه شمر بن عطية2 عن هلال بن يساف عن وابصة بن معبد، قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ صلَّى خَلْفَ الصفوف وحده؟ فقال: "يعيد الصلاة".
أخرجه الإمام أحمد في (مسنده)3. قال الشيخ الألباني في (الإرواء) 4: "
…
فرواية شمر بن عطية عن هلال بن يساف عن وابصة له ليست منقطعة كما ظنَّ البعض، لما عرفت من تحديث زياد بالحديث أمام وابصة مُقِرًّا له، وهلال يسمع".
قلت: فَتَبَيَّنَ مما سبق أن هلالاً يرويه على ثلاثة أوجه:
أحدها: عن عمرو بن راشد عن وابصة.
ثانيها: عن زياد بن أبي الجعد عن وابصة.
ثالها: عن وابصة مباشرة.
ولذلك فقد أُعِلَّ الحديث - كما تقدم عن الشافعي - لروايته على هذه الأوجه المختلفة، وهي العلة الأولى من العلل التي تقدم ذكرها.
وقد أجاب ابن القَيِّم رحمه الله عن هذه العلة: بأن هلال بن يساف يرويه عن عمرو بن رشاد، عن وابصة. وعن زياد بن أبي الجعد
1 إرواء الغليل: (2/324 - 325) .
2 الأسدي الكاهلي، الكوفي، صدوق، من السادسة/ مد ت س. (التقريب 268) .
(3/228) .
(2/325) .
عن وابصة، نقل ذلك عن ابن حبان، وأنه قال:"هما جميعاً طريقان محفوظان"1.
قال ابن القَيِّم: "فإدخال زياد وعمرو بن راشد بين هلال ووابصة لا يُوهِنُ الحديث شيئاً"2.
وقد سبق إلى ذلك ابن حزم، فقال: "ورواية هلال بن يساف حديث وابصة: مرة عن زياد بن أبي الجعد، ومرة عن عمرو بن راشد قوةٌ للخبر
…
"3.
وقال الشيخ الألباني: "ومما سبق يَتَبَيَّنَ َأن الحديث صحيح، وليس من قبيل المضطرب في شيء كما تَوَهَّمَ البعض
…
فهو - يعني هلال بن يساف - قد سمعه من عمرو بن راشد عنه - أي وابصة -، ومن زياد عنه ووابصة يسمع، فجاز له أن يرويه عنه مباشرة كما في الرواية الثالثة، وبذلك تتفق الروايات الثلاث ولا تتعارض"4.
وقد لجأ بعض العلماء إلى الترجيح بين هذه الروايات، فرجح أبوحاتم رواية: عمرو بن مرة، عن هلال، عن عمرو بن راشد5. ورجح الترمذي رواية: حصين بن عبد الرحمن، عن هلال، عن زياد بن أبي الجعد6.
1 انظر كلام ابن حبان هذا في الإحسان: (3/312) .
2 تهذيب السنن: (1/337) .
3 المحلى: (4/74) . ط / حسن زيدان.
4 الإرواء: (2/325) .
5 علل ابن أبي حاتم: (1/100) ح 271.
6 جامع الترمذي: (1/448) .
قلت: والذي يترجح أن هذه الروايات يوافق بعضها بعضاً، وليس بينها اختلاف، وهو الذي اختاره ابن القَيِّم رحمه الله، وقال به غير واحد كما تَقَدَّمَ.
وأما العلة الثانية: وهي دعوى تفرد هلال بن يساف بالخبر، فقد نقل ابن القَيِّم1 عن ابن حبان - أيضاً - أنه ردَّ هذه العلة فقال:"ذكر الخبر الْمُدْحِضِ قول من زعم أن هلال بن يساف تَفَرَّدَ بهذا الخبر" ثم ساقه من حديث يزيد بن زياد بن أبي الجعد، عن عمه عبيد بن أبي الجعد، عن أبيه زياد بن أبي الجعد، عن وابصة به2.
فَتَبَيَّنَ من ذلك أن الحديث صحيح لا مطعن فيه، وأن العلتين اللتين أُعِلَّ بهما ضعيفتان، كما قال ابن القَيِّم رحمه الله.
