الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5- بابُ الوضوء من مس الذكر
6-
(6) عن بسرة بنت صفوان رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأ". ذكر ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث، ثم قال:"قال الدارقطني: قد صح سماع عروة من بسرة هذا الحديث"1. وهو يشير بذلك إلى الرد على من أعله بعدم سماع عروة منها.
قلت: هذا الحديث مداره على عروة بن الزبير، ويرويه عنه: ابنه هشام بن عروة، وعبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم.
أما رواية هشام بن عروة عن أبيه: فأخرجها ابن ماجه في (سننه) 2 من طريق عبد الله بن إدريس. وابن الجارود في (المنتقى) 3، وابن خزيمة في (صحيحه) 4 كلاهما من طريق أبي أسامة. وابن حبان في (صحيحه) 5، والدارقطني في (سننه) 6 كلاهما من طريق سفيان الثوري، كلهم عن:
هشام بن عروة، عن أبيه، عن مروان بن الحكم، عن بسرة رضي الله عنها به. وعند ابن حبان والدارقطني زيادة قوله: "
…
فليتوضأ وضوءه للصلاة".
1 تهذيب السنن: (1/ 133) .
(1/ 161) ح 479. ك الطهارة، باب الوضوء من مَسِّ الذَكَر.
(ح رقم 17) .
(1/ 22) ح 33 باب استحباب الوضوء من مس الذكر.
5 الإحسان: (2/221) ح 113.
(1/ 146) ح2.
وقد رواه جماعة آخرون عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن بسرة، بدون ذكر "مروان بن الحكم"، أخرج ذلك: الترمذي في (جامعه) 1، والنسائي في (سننه) 2، وأحمد في (مسنده) 3 ثلاثتهم من طريق: يحيى بن سعيد القَطَّان. وابن حبان في (صحيحه) 4 من طريق: علي بن المبارك. والدارقطني في (سننه) 5 من طريق: عبد الحميد بن جعفر، كلهم عن:
هشام بن عروة، عن أبيه عروة، عن بسرة به. ولفظ ابن حبان: "
…
فَلْيُعِدْ الوضوءَ". وعند الدارقطني زيادة وهي: "مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أو أنثييه أو رفغيه6 فليتوضأ". قال الدارقطني: "كذا رواه عبد الحميد ابن جعفر عن هشام، وَوَهِمَ في ذكر الأنثيين والرفغ، وإدراجه ذلك في حديث بسرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والمحفوظ: أن ذلك من قول عروة غير مرفوع، كذلك رواه الثقات عن هشام، منهم: أيوب السختياني، وَحَمَّاد بن زيد وغيرهما".
وقد ظَنَّ بَعْضُهم أن هذا الخبر منقطعٌ، لإسقاط هؤلاء الجماعة "مروان بن الحكم" من الإسناد، وقالوا: إن عروة لم يسمعه من بسرة.
(1/ 126) ح 82. ك الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر.
(1/ 216) ك الغسل والتيمم، باب الوضوء من مس الذكر.
(6/ 406 - 407) .
4 الإحسان: (2/ 221) ح 1112.
(1/ 148) ح 10.
6 الرَّفْغُ - بالضم والفتح -: واحد الأَرْفَاغ، وهي أصول المغابن كالآباط والحوالب، وغيرها من مَطَاوي الأعضاء وما يجتمع فيه من الوسَخِ والعَرَقِ. (النهاية 2/244) .
