الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
15- باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين في السفر
36-
(21) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: "أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيْغَ الشَّمسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَجْمَعُهَا إلى العصرِ، فيصليهما جميعاً، وإِذَا ارْتَحَلَ بعدَ زَيْغِ الشَّمْسِ صَلَّى الظهرَ والعصرَ جَمِيعَاً ثم سَارَ، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أَخَّرَ المغربَ حتَّى يصليها مع العشاءِ، وإذا ارتحلَ بعد المغرب عَجَّلَ العِشَاء، فصلَاّهَا مع المغرب".
ذكر ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث عند الكلام على هديه صلى الله عليه وسلم في الجمع بين الصلاتين في السفر، ثم قال:"لكن اخْتُلِفَ في هذا الحديث، فمن مُصَحِّح له، ومن مُحَسِّنٍ، ومن قادح فيه وجعله موضوعاً: كالحاكم، وإسناده على شرط الصحيح، لكن رُمِيَ بعِلَّةٍ عجيبةٍ".
ثم نقل عن الحاكم كلامه في إعلاله ووصفه بالوضع1، ونقل في موضع آخر تضعيف الترمذي، وأبي داود، وابن حزم له2، ثم قامَ رحمه الله بالجواب عن تلك العلل بما سيأتي نقله عنه خلال هذا البحث إن شاء الله.
قلتُ: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 3، والترمذي في
1 زاد المعاد: (1/477 - 480) .
2 زاد المعاد: (3/544) .
(2/18) ح 1220، ك الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين.
(جامعه) 1، وأحمد في (مسنده) 2، وابن حبان في (صحيحه) 3، والدارقطني والبيهقي في (سننيهما) 4 من طرق، عن:
قتيبة بن سعيد، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب5، عن أبي الطفيل6، عن معاذ بن جبل به.
وقد أُعِلَّ حديث قتيبة هذا بعللٍ:
أولها: أن قتيبة تَفَرَّدَ به، ولم يتابعه أحدٌ على ذكر جمع التقديم.
ثانيها: أن غلِطَ في إسناده، وأن صوابه "أبو الزبير" بدل "يزيد بن أبي حبيب".
ثالثها: أن يزيد بن أبي حبيب عنعنه، ولا تُعْرَفُ له رواية عن أبي الطفيل، قاله ابن حزم.
وإلى مناقشة هذه العلل:
أولاً: أمَّا تفرد قتيبة به: فقاله غير واحد: قال أبو داود عقب
(2/438) ح 553، ك الصلاة، باب الجمع بين الصلاتين.
(5/241) .
3 الإحسان: (3/61) ح 1591.
4 قط: (1/392) ح 15. هق: (3/162) .
5 المصري، أو رجاء، ثقة فقيه، وكان يرسل، من الخامسة، مات سنة 128هـ / ع. (التقريب 600) .
6 عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي، ولد عام أحد، ورأى النبيصلى الله عليه وسلم، وعُمِّرَ إلى أن مات سنة110هـ على الصحيح، وهو آخر من مات من الصحابة/ع. (التقريب 288) .
إخراجه: "ولم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده" كذا في (السنن)، ونقل عنه ابن القَيِّم في (الزاد) 1 قوله:"هذا حديث منكر، وليس في تقديم الوقت حديث قائم". وكذا نقله ابن حجر في (التلخيص)2. وقال أبو عيسى الترمذي: "تَفَرَّدَ به قتيبة، لا نعرف أحداً رواه عن الليث غيره". وقال أبو سعيد بن يونس: "لم يُحَدِّثْ بهذا الحديث إلا قتيبة"3. وقال الحاكم أبو عبد الله: "هذا حديث رواته أئمة ثقات، وهو شاذُّ الإسناد والمتن، لا نَعْرِفُ له علة نُعَلِّلُهُ بها
…
فنظرنا فإذا الحديث موضوع"4. وقال الذهبي: "أتى بلفظ منكر جداً"5 يعني قتيبة.
