الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5- باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال
45-
(6) عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثم أَتْبَعَهُ بِسِتّ من شوال، فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ".
تَكَلَّم ابن القَيِّم رحمه الله على هذا الحديث في (تهذيب السنن) 1، وذكر أنه مُخْتَلَفٌ فيه بين التصحيح والتضعيف، ثُمَّ ذَكَرَ شُبَهَ مُضَعِّفِيهِ وأجابَ عنها، ويتلخص كلامه عن هذا الحديث في الأوجه التالية:
1-
أنه بينما أخرج هذا الحديث مسلم في (صحيحه) ، فقد أَعَلَّهُ آخرون وَضَعَّفُوه.
2-
وأنَّ حَاصِل ما أُعِلَّ به هذا الحديث ما يلي:
أ-أن مداره على "سعد بن سعيد الأنصاري"، وهو ضعيف.
ب- أنه وإن وُجِدَت له متابعات، فإنها أيضاً تُضَعَّف.
ج- أنه حديث مضطرب، اخْتُلِفَ في سنده على "عمر بن ثابت" شيخ سعد بن سعيد.
د- أَنَّهُ شاذٌّ، تَفَرَّدَ به عمر بن ثابت.
3-
وأن هذا الحديث ترك العمل به أهل العلم.
ثم شرع رحمه الله في الجواب عن تلك العلل بما سيأتي من كلامه أثناء هذا البحث.
(3/308 - 315) .
قلت: هذا الحديث مداره على عمر بن ثابت1، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. ويرويه عن عمر بن ثابت جماعةٌ، أشهرهم: سعد بن سعيد2.
ورواه عن سعد بن سعيد جماعة كثيرون:
فأخرجه مسلم في (صحيحه) 3 من طريق: إسماعيل بن جعفر، وابن نمير، وعبد الله بن المبارك، وفيه: "
…
كان كصيام الدَّهْرِ".
وأخرجه الترمذي في (جامعه) 4، وأحمد في (مسنده) 5 من طريق: أبي معاوية6، ولفظه: "
…
فذلك صيام الدَّهْرِ".
وأخرجه النسائي في (الكبرى) 7 من طريق: شعبة، ومن طريق: محمد بن عمرو الليثي.
1 الأنصاري الخزرجي، المدني، ثقة، من الثالثة، أخطأ من عَدَّه في الصحابة / م4. (التقريب410) .
2 ابن قيس بن عمرو الأنصاري، أخو يحيى، صدوق سيئ الحفظ، من الرابعة، مات سنة 141هـ- / خت م 4. (التقريب 231) .
(2/822) ح 1164، ك الصيام، باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إتباعاً لرمضان.
(3/123) ح 759، ك الصوم، باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال.
(5/417) .
6 هو: محمد بن خازم الضرير.
(3/239 - 240) ح 2875، 2877.
وأخرجه ابن ماجه في (سننه) 1 من طريق: عبد الله بن نمير.
وأخرجه الطيالسي وأحمد في (مسنديهما) 2 من طريق: ورقاء بن عمر3. ولفظ أحمد: "
…
فقد صام الدهر". أما الطيالسي فلفظه: "
…
فذلك صيامُ السَّنَةِ".
وأخرجه عبد الرزاق في (مصنفه) 4 من طريق: داود بن قيس5، وأبي بكر بن محمد بن أبي سبرة. ولفظ داود: "
…
كُتب له صيامُ السنة" يقول: لِكُلِّ يوم عشرة أيام. قال: وبه نأخذ.
وأخرجه البيهقي في (سننه) 6، والبغوي في (شرح السنة) 7 من طريق: محاضر بن المورّع8. كلُّ هؤلاء عن: سعد بن سعيد الأنصاري، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب مرفوعاً به.
(1/547) ح 1716، ك الصوم، باب صيام ستة أيام من شوال.
2 طس: (ح594) . حم: (5/419) .
