المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: منهج ابن القيم في تخريج الحديث وعزوه - ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها - جـ ٢

[جمال بن محمد السيد]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الثاني: آراء ابن القيم ومنهجه في الحديث وعلومه

- ‌الفصل الثالث: منهج ابن القيم في تخريج الحديث والحكم عليه

- ‌المبحث الأول: منهج ابن القيم في تخريج الحديث وعزوه

- ‌المبحث الثاني: فِي بَيَانِ مَنْهَجِهِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الحديث

- ‌الفصل الربع: منهج ابن القيم في شرح الحديث، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه

- ‌المبحث الأول: منهجه في شرح الحديث، وبيان معانيه

- ‌المبحث الثاني: مَنْهَجُهُ في بَيَانِ غَرِيبِ الحَدِيثِ

- ‌المبحث الثالث: مَنْهَجُهُ في التعريفِ ببعضِ الأماكنِ والبقاعِ التي تَرِدُ في النصوص الحديثية، وضبط ذلك

- ‌المبحث الرابع: مَنهَجُهُ في الاستدلالِ بِالنُّصُوصِ الْحَدِيْثِيَّةِ عَلَى آرَائِهِ واخْتِيَارَاتِه

- ‌المبحث الخامس: مَنْهَجُهُ في التوفيقِ والجمعِ بينَ الأحاديث التي ظَاهِرُهَا التَّعَارض

- ‌الباب الثالث: دراسة جملة من الأحاديث المختارة مما تكلم عليه ابن القيم

- ‌المدخل

- ‌من كتاب الطهارة

- ‌1ـ باب ما جاء في الرخصة في استقبال القبلة عند الحاجة

- ‌2- باب وضع الخاتم عند دخول الخلاء

- ‌3- باب ما جاء في تخليل الأصابع عند الوضوء

- ‌4- باب من قال بالموالاة في الوضوء وعدم جواز تفريقه

- ‌5- بابُ الوضوء من مس الذكر

- ‌6- باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر

- ‌7 ـ باب الوضوء من لحم الإبل

- ‌8 - باب التوقيت في المسح على الخفين

- ‌9- باب من قال بعدم التوقيت في المسح على الخفين

- ‌10- باب ما جاء في مسح أعلى الخف وأسفله

- ‌ من كتاب الحيض

- ‌1- باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة

- ‌2- باب في المستحاضة: أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد

- ‌3- بابُ كفارة من أتى حائضا

- ‌ من كتاب الصلاة

- ‌1- باب ما جاء في رفع اليدين عند افتتاح الصلاة

- ‌2- باب ما يقال من الدعاء في افتتاح الصلاة

- ‌4- باب ترك القراءة خلف الإمام فيما يجهر فيه

- ‌5- باب من قال: لا يقرأُ المأمومُ خلف الإمام مطلقاً

- ‌6- باب في التأمين بعد الفاتحة، والجهر بها

- ‌7- باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌8- باب أول ما يقع من الإنسان على الأرض عند السجود

- ‌9- باب ما جاء في التشهد في الصلاة

- ‌10- باب في ذكر نوع آخر من التشهد

- ‌11- باب التسليم في الصلاة وما جاء في التسليمة الواحد

- ‌12- باب في صلاة الرجل وحده خلف الصف

- ‌13- باب ما جاء في صلاة الإمام جالسا

- ‌14- باب من ترك القصر في السفر

- ‌15- باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌من كتاب الزكاة

- ‌1- باب في عقوبة مانع الزكاة

- ‌من كتاب الصوم

- ‌1 ـ باب السواك للصائم

- ‌2- باب القبلة للصائم

- ‌3- باب ما جاء في الإفطار في السفر

- ‌5- باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال

- ‌ من كتاب الحج

- ‌1- باب الإهلال بعمرة من بيت المقدس

- ‌2- باب لا تنتقب المرأة المحرمة

- ‌3- باب لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين

- ‌4- باب في إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي

- ‌5- باب من قال: كان الفسخ لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة

