الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9- باب من قال بعدم التوقيت في المسح على الخفين
11-
(11) حَديث أُبَيّ بن عمارة رضي الله عنه أنه قال: يَا رَسُول الله، أمسحُ على الخُفَّين؟ قال:"نَعَمْ". قَال: يوماً؟ قال: "يوماً". قال: ويومين؟ قال: "ويومين". قال: وثلاثة؟ قال: "نَعَمْ، وما شِئْتَ".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "وقد اختلف فيه على يحيى بن أيوب اختلافاً كثيراً. وعبد الرحمن، ومحمد بن يزيد، وأيوب بن قَطَنَ: مجهولون كُلُّهم.
وقد أخرجه الحاكم في (المستدرك) من طريق يحيى بن عثمان بن صالح ويحيى بن معين، كلاهما: عن عمرو بن الربيع بن طارق، أخبرنا محمد بن أيوب، عن عبد الرحمن بن رَزِين، عن محمد بن يزيد بن أبي زياد، عن عبادة بن نسي الحديث. قال الحاكم: هذا إسنادٌ مصريٌّ، لم ينسب واحد منهم إلى جَرْح، وهذا مذهبُ مالك، ولم يخرجاه".
قال: "والعجبُ من الحاكم، كيف يكونُ هذا مُسْتَدْرَكَاً على الصحيحين ورواته لا يُعْرَفُون بجَرح ولا تعديلٍ؟!! "1.
فقد تَضَمَّنَ كلام ابن القَيِّم رحمه الله أَنَّ هذا الحديث معلول من وجهين:
أحدهما: الاضطرابُ في إسناده.
1 تهذيب السنن: (1/118) .
والثاني: جَهَالةُ بعض رواته.
والأمر كما قال رحمه الله، وبهذا أَعَلَّه أكثرُ الأئمة، كما سيأتي بيان ذلك من أقوالهم رحمهم الله تعالى، فأقول:
هذا الحديث مداره على يحيى بن أيوب1، واختلف عليه على أربعة أوجه:
الأول: ما أخرجه أبو داود في (سننه) 2 من طريق: يحيى بن معين، عن عمرو بن الربيع، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن بن رَزِين3، عن محمد بن يزيد4، عن أيوب بن قَطَن5، عن أُبَيِّ بن عمارة6 - قال يحيى: وكان قد صَلَّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين - أنه قال
…
فذكره، ولفظه هو الذي سقناه أول الباب.
1 الغافقي، أبو العباس المصري، صدوقٌ رُبَّمَا أخطأَ، من السابعة، مات سنة 168هـ/ع. (التقريب 588) .
(1/109) ح 158 ك الطهارة، باب التوقيت في المسح.
3 ويقال: ابن يزيد، والأول هو الصواب، الغافقي، المصري، صدوقٌ، من الرابعة/ بخ د ق. (التقريب 340) .
4 ابن أبي زياد الثقفي، نزيل مصر، مجهول الحال، من السادسة / د ت ق. (التقريب513) .
5 الكندي، الفلسطيني، فيه لين، من الخامسة /د ق. (التقريب 118) .
6 بكسر العين على الأصح، مدني سكن مصر، له صحبة، وفي إسناد حديثه اضطراب/ د ق. (التقريب 96) .
قلت: يعني حديثه هذا في المسح على الخفين، وليس له إلا هذا الحديث.
ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في (سننه)1.
الثاني: ما أخرجه ابن ماجه في (سننه) 2 من طريق: عبد الله بن وهب المصري. والدارقطني، والبيهقي في (سننيهما) 3 من طريق: سعيد بن كثير بن عفير. كلاهما عن يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن بن رزين، عن محمد بن يزيد، عن أيوب بن قطن، عن عبادة بن نسيّ، عن أبي بن عمارة به، وفي آخره: حتى بلغ سبعاً قال له: "وما بَدَا لك". وليس عند البيهقي: "حتى بلغ سبعاً".
فزيد في إسناده "عبادة بن نسي" بين أيوب بن قطن، وأُبَيّ بن عمارة.
الثالث: ما أخرجه البيهقي في (سننه) 4 من طريق سعيد بن أبي مريم، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الرحمن بن رَزِين، عن محمد بن يزيد، عن عبادة بن نسيّ، عن أبي بن عمارة. فأسقط من إسناده "أيوب بن قَطَن" ولفظه كلفظ ابن ماجه والدارقطني، وفيه زيادة قوله:"حتى عَدَّ سبعاً".
وقد عَلَّقَهُ أبو داود في (سننه) 5 فقال: "رواه ابن أبي مريم المصري، عن يحيى بن أيوب
…
" فذكره.
(1/279) .
(1/185) ح557، ك الطهارة، باب ما جاء في المسح بغير توقيت.
3 قط: (1/198) ح 19. هق: (1/278) .
(1/279) .
(1/110) .
وأخرجه الحاكم في (المستدرك) 1 من هذا الوجه - يعني بجعل "عبادة بن نسيّ" مكان "أيوب بن قَطَن" - لكنه من طريق أبي داود المتقدم وبلفظه، فالظاهرُ أنها رواية أبي داود نفسها ووقع فيها خطأ في المستدرك، وإلا فيكون قد روي عن عمرو بن الربيع على وجهين، فيزداد بذلك الحديث اضطراباً.
