الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
من كتاب الحيض
1- باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة
13-
(1) عَنْ فَاطِمَة بنت أبي حبيش رضي الله عنها: أَنَّهَا كَانَت تُسْتَحَاضُ1، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"إِذَا كَانَ دَمُ الحَيْضِ، فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ، فإذا كان ذلك فَأَمْسِكي عن الصَّلاةِ، فَإِذَا كَانَ الآخرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي؛ فَإِنَّمَا هو عِرْقٌ". هذا اللفظ لأبي داود.
تناول ابن القيم رحمه الله هذا الحديث في (تهذيب السنن) 2، وناقش ابن القطان في إعلاله إياه، وسيأتي كلامهما مفصلاً.
قلت: هذا الحديث أخرجه: أبو داود، والنسائي، والدارقطني في (سننهم) 3، والحاكم في (المستدرك) 4، والبيهقي في (السنن) 5، وابن عبد البر في (التمهيد) 6. كلهم من طريق:
1 الاسْتِحَاضَةُ: أن يستمرَّ بالمرأة خروج الدَّمِ بعد أيام حَيضِهَا المعتادة. يُقَال: اسْتُحِيضَت فهي مُسْتَحَاضَة، وهو استفعال من الحيض. (النهاية1/469) .
(1/ 181 - 183) .
3 د: (1/ 197) ح 286 ك الطهارة، باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة. س: (1/ 123) ك الطهارة، باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة. قط:(1/206، 207) ح (3- 6) .
(1/ 174) .
(1/ 325) .
(16/ 64) .
محمد بن إبراهيم بن أبي عديّ1، عن محمد بن عمرو2، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن فاطمة بنت أبي حبيش3 به.
قال أبو داود عقبه: "قال ابن المثنى4 - راويه عن ابن أبي عديّ -: وحدثنا به ابن أبي عدي حفظاً، فقال: عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة".
فالرواية الماضية حَدَّثَ بها ابن أبي عديّ من كتابه، وقد وَرَدَ ذلك في إسناد النسائي عن محمد بن المثنى أنه قال:"حدثنا ابن أبي عديّ هذا من كتابه". وكذا هو في إسناد الدارقطني، حيث قال:"هكذا حدثناه ابن أبي عديّ من أصل كتابه".
وأما الرواية التي أشارَ إليها أبو داود - التي حَدَّثَ بها ابن أبي عديّ من حفظه - فأخرجها: النسائي5، والدارقطني6 من طريق ابن المثنى - أيضاً - قال: أخبرنا ابن أبي عديّ من حفظه، حدثنا محمد بن عمرو، عن
1 وقد ينسب لجده، أبو عمرو البصري، ثقة، من التاسعة، مات سنة 194هـ على الصحيح/ع. (التقريب 465) .
2 ابن علقمة بن وقاص الليثي، المدني، صدوقٌ له أَوْهام، من السادسة، مات سنة145هـ على الصحيح/ع. (التقريب 499) .
3 هي: فاطمة بنت قيس بن الطلب، الأسدية، صحابية /د س. (التقريب 751) .
4 محمد بن المثنى بن عبيد العنزي، أبو موسى البصري، المعروف بـ "الزَّمِن"، ثقةٌ ثَبْت، من العاشرة / ع. (التقريب 505) .
(1/ 123) .
(1/ 207) ح 4، 5.
ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة
…
فذكره. وأخرجه ابن حبان في (صحيحه) 1 من الطريق نفسه بدون قول ابن المثنى: "من حفظه".
ولفظ الحاكم ورواية للدارقطني كلفظ أبي داود الماضي أول البحث، وعند النسائي وابن حبان، والبيهقي، ورواية لأبي داود2:"فَتَوَضِّئِي وَصَلِّي" فقط. وفي لفظ للنسائي: "فَتَوَضِّئِي، فَإِنَّمَا هو عِرق". ولم يذكر: "وَصَلِّي".
وقد أُعِلَّ حديث الزهري هذا: بالانقطاع، والنكارة، والاضطراب.