- ‌6- باب النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس

- ‌7- باب من قال بجواز رمي الجمرة قبل طلوعِ الشمس للعذر

- ‌8 ـ باب من قال بجواز التضحية ثلاثة أيام بعد النحر

- ‌9- باب ما يستحب من ذبح صاحب النسيكة نسيكته بيده، وجواز الاستنابة فيه

- ‌10- باب ما جاء في طواف الإفاضة

- ‌11- باب الشرب من ماء زمزم

- ‌12- باب فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌من كتاب الجهاد

- ‌1 ـ باب ما جاء في حلية السيف

- ‌ من كتاب الجنائز

- ‌1- باب في الغسل من غسل الميت

- ‌2- باب ما جاء في المشي خلف الجنازة

- ‌3- باب ما جاء في القيام للجنازة

- ‌4- باب الصلاة على الجنازة في المسجد

- ‌5 - باب ما جاء في الصلاة على الطفل

- ‌6- باب ما جاء في الصلاة على الشهداء

- ‌7- باب ما جاء في تلقين الميت بعد دفنه

- ‌ من كتاب النكاح

- ‌1- باب في البكر لا تزوج إلا برضاها

- ‌2- باب ما جاء في العزل

الفصل: ‌المبحث الأول: منهج ابن القيم في تخريج الحديث وعزوه

‌المجلد الثاني

‌الباب الثاني: آراء ابن القيم ومنهجه في الحديث وعلومه

‌الفصل الثالث: منهج ابن القيم في تخريج الحديث والحكم عليه

‌المبحث الأول: منهج ابن القيم في تخريج الحديث وعزوه

.

الفصل الثالث: منهج ابن القَيِّم في تخريج الحديث والحكم عليه

والمقصود في هذا الفصل: بيان المنهج الذي سلكه ابن القَيِّم في الحكم على الأحاديث، وبيان درجتها: من الصحة، أو الضعف، أو غيرهما، وما يلتحق بذلك من الكلام على منهجه في بيان العلل.

وذلك كله من خلال ما وقفت عليه من كلامه على الأحاديث في كتبه المختلفة.

ويسبق ذلك: الكلام على منهجه في تخريج الأحاديث وعزوها.

وقد جعلت هذا الفصل في مبحثين:

المبحث الأول: منهج ابن القَيِّم في تخريج الحديث وعزوه.

المبحث الثاني: منهجه في الحكم على الحديث.

ص: 7

المبحث الأول: منهجه في تخريج الحديث وعزوه

لما كانت العلاقة وثيقة بين التخريج وبين التوصل إلى الحكم على الحديث، رأيت أن يكون الكلام على التخريج، ومنهج ابن القَيِّم في ذلك أول مباحث هذا الفصل، وذلك كالتمهيد للكلام على الحكم على الحديث إن شاء الله.

والمراد بالتخريج هنا: عزو الحديث إلى مصادره الأصلية - التي جمعها أصحابها بأسانيدها - والدلالة على موضعه فيها، مع بيان درجته عند الحاجة1.

فيكون المقصود من التخريج بهذا المعنى: التوصل إلى الحكم على الحديث، وبيان درجته من الصحة أو الضعف؛ إذ عن طريق التخريج يمكن للباحث الوقوف على طرق الحديث وجمع أسانيده، ومن ثَمَّ دراسة هذه الطرق والحكم من خلالها على الحديث وبيان حاله، مع ما في ذلك من فائدة الوقوف على شواهد الحديث ومتابعاته، فقد يرتقي بها الحديث من حال الضعف إلى حال القوة والاحتجاج.

ولقد قام ابن القَيِّم رحمه الله بمهمة التخريج للأحاديث التي أوردها في كتبه، وخلال أبحاثه المختلفة على خير وجه، واعتنى بذلك عناية فائقة، وتنوع أسلوبه في ذلك تبعاً لظروف كل بحث.

