الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 -
من كتاب الجنائز
1- باب في الغسل من غسل الميت
62-
(1) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ غَسَّلَ الْمَيْتَ فَلَيَغْتَسلْ، ومن حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأ".
ذكر ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث، ونقل عن الشافعي التوقف عن تصحيحه، وعن أبي داود إعلاله، ثم ذكر للحديث أَحَدَ عَشَرَ طَرِيقَاً، ثم قال:"وهذه الطُّرُقُ تدلُّ على أن الحديث محفوظ"1.
قلت: هذا الحديث يُروى عن أبي هريرة من طرق:
الطريق الأول: عن أبي صالح السَّمَّان، عن أبي هريرة. أخرجه البيهقي في (سننه) 2 من طريق: القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح به.
وأخرجه الترمذي في (جامعه) 3، وابن ماجه في (سننه) 4، والبيهقي5 من طريق: سهيل بن أبي صالح6، عن أبيه7، عن أبي هريرة
1 تهذيب السنن: (4/305-306) .
(1/300) .
(3/309) ح 993 ك الجنائز، باب الغسل من غسل الميت.
(1/470) ح 1463، ك الجنائز، باب ما جاء في غسل الميت.
(1/300) .
6 أبو يزيد المدني، صدوقٌ تَغَيَّر حِفْظُهُ بآخره، روى له البخاري مقروناً وتعليقاً، من السادسة، مات في خلافة المنصور/ ع. (التقريب 259) .
7 أبو صالح، ذكوان السَّمان الزيَّات، ثقة ثبت
…
من الثالثة، مات سنة 101هـ/ ع. (التقريب 203) .
به، ولفظ الترمذي والبيهقي:"مِنْ غُسْلِهِ الغُسْلُ. ومن حَمْلِهِ الوضوءُ" يعني الميت، أما ابن ماجه فلفظه:"مَنْ غَسَّلَ مَيِتاً فليغتسل". رواه عن سهيل هكذا جماعة، منهم: حماد بن سلمة، ووهيب، وزهير بن محمد، وعبد العزيز بن المختار وغيرهم1، وخالفهم سفيان بن عيينة، فرواه عن: سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن إسحاق2 مولى زائدة، عن أبي هريرة به. أخرجه أبو داود في (سننه) 3، والبيهقي4 كذلك.
"وخالفهم إسماعيل بن جعفر فرواه عن سهيل عن أبيه، عن إسحاق مولى زائدة، عن أبي هريرة موقوفاً"5، كما قال الدارقطني رحمه الله.
وهذه الطريق أعلت بالانقطاع، والوقف، والاضطراب.
أما الانقطاع: فقد أشار أبو داود إليه فقال: "أدخل أبو صالح بينه وبين أبي هريرة في هذا الحديث - يعني إسحاق مولى زائدة -". وقال الشافعي: "وإنما لم يقو عندي: أنه يروى عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. ويدخل بعض الحفاظ بين أبي صالح وبين أبي هريرة:
1 انظر: علل الدارقطني: ج 3 (ق 180)، وسنن البيهقي:(1/301) .
2 والد عمر، قال العِجْلِي: هو إسحاق بن عبد الله، ثقة، من الثالثة / ر م د س. (التقريب 104) .
(3/512) ح 3162 ك الجنائز، باب في الغسل من غسل الميت.
(1/301) .
5 العلل: (ج3 ق180) .
إسحاق مولى زائدة، فيدل على أن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة"1. وأعله ابن دقيق العيد بذلك أيضاً2. وقال ابن حجر:"وهو معلول، لأن أبا صالح لم يسمعه من أبي هريرة"3.
وأما الوقف: فقد مضى أنه يُروى عن سهيل، عن أبيه، عن إسحاق، عن أبي هريرة موقوفاً عليه4. وكأن البخاري رحمه الله أعله بذلك، فقال لما سأله عنه الترمذي: "روى بعضهم عن سهيل بن أبي صالح، عن إسحاق مولى زائدة، عن أبي هريرة موقوفاً"5. ورجح البيهقي وقفه كما سيأتي من كلامه.
وأما اضطرابه: فقد قال به الدارقطني، فبعد أن حكى أوجه الاختلاف فيه قال:"ويشبه أن يكون سهيل كان يضطرب فيه"6.
وقد يُجاب عن هذه العلل، فيقال: أما انقطاعه: فإنه لا مانع أن يكون أبو صالح سمعه من أبي هريرة، ومن إسحاق عن أبي هريرة، فرواه على الوجهين جميعاً، وقد علق الشافعي رحمه الله الحكم بصحته على معرفة حال إسحاق، فقال: "وإنما منعني عن إيجاب الغسل من غسل الميت: أن في إسناده رجلاً لم أقع
1 الجوهر النقي: (1/301) .
2 التلخيص الحبير: (1/137) .
3 فتح الباري: (3/127) .
