الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 ـ باب من قال بجواز التضحية ثلاثة أيام بعد النحر
…
8 -
باب من قال بجواز التضحية ثلاثة أيام بعد يوم النحر
56-
(11) حديث: "كُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ ".
أورد ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث مستدلاً به للمذهب القائل بأن أيام النحر: يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده، وَرَجَّحَ هذا المذهب، لكنه قال عن هذا الحديث:"لكنَّ الحديث منقطع لا يثبت وصله".
ثم عاد فقال - في معرض ترجيحه هذا المذهب -: "وَرُوِيَ من وجهين مختلفين - يَشَدُّ أحدهما الآخر - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل مني منحر، وكلُّ أيام التشريق ذبحٌ ". وَرُوِىَ من حديث جبير بن مطعم - يعني الماضي - وفيه انقطاع، ومن حديث أسامة بن زيد، عن عطاء، عن جابر. قال يعقوب بن سفيان: أسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون"1.
قلت: هذا الحديث الذي أورده ابن القَيِّم رحمه الله حاكماً بانقطاعه: أخرجه أحمد في (مسنده) 2، والبيهقي في (سننه) 3، من طريق:
أبي المغيرة4، عن سعيد بن عبد العزيز5، عن سليمان بن
1 زاد المعاد: (2/318 - 319) .
(4/82) .
(9/295) .
4 هو: عبد القدوس بن الحجاج الخولاني، الحمصي، ثقة، من التاسعة، مات سنة212هـ/ ع. (التقريب 360) .
5 التنوخي، الدمشقي، ثقة إمام، سَوَّاهُ أحمد بالأوزاعي، وقَدَّمَهُ أبو مسهر، لكنه اختلط في آخر أمره، من السابعة، مات سنة 167هـ/ بخ م 4. (التقريب238) .
موسى1، عن جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"كلُّ عرفات موقف، وارفعوا عن بطن عُرَنَة. وكل مزدلفة موقفٌ، وارفعوا عن مُحَسِّر. وكل فِجَاجِ مني منحر، وكلُّ أيام التشريق ذبحٌ". ثم ساقه الإمام أحمد من طريق: أبي اليمان، عن سعيد بن عبد العزيز، بإسناده مثله.
وهذا الإسناد منقطع كما قال ابن القَيِّم رحمه الله؛ فإنَّ سليمان ابن موسى لم يدرك جبير بن مُطْعِم، قال البخاري:"سليمان لم يدرك أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "2. وقال ابن كثير - وعنه نقل صاحب (نصب الراية) 3 -: "هكذا رواه أحمد، وهو منقطع؛ فإن سليمان بن موسى الأشدق لم يدرك جبير بن مطعم". وقال البيهقي عقب روايته: "وهو مرسل". ونقل النووي في (شرح المهذب) 4 إعلال البيهقي له، وأَقَرَّهُ. وقال الحافظ ابن حجر:"في سنده انقطاع"5.
قلت: وقد رُوي عن سليمان من وجه آخر ظاهره الاتصال، فقد أخرجه البزار في (مسنده) 6، وابن حبان في (صحيحه) 7، وابن
1 الأموي مولاهم، الدمشقي، الأَشْدَق، صدوق فقيه، في حديثه بعض لين، وخولط قبل موته بقليل، من الخامسة/ م 4. (التقريب 255) .
2 علل الترمذي: (1/313) ، باب زكاة العسل.
(3/61) .
(8/287) .
5 فتح الباري: (10/8) .
6 انظر: كشف الأستار: (2/27) ح رقم 1126. باب: عرفة كلها موقف.
7 الإحسان: (6/62) ح 3843.
عديّ في (الكامل) 1 كلهم من طريق: عبد الملك بن عبد العزيز2، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، عن عبد الرحمن بن أبي الحسين، عن جبير رضي الله عنه به مرفوعاً.
ولكنَّ هذا الإسناد منقطع أيضاً، حكم عليه بذلك البزار رحمه الله، فقال: "
…
ابن أبي حسين لم يلق جبير بن مطعم، وإنما ذكرنا هذا الحديث لأنَّا لا نحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في:"كل أيام التشريق ذبح". إلا في هذا الحديث، فكذلك ذكرناه، وبَيَّنَا العلة فيه"3.
وقد أخرجه الطبراني في (معجمه الكبير) 4، والدارقطني، والبيهقي في (سننيهما) 5 من طرق، عن: سويد بن عبد العزيز6، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، عن نافع بن جبير7، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم، ولفظه عند الدارقطني والبيهقي مختصر، كما أورده ابن القَيِّم أول الباب.
(3/1119) في ترجمة "سليمان بن موسى".
2 القشيري، النسائي، أبو نصر التمَّار، ثقة عابد، من صغار التاسعة، مات سنة 228هـ / م س. (التقريب 363) .
3 انظر: نصب الراية: (3/61) .
(2/144) ح 1583.
5 قط: (4/284) ح 47. هق: (9/296) .
6 ابن نمير، السُّلَمِي مولاهم، الدمشقي، وقيل أصله حمصي، وقيل غير ذلك، ضعيف، من كبار التاسعة، مات سنة 194هـ، ت ق. (التقريب 260) .