3 اليَشْكُري، أبو بشر الكوفي، نزيل المدائن، صدوق في حديثه عن منصور لِينٌ، من السابعة / ع. (التقريب 580) .
(4/315) ح 7918، 7919. باب صوم الستة التي بعد رمضان.
5 الفرَّاء الدباغ، أبو سليمان القرشي مولاهم، المدني، ثقة فاضل، من الخامسة، مات في خلافة أبي جعفر / خت م 4. (التقريب 199) .
(4/292) .
(6/331) ح 1780.
8 الكوفي، صدوق له أوهام، من التاسعة، مات سنة 206هـ- / خت م د س. (التقريب 521) .
ورواه غير هؤلاء جماعة من الأئمة الثقات، منهم: ابن جريج، والثوري، ويحيى بن سعيد - أخو سعد بن سعيد - وغيرهم، كلهم: عن سعد بن سعيد بالإسناد السابق1. فهؤلاء ثلاثة عشر رجلاً - جُلُّهم حُفَّاظٌ أثبات - رووه عن "سعد بن سعيد".
وقد ضُعِّفَ هذا الإسناد بسعد بن سعيد، كما نقل ذلك ابن القَيِّم رحمه الله، إذا قال: "وقد اعترض بعض الناس على هذه الأحاديث
…
قالوا: وأشهرها حديث أبي أيوب، ومداره على سعد بن سعيد، وهو ضعيف جداً، تركه مالك، وأنكر عليه هذا الحديث"2. ثم نقل تضعيف أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن حبان له.
وقال العلامة المناوي: "وطعنَ فيه من لا عِلْمَ عنده، وغَرَّهُ قولُ الترمذي: حَسَنٌ. والكلام في راويه، وهو سعد بن سعيد"3.
أما الكلام في سعد بن سعيد: فقد ضَعَّفَهُ بعضهم، فقال الإمام أحمد:"ضعيف"4 وقال النسائي: "ليس بالقويِّ"5. وقال الترمذيّ: "وقد تَكَلَّم بعضُ أهل الحديث في سعد بن سعيد من قِبَل حفظه"6.
ومع ذلك فقد وَثقُهُ جماعة، فقال ابن سعد: "ثقةٌ، قليل
1 انظر: علل الدارقطني: ج2 (ق 52 /أ) .
2 تهذيب السنن: (3/310) .
3 فيض القدير: (6/161) .
4 الجرح والتعديل: (2/1/84) .
5 الضعفاء والمتروكين: (ص54) .
6 جامع الترمذي: (3/124) .
الحديث"1. وقال العجلي: "مدني ثقة"2. وذكره ابن شاهين في "ثقاته"3 وقال: "قال ابن عمار: سعد بن سعيد
…
ثقة". وقال ابن معين: "صالح"4. وقال أبو حاتم: "سعد بن سعيد الأنصاري مُؤَدِّي" قال ابن أبي حاتم: "يعني أنه كان لا يحفظ، يؤدي ما سمع"5. وذكره ابن حبان في (ثقاته) 6 في التابعين وقال:"كان يخطئ"، ثم ذكره مرةً أخرى في أتباع التابعين وقال:"وكان يخطئ، لم يَفْحُشْ خطؤه، فلذلك سلكناه مسلك العدول"7. وقال الذهبي: "صدوق"8 وقال مرة: "حسن الحديث، تابعي"9.
فهذا - كما نرى - قد وَثقَهُ جماعة كثيرون، وأن فيه ضعفاً يسيراً من قبل حفظه لا يمنع قبول ما وافق فيه غَيْرَهُ، ولهذا فقد دفع ابن القَيِّم رحمه الله القول بضعفه، ونقل قول أبي حاتم، وابن معين، وابن سعد في توثيقه، ثم نقل قول ابن عدي: "له أحاديث صالحة تقرب من
1 تهذيب التهذيب: (3/470) .
2 الثقات: (ترتيب الهيثمي) : (ص179) .
(ص96) .
4 الجرح والتعديل: (2/1/84) .
5 المصدر السابق.
(4/298) .
