الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2- باب لا تنتقب المرأة المحرمة
47-
(2) حَدِيث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: "إِحْرَامُ الرَّجُلِ في رَأْسِهِ، وإحرامُ المرأةِ في وجهها".
ذكر ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث في (تهذيب السنن) 1 - في معرض ردِّه على القائلين بوجوب كشف المرأة المحرمة وجهها - ثم قال: "هذا الحديث لا أصل له، ولم يَرْوِهِ أحدٌ من أصحاب الكُتُبِ المعتمد عليها، ولا يُعرَفُ له إسناد، ولا تقوم به حُجَّةٌ، ولا يُترَكُ له الحديث الصحيح الدَّال على أن وجهها كبدنها، وأنه يَحْرُمُ عليها فيه ما أُعْدَّ للعضو؛ كالنِّقَابِ والبُرْقَع ونحوه، لا مُطْلَقُ السِّتْرِ كاليدين".
قلت: هذا الحديث أخرجه الدارقطني في (سننه) 2، والطبراني في (الأوسط) 3، والبيهقي في (سننه) 4، والعقيلي في (الضعفاء) 5، وابن عديّ في (الكامل) 6، كلهم من طريق:
(2/350) .
(2/294) ح 259.
3 انظر: مجمع البحرين: (ق74/ب) ك الحج، باب ما يلبس المحرم.
(5/47) .
(1/116) في ترجمة "أيوب بن محمد".
(1/349) في ترجمة "أيوب" أيضاً.
عبد الله بن رجاء1، عن أيوب بن محمد2، عبد عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً، ولفظه:"ليس على المرأة إحرام إلا في وجهها". وعند الطبراني وابن عدي: "حرم" بدل "إحرام".
وقد أخرجه الطبراني في (الكبير) 3 بالإسناد نفسه، لكن جعله موقوفاً، والظاهر أنه خطأ؛ لأن الإسناد هو نفسه إسناده في (الأوسط) ، من شيخ الطبراني إلى آخره، بالإضافة إلى اتفاق هؤلاء الجماعة على روايته بهذا الإسناد مرفوعاً.
وقد أُعِلَّ هذا الحديث بعلتين:
1-
الكلام في أيوب بن محمد اليمامي.
2-
وأن الصواب فيه الوقف على ابن عمر.
أما العلة الأولى، وهي الكلام في أيوب بن محمد: فقال فيه ابن معين: "لا شيء"4. وسأله عند الدارمي؟ فقال: "شيخ يماميٌّ ضعيف"5.
1 ابن عمر الغداني، بصري، صدوقٌ يَهِمُ قليلاً، من التاسعة، مات سنة 220هـ / خ خد س ق. (التقريب 302) .
2 أبو سهل العجلي، اليَّمَامي، لقبه: أبو الجمل. ضَعَّفَهُ جماعةٌ، وَوَثَّقَهُ بعضهم، وسيأتي كلام العلماء فيه مُفَصَّلاً.
ترجمته في: الجرح والتعديل: (1/1/257)، والضعفاء للعقيلي:(1/116)، والميزان:(1/292) .
(12/370) ح 13375.
4 الجرح والتعديل: (1/1/257) .
5 تاريخ الدارمي عن يحيى: (ص179) رقم 645.
وقال أبو زرعة: "منكر الحديث"1. وقال العقيلي: "يَهِمُ في بعض حديثه"2. وقال ابن حبان: "كان قليلَ الحديث، ولكنه خالفَ النَّاس في كلِّ ما روى، فلا أدري: أكان يَتَعَمَّدُ، أو يقلبُ وهو لا يَعْلَم"3. وقال الدارقطني: "مجهول"4.
وقال أبو حاتم: "لا بأس به"5. وَوَثَّقَهُ يعقوبُ الفَسَويّ6.
والذي يظهر: رُجْحَان جانب الجرح على جانب التعديل في هذا الرجل، ولاسيما أن بعضهم قد بَيَّنَ سبب الجرح.