وقد صَوَّرَ الدارقطني رحمه الله ما تَوَهَّمَهُ هؤلاء ثم أجاب عنه، فقال: "فلما وَرَدَ هذا الاختلاف عن هشام، أشكلَ أمر هذا الحديث، وظنَّ كثير من الناس - مِمَّن لم يمعن النظر في الاختلاف - أن هذا الحديث غيرُ ثابت
…
فلما نظرنا في ذلك وبحثنا عنه: وجدنا جماعة من الثقات الحفاظ منهم: شعيب بن إسحاق، وربيعة بن عثمان، والمنذر بن عبد الله الحزامي، وعنبسة بن عبد الواحد الكوفي، وعلي بن مسهر القاضي
…
وزهير بن معاوية الجعفي، رووا هذا الحديث عن: هشام، عن أبيه، عن مروان، عن بسرة، وذكروا في روايتهم في آخر الحديث: أن عروة قال: ثم لقيت بسرة بعد فسألتها عن الحديث، فحدثتني به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني مروان عنها. فَدَلَّ ذلك من رواية هؤلاء النَّفَر على صحة الروايتين الأولتين جميعاً، وزال الاختلاف والحمد لله، وصحَّ الخبر، وثبتَ أن عروة سمعه من بسرة، وشَافَهَتْهُ به بعد أن أخبره مروان عنها". قال: "ومِمَّا يُقَوِّي ذلك ويَدُلُّ على صحته، وأن هشاماً كان يُحَدِّثُ به مرة عن أبيه، عن مروان عن بسرة عن السماع الأول، وكان يحدث به تارة أخرى عن أبيه عن بسرة على مشافهة عروة لبسرة وسماعه منها بعد أن سمعه من مروان عنها: ما قَدَّمْنَا ذكره من رواية ابن جريج، وحماد بن سلمة، وزمعة، وأبي علقمة الفروي
…
فإنهم رووه عن هشام على الوجهين جميعاً، وكان هشامٌ ربما نَشِطَ فَحَدَّثَ به على الوجهين جميعاً
…
"1. وقال الحاكم نحواً من كلام الدارقطني هذا ثم قال: "
…
فَدَلَّنَا ذلك على صِحَّة الحديث وثبوته على شرط الشيخين، وزالَ عنه الخلاف والشبهة، وثبت سماع عروة من بسرة"2.
1 علل الدارقطني: جـ 5 (ق 194 - 196) .
2 المستدرك: (1/136) .
وأنا أوردُ طرفاً من هذه الروايات التي صَرَّحَ فيها عروةُ بسماعه من بُسْرَة، والتي أشار الدارقطني إلى جملة منها آنفاً:
فرواية "شعيب بن إسحاق": أخرجها ابن حبان في (صحيحه) 1، والدارقطني في (سننه) 2، والحاكم في (المستدرك) 3 عن هشام، عن أبيه، أن مروان حَدَّثَهُ عن بسرة، فأنكر ذلك عروة، فسأل بسرة، فَصَدَّقَتْهُ بما قال. قال الدارقطني:"صحيح".
ورواية "ربيعة بن عثمان": أخرجها ابن الجارود في (المنتقى) 4، وابن حبان في (صحيحه) 5، والحاكم في (المستدرك) 6 وفيه قول عروة:"فسألت بسرة، فَصَدَّقَتْهُ".
واستوعَبَ الحاكم في (المستدرك) 7 بقية هذه الروايات، فلتنظر هناك.
وَجَزَمَ ابن خزيمة في (صحيحه) 8 بسماع عروة من بسرة هذا الحديث، فقال - بعد أن نَقَلَ عن الشافعي وجوب الوضوء من ذلك -:
1 الإحسان: (2/220) ح 1110.
(1/ 146) ح 1.
(1/ 136- 137) .
(ح رقم 18) .
(ح رقم 1111) .
(1/137) .
(1/137) .
(1/ 23) .
"وبقول الشافعي أقول؛ لأن عروة قد سمع خبر بسرة منها، لا كما تَوَّهَّمَ بعض علمائنا
…
".
هذا ما يتعلق بالكلام على رواية هشام بن عروة، عن أبيه عروة.
وأما رواية عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عروة: فأخرجها مالك في (الموطأ) 1 عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، عن مروان، عن بسرة به. وأخرجه الشافعي في (مسنده) 2 عن مالك، والبيهقي في (سننه) 3 من طريق الشافعي.
