الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من كتاب الصوم
1 ـ باب السواك للصائم
…
1-
باب السواك للصائم
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "وصحَّ عنه أنه كان يستاك وهو صائم"1. ولعله رحمه الله يشير بذلك إلى حديث:
40 -
(1) عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: "رَأَيْت النبي صلى الله عليه وسلم مَا لا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وهو صائم".
وقد سَكَتَ رحمه الله عن حديث عامر هذا في (تهذيب السنن)2.
قلت: وهذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 3، والترمذي في (جامعه) 4، وأحمد في (مسنده) 5، وابن خزيمة في (صحيحه) 6، والدارقطني والبيهقي في (سننيهما) 7، والعقيلي في (الضعفاء) 8، كلهم من طريق:
1 زاد المعاد: (2/61) .
(3/240) .
(2/768) ح 2364 ك الصوم، باب السواك للصائم.
(3/95) ح 725، ما جاء في السواك للصائم.
(3/445) .
(3/247) ح 2007، باب الرخصة في السواك للصائم.
7 قط: (2/202) ح 2 - 4. هق: (4/272) .
(3/334) . في ترجمة "عاصم بن عبيد الله".
سفيان الثوري، عن عاصم بن عبيد الله1، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة2، عن أبيه عامر به. ولفظ مسدد عند أبي داود:"ما لا أَعُدُّ ولا أحصي". وكذا قال جعفر بن محمد الثعلبي عند ابن خزيمة.
وهذا الحديث ضعيف، في إسناده "عاصم بن عبيد الله العُمَرِي" وقد ضَعَّفَهُ غير واحد من الأئمة، فقال كلُّ من: البخاري3، وأبي حاتم4، وأبي زرعة5:"منكر الحديث". وقال ابن معين: "ضعيف"6. وقال النسائي: "لا نعلم مالكاً روى عن إنسان ضعيف مشهور بالضعف إلا عاصم بن عبيد الله
…
"7 وقال الدارقطني: "مدني يترك، وهو مغفل"8. وقال ابن حبان:"كان سيئ الحفظ، كثير الوهم، فاحش الخطأ، فَتُرِكَ من أجل كثرة خطئه"9. وَضَعَّفَهُ غير هؤلاء10.
1 ابن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي، المدني، ضعيف، من الرابعة، مات في أول دولة بني العباس، سنة 132/ عخ4. (التقريب 285) .
2 العَنَزِي، أبو محمد المدني، ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولأبيه صحبة مشهورة، وَثَّقَهُ العجلي، مات سنة بضع وثمانين/ ع. (التقريب 309) .
3 الضعفاء الصغير: (ص180) .
4 الجرح والتعديل: (3/1/348) .
5 المصدر السابق.
6 تاريخ الدوري: (2/283) .
7 تهذيب التهذيب: (5/48) .
8 سؤالات البرقاني للدارقطني: (ص49) .
9 المجروحين: (2/127) .
10 انظر: تهذيب التهذيب: (5/47 - 48) .
وخالف العِجْلِيُّ، فقال:"لا بأس به"1.
وقد ضَعَّفَ الحديث جماعة لأجل عاصم هذا: فقال ابن خزيمة عقب إخراجه إياه: "وأنا بريء من عهدة عاصم"2. ثم نقل بعض أقوال مُضَعِّفِيه، واعتذر عن إخراجه في كتابه بأن شعبة والثوري قد رويا عنه. وقال العقيلي: "ولا يُروى بغير هذا الإسناد إلا بإسناد لَيِّنٍ". وقال الدارقطني عقب إخراجه: "عاصم بن عبيد الله غيره أثبت منه". وقال البيهقي: "عاصم بن عبيد الله ليس بالقويِّ"3. وقال المنذري: "في إسناده عاصم بن عبيد الله، وقد تَكَلَّمَ فيه غير واحد"4. وقال ابن حجر: "وفيه عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف"5. وعَلَّقَهُ البخاري في (صحيحه) 6 بصيغة تمريض، فقال: "ويذكر عن عامر بن ربيعة
…
".
وقد انفرد الترمذي رحمه الله بتحسينه، فقال:"حديث حسن". ويبدو أن ابن القطان يوافقه على ذلك؛ حيث قال: "وهو حديث يرويه الثوري، عن عاصم بن عبيد الله، وعاصم مختلف فيه، فبحق قيل فيه: حسن"7. وقال ابن الملقن: "إنما لم يصححه - يعني الترمذي -؛ لأن
1 الثقات: (بترتيب الهيثمي) : (ص241) .
2 صحيح ابن خزيمة: (3/248) .
3 السنن: (1/272) .
4 مختصر السنن: (3/241) .
5 التلخيص الحبير: (1/68) .
6 انظر: فتح الباري مع البخاري: (4/158) ك الصوم، باب سواك الرطب واليابس للصائم.
