الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5- باب من قال: لا يقرأُ المأمومُ خلف الإمام مطلقاً
20-
(5) عَنْ جَابِر بن عبد الله، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال:"مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الإمام لَهُ قِرَاءَةٌ".
ذكر ابن القَيِّم هذا الحديث ثم قال: "له عِلَّتَان:
إحداهما: أن شعبة، والثوري، وابن عيينة، وأبا عوانة، وجماعة من الحفاظ رووه عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد مرسلاً.
والعلة الثانية: أنه لا يصحُّ رَفْعُهُ، وإنما المعروف وَقْفُهُ. قال الحاكم: سمعت سلمة بن محمد يقول: سألت أبا موسى الرازي الحافظ عن الحديث المرويِّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: " من كان له إمامٌ
…
"؟ فقال: لم يصح فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، إنما اعتمد مشايخنا فيه على الرويات عن عليّ، وابن مسعود، والصحابة
…
وقد رفعه جابر الجعفي، وليث بن أبي سليم، عن أبي الزبير، عن جابر. وتَابَعَهُمَا مَنْ هُوَ أَضْعَف منهما أو مثلهما"1.
قلت: هذا الحديث يروى عن غير جابر بألفاظ أخرى، لكنه بهذا اللفظ مشهور عن جابر رضي الله عنه.
والحديث له عن جابر طرق عِدَّة، أشهرها طريقان، وهما اللذان أشار إليهما ابن القَيِّم هنا:
1 تهذيب السنن: (1/393) . وضَعَّفَ ابن القَيِّم الحديث - أيضاً - في (إعلام الموقعين) : (2/327) .
الطريق الأول: عن أبي الزبير1، عن جابر رضي الله عنه، ومدار هذا الطريق على: الحسن بن صالح2، وروي عنه على أوجه مختلفة:
فأخرجه ابن ماجه، والدارقطني في (سننيهما) 3 من طرق عنه، عن جابر4 الجعفي، عن أبي الزبير، عن جابر به.
وأخرجه الدارقطني والبيهقي في (سننيهما) 5 عنه، عن جابر الجعفي وليث بن أبي سليم6، عن أبي الزبير، عن جابر به.
وأخرجه الإمام أحمد في (المسند) 7 عنه، عن أبي الزبير مباشرة، عن جابر به.
وروي عن الحسن بن صالح على غير تلك الأوجه8.
1 محمد بن مسلم بن تَدْرُس، الأسدي مولاهم، المكيِّ، صدوق إلا أنه يُدَلِّسُ، من الرابعة، مات سنة 126هـ / ع. (التقريب 506) .
2 ابن حَيّ - وهو حَيَّان - بن شُفَيِّ، الهمداني، الثوري، ثقة فقيه عابد، رُمِيَ بالتشيع، من السابعة، مات سنة 169هـ / بخ م 4. (التقريب 161) .
3 جه: (1/277) ح 850، ك إقامة الصلاة، باب إذا قرأ الإمام فأنصتوا. قط:(1/331) ح 21، باب ذكر قوله: "من كان له إمام
…
".
4 ابن يزيد بن الحارث، أبو عبد الله الكوفي، ضعيف رافضي، من الخامسة، مات سنة 127هـ/ د ت ق. (التقريب 137) .
5 قط: (1/331) ح 20. هق: (2/160) .
6 ابن زُنَيْم، صدوق اختلطَ جدَّاً ولم يَتَمَيَّزْ حديثه فَتُرِكَ، من السادسة، مات سنة 148 هـ / خت م 4. (التقريب 464) .
(3/339) .
8 للوقوف على ذلك: ينظر إرواء الغليل: (2/270 - 271) .
وهذا الطريق فيه عدة علل:
الأولى: في إسناده جماعة مُتَكَلَّمٌ فيهم:
فجابر الجُعْفي في الوجه الأول، وضعفه مشهور، وفي الوجه الثاني: ليثُ بن أبي سليم، وهو وإن كان أحسن حالاً من الجعفي، إلا أن الأكثرين على تضعيفه وترك الاحتجاج به، لاسيما وقد اختلط ولم يتميز حديثه1.
وبهذين الرجلين ضَعَّفَ العلماء هذا الطريق، فقال الدارقطني:"جابر وليث ضعيفان". وقال البيهقي: "جابر الجعفي، وليث بن أبي سليم لا يُحْتَجُّ بهما، وكل من تابعهما على ذلك أضعف منهما
…
".
وقال ابن عبد البر: "وجابر الجعفي لا حُجَّة فيما ينفرد به عند جماعة أهل العلم لسوء مذهبه
…
"2. وقال البوصيري: "هذا إسناد ضعيف؛ جابر: هو ابن يزيد الجعفي، مُتَّهَمٌ"3.