ومن الشواهد لهذا الحديث مما تَكَلَّمَ عليه ابن القَيِّم رحمه الله:
33-
(18) حديث على بن شيبان3رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يُصَلِّي خلف الصف، فوقف حتى انصرف الرجل، فقال له:"اسْتَقْبِلْ صَلاتَكَ، فَلا صَلاة لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ ".
1 تهذيب السنن: (1/337) .
2 انظر: الإحسان (3/312) ح 2198. وقد أخرجه من هذا الوجه أيضاً: أحمد في مسنده: (4/228) ، والدارمي (1/237) ح 1290، والبيهقي في سننه: (3/105) . وإسناده صحيح، كما قال الشيخ أحمد شاكر في حاشية الترمذي:(1/449) .
3 ابن محرز اليمامي، الحنفي، صحابي مُقِلٌّ، تفرد عنه ابنه عبد الرحمن / بخ د ق. (التقريب 402) .
تناول ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث، فقال: "
…
كما في الْمُسْنِد بإسناد صحيح، وصحيحي ابن حبان وابن خزيمة، عن علي بن شيبان
…
" فذكره1.
قلت: حديث على بن شيبان هذا أخرجه: أحمد في (مسنده) 2، وابن ماجه في (سننه) 3، وابن خزيمة وابن حبان في (صحيحهما) 4، والبيهقي في (سننه) 5 كلهم من طريق:
ملازم بن عمرو6، عن عبد الله بن بدر7، عن عبد الرحمن بن علي ابن شيبان8، عن أبيه - وكان من الوفد9 - قال: قَدِمْنَا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه، وصَلَّيْنَا خلفه، ثم صلينا وراءه صلاةً أخرى، فقضى الصلاة فرأى رجلاً فَرْدَاً يُصلِّي خلف الصف
…
الحديث. هذا لفظ ابن ماجه، ولفظ الآخرين قريب.
1 إعلام الموقعين: (2/ 358 - 359) .
(4/23) .
(1/320) ح 1003 ك إقامة الصلاة والسنة فيها، باب صلاة الرجل خلف الصف وحده.
4 خز: (3/30) ح 1569، حب: الإحسان (3/312) ح 2199.
(3/105) .
6 هو: أبو عمرو اليَّمَامِي.
7 ابن عميرة الحنفي السُّحَيْمِي.
8 الحنفي اليمامي، ثقة، من الثالثة/ بخ د ق. (التقريب 347) .
9 في سنن البيهقي: "وكان أحد الوفد الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني سُحَيم".
وعند أحمد والبيهقي زيادة ليست عند الباقين، فقد جاء لفظه عندهما هكذا: "
…
فصلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فَلَمَحَ بمؤخر عينيه إلى رجلٍ لا يقَيِّم صلبه في الركوع والسجود، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يا معشر المسلمين، إنه لا صلاة لمن لا يقَيِّم صُلْبَهُ في الركوع والسجود
…
" ثم ذكر قصة المنفرد خلف الصف.
وهذا الحديث إسناده صحيح، قال الحافظ البوصيري:"هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات"1. وصَحَّحَهُ الشيخ الألباني في مواضع2، وقال في (الإرواء) 3: "وجملة القول: أن أمره صلى الله عليه وسلم الرجل بإعادة الصلاة، وأنه لا صلاة لمن يصلي خلف الصف وحده: صحيح ثابت عنه من طرق"4.
وقد تقدم تصحيح ابن القَيِّم رحمه الله لإسناده، مع إشارته إلى تصحيح ابن خزيمة وابن حبان له، وبذلك يكون شاهداً قوياً لحديث وابصة الماضي قبله.
1 مصباح الزجاجة: (1/122) .
2 انظر: إرواء الغليل: (2/328 - 329)، والتعليق على ابن خزيمة:(3/30) ، وصحيح ابن ماجه (ح822) .
(2/329) .
4 وتنظر هذه الطرق والكلام عليها في "الإرواء" له (2/323 - 329) ح 541.