الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3- باب ما جاء في القيام للجنازة
64-
(3) حديث البراء بن عازب: "خَرَجْنَا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازةِ رجل من الأَنْصَارِ، فانتهينا إلى القبر، وَلَمَّا يُلْحَد بعدُ، فجلسَ النبي صلى الله عليه وسلم، وَجَلَسْنَا مَعَهُ".
قال ابن القَيِّم: "وهو حديث صحيح"1. ثم تَعَرَّضَ له بعد ذلك، ودفع عنه بعض ما رُمِيَ به من علل2. وقال مرة: "وهو صحيح، صححه جماعة من الحفاظ"3.
وقد استَدَلَّ ابن القَيِّم رحمه الله بهذا الحديث على أن السُّنَّة لِمُتَّبِع الجنازة ألَاّ يجلس حتى توضع، وأن المراد: وضعها على الأرض، فقال: "ويدلُّ على أنَّ المراد بالوضع الوضع بالأرض عن الأعناق: حديث البراء
…
" فساقه.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 4، وأحمد والطيالسي في (مسنديهما) 5، والحاكم في (المستدرك) 6، أربعتهم من طريق: الأعمش.
1 تهذيب السنن: (4/311) .
2 المصدر السابق: (4/337) .
3 اجتماع الجيوش الإسلامية: (ص58) .
(3/546) ح 3212 باب الجلوس عند القبر.
5 حم: (4/287) . طس: (ح 753) .
(1/37 - 38) .
وأخرجه النسائي وابن ماجه في (سننيهما) 1، والحاكم - أيضاً - في (مستدركه) 2، ثلاثتهم من طريق: عمرو بن قيس3.
وأخرجه ابن ماجه والحاكم4، من طريق: يونس بن خباب5 كُلُّهم عن:
المنهال بن عمرو6، عن زاذان7، عن البراء بن عازب رضي الله عنه به.
وألفاظهم متفاوتة، وعند بعضهم ما ليس عند الآخر.
قال أبو عبد الله الحاكم عقبه: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا جميعاً بالمنهال بن عمرو، وزاذان أبي عمر الكندي"8.
1 س: (4/78) باب الوقوف للجنائز. جه: (1/494) ح 1549، باب ما جاء في الجلوس في المقابر.
(1/40) .
3 الملائي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة متقن عابد، من السادسة، مات سنة بضع وأربعين/ بخ م 4. (التقريب 426) .
4 جه: (1/494) ح 1548. كم: (1/39) .
5 الأُسَيِّدي مولاهم، الكوفي، صدوقٌ يخطئ وَرُمِيَ بالرفض، من السادسة/بخ4. (التقريب 613) .
6 الأسدي، مولاهم، الكوفي، صدوق رُبَّما وَهِمَ، من الخامسة/خ4. (التقريب547) .
7 أبو عمر، الكندي، البزاز، ويكنى أبا عبد الله أيضاً، صدوق يرسل، وفيه شيعية، من الثانية، مات سنة 82هـ / بخ م 4. (التقريب 213) .
8 المستدرك: (1/39) .
وليس كما قال رحمه الله؛ فإن المنهال احتجَّ به البخاري وحده، وزاذان احتجَّ به مسلم وحده، فكيف يكون على شرطهما؟!
وقد أَعَلَّهُ ابن حبان رحمه الله في (صحيحه) 1 فقال: "
…
وزاذان لم يسمعه من البراء، فلذلك لم أخرجه".
وقد نقل ابن القَيِّم ذلك عن ابن حبان، ثم قال: "وهذه العلة فاسدة؛ فإن زاذان قال: سمعت البراء بن عازب
…
ذكره أبو عوانة في صحيحه".
قلتُ: ورواية الحاكم - أيضاً - فيها التصريح بسماعه منه.
وقد أَعَلَّهُ ابن حزم بعلة أخرى، وهي ضعف المنهال بن عمرو2.