العلة الثانية: اضطراب إسناده:
فقد جاء - كما رأينا - عن الحسن بن صالح على أوجه مختلفة، ولا شكَّ أن هذا الاضطراب يضعف الحديث؛ لأنه يدل على عدم ضبط الرواة له، وإتقانهم إياه.
1 انظر أقوال العلماء فيه في تهذيب التهذيب: (8/465 - 468) .
2 الاستذكار: (2/191) .
3 مصباح الزجاجة: (1/106) .
العلة الثالثة: أن رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأٌ، وأن الصواب وقفه على جابر رضي الله عنه:
وقد بَيَّنَ البيهقي رحمه الله ذلك في (سننه) 1 فقال: "والمحفوظ عن جابر في هذا الباب ما أخبرنا أبو أحمد المهرجاني
…
فساقه بإسناده إلى مالك، عن وهب بن كيسان، أنه سمه جابراً يقول:" من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأن القرآن فلم يصل، إلا وراء الإمام"". قال البيهقي: "هذا هو الصحيح عن جابر من قوله غير مرفوع، وقد رفعه يحيى بن سلام وغيره من الضعفاء عن مالك، وذاك مما لا يَحِلُّ روايته على طريق الاحتجاج به". وقال ابن عبد البر - بعد أن ساقه بنحو لفظ البيهقي -:"وهو حديث لا يصحُّ إلا موقوفاً على جابر"2.
العلة الرابعة: أن أبا الزبير قد عنعنه، فلم يُصَرِّحْ بالسماع في أيٍّ من هذه الوجوه المذكورة، وهو مُدَلِّسٌ، فلا يُقبل منه إلا ما صرح فيه بالسماع:
وقد قبل الإمام ابن حزم ما عنعنه عن جابر فيما رواه عنه الليث بن سعد خاصة3، ولكن ليس هذا الحديث من رواية الليث عنه.
هذا حاصل ما أُعِلَّ به هذا الطريق، وقد ذكر ابن القَيِّم رحمه الله من ذلك: عدم صحته مرفوعاً، وأشار إلى ضعف جابر وليث بن أبي سليم.
(2/160) .
2 الاستذكار: (2/192) .
3 انظر: ميزان الاعتدال: (4/37) .
الطريق الثاني: عن موسى بن أبي عائشة1، عن عبد الله بن شَدَّاد2، وعن جابر رضي الله عنه مرفوعاً.
أخرجه الدارقطني والبيهقي في (سننيهما) 3 من طرق: عن أبي حنيفة4، عن موسى بن أبي عائشة به.
ورواه الدارقطني5 عن أبي حنيفة بالإسناد نفسه، وفيه قول جابر ابن عبد الله: صَلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفه رجلٌ يقرأ، فنهاه رجلٌ من أصحاب رسول الله، فلما انصرف تنازعا، فقال: أتنهاني عن القراءة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتنازعا حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"من صَلَّى خلف إمام فإن قراءته له قراءة".
1 الْهَمَدَاني، مولاهم، أبو الحسن الكوفي، ثقة عابد، من الخامسة، وكان يُرْسل/ ع. (التقريب 552) .
2 ابن الهاد الليثي، أبو الوليد المدني، وُلِدَ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وذكره العجلي من كبار التابعين الثقات، وكان معدوداً في الفقهاء، مات بالكوفة مقتولاً سنة 81هـ، وقيل بعدها/ ع. (التقريب 307) .
3 قط: (1/323) ح 1. هق: (2/159) .
4 النعمان بن ثابت الكوفي الإمام، يقال: أصلهم من فارس، ويقال: مولى بني تميم، فقيه مشهور، من السادسة، مات سنة 150هـ على الصحيح/ ع. (التقريب563) .
وقال الحافظ الذهبي: "ضَعَّفَهُ النسائي من قِبَلِ حفظه، وابن عدي، وآخرون". (الميزان: 4/265) .
(1/324) ح 2.
وأخرجه الدارقطني1 من طريق: أبي حنيفة والحسن بن عمارة2، عن موسى بن أبي عائشة به.
وقد أَعَلَّ الأئمة هذا الطريق بأنَّ الصواب فيه الإرسال، ليس فيه ذِكْرُ جابر بن عبد الله.
قال أبو حاتم: "ولا يختلف أهل العلم أن من قال: موسى بن أبي عائشة، عن جابر. أنه قد أخطأ. قال ابن أبي حاتم: قلت: الذي قال عن موسى بن أبي عائشة عن جابر فأخطأ هو النعمان بن ثابت؟ قال: نعم"3. وقال الدارقطني: "لم يسنده عن موسى بن أبي عائشة غيرُ أبي حنيفة والحسن بن عمارة، وهما ضعيفان"4. وقال مرةً عن رواية أبي حنيفة: "ولم يذكر في هذا الإسناد جابراً غير أبي حنيفة"5. وقال مرةً: "
…
وروى هذا الحديث: سفيان الثوري، وشعبة، وإسرائيل بن يونس، وشريك، وأبو خالد الدالاني، وأبو الأحوص، وسفيان بن عيينة، وجرير ابن عبد الحميد وغيرهم، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد مرسلاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب"6. وفي (الكامل) 7 لابن عَدِيّ
(1/325) ح 5.