ولذلك فقد أَعَلَّ جماعة من أهل العلم هذا الحديث بأيوب هذا: فقال البيهقي: "وأيوب بن محمد أبو الجمل ضعيفٌ عند أهل العلم بالحديث، فقد ضَعَّفَهُ يحيى بن معين وغيره"7. وقال ابن القطان: "لا يصحّ"8، وقال الذهبي في (تهذيب سنن البيهقي) : "وفيه أيوب بن
1 الجرح والتعديل: (1/1/257) .
2 الضعفاء: (1/116) .
3 المجروحين: (1/166) .
4 السنن: (1/149) .
5 الجرح والتعديل: (1/1/257) .
6 الميزان: (1/292) .
7 السنن: (5/47) .
8 بيان الوهم والإيهام: (5/730) .
محمد أبو الجمل، ضَعَّفَهُ ابن معين، وغيره"1. وقال الهيثمي:"وفيه أيوب بن محمد اليمامي، وهو ضعيف"2،. وقال الحافظ ابن حجر:"وفي إسناده أيوب بن محمد أبو الجمل، وهو ضعيف"3.
وأما العلّة الثانية، وهي أنه يُروى موقوفاً، وأنه الصواب: فإن أيوب بن محمد هذا - مع ضعفه - قد خُولِفَ فيه: فأخرجه الدارقطني في (سننه) 4 - ومن طريقه البيهقي5 - من طريق: هشام بن حَسَّان، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال:"إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه".
وأخرجه العقيلي في (الضعفاء) 6، وابن حزم في (المحلى) 7 من طريق: سعيد بن منصور، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبيد الله بن عمر بالإسناد نفسه إلى ابن عمر قال:"الذِّقْنُ مِنَ الرأسِ فلا تُغَطِّهِ" وقال: "إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرَّجُلِ في رأسه".
فقد خالف سفيان بن عيينة، وهشام بن حسان أيوب بن محمد في رواية هذا الحديث، فروياه موقوفاً على ابن عمر من قوله.
وقد حَكَمَ الأئمة لرواية الوقف وحكموا على الرواية المرفوعة
1 انظر: فيض القدير: (5/369) .
2 مجمع الزوائد: (3/219) .
3 التلخيص الحبير: (2/272) .
(2/294) ح 260.
5 في سننه: (5/47) .
(1/116) .
(7/92) .
بالوهم، فقال العقيلي:"لا يُتَابع على رفعه، إنما هو موقوف"1. وقال الطبراني: "لم يرفعه عن عبيد الله بن عمر إلا أيوب، تَفَرَّدَ به عبد الله بن رجاء"2. وقال ابن عدي: "هذا الحديث لا أعلم يرفعه عن عبيد الله غير أبي الجمل هذا، وأبو الجمل لا أعرف له كثير شيء"3. وقال الدارقطني: "تَفَرَّدَ برفعه أيوب هذا، والصواب وقفه"4. وقال البيهقي: "المحفوظ موقوف"5. وقال الذهبي: "المحفوظ موقوف"6.
فَتَبَيَّنَ من ذلك: أن هذا الحديث لا يصحُّ رَفْعُهُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الصواب أنه من كلام ابن عمر رضي الله عنهما.
فإذا تقرر ذلك، فإننا لا نوافق ابن القَيِّم رحمه الله على قوله:
- إن الحديث لا أصل له، إلا أن يقصد: لا أصل له مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
- وأنه لم يروه أحدٌ من أصحاب الكتب الْمُعْتَمَدِ عليها.
- وأنه لا يُعرف له إسناد.
فإنه قد ثَبَتَ من خلال هذه الدراسة خلاف ذلك، والله أعلم.
1 الضعفاء: (1/116) .
2 مجمع البحرين: (ق 74/ب) .
3 الكامل: (1/349) .
4 التلخيص الحبير: (2/272)، وفيض القدير:(5/369) .
5 السنن: (5/47) .
6 الميزان: (1/292) .