4 وانظر سنن البيهقي: (1/301) .
5 علل الترمذي: (1/402) .
6 علل الدارقطني: ج 3 (ق180) .
من معرفة من ثَبَّتَ حديثه - إلى يومي - على ما يقنعني، فإن وجدت من يقنعني، فإن وجدت من يقنعني أوجبته
…
"1.
قال ابن حجر: "إسحاق مولى زائدة: أخرج له مسلم، فينبغي أن يصحح الحديث"2.
وأما الوقف: فيمكن أن يقال: إن الرفع زيادة من ثقة وهي مقبولة، ولا سيما أن الذين رفعوه أكثر عدداً. ولكن مع ذلك كله يخشى من احتمال كونه مضطرباً كما حكم به الدارقطني رحمه الله، فالله أعلم.
الطريق الثاني: رواه بن أبي ذئب، عن صالح3 مولى التوأمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه به. أخرجه: أحمد والطيالسي في (مسنديهما) 4، والخطيب في (موضح أوهام الجمع والتفريق)5. والبيهقي في (سننه) 6 من طريق الطيالسي.
وقد أَعَلَّ البيهقي7، ثم ابن الجوزي8 هذا الطريق بـ"صالح
1 سنن البيهقي: (1/302) .
2 التلخيص الحبير: (1/137) .
3 ابن نبهان المدني، صدوق اختلط، قال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه: كابن أبي ذئب وابن جريج، من الرابعة
…
/ د ت ق. (التقريب 274) .
4 حم: (2/433، 454، 472) . طس: (ح2314) .
(2/172) .
(1/303) .
7 السنن: (1/303) .
8 العلل المتناهية: (1/378) .
مولى التوأمة"، فقال البيهقي: "صالح مولى التوأمة ليس بالقوي".
قلت: وصالح هذا فيه ضعف، واختلاط، فقد ضعفه: يحيى القطان1، ومالك2، وابن معين3 في رواية، وأبو زرعة، وأبو حاتم4، والنسائي5. ووثقه أحمد6، وابن معين7 في رواية، والعجلي8. فالرجل بهذه المثابة "صدوق" كما حكم به الذهبي9 وابن حجر.
وأما اختلاطه: فقد مَيَّزَ جماعة من الحفاظ حديثه القديم، وحكموا بصحة رواية من روى عنه قبل الاختلاط، منهم: علي بن المديني، وابن معين، والجوزجاني، وابن عدي10. وابن أبي ذئب ممن سمع منه قديماً، فيكون حديثه عنه صحيحاً، ولذلك ردَّ ابن التركماني على البيهقي تضعيفه11.
1 انظر: تهذيب التهذيب (4/405) .
2 الجرح والتعديل: (2/1/417) .
3 المصدر السابق: (2/1/418) .
4 المصدر السابق.
5 الضعفاء: (ص57) .
6 تهذيب التهذيب: (4/405) .
7 تاريخ الدوري: (2/266) .
8 الثقات بترتيب الهيثمي: (ص227) .
9 المغني: (1/305) .
10 انظر: الكواكب النيرات: (ص261) .
11 الجوهر النقي: (1/302) .
الطريق الثالث: عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به. أخرجه البيهقي في (سننه) 1 من طريق: ابن لهيعة، عن حنين بن أبي حكيم، عن صفوان بن أبي سليم، عن أبي سلمة به. ثم قال:"ابن لهيعة وحنين لا يحتج بهما".
قلت: وهذا قد صَحَّحَ الأئِمَّةُ وَقْفَهُ، فقال أبو حاتم - وقد سئل عنه -:"هو موقوف عن أبي هريرة، لا يرفعه الثقات"2. وقال ابن دقيق العيد: "وأما رواية محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: فإسناد حسن، إلا أن الحفاظ من أصحاب محمد بن عمرو رووه عنه موقوفاً"3. وأخرج البيهقي الرواية الموقوفة من طريق: عبد الوهاب بن عطاء، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة به، ثم قال:"هذا هو الصحيح: موقوفاً على أبي هريرة، كما أشار إليه البخاري"4.
الطريق الرابع: عن عمرو بن عمير5، عن أبي هريرة. أخرجه أبو داود في (سننه) 6 – ومن طريقه البيهقي في (سننه) 7 - من طريق: القاسم بن عباس، عن عمرو بن عمير به.
وهذا الطريق ضعيف؛ فإن عمرو بن عمير "مجهول" كما حكم
(1/302) .
2 علل ابن أبي حاتم: (1/351) .
3 التلخيص الحبير: (1/137) .
4 سنن البيهقي: (1/302) .
5 الحجازي، مجهول، من الثالثة/ د. (التقريب 425) .
(3/511) ح 3161.
(1/303) .
بذلك ابن القطان وابن حجر1 رحمهما الله. وبهذا أعله البيهقي، فقال:"عمرو بن عمير إنما يعرف بهذا الحديث، وليس بالمشهور". قال ذلك في (سننه) .