وفيما يلي ذكر منهجه في التخريج على وجه الإجمال:

1 انظر (أصول التخريج) للدكتور/ محمود الطحان: (ص 12- 13)، و (دراسات في علوم الحديث) للدكتور/ عجمي دمنهوري:(ص 72-73) .

ص: 9

أولاً: إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما، فإن ابن القَيِّم - في الغالب - يكتفي بالعزو إليهما، ولا يتعداهما إلى غيرهما إلا في القليل النادر، كأن يحتاج إلى التنبيه على فائدة زائدة وليست عندهما.

- ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لا إله إلا الله

" قال: "رواه البخاري ومسلم"1. والحديث مخرج في: سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي2.

- وقال في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مسلم، يَشْهَدُ ألا إله إلا الله، وَأَنِّي رَسُولُ الله إلا بِإِحدى ثلاث

": "أخرجاه في الصحيحين"3. والحديث مَخَرَّجٌ أيضاً: عند النسائي وابن ماجه4، وغيرهما.

- وَخَرَّجَ حديث علي رضي الله عنه في "النهي عن لباس المعصفر" من (صحيح مسلم) وحده5. والحديث أخرجه أيضاً: أبو داود والنسائي6.

- وعزا حديث أم سلمة رضي الله عنها "في القسم للبكر والثيب" لمسلم وحده7.

1 الصلاة: (ص 17) .

2 د: (3/101) ح 2640، ت:(5/3) ح2606، س (5/ 14) .

3 الصلاة: (ص 17) .

4 س: (7/90)، جه:(2/847) ح 2534.

5 زاد المعاد: (1/138) .

6 د: (4/322) ح 4044، س:(8/204) .

7 زاد المعاد: (5/ 149) .

ص: 10

والحديث أخرجه: مالك، وأبو داود1.

- وقال: "وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ مَاتَ وَعَلَيهِ صِيامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ" 2. والحديث مُخَرَّج: عند أبي داود، وأحمد3 وغيرهما.

والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُحْصَى.

وأما حين يحتاج ابن القَيِّم رحمه الله إلى التنبيه على لفظة زائدةٍ، أو جملة مغايرةٍ، وليس ذلك في الصحيحين، فإنه يضيف إليهما غيرهما من المصادر التي فيها تلك الزيادة، فمن ذلك:

- أنه ساقَ حديث أبي هريرة مرفوعاً: "يقول الله: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِين مَا لا عَينٌ رَأَتْ

". ساقه بطوله، ثم قال: "رواه بهذا اللفظ والسياق: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وصدره في الصحيحين"4.

- وقال رحمه الله: "

ما رواه مسلم في صحيحه: "أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله! ليس لي قائد يقودني إلى المسجد

" وهذا الرجل هو ابن أم مكتوم

وفي مسند أحمد، وسنن أبي داود: عن عمرو بن أم مكتوم قال

"5.

1 طأ: (2/529) ح 14، د:(2/ 594) ح 2122.

2 الروح: (ص 161) .

3 د: (2/ 791) ح 2400، حم:(6/ 69) .

4 حادي الأرواح: (ص 206) .

5 الصلاة: (ص 117) .

ص: 11

فقد عزا الحديث إلى أحمد وأبي داود بعد عزوه إلى مسلم، وذلك لما اشتملت عليه روايتهما من زيادة وبيان؛ حيث جاء عندهما التصريح باسم الرجل.

فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن ابن القَيِّم رحمه الله يكتفي بالتخريج من الصحيحين ويَسْتَغْنِي بهما عن غيرهما، إلا إذا دَعَتْ الضرورةُ إلى الزيادة عليهما، فإنه يفعل ذلك.