ويرى البخاري رحمه الله أنَّ هذا الحديث أُدْخِلَ على قتيبة، فروى الحاكم في (علوم الحديث) 6 بسنده إلى البخاري، أنه قال:"قلتُ لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل؟ فقال: كتبته مع خالد المدائني. قال البخاري: وكان خالدٌ المدائني يُدخِلُ الحديث على الشيوخ".
وقال الذهبي: "يَرَوْنَ أن خالداً المدائني أدخله على الليث، وسمعه قتيبة معه، فالله أعلم". ثم قال: "هذا التقرير يؤدي إلى أن الليث كان يقبل التلقين، ويروي مالم يسمع، وماكان كذلك. بل كان حُجَّةً متثبتاً،
(3/544) .
(2/49) .
3 التلخيص الحبير: (2/49) .
4 معرفة علوم الحديث: (ص120) في نوع الشاذ.
5 سير أعلام النبلاء: (11/23) .
(ص 120 - 121) .
وإنما الغفلة وقعت فيه من قتيبة، وكان شيخ صدقٍ، قد روى نحواً من مائة ألف، فَيُغْتَفَرُ له الخطأ في حديث واحد"1.
ولقد حاول ابن القَيِّم رحمه الله الجواب عن هذه العلة، فذكر أن أبا داود أخرجه من حديث: يزيد بن خالد2، عن المفضل بن فضالة3، عن الليث بن سعد، عن هشام بن سعد4، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ به.
قال ابن القَيِّم: "فهذا الْمُفَضَّلُ قد تَابَعَ قتيبة، وإن كان قتيبة أجلَّ من المفضل وأحفظ، لكن زال تفرد قتيبة به"5.
كذا ساق ابن القَيِّم إسناده، والذي في (سنن أبي داود) 6:"المفضل ابن فضالة والليث بن سعد" لا "عن الليث بن سعد". وعلى هذا فيكون الذي تابع قتيبة: هو "يزيد بن خالد"، وليس "المفضل بن فضالة". مع ملاحظة اختلاف الإسنادين وعدم اتحادهما، فإن يزيد بن خالد جعله:"عن الليث ومفضل، عن هشام بن سعد، عن أبي الزبير" بخلاف إسناد
1 سير أعلام النبلاء: (11/23 - 24) .
2 ابن عبد الله بن موهب الرَّمْلي، أبو خالد، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة 232هـ أو بعدها/ د س ق. (التقريب 600) .
3 ابن عبيد بن ثمامة القتباني، المصري، أبو معاوية القاضي، ثقة فاضل عابد، أخطأ ابن سعد في تضعيفه، من الثامنة، مات سنة 181 هـ/ع. (التقريب 544) .
4 المدني، أبو عباد، أو أبو سعيد، صدوق له أوهام، ورمي بالتشيع، من كبار السابعة، مات سنة 160 هـ أو قبلها / خت م 4. (التقريب 572) .
5 زاد المعاد: (1/478 - 479) .
(2/12) ح 1208.
قتيبة الذي هو: "عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب". وسيأتي الكلام على ذلك عند مناقشة العلة الثانية.
ولكن، هل تصلحُ هذه المتابعة للوقوف إلى جانب رواية قتيبة، ودَفع شبهة التَّفَرُّدِ عنه؟؟ الجواب: لا.
وذلك لأن الأئمة الحفاظ قد خالفوا هشام بن سعد في هذه الرواية، فرووه عن: أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ، بدون ذكر جمع التقديم، منهم: الليث بن سعد، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، وقُرَّةُ بن خالد.
وقد أشار بعض الأئمة إلى ذلك، فقال الترمذي - عقب روايته حديث قتيبة -:"والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ، من حديث أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم جَمَعَ في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء ". رواه قرة بن خالد، وسفيان الثوري، ومالك، وغير واحد عن أبي الزبير المكي"1. وقال الحافظ ابن حجر: "وهشام لَيِّنُ الحديث، وقد خالف أوثق الناس في أبي الزبير، وهو الليث بن سعد"2. وقال مرةً: "وهشام مختلف فيه، وقد خالفه الحفاظ من أصحاب أبي الزبير
…
"3.
قلت: أخرج رواية قرة بن خالد: مسلم في (صحيحه)4. ورواية
1 جامع الترمذي: (2/440) .