7 الثقات: (6/379) .
8 الكاشف: (1/277) .
9 المغني في الضعفاء: (1/254) .
الاستقامة، ولا أرى بحديثه بأساً بمقدار ما يرويه"1.
ثم قال ابن القَيِّم رحمه الله: "ومثل هذا إنما يُنفى ما ينفرد به، أو يخالفُ به الثقات، فأما إذا لم ينفرد، وروى ما رواه الناس فلا يُطْرَحُ حديثه".
قال: "سَلَّمْنَا ضَعْفَه، لكنَّ مسلماً إنما احتجَّ بحديثه لأنه ظهر له أنه لم يخطئ فيه بقرائنَ ومتابعات، ولشواهد دَلتُهُ على ذلك، وإن كان قد عُرِفَ خطؤه في غيره، فكون الرجل يخطئ في شيء لا يمنع الاحتجاج به فيما ظهر أنه لم يخطئ فيه
…
"2.
وقال في موضع آخر: "
…
لكنه ثقة صدوق، روى له مسلم، وروى عنه شعبة، وسفيان الثوري، وابن عيينة، وابن جريج، وسليمان بن بلال، وهؤلاء أئمة هذا الشأن"3.
هذا فيما يتعلق بالكلام على سعد بن سعيد، والرد على من ضَعَّفَ الحديث لأجله.
وأما دعوى انفراد سعد بن سعيد بهذا الحديث: فليس كذلك، وإنما تابعه عليه جماعةٌ، منهم: يحيى بن سعيد4 أخوه، وصفوان بن
1 وكلامه هذا في الكامل: (3/1189) .
2 تهذيب السنن: (3/311 - 312) .
3 المصدر السابق: (3/311) .
4 ابن قيس الأنصاري المدني، أبو سعيد القاضي، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة 144هـ- أو بعدها / ع. (التقريب 591) .
سليم1، وغيرهم.
أما رواية يحيى بن سعيد: فأخرجها النسائي في (الكبرى) 2 من طريق: صدقة بن خالد، عن عتبة بن أبي حكيم3، عن عبد الملك بن أبي بكر4، عن عمر بن ثابت به، وفيه قصة.
وذكر الدارقطني رحمه الله في (العلل) 5 أن إسماعيل بن إبراهيم الصائغ تابع عبد الملك بن أبي بكر في روايته عن يحيى بن سعيد به.
وذكر ابن القَيِّم رحمه الله لهما متابعاً ثالثاً، وهو: عبد الملك بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم6، ولكنه رحمه الله جعل هؤلاء الثلاثة في إسناد النسائي، فقال: "وأما حديث يحيى بن سعيد: فرواه النسائي عن هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد
…
عن عتبة بن حكيم
…
عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن، وعبد الملك بن محمد ابن أبي بكر بن عمرو بن حزم وإسماعيل بن إبراهيم الصائغ، ثلاثتهم: عن
1 المدني، أبو عبد الله الزهري مولاهم، ثقة مُفْتٍ عابدٌ رُمي بالقدر، من الرابعة، مات سنة 132هـ- / ع. (التقريب 276) .
(3/240) ح 2879.
3 الهمداني، أبو العباس الأردني، صدوق يخطئ كثيراً، من السادسة، مات بصور بعد الأربعين / عخ4. (التقريب 380) .
4 ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، المدني، ثقة، من الخامسة، مات في أول خلافة هشام/ ع. (التقريب 362) .
5 ج2 (ق 52/ أ) .
6 ثقة، من السابعة، لم يثبت أنَّ مسلماً أخرج له. (التقريب 362) .
يحيى بن سعيد، عن عمر به"1 كذا قال رحمه الله، والذي في السنن الكبرى من رواية: عبد الملك بن أبي بكر وحده، عن يحيى.
ثم نقل ابن القَيِّم رحمه الله عن النسائي أنه ضَعَّفَ هذه المتابعة بقوله: "فيه عتبة، ليس بالقويِّ"2.