7 بيان الوهم والإيهام: (3/441) ح 1196.
في إسناده عاصم بن عبيد الله
…
"1.
قلت: فظاهر كلامهما - يعني: ابن القطان وابن الملقن - أن الترمذي حَسَّنَهُ لأجل وجود عاصم بن عبيد الله في إسناده، ولولا ذلك لَصَحَّحَهُ! والأمر على خلاف ذلك؛ فإن الجمهور على ضعف هذا الرجل كما سلف من كلامهم رحمهم الله، فَيَتَرَجَّحُ بذلك ضعف الحديث لا حُسْنُهُ.
أما ابن القَيِّم رحمه الله: فإنه يرى صحة الحديث كما مضى من كلامه في (زاد المعاد) ، وكما يُفهم من سكوته عليه في (تهذيب السنن) .
ولكن مع ضَعْفِ هذا الحديث، فإن العمل عليه، قال الترمذي رحمه الله: "والعمل على هذا عند أهل العلم، لا يرون بالسواك للصائم بأساً
…
".
فيكون الاحتجاج في ذلك بعموم النصوص الواردة في الترغيب في السواك لا بهذا الخبر، وقد عَبَّرَ عن ذلك ابن القَيِّم بقوله:"ولو احْتُجَّ عليه بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". لكانت حُجَّةً، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب" وسائر الأحاديث المُرَغِّبَة في السواك من غير تفصيل
…
"2. فهذا أولى من الاحتجاج بحديث عاصم هذا، والله أعلم.
1 البدر المنير: (3/175) .
2 تهذيب السنن: (3/241) .
ومن الأحاديث التي تناولها ابن القَيِّم رحمه الله في هذا الباب:
41-
(2) عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مِنْ خَيْرِ خِصَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكِ".
ذكر ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث في (زاد المعاد) 1 وَضَعَّفَهُ، فإنه صَدَّرَهُ بصيغة تمريض، فقال: "ويذكر عنه
…
"، ثم قال: "رواه ابن ماجه من حديث مُجَالِد، وفيه ضعف".
وأورده رحمه الله مستشهداً به ساكتاً عنه في (تهذيب السنن) 2؛ فإنه قال عند حديث عامر بن ربيعة - الماضي ذكره قبل هذا-: "وقد روى ابن ماجه من حديث عائشة
…
" فذكره.
قلت: هذا الحديث أخرجه ابن ماجه في (سننه) 3، والدارقطني والبيهقي كذلك في (سننيهما) 4، ثلاثتهم من طريق:
أبي إسماعيل الْمُؤَدِّب5، عن مجالد بن سعيد6، عن الشعبي، عن
(2/63) .
(3/240 - 241) .
(1/536) ح 1677 ك الصوم، باب ما جاء في السواك والكحل للصائم.
4 قط: (2/203) ح 6. هق: (4/272) باب السواك للصائم.
5 هو: إبراهيم بن سليمان بن رزين الأردني، نزيل بغداد، مشهور بكنيته، صدوق يُغْرِب/ ق. (التقريب 90) .
6 ابن عمير الهمداني، أبو عمرو الكوفي، لَيْسَ بِالقَوِيّ وقد تَغَيَّر في آخر عمره، من صغار السادسة، مات سنة 144هـ/ م4. (التقريب 520) .
مسروق، عن عائشة رضي الله عنها به، واللفظ المتقدم هو لفظ ابن ماجه، وعند الدارقطني والبيهقي: "خير خصال
…
" بدون "من". إلا أن الدارقطني في رواية ابن منيع جاء به مثل لفظ ابن ماجه.
وقد أشار إليه الترمذي في (جامعه) 1، فإنه قال - عقب إخراجه حديث عامر بن ربيعة المتقدم -:"وفي الباب عن عائشة".
وإسناد هذا الحديث ضعيف لضعف مجالد بن سعيد، فقد تكلم فيه الأئمة: قال البخاري: "كان يحيى القطان يضعفه، وكان ابن مهدي لا يروي عنه عن الشعبي
…
"2. وقال الإمام أحمد: "ليس بشيء، يرفع حديثاً كثيراً لا يرفعه الناس، وقد احتمله الناس"3. وقال ابن معين:"لا يحتجُّ بحديثه"4. وقال مرة: "ضعيف واهي الحديث"5. وقال النسائي: "ضعيف"6. وقال ابن أبي حاتم: "سُئل أبي عن مجالد بن سعيد، يحتجُّ بحديثه؟ قال: لا. وهو أحبُّ إليَّ من بشر بن حرب وأبي هارون العبدي
…
وليس مجالدٌ بقويٍّ في الحديث"7. وقال ابن حبان: "كان رديء الحفظ يَقْلِبُ الأسانيدَ ويرفع المراسيل، لا يجوز الاحتجاج به"8.
(3/95) .
2 الضعفاء الصغير: (ص232) .
3 تهذيب التهذيب: (10/40) .