ثانياً: لم يلتزم ابن القَيِّم رحمه الله بتخريجِ كُلِّ حديث أورده في كتبه، بل إنه - في بعض الأحيان - يذكرُ الحديث مُسْتَدِلاً بهِ لِمَسْأَلة، دون أن يعزوه لأحدٍ ممن خرجه1.

والْمُطَالِع لكتبه رحمه الله يجد اهتماماً كبيراً بتخريج الأحاديث التي أوردها في مباحثه، فيكون ما وقعَ له من ذلك: إِمَّا لِشهرةِ الحديث وصحَّتِهِ فيستغني بذلك عن تخريجه، أو لرغبته في الاختصار، أو لأنه خَرَّجَهُ في موضع آخر من كتبه، أو لغير ذلك من الأسباب الكثيرة.

ثالثاً: وكما أنه رحمه الله قد يذكر الحديث ساكتاً عن تخريجه، فإنه قد يصرح بعدم وقوفه عليه ولا معرفته بمن خرجه، فمن أمثلة ذلك:

1 انظر أمثلة لذلك في: زاد المعاد: (1/ 188، 189، 191، 240، 262، 285) ، (3/76، 77، 78، 79، 91، 115، 320)، (4/332) . والوابل الصيب:(ص99)، وروضة المحبين:(ص 276، 277) وحادي الأرواح: (ص 230) .

ص: 12

- قوله في حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: "مَنْ أَجْلَبَ عَلَى الخيل يوم الرِّهان فليس منا" قال: "ذَكَرَهُ صاحب المغني، ولا أعرف مَنْ خَرَّجَهُ"1.

- وقال في حديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً: في إطراق الفحل، وقوله صلى الله عليه وسلم:"إِذَا كَانَ إِكْرَاماً فَلا بَأْسَ" قال: "ولا أعرفُ حال هذا الحديث، ولا من خَرَّجَهُ"2.

أما إذا كان شَاكَّاً وغير متأكد من وجود الحديث في المصدر الذي يعزو إليه، فِإِنَّهُ لا يجزمُ بنسبته إليه، ومن ذلك قوله في حديث:"وأظنه في المسند"3.

رابعاً: طولُ نَفَسِهِ رحمه الله واستيعابه في التخريج، فيتوسع أحياناً في تخريجِ الحديثِ الواحد توسعاً كبيراً، حتى إنه ليكادُ يأتي على رواياته، ويستوفي جميع طرقه.

ومن أمثلة ذلك:

- حديث: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَب". قال رحمه الله: "رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنس بن مالك، وعبد الله بن مسعود، وأبو موسى الأشعري، وعلي بن أبي طالب، وأبو سعيد الخدري، وأبو ذر، وصفوان بن عَسَّال،

1 الفروسية: (ص 99) .

2 زاد المعاد: (5/ 796) .

3 مدارج السالكين: (2/ 327) .

ص: 13

وعبد الله بن يزيد الخطمي

" فَعَدَّ تسعة عشر صَحَابياً، ثُمَّ أخذ في تخريج رواية كل صحابي، وبيان درجتها1.

- وحديث النهي عن لحوم الحمر الأهلية، قال رحمه الله:"

رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم: عليُّ بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، والبراء بن عازب، وابن أبي أوفى

" فعد عِشْرِين صحابياً، ثم أخذ في تخريجها حديثاً حديثاً2.

- وحديث: "أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ" ساقه رحمه الله من طريق: شداد بن أوس، وأبي هريرة، وعائشة، وأسامة بن زيد، وأبي موسى، ومعقل بن سنان، وابن عباس، وبلال رضي الله عنهم أجمعين، مع ذكر من أخرجَ كلَّ رواية من هذه الروايات3.

- وقال رحمه الله مرة: " وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم الأمر بفسخ الحجِّ إلى العمرة أربعة عشر من أصحابه، وأحاديثهم كُلُّهَا صِحَاحٌ، وهم: عائشةُ، وحفصة أَمَّا المؤمنين، وعلي بن أبي طالب، وفاطمة، وأسماء بنت أبي بكر الصديق، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد، والبراء، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس، وسبرة بن معبد الجهني، وسراقة بن مالك المدلجي رضي الله عنهم"4.