2 البَجَلِي مولاهم، أبو محمد الكوفي، قاضي بغداد، مَتْرُوكٌ، من السابعة، مات سنة 153هـ/ ت ق. (التقريب 162) .
3 علل ابن أبي حاتم: (1/104) ح 282.
4 سنن الدارقطني: (1/323) .
5 المصدر السابق: (1/325) .
6 المصدر السابق: (1/325) .
(2/706) .
قريب من كلام الدارقطني هذا. وذكر البيهقي رحمه الله نحواً من ذلك1.
وقد ذهب محقق كتاب (نصب الراية) 2 إلى أن أبا حنيفة تُوبِعَ على هذه الرواية المسندة، تابعه على ذلك سفيان الثوري، وشريك بن عبد الله القاضي فيما رواه أحمد بن منيع في (مسنده) : أخبرنا إسحاق الأزرق، حَدَّثَنَا سفيان وشريك، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شَدَّاد، عن جابر مرفوعاً به.
قلت: ولعل هذه الرواية هي التي أشار إليها البُوصيري بقوله: "
…
لكن رواه أحمد بن منيع، وعبد بن حميد بسندٍ صحيح بَيَّنْتُهُ في زوائد المسانيد العشرة"3.
قال الشيخ الألباني: "وهذا سند ظاهره الصحة
…
وهو عندي معلول؛ فقد ذَكَرَ ابن عدي، وكذا الدارقطني والبيهقي أن سفيان الثوري وشريكاً روياه مرسلاً دون ذكر جابر، فذكر جابر في إسناد ابن منيع وَهْمٌ، وأظنه من إسحاق الأزرق، فإنه وإن كان ثقة فقد قال فيه ابن سعد:"ربما غلط"
…
وهذا هو الذي تسكن إليه النفس وينشرح له القلب: أن الصواب فيه أنه مُرْسَلٌ، ولكنه مرسلٌ صحيح الإسناد"4.
1 السنن: (2/160) .
(2/7) حاشية رقم 5.
3 مصباح الزجاجة: (1/106) .
4 إرواء الغليل: (2/272) .
قلت: وقد رُوِيَ عن أبي حنيفة مرسلاً كرواية الأكثرين؛ فقد قال البيهقي رحمه الله بعد أن أخرج الرواية المتصلة -: "هكذا رواه جماعة عن أبي حنيفة موصلاً، ورواه عبد الله بن المبارك عنه مرسلاً دون ذكر جابر، وهو المحفوظ". ثم أخرج بإسناده إلى عبد الله بن المبارك قال: أنبأنا سفيان وشعبة وأبو حنيفة، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شَدَّاد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً1.
فيكون قد اخْتُلِفَ على أبي حنيفة رحمه الله في إسناده، فيُخْتَار من روايتيه ما وافق رواية الجمهور، وما صَحَّحَه الأئمة أهل هذا الشأن، وهي رواية الإرسال، ويُحْكَمُ على الرواية المتصلة بالخطأ لتفرده بها دون سائر الرواة، ومتابعة الحسن بن عمارة - المتروك - له لا تنفعه.
فالحاصل: أن حديث جابر هذا معلول بطريقيه المذكورين، وقد رُوي من طرق أخرى غير التي ذكرنا، وهي ضعيفة أيضاً.
وقد رُوي هذا الحديث عن غير جابر، فَرُوِيَ عن ابن عمر، وابن مسعود، وأبي هريرة، وابن عباس، وأبي الدرداء، وأنس، وعلي، ولا تخلو من ضعف، قال الحافظ ابن حجر:"وله طرق عن جماعة من الصحابة، وكلها معلولة"2. وقد تقدم قول أبي موسى الرازي: "لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيءٌ، وقد استوفى الكلام على طرقه: الزيلعي في (نصب
1 سنن البيهقي: (2/159 - 160) .
2 التلخيص الحبير: (1/232) .
الراية) 1. والألباني في (إرواء الغليل) 2.
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن حديث جابر هذا لا يصحُّ رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه ما بين موقوف عليه أو مرسل، أرسله عبد الله بن شَدَّاد، وما رُوِيَ فيه عن غير جابر رضي الله عنه معلولٌ أيضاً لا يثبت فيه شيء. وقد أَعَلَّهُ ابن القَيِّم رحمه الله بالوقف والإرسال كما تقدم كلامه في ذلك.
(2/7 - 12) .
(2/268 - 277) .