قلت: هو عتبة بن أبي حكيم الهَمْدَاني، ضَعَّفَهُ جماعةٌ، ووثقه آخرون. فَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ: النسائي كما مرَّ، وقال مرة:"ضعيف"3. وقال ابن معين: "ضعيف الحديث"4. وقال أبو حاتم: "كَأَّنَّ أَحمد يُوَهِّنُهُ قليلاً"5. وقال محمد بن عوف الطائي: "ضعيف"6. وقال الجوزجاني: "غير محمود في الحديث"7.
وممن وَثقَهُ: ابن معين في رواية الدوري، فقال:"ثقة"8. وقال أبو حاتم: "صالح، لا بأس به"9. وقال دحيم: "لا أعلمه إلا مستقَيِّم الحديث"10. وذكره أبو زرعة الدمشقي في نفر ثقات11. وقال مروان
1 تهذيب السنن: (3/311) .
2 تهذيب السنن: (3/309) .
3 انظر: تهذيب التهذيب: (7/95) .
4 المصدر السابق: (7/94) .
5 الجرح والتعديل: (3/1/370) .
6 تهذيب التهذيب: (7/94) .
7 أحوال الرجال: (ص 172) .
8 تاريخ الدوري عن يحيى: (2/389) .
9 الجرح والتعديل: (3/1/371) .
10 تهذيب التهذيب: (7/94) .
11 المصدر السابق.
الطاطري: "ثقة"1. وقال أبو القاسم الطبراني: "من ثقات المسلمين"2. وذكره ابن حبان في (الثقات) 3 وقال: "يُعْتَبَرُ حديثه من غير رواية بقية ابن الوليد عنه". وقال ابن عديّ: "أرجو أنه لا بأس به"4. وقال الذهبي: "وهو متوسط، حسن الحديث"5.
فهذه أقوال موثقيه ومضعفيه بين أيدينا، والذي يظهر - والله أعلم - أن الرجل فيه ضعف يسير يجعل حديثه مقبولاً في المتابعات، ولذلك قال الذهبي رحمه الله:"متوسط، حسن الحديث". فحديثه بذلك يصلح للاعتبار به، فتكون هذه الطريق متابعةً صالحةً من يحيى بن سعيد لأخيه سعد بن سعيد.
وأما متابعة صفوان بن سليم لسعد بن سعيد: فقد أخرجها أبو داود في (سننه) 6، والحميدي في (مسنده) 7، وكذا الدارمي في (مسنده) 8، وابن حبان في (صحيحه) 9، كلهم من طريق:
عبد العزيز بن محمد، عن صفوان بن سليم وسعد بن سعيد
1 تهذيب التهذيب: (7/94) .
2 المصدر السابق: (7/95) .
(7/271) .
4 الكامل: (5/357) .
5 الميزان: (3/28) .
(2/812) ح 2433. ك الصوم، باب في صوم ستة أيام من شوال.
(1/188) ح 381.
(1/353) ح 1761، باب صيام الستة من شوال.
9 الإحسان: (5/257) ح 3626.
كليهما، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب به، وعند أبي داود والحميدي:"فَكَأَنَّمَا صَام الدَّهْرَ". وعند ابن ابن حبان والدارمي: "فذلك صيام الدَّهْرِ".
فهذه متابعة أخرى من صفوان بن سليم - وهو ثقة ثبت - لسعد ابن سعيد. والراوي عنه: هو الدراوردي، وَثَّقَهُ جماعة وَضَعَّفُهُ آخرون من قبل حفظه، وحديثه من كتابه أضبط من حديثه من حفظه، وأنكروا روايته عن عبد الله العمري1. وقال عنه الذهبي:"صدوق، من علماء المدينة، غيره أقوى منه"2. وقال مرة: "حديثه في دواوين الإسلام السِّتَّة، لكنَّ البُخَارِيَّ روى له مقروناً بشيخ آخر، وبكل حالٍ فحديثه وحديث ابن أبي حازم لا ينحط من مرتبة الحسن"3.