1 تهذيب السنن: (8/ 23 - 26) .

2 تهذيب السنن: (5/ 317- 324) .

3 تهذيب السنن: (3/ 243-245) .

4 زاد المعاد: (2/ 178-187) .

ص: 14

ثُمَّ أَخَذَ في سَرْدِ أحاديثهم حَدِيثاً حديثاً، مع تخريجها والكلام عليها.

وهكذا نجده رحمه الله يتوسع في إيراد طرق الحديث في مناسبات عديدة، ويكون ذلك منه رحمه الله:

- إما لمحاولة استقصاء أحاديث الباب، واستيعاب المرويات في الموضوع الذي هو بصدد بحثه؛ كما فعل ذلك كثيراً في (تهذيب السنن)1.

- وإما تأييداً ونصرةً لما يختاره في مسألة مُخْتَلَفٍ فيها، كما هو الحال في المثالين الأخيرين من الأمثلة التي سُقْتَهَا قبل قليل.

- أو لغير ذلك من الأغراض.

خامساً: قد يعزو الحديث إلى أحد الأئمة المشهورين دون تصريح باسم كتابه. فيقول مثلا: "قال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي

"2. ويقول: "قال ابن شاهين: حدثنا عبد الله بن سليمان ابن الأشعث

"3. ويقول: "قال عبد الرحمن بن أبي حاتم

"4. ويقول: "قال أبو نعيم: حَدَّثَنَا محمد بن معمر

"5.

1 انظر مثلاً: (3/ 77، 120) ، (7/ 60، 130، 135، 228، 312) .

2 جلاء الأفهام: (ص 50) .

3 جلاء الأفهام: (ص53) .

4 جلاء الأفهام: (ص 228) .

5 حادي الأرواح: (ص 199) .

ص: 15

ولكنَّ الكثير الغالبَ: أنه يعزو الحديث إلى مصدره، ويذكر الكتابَ الذي خَرَّجَهُ، كما هو ظاهرٌ بَيِّنٌ لمن طَالَعَ كتبه.

سادساً: تنوع طرق نقله للحديث من مصادره.

- فتارة يسوقُ الحديثَ بإسناد صاحب الكتاب الذي أخرجه، وتارةً يكتفي بذكر صحابيِّ الحديث فقط.

ويُلاحظ أنه رحمه الله يُكْثِرُ من ذكر أسانيد الأحاديث في بعض كتبه دون بقيتها، فنجد أن ذلك يكثر - مثلا - في (حادي الأرواح) ، وفي (جلاء الأفهام) ، وغيرهما من الكتب التي أفردها لجمع أحاديث موضوع بعينه، أي: الكتب التي تَتَّسِمُ بوحدة الموضوع.

ولعل السبب في ذلك: أن هذه الكتب يغلبُ عليها المادةُ الحديثية، دون الكلام والشرح والأخذ والردِّ، مِمَّا هو موجود في غيرها من كتبه، فيكونُ - لأجل ذلك - قد أولاها عنايته، واهتم بسردها مسندة.

ويُلاحظ أيضاً: أنه لا يسوق - غالباً - أسانيدَ الأحاديث الْمُتَّفَقِ على صِحَّتِهَا، أو التي أخرجها أحد صَاحِبَي الصحيح.

- وتارةً نجده يُسقط حَتَّى ذكر الصحابي، ويُعَلِّقُ الحديثَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول:"ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال"1. ويقول: "وعنه صلى الله عليه وسلم أنه كان في غزوة فقال

"2. ويقول: "قال النبي صلى الله عليه وسلم

"3.

1 الصلاة: (ص 35) .

2 الوابل الصيب: (ص 150) .

3 الوابل الصيب: (ص 185) .