ونقل ابن القَيِّم ذلك عنه، ثم قال:"وهي علة فاسدة؛ فإن المنهال ثقة صدوق"3.
قلتُ: قد وثقه جماعة، وغاية ما قيل فيه: أنهم سمعوا صوت طنبور من بيته، ولم يقبل العلماء جَرْحَهُ بذلك، واحتجَّ به البخاري في (صحيحه)4.
1 انظر: الإحسان: (5/48) .
2 تهذيب التهذيب: (10/320) .
3 تهذيب السنن: (4/337) .
4 تنظر ترجمته في: الميزان: (4/192)، وتهذيب التهذيب:(10/319)، وهدي الساري:(ص446) .
وَدَفَعَ ابن القطان القول بتضعيف الحديث بالمنهال بن عمرو، ونقل عن بعض الأئمة توثيقه، ثم قال - رداً على من ضَعَّفَ المنهال بن عمرو بسماع صوت طنبور من بيته -:"فهذا - كما ترى - التعسف فيه ظاهرٌ، ولا أعلم لهذا الحديث عِلَّةً غير ما ذكرت، فاعلمه"1.
وألزم عبد الحق بقبول هذا الحديث، فقال رحمه الله:"وسكت عنه، ولم يبين أنه من رواية المنهال، فكان هذا منه قبولاً له"2.
فثبت بذلك صحَّةُ هذا الحديث - كما حكم ابن القَيِّم رحمه الله أو حُسْنُهُ على أقل تقدير، وأن ما ضُعِّفَ به لا ينهض، وحينئذ يَسْلَمُ لابن القَيِّم رحمه الله الاستدلال به على جلوس مُتَّبَعِ الجنازة بمجرد وضعها على الأرض، واستدل به ابن حجر على ذلك أيضاً، بعد أن نقل عن أبي عوانة أنه صححه3.
ثم أورد ابن القَيِّم رحمه الله بعد ذلك حديثاً للقائلين بأن المراد: الوضع في اللَّحْدِ، وهو:
65-
(4) حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنه قال:"كَانَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُومُ فِي الْجنازة حتى تُوضعَ في اللَّحْدِ ".
قال ابن القَيِّم: "لكن في إسناده بشر بن رافع". ثم نقل أقوال الأئمة: الترمذي، والبخاري، وأحمد، وابن معين، والنسائي، وابن
1 بيان الوهم والإيهام: (3/362 - 363) ح 1107.
2 بيان الوهم والإيهام: (3/362) .
3 التلخيص الحبير: (2/112) .
حبان في تضعيف بشر هذا1.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه في (سننهم) 2، والبيهقي في (سننه) 3، والحازمي في (الاعتبار) 4، كلهم من طريق:
بشر بن رافع5، عن عبد الله بن سليمان بن جنادة بن أبي أمية6، عن أبيه7، عن جده8، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أنه قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في الجنازة حتى توضع في اللحد، فمرَّ به حبر من اليهود، فقال: هكذا نفعل. فجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: "اجلسوا، خالفوهم". هذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي وابن ماجه مثله، إلا أنه ليس عندهما قوله: "اجلسوا"، ولفظ البيهقي كأبي داود.
1 زاد المعاد: (1/518 - 519) .
2 د: (3/520) ح 3176. ت: (3/331) ح1020. جه: (1/493) ح 1545. كلهم في ك الجنائز، وعند د، جه: باب القيام للجنازة، وعند ت: باب الجلوس قبل أن توضع.
(4/28) .
(ص 131) باب النهي عن الجلوس حتى توضع الجنازة
…
5 الحارثي، أبو الأسباط النجراني، فقيه ضعيف الحديث، من السابعة/ بخ د ت ق. (التقريب 123) .
6 الأزدي، ضعيف، من السادسة/ د ت ق. (التقريب 306) .
7 هو: سليمان بن جنادة، منكر الحديث، من السادسة/ د ت ق. (التقريب 250) .