الوجه الرابع: ما ذكره ابن القطان في (الوهم والإيهام) - ونقله عنه صاحب (نصب الراية) 2 - وهو أنه روي عن يحيى بن أيوب بالإسناد السابق، مرسلاً بدون ذكر أبيّ بن عمارة.
فهذا ما يتعلق بوجوه الاختلاف في إسناد هذا الحديث، وقد أشار إلى ذلك غير واحد من أئمة هذا الشأن، فقال أبو داود عقب روايته: "وقد اخْتُلِفَ في إسناده، وليس هو بالقويّ
…
". وقال الدارقطني - عقب روايته إياه -: "
…
وقد اختُلِفَ فيه على يحيى بن أيوب اختلافاً كثيراً". وذكر ابن القطان - أيضاً - وجوه الاختلاف على يحيى3. وأشار ابن عبد البر إلى اضطراب حديث أبي بن عمارة هذا عندما ترجمه في (الاستيعاب) 4.
وأما جَهَالة رواته: فقد حَكَم بذلك الدارقطني، فقال في (السنن) :"وعبد الرحمن، ومحمد بن يزيد، وأيوب بن قَطَن: مجهولون كُلُّهم".
(1/170) .
(1/178) .
3 بيان الوهم والإيهام: (3/324-325) ح 1070.
(1/52) .
والأمر على ما قال رحمه الله؛ أما أيوب بن قطن: فقال فيه أبو زرعة: "لا يُعرف"1. وقال الأزدي: "مجهول"2. وأما محمد بن يزيد: فقال فيه أبو حاتم: "مجهول"3. وَتَقَدَّمَ قول ابن حجر فيه: "مجهول الحال". وأما عبد الرحمن بن رَزِين: فإنه لم يُوَثِّقهُ غير ابن حبان4، فالظاهر أن أمره على ما حكم الدارقطني.
وإلى جهالة إسناده أشارَ الإمام أحمد بقوله: "حديث أبي بن عمارة ليس بمعروف الإسناد" كما نَقَل ذلك عنه أبو زرعة الدمشقي5. وقال الحافظ الذهبي - مُتَعَقِّبَاً الحاكم في قوله: هذا إسناد مصري لم ينسب واحد منهم إلى جرح -: "بل مجهول"6. وأشار ابن حجر رحمه الله إلى العِلَّتَين معاً فقال: "في إسناده جهالةٌ واضطرابٌ"7.
ولأجل هاتين العلتين ضَعَّفَهُ جماعة من العلماء؛ فقال ابن معين: "إسناده مظلم"8. وقال أبو داود عقب إخراجه: "وليس هو بالقوي". وقال أبو الفتح الأزدي: "حديث ليس بالقائم"9. وقال ابن حبان في
1 تهذيب التهذيب: (1/410) .
2 المصدر السابق.
3 الجرح والتعديل: (4/1/126) .
4 الثقات: (5/82) .
5 انظر: نصب الراية: (1/178)، والتلخيص الحبير:(1/162) .
6 تلخيص المستدرك: (1/171) .
7 تهذيب التهذيب: (1/410) .
8 المصدر السابق: (1/410) وأشار إلى أن قول ابن معين هذا جاء في بعض نسخ (أبي داود) .
9 التلخيص الحبير: (1/162) .
(الثقات) 1 - في ترجمة أبيّ بن عمارة -: "
…
لست أعتمد على إسناد خبره". وقال الدارقطني عقب إخراجه: "هذا الإسناد لا يثبت". وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصحُّ"2. وقال النوويّ: "ضعيف بالاتفاق"3. وقال الشيخ الألباني: "ضعيف"4.
وَثَمَّة شيء آخر في إسناده أشار إليه ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 5، فقال:"وهو عندي خطأ، إنما هو أبو أبيّ، واسمه عبد الله بن عمرو بن أم حرام، كذا رواه إبراهيم بن أبي عبلة، وذكر أنه رآه وسمع منه، سمعت أبي يقول ذلك". وذكر مثل ذلك ابن عبد البر في (الاستيعاب)6.
فالحاصلُ: أن هذا الحديث ضعيفٌ؛ لاضطرابِ إسنادِهِ، وَجَهَالَةِ رواتهِ، كما قال ابن القَيِّم رحمه الله تعالى، وتَعَقَّبَ الحاكمَ لاستدراكه إيَّاه على (الصحيحين) ، وقد وافق حُكْمُ ابن القَيِّم حكمَ الأئمة على هذا الحديث كما نقلناه عنهم آنفاً.
فإذا ثبت عندنا ضعف هذا الحديث، فإنَّه لا حُجَّةَ فيه للقائلين بعدم التوقيت في المسح على الخفين، والله أعلم.
(3/6) .
2 العلل المتناهية: (1/360) .
3 المجموع: (1/509) .
4 ضعيف ابن ماجه: (ح122) .
(1/1/290) .
(1/52) .