- أما الانقطاع: فقد أَعَلَّهُ بذلك ابن القطان، وناقشه في ذلك ابن القيم رحمه الله، ولم يوافقه على ذلك. فقد قال ابن القطان - ونقل خلاصته ابن القيم -: "
…
وهو فيما أرى منقطع؛ وذلك أنه حديث انفرد بلفظه محمد بن عمرو، عن الزهري، عن عروة. فرواه عن محمد بن عمرو: محمدُ بن أبي عديٍّ مرتين، إحداهما من كتابه فجعله: عن محمد بن عمرو، عن الزهري، عن عروة، عن فاطمة: أَنَّهَا كانت تُسْتَحَاضُ، فهو على هذا منقطعٌ؛ لأنه قد حَدَّثَ به مرة أخرى من حفظه، فزادهم فيه:"عن عائشة" فيما بين عروة وفاطمة، فاتَّصَل. فلو كان بعكس هذا كان أبعد من الريبة - أعني: أن يُحَدِّث به من حفظه مرسلاً، ومن كتابه متصلاً - فأما هكذا فهو موضعُ نظر
…
"3.
1 الإحسان: (2/ 318) ح 1345.
(1/ 213) ح 304.
3 بيان الوهم والإيهام: (2/456-457) ح 457.
وقد رَدَّ ابن القيم ذلك فقال: "أما قوله: إنه منقطع. فليس كذلك، فإن محمد بن أبي عديّ مكانه من الحفظ والإتقان معروف لا يجهل، وقد حفظه وَحَدَّثَ به مرة: عن عروة، عن فاطمة. ومرة: عن عائشة1، عن فاطمة، وقد أدرك كلتيهما وسمع منهما بلا ريب، ففاطمة بنت عمته، وعائشة خالته. فالانقطاع الذي رُمِيَ به الحديث مقطوعٌ دَابره"2.
قلت: وعند الترجيح تُقَدَّمُ الرواية التي من كتابه؛ لأن الغالب على من يُحَدِّثُ من كتابه أن يكونَ أكثر ضَبْطاً، بخلاف من يُحَدِّثُ من حفظه، فإن الحفظَ خَوَّان، فلعله حَدَّثَ به على الصواب من كتابه، ثم حَدَّثَ به من حفظه فَوَهِمَ.
والدليل على صِحَّة الرواية التي من كتابه، وأنها هي الْمُقَدَّمة: أن ابن أبي عديّ قد رجع عن الرواية الأخرى وتركها، فقد روى البيهقي في (سننه) 3 هذا الحديث من طريق الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله بدون ذكر عائشة، ثم قال:"قال عبد الله: سمعت أبي يقول: كان ابن أبي عديّ حَدَّثَنَا به عن عائشة ثم تركه". وهذا ظاهرٌ في أن الرجل ضابط للرواية التي من كتابه، ولذلك فقد رجع عن الأخرى.
- وَأَمَّا القول بنكارة هذا الحديث وغرابته: فذلك أنه جاء فيه قوله:
1 يعني: بزيادة "عائشة" بين عروة وفاطمة، كما تقدم في كلام ابن القطان.
2 تهذيب السنن: (1/182-183) .
(1/325) .
"إِنَّ دَمَ الحيض دم أسود
…
"، فإن هذه اللفظة مما عَدَّها بعضُ الأئمة من منكرات محمد بن عمرو وغرائبه، فقد سُئِلَ عنه أبو حاتم؟ فقال: "لم يتابع محمد بن عمرو على هذه الرواية، وهو منكر"1. وقال النسائي عقب إخراجه:"قد رَوى هذا الحديث غيرُ واحد، لم يذكر أحد منهم ما ذكره ابن أبي عديّ". وقال الدارقطني: "وَرَوى محمد بن عمرو بن علقمة هذا الحديث
…
وأتى فيه بلفظٍ أَغْرَبَ به، وهو قوله: إن دمَ الحيض دمٌ أسود يعرف"2. وقال الطحاوي: "لم يروه إلا ابن عمرو، وقد أنكروه عليه"3.
وقد تَوَقَّفَ ابن القيم - أيضاً - في هذه اللَّفظة عند مناقشة ابن القَطَّان في ذلك، حيث قال ابن القطان: "
…
والمعروف في قصة فاطمة: الإحالة على الدم والقروء"4. فقال ابن القيم: " فإنَّ المعروف الذي في الصحيح إحالتها على الأيام التي كانت تَحْتَسِبُهَا حيضها، وهي القروء بعينها، فأحدهما يُصَدِّقُ الآخر. وأما إحالتها على الدم، فهو الذي يُنْظر فيه، ولم يروه أصحاب الصحيح وَسَأَلَ عنه ابن أبي حاتم أباه فَضَعَّفَه، وقال: هذا منكر"5.