2 التلخيص الحبير: (2/49) .
3 فتح الباري: (2/583) .
(1/490) ح 53 باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.
مالك: في (الموطأ) 1 مطولة. ورواية سفيان: في (مسند أحمد)2.
فظهر من ذلك أن رواية هشام بن سعد لا تصلح لمتابعة رواية قتيبة؛ إذ هي الأخرى معلولة.
ثانياً: وأما غَلَطُ قتيبة في إسناده: فقد مضى أن هشام بن سعد قال فيه: "عن أبي الزبير" بدل "يزيد بن أبي حبيب"، وَرَجَّحَ غير واحد رواية هشام، فقال أبو حاتم: "لا أعرفه من حديث يزيد، والذي عندي أنه دخل له حديث في حديث. حدثنا أبو صالح، حدثنا الليث، عن هشام، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل
…
"3 فذكره. وقال أبو سعيد بن يونس: "يقال: إنه غلط، وأنَّ موضع يزيد بن أبي حبيب: أبو الزبير"4.
فرجعَ بذلك حديث قتيبة إلى حديث هشام، وتقدم أن حديث هشام معلول بمخالفة الثقات من أصحاب أبي الزبير، فيرجع الكل إلى رواية هؤلاء الثقات عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ، بدون ذكر جمع التقديم فيه.
ثالثاً: ما أَعَلَّهُ به ابن حزم رحمه الله من عنعنة يزيد بن أبي حبيب، وأنه لا تُعْرَفُ له رواية عن أبي الطفيل: فقد أجاب عن ذلك
(1/143) ح 2، ك قصر الصلاة في السفر، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر.
(5/230، 236) .
3 علل ابن أبي حاتم: (1/91) ح 245.
4 سير أعلام النبلاء: (11/23) .
الشيخ الألباني، فقال:"يزيد بن أبي حبيب غير معروف بالتدليس، وقد أدرك أبا الطفيل حتماً؛ فإنه وُلِدَ سنة (53) ومات سنة (128) . وتوفي أبو الطفيل سنة (100) أو بعدها، وعمر يزيد حينئذ 47 سنة"1.
قلت: لكن وافق ابن حزم في هذا القول: الحاكمُ أبو عبد الله، فقال: "
…
ثم نظرنا فلم نجد ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية"2. وقال الْمِزِّيُّ رحمه الله عندما ذكر أبا الطفيل في شيوخ يزيد -: "إن كان محفوظاً"3.
وهذه العلة تؤكد ما تَقَدَّمَ من أن: ذكر يزيد بن أبي حبيب في إسناده خطأ، وأن الصواب: أبو الزبير.
فَظَهَرَ بذلك أن ذكر جمع التقديم في حديث معاذٍ لا يصحُّ، وأن الصَّواب عدمُ ذكره كما أخرج ذلك مسلم، ومالك وغيرهما.
لكن ابن القَيِّم رحمه الله متمسك بصحة ذلك عن معاذ، وقد دَافَعَ عنه بما تقدم ذكره من كلامه، وقال في (إعلام الموقعين) 4:"إسناده صحيح، وعلته واهية". ثم شرع في ذكر بعض الشواهد له فمن ذلك:
37-
(22) ما رواه إسحاق بن راهويه: حدثنا شبابة، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس رضي الله عنه:"أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إذا كان في سفر، فَزَالَتِ الشمسُ، صَلَّى الظهرَ والعصرَ ثم ارْتَحَلَ".
1 إرواء الغليل: (3/30) .
2 علوم الحديث: (ص120) .
3 تهذيب الكمال: (32/104) .
(2/422) .
قال ابن القَيِّم: "وهذا إسناد كما ترى، وشبابة: هو شبابة بن سَوَّار، الثقة المتفق على الاحتجاج بحديثه، وقد روى له مسلم في صحيحه عن الليث بن سعد بهذا الإسناد، على شرط الشيخين، وأقلُّ درجاته: أن يكون مُقَوِّيَاً لحديث معاذ"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه البيهقي في (سننه) 2 من طريق ابن راهويه، ونقل الحافظ ابن حجر عن النوويِّ قوله:"إسناده صحيح"، ثم قال:"وفي ذهني أن أبا دود أنكره على إسحاق"3. وقال مرة: "أخرجه الإسماعيلي، وأُعِلَّ بتفرد إسحاق بذلك عن شبابة، ثم تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق، وليس ذلك بقادحٍ؛ فإنهما إمامان حافظان"4.