وأخرجه أبو داود في (سننه) 4، وابن حبان في (صحيحه) 5 من طريق مالك. وأحمد6، وابن الجارود7من طريق سفيان الثوري، وأحمد8 - أيضاً - والطبراني9 من طريق الزهري. والدارمي10 من طريق ابن إسحاق، كُلُّهُم عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قال:
(1/42) ح 58، باب الوضوء من مس الفرج.
(ص12) باب ما خرج من كتاب الوضوء.
(1/128) .
(1/125) ح181، باب الوضوء من مس الذكر.
5 الإحسان: (2/220) ح1109.
6 المسند: (6/406) .
7 المنتقى: (ح رقم 16) .
8 المسند: (6/407) .
9 المعجم الكبير: (24/194) ح 490.
10 في مسنده: (1/150) ح 731، باب الوضوء مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ.
سمعت عروة بن الزبير يقول: دخلتُ على مروان بن الحكم، فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: وَمَنْ مَسِّ الذَّكَرِ الوضوء. فقال عروة: ما علمتُ هذا. فقال مروان: أخبرتني بُسرة بنت صفوان، أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
…
فذكره، هذا لفظ مالك ومن رواه من طريقه، وعند الباقين - إلا الدرامي - أن عروة أَنْكَرَ ذلك، فأرسلَ مروان رسولاً - وفي رواية حَرَسِيًّا - إلى بُسْرة فجاء بذلك.
وقد وقع خلافٌ في إسناد حديث عبد الله بن أبي بكر أيضاً: فرواه سائر أصحاب مالك عنه كما ذكرنا، وخالفهم عبد الوهاب بن عطاء، فرواه عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عروة عن بسرة، بإسقاط "مروان بن الحكم" من الإسناد، قال الدارقطني:"والأول أصحُّ"1.
وأخرجه كذلك بإسقاط مروان: النسائي في (سننه) 2من طريق سفيان. والدارمي في (مسنده) 3، والطبراني في
1 علل الدارقطني: جـ 5 (ق 196) .
(1/216) .
(1/150) ح730.
(الكبير) 1من طريق الزهري، كلهم عن عبد الله بن أبي بكر به.
وأخرجه الطيالسي في (مسنده) 2 من طريق شعبة، عن عبد الله بن أبي بكر - أو أخيه محمد بن أبي بكر - به. وأخرجه الطبراني في (الكبير) 3من طريق ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، وأسقط من الإسناد "عبد الله بن أبي بكر".
وَرُوِيَ على وجوه أخرى غير هذه، وقد استوعبها الدارقطني كُلَّها في (علله) 4 فأفادَ وأجادَ رحمه الله.
وقد حَكَمَ قومٌ بعدم سماع هشام هذا الحديث من أبيه، قال النسائي:"هشام بن عروة لم يسمع من أبيه هذا الحديث"5. وطعن - كذلك - الطحاويُّ في رواية هشام عن أبيه، وقال بأن هشاماً إِنَّمَا أَخَذَهُ عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم6. ولعله استندَ في ذلك إلى ما رواه الطبراني في (الكبير) 7 من طريق: حجاج، عن هَمَّام، عن هشام بن عروة، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو، عن عروة، عن بُسرة به.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وهذه الرِّواية لا تَدُلُّ على أن هشاماً لم يسمعه من أبيه، بل فيها: أنه أَدْخَلَ بَينهُ وبينهُ واسطة، والدليل على أنه سمعه من أبيه - أيضاً - ما رواه الطبراني8 أيضاً: حَدَّثَنَا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا يحيى بن سعيد، قال: قال شعبة: لم يسمع هشام حديث أبيه في مَسِّ الذَّكَرِ. قال يحيى: فسألت هشاماً، فقال:
(24/193) ح487.
(ح 1657) .
(24/193) ح 486.