ص: 16

ولكنَّ ذلك قليل إذا قُورِنَ بِمَا صَرَّح فيه بذكرِ الصحابي.

- وقد ينقل رحمه الله بعضَ الأحاديث بإسناده الْمُتَّصِل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وغالباً ما يعبر عن ذلك بقوله:"روينا". قال مرة: "وقد روي لنا عنه - يعني نَبِيِّ الله إبراهيم عليه السلام حديثاً وقع لنا متصل الرواية إليه، رويناه في كتاب الترمذي وغيره

"1.

فهذه بعض الملاحظات عن أسلوبه في النقل عن المصادر، والعزو إليها، والتخريج منها، وتنوع ذلك منه رحمه الله.

سابعاً: قد يذكر الحديث عند تخريجه إياه بالمعنى، ولا يلتزم بذكر لفظه2.

وهذا - والله أعلم - يقع في بعض الأحاديث التي يذكرها من حفظه خاصة، دون التي ينقلها من مصادرها.

ومع ذلك، فإن الغالب عليه رحمه الله المحافظة على لفظ الحديث، ونَقْلِهِ بِنَصِّهِ، كما يظهرُ ذلك عند المقارنة بين كثيرٍ من النصوص الحديثية، ومصادرها التي نقل عنها وعزا إليها.

1 جلاء الأفهام: (ص 149) .

2 انظر مثلا: زاد المعاد: (1/ 318) وقارن مع الترمذي: (2/281) ح420، والزاد:(1/215) وقارن مع ابن حبان: (الإحسان: 4/180)، والزاد:(2/108) وقارن مع أبي داود: (2/505) ح 1992، والمنار المنيف:(ص83) وانظر حاشية رقم 5 من الكتاب المذكور.

ص: 17

على أنه رحمه الله قد يَرِدُ عنه ما يدلُّ على نقله الحديث بالمعنى، فنجده يقول مثلا:"أو كما قال صلى الله عليه وسلم"1.

وقد ينصُّ صراحةً على أن ما ذكره هو معنى الحديث دون لفظه، فمن ذلك:

- قوله في حديث: "النَّظرةُ سَهْمٌ مسمومٌ من سِهَامِ إبليس، فَمَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عن محارمِ امرأة لله، أورثَ الله قلبه حلاوةً إلى يوم يلقاه" قال: "هذا معنى الحديث"2.

- وقال مرة: "وفي المسند عنه صلى الله عليه وسلم حديث معناه: أن الله جعلَ طعامَ ابن آدم، وما يخرجُ منه مثلاً للدنيا

"3.

ثامناً: الدقة في تمييز الروايات، وبيان الفرق بين ألفاظها، ونسبة كل لفظ إلى الكتاب الذي أخرجه.

- فيقول مثلا: "هذا الحديث في الصحيحين، واللفظ لمسلم"4.

- ويقول في حديث آخر: "رواه الإمام أحمد وأبو داود، وروى النسائي وابن ماجه أَوَّلَهُ"5.

1 مفتاح دار السعادة: (1/181) .

2 الجواب الكافي: (ص 229) .

3 طريق الهجرتين: (ص 455) .

4 مختصر الصواعق: (1/ 61) .

5 الروح: (ص 55) .

ص: 18

- ويقول في حديث آخر: "رواه ابنُ ماجه، والترمذي وهذا لفظه"1.

- وعزا حديث أكلِ الحسنِ أو الحسينِ من تَمْرِ الصدقة للبخاري بلفظ: "فقال: أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة". ثم قال: "ورواه مسلم، وقال: "إنا لا تحل لنا الصدقة" 2.

وبعد، فهذه أهم الخطوات التي سَارَ عليها ابن القَيِّم رحمه الله في تخريجه للأحاديث وعزوها إلى مظانها من كتب السنن، والمسانيد وغيرها من المصادر، وما اتَّسَمَ به منهجه في ذلك.

