الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9- باب ما يستحب من ذبح صاحب النسيكة نسيكته بيده، وجواز الاستنابة فيه
57-
(12) عن علي صلى الله عليه وسلم قال: "لمَّا نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم بُدْنَهُ، فَنَحَرَ ثلاثين بيده، وَأَمَرَنِي فنحرت سَائِرَهَا ".
ذكر ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث، وعزاه لأحمد وأبي داود، ثُمَّ قال:"هَذَا غلط، انقلب على الراوي؛ فإن الذي نَحَرَ ثلاثين: هو عليٌّ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نحر سبعاً بيده لم يشاهده عليٌّ ولا جابر، ثم نَحَرَ ثلاثاً وستين أخرى، فَبَقِيَ من المائة ثلاثون، فَنَحَرَهَا عليٌّ، فانقلب على الراوي عدد ما نَحَرَهُ عليٌّ بما نحره النبي صلى الله عليه وسلم "1.
قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 2، وأحمد في (مسنده) 3 - وأخرجه البيهقي في (سننه) 4 من طريق أبي داود - كلهم من طريق:
محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نَجِيحٍ5، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن علي رضي الله عنه به. وعند الإمام أحمد زيادة، وهي قوله: "
…
وقال: اقسم
1 زاد المعاد: (2/260) .
(2/369) ح 1764 ك الحج، باب في الهدي إذا عطب قبل أن يبْلُغَ.
(1/159) .
(5/238) .
5 هو: عبد الله بن أبي نجيح - واسم أبي نجيح: يسار - المَكِّي،، أبو يسار، الثقفي، ثقة رُمِيَ بالقدر، وَرُبَّمَا دَلَّسَ، من السادسة، مات سنة 131 هـ / ع. (التقريب326) .
لُحُومَهَا بين الناس وجُلُودَهَا وجِلالها، ولا تُعْطِيَّنَّ جَازِرَاً منها شيئاً".
وهذا الحديث معلول بأمور، وهي:
أولاً: عنعنة ابن إسحاق وهو مُدَلِّس، فإنه لا يُقْبَلُ منه إلا ما صرح فيه بالسماع1.
ثانياً: أن سفيان الثوري رواه عن ابن أبي نجيح بالإسناد السابق، فلم يذكر فيه ما جاء في رواية ابن إسحاق، ولكن فيه قول علي رضي الله عنه:"بعثني النبي صلى الله عليه وسلم فَقَمْتُ على البُدْنِ، فأمرني فقسمت لحومها، ثم أمرني فقسمت جلالها وجلودها ". أخرجه البخاري في (صحيحه)2.
وقد سبق أن رواية أحمد عن ابن إسحاق فيها زيادة، وهي: أمْرُهُ له بقسمة لحومها وجلالها، فَيُخْشَى أن يكون دخل لابن إسحاق حديث في حديث، فالله أعلم.
ثالثاً: وهو ما ذكره ابن القَيِّم رحمه الله، فإن حديث جابر في وصف حجة النبي صلى الله عليه وسلم فيه قوله: "
…
ثم انصرف إلى الْمَنْحَر، فَنَحَر ثلاثاً وستين بيده، ثم أَعْطَى عَلِيَّاً فَنَحَرَ مَا غَبَر" 3. أخرجه مسلم في (صحيحه) 4.
وقد قَدَّم البيهقي رحمه الله رواية مسلم؛ فإنه أخرجها في
1 انظر: طبقات المدلسين: (ص132) .
2 ك الحج، باب لا يعطى الجزار من الهَدْي شيئاً. ح 1716. (فتح الباري 3/555) .
3 غَبَر: بَقِيَ. (المصباح المنير 2/442) .
(2/886) . ح 147، ك الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
(السنن) 1، ثم أخرج رواية ابن إسحاق بعدها، ثم قال:"كذا رواه محمد ابن إسحاق، ورواية جعفر أصحُّ" يعني التي في (مسلم) عن جابر.
وكذا قَدَّمَها الحافظ ابن حجر رحمه الله؛ فإنه قال - بعد أن ساق رواية ابن إسحاق -: "وأصحُّ منه ما وقع عند مسلم". فساق حديث جابر، ثم حاول الجمع بين هذه الرواية ورواية ابن إسحاق، فقال:"والجمع بينه وبين رواية ابن إسحاق: أنه صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثين، ثم أمر علياً أن ينحر سبعاً وثلاثين مثلاً، ثم نحر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وثلاثين". قال: "فإنْ سَاغَ هذا الجمعُ، وإلا فما في الصحيح أصحُّ"2.
أما ابن القَيِّم رحمه الله، فقد ذهب إلى وقوع القلب في حديث ابن إسحاق كما تقدم كلامه في ذلك، وأن الصواب رواية مسلم التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم نحر ثلاثاً وستين بيده، مع نحره صلى الله عليه وسلم سبع بُدْنٍ قياماً، كما في حديث أنس3 رضي الله عنه فيصير مجموع ما نحره صلى الله عليه وسلم سبعين بدنة. لا أن علياً هو الذي نحر هذا العدد.
وهذا المسلك من ابن القَيِّم رحمه الله قويٌّ في تقديم ما في الصحيح وردِّ ما عداه.
وعلى كل حال، فإن رواية ابن إسحاق شاذَّةٌ لمخالفتها رواية
(5/238) .
2 فتح الباري: (3/555 - 556) .
3 وهو جزء من حديث يَصِفُ فيه أنس رضي الله عنه حَجَّةَ النبي صلى الله عليه وسلم، أخرجه البخاري في (صحيحه) ك الحج، باب نحر البدن قائمة. ح1714 (فتح الباري 3/554) .
جابر في (صحيح مسلم) ، مع ضَعْفِ إسنادها كما تقدم، وقد رَجَّحَ رواية الصحيح: البيهقي، ثم ابن حجر رحمهما الله، كما تقدم، والله أعلم.