قلت: فمثله لا بأس به في المتابعات، فإن روايته لما يرويه الناس دليلُ حفظه وضبطه لهذا الْمَرْوِيِّ، فيكون هذا الإسناد حسناً على أقل تقدير.
وثمَّةَ متابعة ثالثة لسعد بن سعيد؛ إذ تابعه أخوه عبد ربه بن سعيد4، ذكر ذلك ابن القَيِّم رحمه الله، فقال: "رواه أحمد بن يوسف السُّلَمِي شيخ مسلم، وعقيل بن يحيى جميعاً عنه - يعني عبد الله بن يزيد
1 انظر أقوال الأئمة فيه في: الميزان: (2/633)، وتهذيب التهذيب:(6/354) .
2 الميزان: (2/633) .
3 سير أعلام النبلاء: (8/368) .
4 ابن قيس الأنصاري، أخو يحيى، المدني، ثقة، من الخامسة، مات سنة 139هـ/، وقيل: بعد ذلك/ ع. (التقريب 335) .
المقرئ - عن شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب مرفوعاً. وذكره ابن منده، وهو إسناد صحيح موافق لرواية الجماعة، ومقوّ لحديث صفوان بن سليم وسعد بن سعيد"1.
وقد رُوِيَ عن شعبة، عن عبد ربه بن سعيد موقوفاً على أبي أيوب، وسيأتي الكلام على ذلك عند مناقشة إعلاله بالاضطراب.
فهؤلاء الأربعة: سعد، ويحيى، وعبد ربه بنو سعد، وصفوان بن سليم، رووه كلهم: عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب، مما ينفي القول بتفرد "سَعْدٍ" به.
وقد ظهر مما تقدم أن هذه المتابعات صالحة لتقوية رواية سعد بن سعيد، وأن ما رُمِيَتْ به من الضَّعْفِ قد أجيب عنه، وقد أورد هذه المتابعات ابن القَيِّم رحمه الله، وناقشها وبين صلاحيتها لتعضيد رواية سعد، وقد نقلنا طرفاً من كلامه فيما سلف.
وأما قولهم بأنه حديث مضطرب الإسناد مُخْتَلِفٌ: فقد رواه أبو عبد الرحمن المقرئ، عن شعبة، عن عبد ربه بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب موقوفاً. أخرجه النسائي في (الكبرى)2.
وقد رُوِيَ من طريق: عثمان بن عمرو بن ساج، عن عمر بن ثابت، عن محمد بن المنكدر، عن أبي أيوب3.
قالوا: فهذا يدلُّ على أن طريق سعد بن سعيد غير متصلة؛
1 تهذيب السنن: (3/312) .
(3/240) ح 2878.
3 انظر: علل الدارقطني: ج2 (ق 52/ب) .
حيث أسقط منها "محمد بن المنكدر".
وقد رواه إسماعيل بن عَيَّاش، عن محمد بن أبي حميد، عن محمد بن المنكدر، عن أبي أيوب. قالوا: فدل ذلك على أن لرواية محمد بن المنكدر له عن أبي أيوب أصلاً.
وقد رواه أبو داود الطيالسي، عن ورقاء، عن سعد بن سعيد، عن يحيى بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب. قالوا: وهذا اختلاف يوجب ضعف الحديث.
وقد نقل ابن القَيِّم كلامهم هذا، وأجاب عنه بما يلي:
أما عن كونه يُروَى موقوفاً، فقال:"فإما أن يقال: الرفع زيادة. وإما أن يقال: هو مخالفة، وعلى التقديرين: فالترجيح حاصلٌ بالكثرة والحفظ؛ فإن صفوان بن سليم ويحيى بن سعيد - وهما إمامان جليلان - وسعد بن سعيد - وهو ثقة محتجٌّ به في الصحيح - اتفقوا على رفعه، وهم أكثر وأحفظ".