وفي ختام ذلك أُورِدُ بعض الملحوظات اليسيرة، وهي وإن كانت مما يؤخذ على ابن القَيِّم رحمه الله، إلا أنها لا تكادُ تُذْكَرُ في جانب جهده الْمُوَفَّقِ في هذا الباب، وكفى المرء نُبْلاً أن تُعَدَّ مَعَايِبُه.

فمن هذه الملحوظات والمآخذ:

1-

أن ابن القَيِّم رحمه الله قد يطلق عزو الحديث لمؤلف من المؤلفين دون تحديد للكتاب الذي أُخْرِج فيه هذا الحديث، وقد يؤدي ذلك إلى وقوع شيء من الالتباس، وبخاصة إذا كان لهذا المؤلف أكثرُ من كتاب، فمن أمثلة ذلك:

1 الروح: (ص 108) .

2 جلاء الأفهام: (ص 111) . وانظر مزيداً من الأمثلة على ذلك في: حادي الأرواح: (ص159، 166، 206، 250)، وزاد المعاد:(3/ 285)، والصلاة:(ص147، 159)، وتهذيب السنن:(7/ 81، 150، 151، 330) .

ص: 19

- ما ذكره من دعائه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، وقوله: "اللهم إِنَّكَ تَسْمَعُ كلامي، وترى مكاني، وتَعْلَم سِرِّي وعلانيتي

". فقد قال عقبه: "ذكره الطبراني"1.

ومعلوم أن للطبراني معاجمَ ثلاثة، وله كتاب (الدعاء) الذي هو مظنة لوجود هذا الحديث، فلا شكَّ أن إطلاق العزو للطبراني - والحالة هذه - يوقع في نوع التباس، فلا يُدرى في أي كتب الطبراني هو؟

فهذا الحديثُ الذي عزاه للطبراني: مُخَرَّجٌ في معجميه: (الكبير) 2، و (الصغير) 3، فلزم تقييده لأجل ذلك.

- ومن ذلك: عزوه حديث معاوية بن قرة في قتل من عَرَّسَ بامرأة أبيه. للنسائي دون تحديد4، مع أن الحديثَ في (سننه الكبرى)5. فكان لابد من تقييده دفعاً لالتباسه بالصغرى، إذ هي المرادة عند الإطلاق.

- ومثله: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ركعتين، ثم ينصرف فيستاك" وأن ذلك كان في صلاة الليل، فقد عزاه إلى (سنن النسائي)6. مع أن الحديث ليس في (الصغرى) كما هو المتبادر عند الإطلاق، وإنما هو في الكبرى7.

1 زاد المعاد: (2/ 237) .

(11/ 174) ح 11405.

(1/247) .

4 تهذيب السنن: (6/267) .

(6/444 – 445) ح 7182 – 7186.

6 المنار المنيف: (ص 27) .

(1/237) ح 404، (2/135) ح 1345.

ص: 20

- وعزا حديث عمران بن حصين في ثواب السلام إلى النسائي، فقال:"رواه النسائي"1. وليس الحديث في السنن كما هو المتبادر، وإنما هو في (عمل اليوم والليلة) 2 له، ولم أر من عزاه للسنن.

- وذكر حديث: "كان إذا عَرَّسَ3 بليلٍ اضطجع على شقه الأيمن، وإذا عَرَّسَ قبيل الصبح نَصَبَ ذراعه ووضع رأسه على كفه" قال: "هكذا قال الترمذي"4. وليس هذا الحديث في (جامع الترمذي) كما يُفْهَمُ من إطلاقه، وإنما أخرجه في (الشمائل) 5.

- وقريب من ذلك أيضاً: قوله عن حديث: "وفي بعض المسانيد

"6. هكذا بدون تحديد.

2-

قد يعزو رحمه الله الحديثَ إلى المصدر الأدنى رتبةً، والأبعدِ شهرةً، مع وجوده في الكتب المتقدمة رتبة وشهرة، كالصحيحين مثلا. فمن ذلك:

- أنه عزا حديث أنس رضي الله عنه: "مَا صَليت خلفَ رجلٍ أوجز صلاة

1 زاد المعاد: (2/ 417) .