الطريق الخامس: عن أبي إسحاق، عن أبي هريرة به. أخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) 2 - ومن طريقه أحمد3 - من طريق: يحيى بن أبي كثير، عن رجل يقال له: أبو إسحاق، عن أبي هريرة به، وليس فيه الوضوء من حمله. وأخرجه أحمد في (مسنده) 4 من طريق: يحيى، عن رجل من بني ليث، عن أبي إسحاق به.
ويروى هذا عن: أبي إسحاق، عن أبيه، عن حذيفة، أخرجه البيهقي في (سننه) 5، وذكر اختلافاً فيه، ثم قال:"والمشهور: عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب الأسدي، عن علي رضي الله عنه".
وقد روى هذا الحديث من طرق أخرى غير ما ذكرنا، واستوعبها البيهقي في (سننه) 6، ثم قال:"الروايات المرفوعة في هذا الباب عن أبي هريرة غير قوية، لجهالة بعض رواتها وضعف بعضهم، والصحيح: عن أبي هريرة من قوله، موقوفاً غير مرفوع". وقد تقدم معنا ترجيح البخاري
1 انظر: تهذيب التهذيب: (8/84) .
(3/407) ح 6110.
3 المسند: (2/280) .
(2/280) .
(1/304) .
(1/300 - 304) .
وأبي حاتم الوقف في بعض طرقه.
وأكثر العلماء على ضَعْفِ هذا الحديث كما قال الزيلعي1، والمناوي2 وغيرهما، وقال الإمام أحمد، وعلي بن المديني، ومحمد بن يحيى الذُّهَلي، وابن المنذر وغيرهم: إنه لا يثبت في هذا الباب شيء3. وقد تقدم طرف من أقوال العلماء في تضعيف هذا الحديث، وضعفه أيضاً: ابن الجوزي4، والنووي5.
لكن ذهب جماعةٌ إلى صِحَّتِهِ، وآخرون إلى حُسْنِهِ: فَحَسَّنَه الترمذي، وصححه ابن حبان، وابن حزم6، وقال ابن دقيق العيد:"وفي الجملة: هو بكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسناً"7. وقال الذهبي في (مختصر البيهقي) 8: "طرقُ هذا الحديث أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء، ولم يُعِلُّوها بالوقف، بل قَدَّمُوا رواية الرفع". وجعله البغوي من قسم الحسن في (مصابيحه) وتبعه التبريزي في (المشكاة) 9 ورجح ابن
1 نصب الراية: (2/282) .
2 فيض القدير: (6/185) .
3 انظر: علل الترمذي: (1/402)، وسنن البيهقي:(1/301)، والتلخيص الحبير:(1/137) .
4 العلل المتناهية: (1/378 - 379) .
5 المجموع: (5/138) .
6 المحلى: (2/35) .
7 التلخيص الحبير: (1/137) .
8 التلخيص الحبير: (1/137) .
(1/169) ح 541.
حجر تصحيح بعض طرقه1. وَحَسَّنَهُ الحافظ السيوطي2. وصححه الشيخ الألباني3.
وقد ذهب ابن القَيِّم رحمه الله إلى القول بأن الحديث بمجموع طرقه محفوظٌ، ولعلَّ هذا هو ما تطمئن إليه النفس، ولا سيما أن طرق هذا الحديث قد تعدَّدت، مما يجعل الحديث لا يقل عن درجة الحسن.
وقد ذهب أبو داود رحمه الله إلى أن هذا الحديث منسوخ، لكنه لم يذكر لنا ناسخه، ولا رأيت من قال بقوله.
وقد ذهب الأكثرون - كما نقل ابن القَيِّم4 - إلى عدم وجوب الغسل من غسل الميت، ونقل الإمام أبو داود عن الإمام أحمد أنه يجزئه الوضوء5. وقال الخطابي:"ويشبه أن يكون الأمر في ذلك على الاستحباب"6. وقال: "وقد يحتمل أن يكون المعني فيه: أن غاسل الميت لا يكاد يأمن أن يصيبه نَضْحٌ من رشاش الغسول، وربما كان على بدن الميت نجاسة. فإذا أصابه نَضْحُهُ - وهو لا يعلم مكانه - كان عليه غسل جميع البدن، ليكون الماء قد أتى على الموضع الذي أصابه النجس من بدنه"7.
1 التلخيص الحبير: (1/137) .
2 كما في فيض القدير مع الجامع الصغير: (6/185) .
3 انظر: إرواء الغليل: (1/173)، وصحيح ابن ماجه:(ح 1195)، وصحيح الجامع:(ح6402)، والتعليق على المشكاة:(1/169) ح 541.
4 تهذيب السنن: (4/306) .
5 سنن أبي داود: (3/512) .
6 معالم السنن: (4/305) .
7 المصدر السابق.