قال: "ولكن له متابع رواه الحاكم في (الأربعين) له، عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن محمد بن إسحاق الصغاني، عن حسان بن عبد الله، عن المفضل بن فضالة، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس
…
" فذكره. قال: "وهو في الصحيحين من هذا الوجه بهذا السياق، وليس فيهما:"والعصر"، وهي زيادة غريبة صحيحة الإسناد، وقد صححه المنذري من هذا الوجه والعلائي، وتَعَجَّبَ من الحاكم كونه لم يورده في المستدرك"5. ثم عاد فقال: "وهي متابعة قوية لرواية إسحاق بن راهويه
1 زاد المعاد: (1/479) .
(3/162) .
3 التلخيص الحبير: (2/49) .
4 فتح الباري: (2/583) .
5 التلخيص الحبير: (2/49 - 50) .
إن كانت ثابتة، لكن في ثبوتها نظر
…
"1.
ولحديث أنس هذا طريق أخرى أشار إليها الحافظ ابن حجر في (التلخيص) 2 فقال: "رواها الطبراني في (الأوسط) : حدثنا محمد بن إبراهيم بن نصر بن شبيب الأصبهاني، ثنا هارون الحمال، ثنا يعقوب بن محمد الزهري، ثنا محمد بن سعدان، ثنا ابن عجلان، عن عبد الله بن الفضل، عن أنس رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفرٍ فزاغتِ الشمسُ قبل أن يرتحل، صلَّى الظهر والعصر جميعاً
…
" الحديث، قال الطبراني: تفرد به يعقوب بن محمد". وقال الهيثمي: "رجاله موثقون"3.
قلت: يعقوب بن محمد: ضَعَّفَهُ بعضهم، ووثقه آخرون، وروايته عن الثقات مقبولة4. وشيخه محمد بن سعدان: قال فيه أبو حاتم: "شيخ"5.
وهذه العبارة تشعر بنوع تعديل، ولا تدلُّ على مطلق الضعف، فيكون هذا الإسناد صالحاً للاستشهاد به، فإذا ضُمَّ إلى طريق ابن راهويه السابق أَخَذ حديث أنس قوةً، فإذا ضُمَّ حديث أنس هذا - بطريقيه - إلى حديث معاذ السابق، كان كما قال ابن القَيِّم رحمه الله:"أقلُّ درجاته أن يكون مُقَوِّيَاً لحديث معاذ"6.
1 فتح الباري: (2/583) .
(2/50) .
3 مجمع الزوائد: (3/160) .
4 انظر: تهذيب التهذيب: (11/396) .
5 الجرح والتعديل: (3/2/282) .
6 زاد المعاد: (1/479) .
ثم ذكر ابن القَيِّم رحمه الله شاهداً آخر لحديث معاذ، وهو:
38-
(23) حديث هشام بن عروة، عن حسين بن عبد الله1، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " أَلا أُخْبِرُكُم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر؟ كان إذا زالت الشمس وهو في مَنْزِلَهِ جَمَعَ بين الظهرِ والعصرِ في الزَّوال
…
"فذكر نحو حديث معاذ وأنس المتقدمين.
ثم نقل ابن القَيِّم عن البيهقي خلافاً وقع في إسناده2.
وقد ذكر الدارقطني رحمه الله وجوه الاختلاف في إسناد هذا الحديث، ثم جمع بينها، فقال: "رَوَى هذا الحديث حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرني حسين، عن كريب وحده، عن ابن عباس3. ورواه عثمان بن عمر، عن ابن جريج، عن حسين، عن عكرمة عن ابن عباس. ورواه عبد المجيد، عن ابن جريج، عن هشام بن عروة، عن حسين، عن كريب، عن ابن عباس. وكلهم ثقات، فاحتمل أن يكون ابن جريج سمعه أولاً من هشام عن حسين، كقول عبد المجيد عنه، ثم لقي ابن جريج حسيناً فسمعه منه: كقول عبد الرزاق4 وحجاج عن ابن جريج:
1 ابن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب، المدني، ضعيف، من الخامسة، مات سنة 140هـ أو بعدها بسنة / ت ق. (التقريب 167) .