(ص 287) ح 337.

3 التعريس: نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة. (النهاية 3/206، عرس) .

4 زاد المعاد: (1/ 158) .

(ص222) ح 247.

6 زاد المعاد: (1/ 168) .

ص: 21

من رسول الله صلى الله عليه وسلم

" عزاه لأبي داود1. مع أن الحديث بإسناده ولفظه مخرج في (صحيح مسلم) 2.

- وعزا حديث الرَّجُلِ الذي كان يُتَّهَم بأم ولد النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان من إرسال النبي صلى الله عليه وسلم علياً لقتله، وأنه وجده مجبوب الذكر. عزاه لابن أبي خيثمة وابن السكن3. مع أن الحديث في (صحيح مسلم) 4، وقد نبه على ذلك محقق (الزاد) .

- وعزا حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، وقوله لمروان بن الحكم: "ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل

" عزاه لأصحاب السنن5، مع أن الحديث مخرج في (صحيح البخاري)6.

3-

قد تقع لابن القَيِّم رحمه الله أوهام في العزو والتخريج، فمن ذلك:

- حديث: "قَسَمَ الله الخير، فَجَعَله عشرة، فَجَعَل تسعة أعشاره في الشام، وبقيته في سائر الأرض". عزاه للإمام أحمد في (مسنده)7. وليس الحديث في المسند فيما بحثت عنه، ونَبَّهَ على ذلك العلامة أحمد شاكر في تعليقه على (تهذيب السنن) .

1 الصلاة: (ص 148) .

(1/ 344) ح196 (473) .

3 زاد المعاد: (5/ 16) .

(4/ 2139) ح 59 (2771) .

5 زاد المعاد: (1/ 211) .

6 ك الأذان، باب القراءة في المغرب، ح764 (فتح الباري2/246) .

7 تهذيب السنن: (3/ 355) .

ص: 22

- وعزا حديث أنس رضي الله عنه: "مَا زَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقنتُ في الفجر حَتَّى فَارَقَ الدنيا". للترمذي1. وليس الحديث في الترمذي2.

- وعزا حديث إسرائه صلى الله عليه وسلم من بيت أم هانئ إلى الصحيح3، وليس هو في واحد منهما، وقد نَبَّهَ عليه محقق (زاد المعاد) .

- وقال في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في سفر فبدا له الفجر قال: "سَمِعَ سَامعٌ بحمد الله ونعمته

". قال: "إسناد صحيح على شرط مسلم"4. وظاهر عبارته أن مسلماً لم يخرجه، وأنه على شرط كتابه، مع أن الحديث مُخَرَّج في (صحيح مسلم) 5.

وأقول: الغالبُ أن ذلك لا يقعُ - على قِلَّته وَنُدْرَتِهِ - لابن القَيِّم إلا فيما كتبه من حفظه؛ حيث إنه كان لا يَكُفُّ عن الكتابة والتأليف حالَ السفر، وفي غياب الكتب، كما نَصَّ على ذلك في (زاد المعاد) وغيره، فهو لأجل ذلك معذور، ومن ذا الذي يسلم من الوهم والخطأ؟! وهذه الأوهام اليسيرة إنما هي قطرة في بحر حفظه وإتقانه وقوة استحضاره، وشيء لا يكاد يذكر إذا قيس بكثرة ما كتب وسطر، رحمه الله تعالى، وأجزل له الأجر والمثوبة، وجزاه عن الإسلام وأهله خير الجزاء.

1 زاد المعاد: (1/ 275) .

2 انظر: نصب الراية: (2/131 -132) .

3 زاد المعاد: (3/434) .

4 الوابل الصيب: (ص 198) .

(4/ 2086) ح 69 (2718) .

ص: 23