4 جـ5 (ق 196-209) .
5 السنن: (1/216) .
6 شرح معاني الآثار: (1/73) .
(24/198) ح 504.
8 المعجم الكبير: (24/202) ح 519.
أخبرني أبي"1. ثم أشار ابن حجر رحمه الله إلى الروايات التي فيها تصريح هشام بسماعه من أبيه وتحديثه إياه، وقد تَقَدَّمَتْ عند الكلام على رواية هشام بن عروة2. ثم قال رحمه الله: "ورواه الجمهور من أصحاب هشام، عنه، عن أبيه بلا واسطة، فهذا: إما أن يكون هشام سمعه من أبي بكر عن أبيه، ثم سمعه من أبيه، فكان يُحَدِّثُ به تارةً هكذا، وتارةً هكذا. أو يكون سمعه من أبيه وَثَبَّتَهُ فيه أبو بكر، فكان تارةً يذكر أبا بكر، وتارةً لا يذكره، وليست هذه العِلَّةُ بقادحة عند المحققين"3.
وقد أُعِلَّ هذا الحديث أيضاً بمروان بن الحكم، فقال الذين ذهبوا إلى عدم سماع عروة من بسرة: الواسطةُ بين عروة وبسرة: إما مروان بن الحكم، وهو مطعونٌ في عدالته، أو حَرَسِيّه، وهو مجهول4.
وقد تَقَدَّمَ كلام الأئمة في ثبوت سماع عروة هذا الحديث من بسرة، فمن لم يَقْبَل رواية مروان ولم يحتج به، فأمامه رواية عروة عن بسرة مباشرة، ويكون الاعتماد عليها.
وهذا ما قَرَّرَهُ ابن حبان فقال: "عائذ بالله أن نَحْتَجَّ بخبر رواه مروان بن الحكم وذووه في شيء من كتبنا
…
وأما خبر بسرة الذي ذكرناه: فإن عروة بن الزبير سمعه من مروان بن الحكم عن بسرة، فلم يُقْنِعْهُ ذلك حتى بعث مروان شُرطياً له إلى بسرة فسألها، ثم أتاهم فأخبرهم
1 التلخيص الحبير: (1/123) .
2 وانظر: رواية يحيى القطان عن هشام في مسند أحمد: (6/406-407) .
3 التلخيص الحبير: (1/123) .
4 التلخيص الحبير: (1/122) .
بمثل ما قالت بسرة، فسمعه عروة ثانياً عن الشرطي عن بسرة، ثم لم يقنعه ذلك حتى ذهب إلى بسرة فسمع منها، فالخبر عن عروة عن بسرة مُتَّصِلٌ ليس بمنقطع، وصار مروان والشرطي كأنهما عاريتان يسقطان من الإسناد"1.
ومع ذلك فإنَّ عروة نفسه قال في حقِّ مروان: "كان مروان لا يُتَّهَمُ في الحديث"2.
فإذا ظَهَرَ أن جميع ما أُعِلَّ به هذا الحديث مدفوع لا يثبت، فإنني أسوق طرفاً من أقوال الأئمة في تصحيح هذا الحديث:
فقد صَحَّحَه يحيى بن معين واحتجَّ به ونَاظَرَ عليه علي بن المديني3. وقال أبو داود: "قلت لأحمد: حديث بسرة ليس بصحيح؟ قال: بل هو صحيح"4. وقال البخاري - وقد سأله عنه الترمذي -: "أصحُّ شيء عندي في مَسِّ الذَّكَرِ حديث بسرة ابنة صفوان"5. وقال الترمذي: "حسن صحيح". وقال الدارقطني في سننه: "صحيح"، وقد تَقَدَّمَ كلامه عليه وتصحيحه إياه في (علله) . وقال الإسماعيلي في (صحيحه) :"يلزم البخاري إخراجه؛ فقد أخرج نَظِيرَهُ"6 وَصَحَّحَهُ ابن خزيمة وابن حبان،
1 الإحسان: (2/220) .