8 جنادة بن أبي أمية، يقال: اسم أبيه كبير، مختلف في صحبته، فقال العجلي:"تابعي ثقة"، والحق أنهما اثنان، صحابيُّ وتابعيُّ، متفقان في الاسم وكنية الأب / ع. (التقريب142) .
قلتُ: وهذا الحديث ضعيف، ضَعَّفَهُ غير واحدٍ من العلماء، فقال البخاري:"منكر"1. ونقل عنه العقيلي قوله - في ترجمة سليمان ابن جنادة -: "لم يُتَابَعْ في هذا"2. وقال الترمذي: "هذا حديث غريب، وبشر بن رافع ليس بالقويِّ في الحديث". وقال الحازمي: "
…
ولو صحَّ لكان صريحاً في النسخ"3. وقال ابن الملقن: "وإسناد هذا ضعيف، فيه: بشر بن رافع، وليس بحجة، عن: ابن جنادة، وفيه نظر، كما قال البخاري
…
"4. وقال ابن حجر: "إسناده ضعيف"5.
والحديث ليس ضعيفاً بسبب بشر بن رافع وحده، كما هو ظاهر كلام ابن القَيِّم السالف، بل شَيْخُهُ، وشيخُ شيخِهِ - أيضاً - ضعيفان.
أما شيخه عبد الله بن سليمان بن جنادة: فقال عنه البخاري: "فيه نظر"6. وسكت ابن أبي حاتم عنه7. أما ابن حبان فقد ذكره في (الثقات) 8 وقال: "يعتبر حديثه من غير رواية بشر عنه".
قلت: والرجلُ في عداد المجهولين؛ فإنه لم يرو عنه أحد غيرُ
1 الضعفاء الصغير: (ص108)، والتاريخ الكبير:(2/2/6) .
2 ضعفاء العقيلي: (2/122) .
3 الاعتبار: (ص131) .
4 البدر المنير: ج4 (ق 26/ب) . نسخة أحمد الثالث.
5 التلخيص الحبير: (2/112) .
6 التاريخ الكبير: (3/1/108) .
7 الجرح والتعديل: (2/2/75) .
(8/337) .
بشر بن رافع، ولم يوثقه أحد غير ابن حبان، ولذلك فقد قال عنه الذهبي:"لا يُدْرَى من هو"1. وسبق قول ابن حجر فيه: "ضعيف".
وأما شيخ شيخه سليمان بن جنادة، أبو عبد الله الماضي ذكره: فقال أبو حاتم: "منكر الحديث"2. وَضَعَّفَهُ البخاري3، والعقيلي4. وقال ابن حبان: "منكر الحديث، فلست أدري البلية في روايته منه أو من بشر بن رافع؛ لأن بشر بن رافع ليس بشيء في الحديث
…
على أنه يجب التَّنَكُّبُ عن روايته على الأحوال"5.
قلت: فإذا كان هذا هو حال هذا الإسناد، فإن الاقتصار على تضعيفه بـ"بشر بن رافع" وحده فيه نظر.
ومع ضعف هذا الحديث الظاهر، فإن الشيخ الألباني رحمه الله قد حَسَّنَهُ6، ولا أدري ما وجه تحسينه له؟
فتلخص من ذلك: أنَّ الصَّواب فِي قوله صلى الله عليه وسلم: "حَتَّى تُوضَعَ " أي: بالأرض. وأنَّ مَا جَاء من أن المراد: الوضع في اللَّحد: ضَعِيف لا يثبت، وهذا ما قرره ابن القَيِّم رحمه الله في دراسته هذه، فأصاب.
1 الميزان: (2/432) .
2 الجرح والتعديل: (2/1/105) .
3 الضعفاء الصغير: (ص108) .
4 الضعفاء: (2/122) .
5 المجروحين: (1/329) .
6 صحيح سنن ابن ماجه: (ح 1256) .