4 تاريخ الدوري: (2/549) .
5 تهذيب التهذيب: (10/40) .
6 الضعفاء والمتروكين: (ص96) .
7 الجرح والتعديل: (4/1/362) .
8 المجروحين: (3/10) .
ومع ذلك فقد ذهب جماعة إلى أن أمره مُحْتَمَل، فقال العِجْلي:"جائز الحديث، حسن الحديث، إلا أن عبد الرحمن بن مهدي كان يقول: أشعث بن سَوَّار أَقْوَى منه. والنَّاس لا يتابعونه على هذا، كان مجالد أرفع من أشعث بن سوار"1. وقال يعقوب بن سفيان: "تَكَلَّمَ الناس فيه، وهو صدوق"2. وقال الإمام أحمد: "وقد احتمله الناس"3. وَوَثَّقَه النسائي مرة4. وقال السَّاجي: "قال محمد بن الْمُثَنَّى: يُحْتَمَل حديثه لصدقه"5. وقال البخاري: "صدوق"6. وقال الذهبي: "مشهور، صالح الحديث"7. وقال مرة: "مشهور صاحب حديث، على لِينٍ فيه"8.
فَتَلَخَّصَ من ذلك أنَّ مجالداً هذا ليس شديد الضَّعْفِ بحيثُ يُطْرَحُ حديثه بالْكُلِّية، وإنما أمره محتملٌ، فَيُعْتَبَرُ بحديثه إذا وافق الثقات وروى ما روى الناس، وأما إذا انفرد فلا يُحْتَجُّ به، لما تَقَدَّمَ من كلام الأئمة في شأنه. وقد أخرج له مسلم رحمه الله في (صحيحه) مقروناً9، ولعلَّ مقالة ابن القَيِّم:"فيه ضعف" تشعر بهذا الذي قدمنا، فإنها لا شكَّ لا تفيد مطلق الضعف، وسيأتي من كلام غيره ما يُشْعِرُ بذلك أيضاً.
1 الثقات "ترتيب الهيثمي": (ص 420) .
2 تهذيب التهذيب: (10/41) .
3 تهذيب التهذيب: (10/40) .
4 المصدر السابق.
5 المصدر السابق: (10/41) .
6 المصدر السابق.
7 المغني: (2/542) .
8 الميزان: (3/438) .
9 تهذيب التهذيب: (10/41) .
والذي يظهر أنه قد انفرد برواية هذا الأمر، نعم رُوِيَ هذا الحديث من طريق مسروق عن عائشة عن غير مجالد، لكن في إسناده: السري بن إسماعيل1، وهو متروك الحديث منكره، كما قال غير واحد2. ولم أقف على من أخرج هذه الطريق، وإنما ذكرها ابن الملقن رحمه الله في (البدر المنير) 3، وذكر أيضاً4: أن أبا نعيم رواه، ولم أقف عليه في (الحلية) ولا في (معرفة الصحابة) له، وقال ابن حجر: "ورواه أبو نعيم من طريقين آخرين عنها"5. ولم يبينهما.
وقد ضَعَّفَ حديث مجالد هذا جماعة، فقال الدارقطني عقب إخراجه:"مجالد غيره أثبت منه ". وكذا قال البيهقي. وقال البوصيري: "إسناد ضعيف لضعف مجالد"6. وقال ابن الملقن: "في إسناده مجالد، وفيه مقال"7. وقال الحافظ ابن حجر: "ضعيف"8.
قلت: فقد تَبَيَّنَ من ذلك أن هذا الحديث ضعيف وإن وَثقَ بعضهم مجالداً، وبذلك لا يثبتُ الترغيب في السواك للصائم بهذا
1 الهمداني، الكوفي، ابن عم الشعبي، متروك الحديث، من السادسة/ ق. (التقريب230) .
2 انظر: تهذيب التهذيب: (3/459 - 460) .
(3/179) .
4 البدر المنير (3/180) .
5 التلخيص الحبير: (1/68) .
6 مصباح الزجاجة: (2/66) .
7 البدر المنير: (3/179) .
8 التلخيص الحبير: (1/68) .
الحديث، ولكن يثبت ذلك بعموم الأحاديث الواردة في الترغيب فيه كما قَدَّمْنَا.
وكما أنه لا يثبت في الترغيب في السواك للصائم شيء، كذلك لا يثبت في المنع منه والنهي عنه شيء، قال ابن القيم:"ولم يجئ في منع الصائم منه حديث صحيح"1.
وعلى هذا فقد وُفِّقَ ابن القَيِّم لَمَّا ضَعَّفَهُ في (زاد المعاد) ، فوافق بذلك جملة من رَدَّهُ من العلماء، وأما إيراده في (تهذيب السنن) مستشهداً به ساكتاً عليه، فالمعتبر كلامه الأول إن شاء الله، والله أعلم.
1 تهذيب السنن: (3/241) .