الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3- باب لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين
48-
(3) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أَنَّه سَمِعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى النَّساء في إِحْرَامِهِنَّ عن القُفَّازَينِ والنقابِ
…
". وفي رواية: "المحرمة لا تنتقب، ولا تلبس القفازين".
أورد ابن القَيِّم هذا الحديث مستدلاً به على القول بتحريم لبس القفازين للمحرمة، وَرَدَّ على من قَالَ بأنه معلولٌ بالوقفِ على ابن عمر1. وسيأتي.
هذا الحديث مداره على نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، واخْتُلِفَ فيه على نافع.
فأخرجه البخاري في (صحيحه) 2، والترمذي في (جامعه) 3، والنسائي في (سننه) 4، وأحمد في (مسنده) 5، والبيهقي في (السنن) 6، كلهم من طريق: الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجلٌ فقال: يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام؟
1 تهذيب السنن: (2/351 - 352) .
2 ك جزاء الصيد، باب ما يُنْهَى من الطيب للمحرم
…
ح 1838. (فتح الباري: 4/52) .
(3/185) ح 833، باب فيما لا يجوز للمحرم لبسه.
(5/133) باب النهي أن تنتقب المرأة الحرام.
(2/119) .
(5/46) .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلبسوا القميص، ولا السراويلات، ولا العمائم، ولا البرانس، إلا أن يكون أحدٌ ليست له نعلان فليلبس الخفين، وليقطع أسفل من الكعبين. ولا تلبسوا شيئاً مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ1 ولا الوَرْسُ2. ولا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين". هذا لفظ البخاري، ولفظ الباقين بنحوه، إلا أن عندهم زيادة قوله:"ولا الخِفَاف ".
وأخرجه النسائي، والبيهقي في (سننيهما) 3 من طريق: موسى بن عقبة4، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً بنحو حديث الليث المتقدم، إلا أن البيهقي عنده زيادة أشار إليها، وهي:"وكان عبد الله بن عمر يأمر المرأة بِزَرِّ الجلباب إلى جبهتها". وهذا الإسناد صحيح، كما سيأتي من كلام العراقي رحمه الله.
وأخرجه أبو داود في (سننه) 5، وأحمد في (مسنده) 6، والحاكم في (المستدرك) 7 من طريق:
محمد بن إسحاق، حدثني نافع - كذا أبو داود والحاكم، وعند أحمد: عن نافع - عن ابن عمر رضي الله عنهما "أنه سمع
1 الزَّعْفَرَان: لَونٌ مَنَ الطِّيبِ تُصْبَغُ به الثِّيَابِ. (لسان العرب: ص1833) .
2 الوَرْسُ: نبت أصفر يصبغ به. (النهاية: 5/173) .
3 س: (5/135) باب النهي عن أن تلبس المحرمة القفازين، هق:(5/46) .
4 ابن أبي عيَّاش، الأسدي، مولى آل الزبير، ثقة فقيه، إمام في المغازي، من الخامسة، لم يصح أن ابن معين لَيَّنَهُ، مات سنة 141هـ / ع. (التقريب 552) .
(2/412) ح 1827، باب ما يلبس المحرم.
(2/32) .
(1/486) .
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهنَّ عن: القفازين، والنقاب، وما مسَّ الورس والزعفران من الثياب، ولتلبسْ بعد ذلك ما أَحَبَّتْ من ألوان الثياب: معصفراً، أو خَزَّاً، أو حُلِّياً، أو سراويل، أو قميصاً، أو خُفَّاً". لفظ أبي داود، ولفظ الحاكم نحوه، لكن لفظ أحمد: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ينهى الناس إذا أحرموا عما يُكرَهُ لهم من الثياب
…
وسمعته ينهى النساء عن القُفَّازِ، والنقاب، وما مسَّ الورس والزعفران من الثياب".
قال أبو عبد الله الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي. وقال النووي: "رواه أبو داود بإسناد حسن، وهو من رواية محمد بن إسحاق صاحب المغازي، إلا أنه قال: حدثني نافع، عن ابن عمر، وأكثر ما أُنْكِرَ على ابن إسحاق التدليس، وإذا قال المدلس: حَدَّثَنِي، احْتُجَّ به على المذهب الصحيح المشهور"1. وقال الشيخ أحمد شاكر: "إسناده صحيح"2.