2 تهذيب التهذيب: (10/92) .
3 سنن البيهقي: (1/136) .
4 التلخيص الحبير: (1/122) .
5 علل الترمذي: (1/156) .
6 التلخيص الحبير: (1/122) .
وقد تقدم كلامهما. وصححه أبو عبد الله الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقال البيهقي: "
…
هو على شرط البخاري بكل حال"1 وقال الشيخ الألباني: "صحيح"2.
فالحاصل: أن حديثَ بُسْرَة قد أُعِلَّ بعلل، منها: انقطاعه بين عروة وبسرة. ومنها: عدم سماع هشام من أبيه عروة. ومنها: الكلام في مروان بن الحكم. وقد أَشَارَ ابن القَيِّم رحمه الله إلى جواب العلة الأولى، فنقل عن الدارقطني صحة سماع عروة من بسرة، ولم يتعرض رحمه الله لباقي العلل، وقد ثبت صحة الحديث والحمد لله.
ومن الأحاديث التي تناولها ابن القَيِّم رحمه الله في هذا الباب:
7-
(7) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُم بِيَدِهِ إِلَى ذَكَرِهِ، ليس بَيْنَهُ وبينه شيءٌ، فَلْيَتَوَضَّأ".
ذكر ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث، وعزاه إلى الشافعي، ثم نقل قول ابن السكن، وابن عبد البر، والحازمي في تصحيحه3. وسيأتي بيان ذلك.
قلت: هذا الحديث أخرجه: الشافعي في (مسنده) 4 - ومن طريقه
1 التلخيص الحبير: (1/122) .
2 الإرواء: (1/150) ح 116.
3 تهذيب السنن: (1/134) .
(ص 12-13) باب ما خرج من كتاب الوضوء.
الحازمي1 - وأحمد في (مسنده) 2، والدارقطني والبيهقي في (سننيهما) 3، من طرق عن:
يزيد بن عبد الملك4، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه به، واللفظ الذي ساقه ابن القَيِّم هو لفظ الشافعي، إلا أن فيه "ليس بينه وبينه شيء"، لكنه عند الحازمي - من طريق الشافعي - كما ساقه ابن القَيِّم. ولفظ الإمام أحمد:"من أَفْضَى بِيَدِهِ إلى ذَكَرِهِ، ليس دونه سِتْرٌ، فقد وَجَبَ عليه الوضوء". وهو عند البيهقي مختصر، ولفظه:"مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فعليهِ الوضوء"، لكن أخرجه من وجه آخر، ولفظه:"من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب، فقد وَجَبَ عليه وضوء الصلاة".
والحديث من هذا الطريق ضعيف؛ لضعف يزيد بن عبد الملك النوفلي، لكن تابعه عليه نافع بن أبي نعيم5.
فقد أخرجه ابن حبان في (صحيحه) 6، والطبراني في (الصغير)
1 الاعتبار: (ص43) .
(2/333) .
3 قط: (1/147) ح6. هق: (1/130، 133) .
4 ابن المغيرة بن نوفل بن الحارث الهاشمي النوفلي، ضعيف، من السادسة /ق. (التقريب 603) .
5 نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم القاريء، المدني، مولى بني ليث، وقد ينسب لجده، صدوقٌ ثَبْتٌ في القراءة، من كبار السابعة، مات سنة 169هـ/ فق. (التقريب558) .
6 الإحسان: (2/222) ح 1115.
(1/42) .
من طريق: أصبغ بن الفرج، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك كليهما، عن سعيد المقبري به. وعند ابن حبان: "
…
وليس بينهما سترٌ ولا حجابٌ فليتوضأ".
قال أبو حاتم ابن حبان رحمه الله عقب إخراجه: "احتجاجنا في هذا الخبر بنافع بن أبي نعيم دون يزيد بن عبد الملك النوفلي؛ لأن يزيد بن عبد الملك تَبَرَّأْنَا من عهدته في كتاب الضعفاء"1.