قال: "على أن المقرئ - يعني راويه عن شعبة - لم يُتَّفَقْ عنه على وقفه، بل قد رواه أحمد بن يوسف السُّلمي شيخ مسلم، وعقيل بن يحيى جميعاً عنه، عن شعبة، عن عبدربه بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب مرفوعاً، وذكره ابن منده، وهو إسناد صحيح".
قال: "وأيضاً فقد رواه محمد بن جعفر غندر، عن شعبة، عن ورقاء، عن سعد بن سعيد مرفوعاً كرواية الجماعة، وغندر أصحُّ الناس
حديثاً في شعبة"1.
وأما رواية عثمان بن عمرو بن ساج2، وإدخاله "محمد بن المنكدر" بين عمر بن ثابت، وأبي أيوب، فأجاب عن ذلك ابن القَيِّم بقوله:"وأما حديث عثمان بن عمرو بن ساج: فقال أبو القاسم بن عساكر في (أطرافه) عقب روايتها: هذا خطأ، والصواب: عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب. من غير ذكر محمد بن المنكدر. وقد قال أبو حاتم الرازي: عثمان والوليد ابنا عمرو بن ساج يُكتبْ حديثهما ولا يحتجُّ بهما3. وقال النسائي: رأيت عنده كتباً في غير هذا، فإذا أحاديث شبه أحاديث محمد بن أبي حميد، فلا أدري: أكان سماعه من محمد أم من أولئك المشيخة؟ فإن كانت تلك الأحاديث أحاديثه عن أولئك المشيخة، ولم يكن سمعه من محمد، فهو ضعيف".
قال: "وأما رواية إسماعيل بن عياش له عن محمد بن أبي حميد4: فإسماعيل بن عياش ضعيف في الحجازيين، ومحمد بن أبي حميد: متفق على ضعفه ونكارة حديثه، وكأن ابن ساج سرق هذه الرواية من محمد بن أبي حميد، والغلط في زيادة محمد بن المنكدر منه".
1 تهذيب السنن: (3/312) .
2 الجَزَرِي، مولى بني أمية، وقد يُنسبُ لجده، فيه ضعف، من التاسعة/ س. (التقريب 386) .
3 الجرح والتعديل: (3/1/162) .
4 واسم أبي حميد: إبراهيم، الزُّرَقِي، الأنصاري، أبو إبراهيم المدني، لقبه حماد، ضعيف، من السابعة/ ت ق. (التقريب 475) .
ثم قال رحمه الله: "وأما رواية أبي داود الطيالسي: فمن رواية عبد الله بن عمران الأصبهاني1 عنه. قال ابن حبان: كان يُغْرِب2 وخالفه يونس بن حبيب3 فرواه عن أبي داود4، عن ورقاء بن عمر، عن سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، موافقة لرواية الجماعة"5.
فظهر بذلك أن هذا الاختلاف غير مُؤَثِّر، وأن هذه الروايات لا تُقَاوِمُ رواية سعد بن سعيد - ومن تابعه - حتى تُعِلَّهَا.
وقد رَجَّحَ الدارقطني - أيضاً - رواية سعد بن سعيد، فإنه ساق الاختلاف في هذا الحديث، ثم قال:"والصواب حديث أبي أيوب" فساقه بإسناده إلى سفيان الثوري، عن سعد بن سعيد، عن عمر بن ثابت، عن أبي أيوب مرفوعاً. وأشار قبل ذلك إلى ترجيح هذه الرواية بقوله: "يرويه جماعة من الثقات الحفاظ عن سعد بن سعيد
…
" فذكر من هؤلاء الحفاظ جملة6.
وأما قولهم بأنه حديث شاذ تَفَرَّدَ به عمر بن ثابت، لم يروه عن
1 نزيل الريِّ، صدوق، من كبار الحادية عشرة/ ق. (التقريب 316) .
2 ترجمه في الثقات: (8/359) . وهناك كلام محله بياض، فلعل هذه العبارة مما سقط منه.
3 راوي المسند عن الطيالسي.
4 في مسنده: (وتقدمت) .
5 تهذيب السنن: (3/313) .