وأخرجه أبو داود في (سننه) 3 من طريق: إبراهيم بن سعيد4، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الْمُحْرِمَةُ لا تنتقب ولا تلبس القفازين".
قال أبو داود: "إبراهيم بن سعيد المديني شيخ من أهل المدينة ليس
1 المجموع: (7/232) .
2 مسند أحمد بتعليق أحمد شاكر: (6/332) ح 4740.
(2/412) ح 1826.
4 المدني، أبو إسحاق، مجهول الحال، من السابعة/ د. (التقريب 89) .
له كبير حديث". وقال ابن عدي: "وهذا الحديث لا يُتَابَعُ إبراهيمُ هذا على رفعه، ورواه جماعة عن نافع، عن ابن عمر"1. قال الحافظ العراقي: "
…
لكن رواه البيهقي من رواية فضيل بن سليمان، عن موسى بن عقبة، عن نافع - وقد تَقَدَّمَتْ هذه الرواية - ومن وراية جويرية عن نافع -وستأتي- وإسنادهما صحيح، ففيه ترجيحٌ لرواية إبراهيم بن سعيد، وَرَدٌّ لقول ابن عديٍّ: أنه تَفَرَّدَ برفعه"2.
وأخرجه البيهقي في (سننه) 3 من رواية: جويرية4، عن نافع عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث الليث عن نافع المتقدم، ورواه من طريق آخر عن جويرية مختصراً.
وقد تقدم قبل قليل تصحيح الحافظ العراقي لإسناد جويرية هذا.
فهؤلاء جميعاً: الليث بن سعد، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق، وإبراهيم بن سعيد، وجويرية بن أسماء، رووه عن نافع، عن ابن عمر، مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أشار البخاري رحمه الله إلى كلَِّ هذه الروايات عقب إخراجه من طريق الليث بن سعد الماضي.
ورواه مالك رحمه الله عن نافع، عن ابن عمر رضي الله
1 الكامل: (1/257) .
2 طرح التثريب: (5/43) .
(5/47) .
4 ابن أسماء بن عبيد الضُّبَعي، البصري، صدوق، من السابعة، مات سنة 173هـ/ خ م د س ق. (التقريب 143) .
عنهما - أنه كان يقول: "لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلتبس القفازين"1. هكذا موقوفاً على ابن عمر. وتابعه على وقفه: ليث بن أبي سليم، كما أشار إليه البخاري رحمه الله.
ورواه عبيد الله بن عمر العُمَري، عن نافع، فَفَصَلَ المرفوع عن الموقوف، أخرج ذلك ابن خزيمة في (صحيحه) 2، من حديث: بشر بن المفضل، عن عبد الله عن نافع، عن ابن عمر: أن رجلاً قال: يا رسول الله ماذا نلبس من الثياب إذا أحرمنا؟ فقال: "لا تلبسوا القُمُصَ ولا السراويلات، ولا البرانسَ، ولا العمائمَ، والا القلانسَ، ولا الخفافَ
…
". قال: وكان عبد الله يقول: "ولا تنقب المرأة، ولا تلبس القفازين".
فهذه أوجه رواية هذا الحديث عن نافع، رفعه بعضهم وهم الأكثر، ووقفه آخرون، وفصل عبيد الله العُمَرِي بين المرفوع والموقوف.
وقد أَعَلَّ قومٌ الرواية المرفوعة، وقالوا: إن قوله: "لا تنتقب المرأة
…
" من قول ابن عمر، وقد أُدْرجَ في الحديث. قال ذلك: أبو علي الحافظ، كما نقله عنه الحاكم3. ووافق على دعوى الإدراج: الحافظ ابن حجر رحمه الله، فقال: "
…
والغرض أن مالكاً اقتصر على الموقوف فقط، وفي ذلك تقوية لرواية عبيد الله، وظهر الإدراج في رواية غيره"4.
1 الموطأ: (1/328) ح 15 ك الحج، باب تخمير المحرم وجهه.
(4/162) ح 2597، باب ذكر الثياب الذي زجر المحرم عن لبسها في الإحرام.
3 انظر: سنن البيهقي: (5/47) .