وصَحَّحَ رواية نافع بن أبي نعيم هذه أيضاً: ابن السكن، فقال:"هذا الحديث من أجودِ ما رُوِي في هذا الباب، لرواية ابن القاسم صاحب مالك، عن نافع بن أبي نعيم، وأما يزيد: فضعيف"2.
وقال ابن عبد البر: "كان حديث أبي هريرة هذا لا يعرف إلا بيزيد بن عبد الملك النوفلي، عن سعيد، عن أبي هريرة، حتى رواه أصبغ ابن الفرج، عن ابن القاسم، عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك جميعاً، عن سعيد، عن أبي هريرة. فَصَحَّ الحديث بنقل العدل عن العدل على ما ذكر ابن السكن، إلا أن أحمد بن حنبل كان لا يرضى نافع بن أبي نعيم، وخالفه ابن معين فيه، فقال: هو ثقة، وقال أحمد بن حنبل: هو ضعيف، منكر الحديث"3.
قلت: وهذه المقالة من الإمام أحمد لم أقف على مثلها عند غيره.
1 انظر كلامه عليه في المجروحين: (3/102) .
2 الاستذكار: (1/311) .
3 الاستذكار: (1/311-312) .
وَوَثَّقَهُ ابن معين كما تقدم، فقال:"ثقة"1. وقال ابن المديني: "كان عندنا لا بأس به"2. وقال ابن سعد: "كان ثبتاً"3. وقال الساجي: "صدوق"4. وقال أبو حاتم: "صدوق صالح الحديث"5 وقال النسائي: "ليس به بأس"6. وقال ابن عدي: "
…
ولم أَرَ في حديثه شيئاً منكراً، وأرجو أنه لا بأس به"7.
وذكره ابن حبان في (الثقات)8. فأنَّى له - بعد أقوال هؤلاء الأئمة - أن يكون منكر الحديث؟! بل يحصل من مجموع كلامهم رحمهم الله أنه حسن الحديث على أقل أحواله، ولذلك صَحَّحَ الأئمة حديثه كما تَقَدَّمَ، وجعلوه شاهداً لحديث يزيد بن عبد الملك.
وقد أخرجه الحاكم في (المستدرك) 9 من طريق نافع هذا وحده، غير مقرون بيزيد، وقال:"حديث صحيح، وشاهده الحديث المشهور عن يزيد بن عبد الملك، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة".
1 تاريخ الدوري عن يحيى: (2/602) .
2 الميزان: (4/242) .
3 تهذيب التهذيب: (10/408) .
4 المصدر السابق.
5 الجرح والتعديل: (4/1/457) .
6 الميزان: (4/242) .
7 الكامل: (7/51) .
(7/532) .
(1/138) .
وقال الحازمي: "
…
وقد رُوِي عن نافع
…
كما رواه يزيد بن عبد الملك، وإذا اجتمعت هذه الطرق دَلَّتْ على أن هذا الحديث له أصل من رواية أبي هريرة"1.
وقال ابن حبان في كتاب (الصلاة) : "هذا حديث صحيح سنده، عدول نقلته"2.
فَتَحَصَّل عندنا أن هذا الحديث وإن كان يُضَعَّف من طريق "يزيد ابن عبد الملك"، فإنه بانضمام طريق "نافع بن أبي نعيم" إليه يأخذ قوة ويصير حسناً، وقد حَكَمَ عليه الأئمة الحُفَّاظ بالصحة: ابن السكن، وابن حبان، والحاكم، وابن عبد البر، والحازمي. وقد نَقَلَ ابن القَيِّم رحمه الله قول ابن السكن، وابن عبد البر، والحازمي كما تَقَدَّم.
1 الاعتبار: (ص43-44) .
2 التلخيص الحبير: (1/126) .