1 علل ابن أبي حاتم: (1/ 49 - 50) ح 117.
2 علل الدارقطني: جـ 5 (ق 23 / أ) .
3 نقل ذلك صاحب (البدر المنير)(1/ 418) ح 19 ك الحيض (رسالة ماجستير، بتحقيق/ إقبال أحمد محمد إسحاق) مطبوعة على الآلة الكاتبة.
4 بيان الوهم والإيهام: (2/ 459) .
5 تهذيب السنن: (1/183) .
- وأما القول باضطرابه: فقد أَعَلَّهُ بذلك ابن عبد البر رحمه الله، فقال في (التمهيد) 1: "اخْتُلِف عن الزهري في هذا الحديث اختلافاً كثيراً، فمرة يرويه: عن عمرة، عن عائشة. ومرة: عن عروة، عن عائشة. ومرة: عن عروة وعمرة، عن عائشة. ومرة: عن عروة، عن فاطمة بنت أبي حبيش
…
وقال فيه سهيل بن أبي صالح: عن الزهري، عن عروة، حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش: أنها أمرت أسماء أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحيض. وأكثر أصحابِ ابنِ شهاب يقولون فيه: عن عروة وعمرة، عن عائشة: أن أم حبيبة بنت جحش - ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تحت عبد الرحمن بن عوف - اسْتُحِيضت. هكذا يقولون عن ابن شهاب في هذا الحديث: أم حبيبة، لا يذكرون فاطمة بنت أبي حبيش. وحديث ابن شهاب في هذا الباب مضطرب".
وذكر الدارقطني الخلافَ على الزهري في (علله) 2، ثم نقل عن إبراهيم الحربي قوله: "الصحيح منه قول من قال: أم حبيب، بلاهاء، واسمها حبيبة بنت جحش3
…
وأن من قال فيه: أم حبيبة بنت جحش، أو زينب فقد وَهِمَ. والحديث يصحُّ من حديث الزهري، عن عروة وعمرة جميعاً، عن عائشة: أن أم حبيبة". وهذا يوافقُ ما سَبَقَ أن رَجَّحَهُ ابن عبد البر عن أكثر أصحاب الزهري4. قال الدارقطني عقب ذلك:
(16/65) .
2 جـ 5 (ق 23-24) .
3 وانظر ترجمتها في "الإصابة ": (4/269، 440) .
4 وهذه الرواية التي رَجَّحُوهَا أخرجها: البخاري في الحيض، باب عرق الاستحاضة، ح 327 (فتح الباري 1/426) ، ومسلم في الحيض (1/263) ، باب المستحاضة وغسلها وصلاتها، ح334.
"وقول إبراهيم
…
صحيحٌ، وكان من أعلمُ النَّاسِ بهذا الشأن".
فالذي يَتَلَخَّص من ذلك: أن ما أُعِلَّ به هذا الحديثُ يمكنُ الجواب عن بعضه، لكن تبقى له عِلَّةٌ مؤثرةٌ، وهي النكارةُ الواقعةُ في سياقه، وذلك بإحالة الْمُسْتَحَاضة على الدم، وقد حكم الأئمة - كما قَدَّمْنَا - بنكارة هذا اللفظ وغرابته.
وهذا ما قَرَّرَه ابن القيم رحمه الله في بحثه، فبينما رَدَّ على ابن القطان قوله بانقطاع الحديث، نجده يعتبر هذه اللفظة في الحديث تحتاج إلى نظر، وأنها تخالفُ ما في الصحيح، وأنَّ أبا حاتم قد حَكَمَ عليها بالنكارة، كما مضى نقل كلامه في ذلك.
أما أبو عبد الله الحاكم: فقد صَحَّحَ الحديث فقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي، وكذا صَحَّحَه ابن حزم1. وقال ابن الصلاح:"حديث مُحْتَجٌّ به"2. وقال ابن دقيق العيد: "رجاله رجال مسلم"3.
والصواب ما قَدَّمْنَاه من إعلاله، والله أعلم.
1 المحلى: (2/227) .
2 البدر المنير: ك الحيض، ح 19، (1/456) رسالة ماجستير، تحقيق /إقبال أحمد محمد إسحاق.
3 الإلمام: (ص 58) ح 124.