4 فتح الباري: (4/53)، وانظر:(شرح الموطأ) للزرقاني: (2/233) .
ولم يوافق ابن دقيق العيد على دعوى الإدراج، فقال معقباً على كلام أبي علي السالف: "وهذا يحتاج إلى دليل؛ فإنه خلاف الظاهر، وكأنه نَظَرَ إلى الاختلاف في رفعه ووقفه
…
وهذا غير قادحٍ؛ فإنه يمكن أن يُفْتي الراوي بما يرويه". ثم استدلَّ رحمه الله على بطلان دعوى الإدراج بوجهين:
أحدهما: أنه ورد النهي عن لبس المحرمة النقاب والقفازين مفرداً، كما في رواية أبي داود المتقدمة من طريق "إبراهيم بن سعيد".
الثاني: أنه جاء النهي عن النقاب والقفازين مبدوءاً به الحديث - يعني رواية أبي داود من طريق محمد بن إسحاق - قال: "وهذا أيضاً يمنع الإدراج"1.
وقد أجاب الحافظ العراقي عن كلام ابن دقيق العيد هذا من وجهيه:
أما الوجه الأول: فإن حديث إبراهيم بن سعيد ضعيف، لجهالة إبراهيم. ولكنه يَتَقَوَّى ويزول تفرده بمتابعة من تابعه: كموسى بن عقبة، وجويرية.
وأما الوجه الثاني: فإن عبيد الله بن عمر أحفظ من ابن إسحاق، وقد فَصَلَ المرفوع عن الموقوف، فروايته أولى2.
1 انظر كلام ابن دقيق العيد في: نصب الراية: (3/26 - 27) .
2 انظر: طرح التثريب: (5/43) .
وقد ردَّ ابن القَيِّم رحمه الله القولَ بإعلال هذا الحديث، وقال بأن إعلاله بالوقف باطلٌ؛ فإن البخاري وغيره قد رووه حديثاً واحداً متصلاً؛ والبخاري رحمه الله حَكَى الخلاف فيه، ومع ذلك لم يره مؤثراً في صحة الحديث، أو معللاً له1.
قلت: والجمع - في نظري - بين هذه الروايات أولى من إعلال بعضها؛ فإن إعلال الرواية المرفوعة يلزم منه تخطئة الثقات بدون دليل ظاهر.
فقد رواه جمعٌ من الثقات - وعلى رأسهم الليث بن سعد - عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً متصلاً بنهي النبي صلى الله عليه وسلم الرجال عن لبس البرانس والخفاف وغير ذلك، وأخرج البخاري رحمه الله هذه الرواية، وحكى وجوه الاختلاف الواقعة فيها، فلو كانت هذه الرواية المرفوعة معلولةً عنده لما أخرجها في الباب معتمداً عليها، ولَقَدَّمَ عليها الرواية الموقوفة.
وكذا صنع الإمام الترمذي رحمه الله، فإنه أخرجها كما أخرجها البخاري، ثم قال:"هذا حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أهل العلم". ولا أظن أنه قد خفي عليه ما علمه غيره، من كون هذه الجملة الأخيرة قد رُويت موقوفة.
وقال ابن عبد البر: "رَفْعُهُ صحيح عن ابن عمر"2.
1 انظر: تهذيب السنن: (2/351 - 352) .
2 حكاه عنه أبو زرعة العراقي في (طرح التثريب) : (5/42) .
وصححه الحاكم - كما تقدم - وحَسَّنَهُ النوويُّ، وقَوَّاهُ العراقي.
فلا مانع حينئذ من أن يكون ابن عمر رضي الله عنهما قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعاً بكامله، ثم أفتى مرةً بجزء منه، وهو ما يتعلق بالقفازين والنقاب للمرأة، فجاء بعضهم فظن أن هذا الذي أفتى به ابن عمر ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ففصله عن الشطر الأول من الحديث، وكلام ابن دقيق العيد يُشْعِرُ بشيء من هذا، ومع ذلك فلم يدخله الخطيب رحمه الله في كتابه في الْمُدْرَج.
فيترجح بذلك القول بصحة الحديث مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما ذهب إليه ابن القَيِّم رحمه الله، وأن إعلاله غير مقبول، والله أعلم.