6 انظر العلل: ج2 (ق52) .
أبي أيوب غيره: فقد أجاب ابن القَيِّم رحمه الله عن ذلك فقال: "ليس هذا من الشاذ الذي لا يُحْتجُّ به، وكثير من أحاديث الصحيحين بهذه المثابة، كحديث "الأعمال بالنيات"، تَفَرَّدَ علقمة بن وقاص به، وتفرد محمد بن إبراهيم التيمي به عنه، وتفرد يحيى بن سعيد به عن التيمي. وقال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: ليس الشاذ أن يَرْوِي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ: أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس.
وأيضاً: فليس هذا الأصل مما تَفَرَّدَ به عمر بن ثابت، لرواية ثوبان وغيره له عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تَرْجَمَ ابن حبان على ذلك في (صحيحه) فقال - بعد إخراجه حديث عمر بن ثابت -: ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تَفَرَّدَ به عمر بن ثابت، عن أبي أيوب. وذكر حديث ثوبان من رواية هشام بن عمار، عن الوليد بن مسلم، عن يحيى بن الحارث الذَّمَارِي، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان"1.
وبعد، فقد ثبت أن هذا الحديث صحيح ثابت، معمول به عند جمهور الأمة، وكَفَى به صحَّةً أنَّ مُسْلِمَاً أودعه في (صحيحه)، وقد صَحَّحَهُ - مع ذلك - جَمْعٌ من العلماءِ؛ فقال الترمذي:"حسن صحيح". وصَحَّحَهُ الدارقطني من طريق سعد بن سعيد كما مضى من كلامه. وقال
1 تهذيب السنن: (3/313) .
البغوي: "حديث صحيح"1. وقال النووي: "رواه أبو داود بإسناد صحيح"2. وقال ابن الملقن: "وقد روى هذا الحديث عن سعد بن سعيد
…
عشرون رجلاً، أكثرهم ثقات حفاظ أثبات، وقد ذكرتُ كل ذلك عنهم موضحاً في: تخريجي لأحاديث الْمُهَذَّب، مع الجواب عَمَّنَ طَعَنَ في سعد بن سعيد، وأنه لم يتفرد به، وتُوبِعَ عليه، وذكرت له ثماني شواهد، وأجبتُ عن كلام ابن دحية الحافظ، فإنه طَعَنَ فيه، فَرَاجِعْهُ فإنه من الْمُهْمَّاتِ التي يُرْحَلُ إليها"3. وقال المناوي:"وَطَعَنَ فيه من لا علم عنده، وغره قول الترمذي: حسن، والكلام في راويه، وهو: سعد بن سعيد، واعتنى العراقيُّ بجمع طرقه، فأسنده عن بضعة وعشرين رجلاً رووه عن سعد بن سعيد، كلهم حفاظ أثبات"4.
قال صاحب (تحفة الأحوذي) 5: "فإن قلتَ: كيف صَحَّحَ الترمذي حديث سعد بن سعيد المذكور، مع تصريحه بأنه قد تَكَلَّمَ فيه بعض أهل الحديث من قِبَل حفظه؟؟ قلتُ: الظاهر أنَّ تصحيحه لتعدد الطرق، وقد تَقَدَّمَ في المقدمة: أنَّه قد يصححُ الحديث لتعدد طرقه".
أما ابن القَيِّم رحمه الله: فإنه أَجَادَ وَأَفَاد في ردِّ العلل التي رُمِيَ بها هذا الحديث، كما تَقَدَّمَ كلامه في ذلك، ثم ساق جملة من الشواهد لهذا الحديث وتَكَلَّمَ عليها، فذكر منها حديث: ثوبان، وجابر، وأبي هريرة، وشداد بن أوس رضي الله عنهم6.
1 شرح السُّنَّة: (6/331) .
2 المجموع: (6/347) .
3 البدر المنير: ج4 (ق336/أ) .
4 فيض القدير: (6/161) .
(3/468) .
6 انظر: تهذيب السنن: (3/309 - 310) .