7 ابن مطعم النوفلي، أبو محمد وأبو عبد الله، المدني، ثقة فاضل، من الثالثة، مات سنة 99هـ / ع. (التقريب 558) .
وقد أشار البزار رحمه الله إلى رواية سويد هذه عقب إخراجه رواية عبد الرحمن بن أبي حسين المتقدمة، فقال: "ورواه سويد بن عبد العزيز، فقال فيه: عن نافع بن جبير، عن أبيه، وهو رجلٌ ليس بالحافظ، ولا يُحْتَجُّ به إذا انفرد بحديث، وحديث ابن أبي حسين هو الصواب
…
"1. وأَعَلَّهُ البيهقي بسويد أيضاً، فقال: "ورواه سويد بن عبد العزيز، وهو ضعيف عند بعض أهل النقل
…
"2. وتَعَقَّبَهُ ابن التركماني، فقال: "هو ضعيف عند كلهم أو أكثرهم"3.
وبذلك يكون حديث سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى دائراً بين الضعف والانقطاع، ولكن أشار الحافظ ابن حجر إلى أنه ورد موصولاً من وجه آخر، فقال:"ووصله الدارقطني، ورجاله ثقات"4.
قلت: لعله يشير بذلك إلى ما أخرجه الدارقطني في (سننه) 5- ومن طريقه البيهقي6 - من طريق: أبي معيد7، عن سليمان ابن موسى، عن عمرو بن دينار، عن جبير بن مطعم به.
1 نصب الراية: (3/61)، وانظر كشف الأستار:(2/27) فقد أورده مختصراً.
2 السنن: (9/296) .
3 الجوهر النقي: (9/296) .
4 فتح الباري: (10/8) .
(4/284) ح 49.
6 السنن: (9/296) .
7 حفص بن غيلان، وهو بكنيته أشهر، شامي، صدوقٌ فقيهٌ، رُميَ بالقَدَرِ، من الثامنة/ س ق. (التقريب 174) .
وهذا إسنادٌ رجاله ثقات، إلا أبا معيد، فإنه تَكَلَّمَ فيه بعضهم، ولكنه صدوقٌ، وقد وثقه الأكثرون1، فحديثه لا ينزل عن درجة الحسن، وقد وَثَّقَ ابن حجر رحمه الله رجال هذا الإسناد2 كما مضى.
وقد أشار الزيلعي في (نصب الراية) 3 إلى أن الطبراني أخرجه في (مسند الشاميين) ، من طريق أبي معيد، عن سليمان بن موسى، عن محمد ابن المنكدر، عن جبير به، فيكون هذا طريقاً آخر لهذا الحديث، فيثبتُ بذلك اتِّصَالُهُ من طريق سليمان بن موسى إلى جبير بن مطعم رضي الله عنه، وتنتفي عنه بذلك عِلَّةُ الانقطاع التي أشار إليها ابن القَيِّم رحمه الله.
وأما قول ابن القَيِّم رحمه الله: " روي من وجهين مختلفين يشدُّ أحدهما الآخر
…
" ثم ذِكْرُهُ رواية جبير بن مطعم، ورواية جابر رضي الله عنهما: فإن كان يقصد أن حديث جابر يشدُّ حديث جبير، فإنه لا يتم له الاستشهاد به؛ لأن حديث جابر رضي الله عنه ليس فيه قوله صلى الله عليه وسلم: "وكل أيام التشريق ذبح ". وإنما لفظه - كما أخرجه أبو داود4 وغيره - أنه صلى الله عليه وسلم قال: "كل عرفة موقف، وكل منى منحر، وكل المزدلفة موقف، وكل فجاج مكة طريق ومنحر".
أما إن كان قصده: مجيء حديث جبير بن مطعم نفسه من وجه
1 انظر: تهذيب التهذيب: (2/418 - 419) .
2 إن كان هذا هو الإسناد الذي أراده بقوله: "وصله الدارقطني
…
".
(3/61) ، ولم أقف عليه في (مسند الشاميين) بعد البحث.
(2/478) ح 1937.
آخر- كما تقدم في كلام ابن حجر - فقد حصل المقصود وهو: تقوية رواية جبير المنقطعة.
هذا، وقد صحح الهيثمي إسناد حديث جبير، فقال:"رجاله موثوقون"1. - يريد رجال أحمد والطبراني - ورَمَزَ له السيوطي بالصحة2. وَأَقَرَّهُ الشيخ الألباني في (صحيح الجامع الصغير)3.
فَتَلَخَّص من ذلك: ثبوت حديث جبير بن مطعم هذا، وانتفاءُ ما أَعَلَّهُ به ابن القَيِّم من الانقطاع، وذلك بوروده من وجه آخر متصلاً، وتصحيح الأئمة له.
على أنَّ كلام ابن القَيِّم رحمه الله الظاهر منه مَيْلُهُ إلى تقوية الحديث بمجيئه من وجه آخر، كما تقدم من كلامه.
1 مجمع الزوائد: (3/251) .
2 الجامع الصغير مع فيض القدير: (5/27) ح 6331.
(ح 4537) .