2 زاد المعاد: (1/ 479 - 480) .
3 أخرجه من هذا الطريق البيهقي: (3/163) .
4 ورواية عبد الرزاق: أخرجها الدارقطني: (1/388) ح 1، والبيهقي (3/163) من طريق: عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن حسين، عن عكرمة وكريب كليهما، عن ابن عباس به.
حدثني حسين. واحتمل أن يكون حسين سمعه من عكرمة، ومن كريب جميعاً، عن ابن عباس، وكان يُحَدِّثُ به مرة عنهما جميعاً: كرواية عبد الرزاق عنه. ومرة عن كريب وحده: كقول حجاج وابن أبي رواد. ومرة عن عكرمة وحده، عن ابن عباس: كقول عثمان بن عمر، وتصحُّ الأقاويل كُلَّهَا"1.
وأشار ابن حجر رحمه الله في (التلخيص الحبير) 2 إلى كلام الدارقطني هذا، ثم قال:"إلا أنَّ عِلَّتَهُ ضعفُ حسين، ويقال: إن الترمذي حَسَّنَهُ، وكأنه باعتبار المتابعة، وغَفَلَ ابن العربي فصحح إسناده. لكن له طريق أخرى، أخرجها يحيى بن عبد الحميد الحماني في (مسنده) : عن أبي خالد الأحمر، عن الحجاج، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس. وروى إسماعيل القاضي في (الأحكام) عن إسماعيل بن أبي أويس، عن أخيه، عن سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، عن كريب، عن ابن عباس نحوه".
وقال في (فتح الباري) 3: "في إسناده حسين بن عبد الله الهاشمي، وهو ضعيف، لكن له شواهد من طريق: حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن ابن عباس - ولا أعلمه إلا مرفوعاً4 -: " أَنَّه كَانَ إِذَا نَزَل مَنْزلاً في السَّفر فأعجبه أقام فيه حتى يجمعَ بين الظهر والعصر، ثم يرتحلُ،
1 سنن الدارقطني: (1/388) .
(2/48) .
(2/583) .
4 هذا من كلام البيهقي، وتمامه:"وإلا فهو عن ابن عباس"(السنن 3/164) .
فإذا لم يتهيأ له المنزل مَدَّ فِي السَّير، فسار حتى ينزل، فيجمع بين الظهر والعصر" أخرجه البيهقي1، ورجاله ثقات، إلا أنه مشكوك في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف".
وعلى كلِّ حالٍ فالحديث يَتَقَوَّى بهذه الطرق، وبما مضى من شواهد، وقد قال البيهقي رحمه الله:"هو بما تَقَدَّمَ من شواهده يقوى"2. وقال الشيخ الألباني: "فالحديث صحيح عن ابن عباس بهذه المتابعات والطرق"3.
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن الحديث وإن كان ضعيفاً من رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه، فإنه يتقوى بهذه الشواهد التي أَوْرَدَهَا ابن القَيِّم رحمه الله من حديث أنس، وابن عباس رضي الله عنهما. أما أن يكون حديث معاذ صحيحاً بنفسه - كما ذهب إليه ابن القَيِّم - فلا، لما تقدم بيانه من أنه معلول.
على أن تصرف ابن القَيِّم قد يَدَلُّ على أن حديث معاذ قاصر عن درجة الصحة عنده، فإنه قد صَدَّرَه بقوله: "وقد رُوِيَ عنه في غزوة تبوك
…
". وهذه الصيغة غالباً ما يستعملها فيما يذهب إلى ضعفه أو ما هو مترَدِّدٌ فيه، والله أعلم.
1 سنن البيهقي: (3/164) .
2 المصدر السابق.
3 إرواء الغليل: (3/32) .