الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7- باب ما جاء في تلقين الميت بعد دفنه
71-
(10) عن أبي أمامة مرفوعاً: "إِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إِخْوَانِكُم فَسَوَّيْتُم التَّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ، فَلَيْقُم أحدُكُم عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ ثم لْيَقُلْ: يا فلان بن فلانة، فَإِنَّه يَسْمَعُهُ ولا يُجِيبُ، ثُمَّ يقول: يا فلان بن فلانة، فَإِنَّهُ يَسْتَوي قَاعِدَاً، ثم يقول: يا فلان بن فلانة، فَإِنَّه يقول: أَرْشِدْنَا رَحِمَكَ الله. وَلَكِن لا تَشْعُرُون، فَلْيَقُل: اذْكُرْ مَا خَرَجْتَ عَلَيه من الدنيا: شَهادةَ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللهَ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُه، وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِالله رَبَّاً، وبِالإسْلام دِيْنَاً، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَبِالقرآن إِمَامَاً، فَإِن مُنْكَرَاً وَنَكِيراً يَأْخُذُ كلُّ واحدٍ منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا، ما نَقْعُدُ عند من قد لُقِّنَ حُجَّته، فيكونُ الله حجيجه دونهما". فقال رجل: يا رسول الله! فإن لم يعرف أُمَّهُ؟ قال: "ينسبه إلى حواءَ: يا فلان بن حواء ".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "
…
فهذا حديث لا يصحُّ رفعه، ولكن قال الأثرم: قلت لأبي عبد الله: فهذا الذي يصنعونه إذا دفن الميت
…
؟ فقال: ما رأيت أحداً فعل هذا إلا أهل الشام، حين مات أبو المغيرة، جاء إنسان فقال ذلك، وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم، عن أشياخهم، أنهم كانوا يفعلونه، وكان ابن عياش يروي فيه. قلت: يريد حديث إسماعيل بن عياش هذا الذي رواه الطبراني عن أي أمامة"1.
1 زاد المعاد: (1/522 - 523) .
وقال مرةً: "حديث ضعيف"1.
وقال مرةً: "ضعيف باتِّفَاقِ أهل العلم بالحديث"2.
وقال مَرةً: "
…
لا تقوم به حُجَّة"3.
قلت: هذا الحديث أخرجه الطبراني في (أكبر معاجمه) 4، وفي (الدعاء) 5 له من طريق:
محمد بن إبراهيم بن العلاء، عن إسماعيل بن عيَّاش6، عن عبد الله ابن محمد القرشي، عن يحيى بن أبي كثير، عن سعيد بن عبد الله الأودي، أنه قال: شهدت أبا أمامة رضي الله عنه وهو في النَّزْع قال: إذا أنا متٌُّ فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصنع بموتانا، أمرنا رسول الله: "إذا مات أحدٌ
…
" الحديث.
وهذا الإسناد ضعيف، وفيه مجاهيل؛ فإنَّ محمد بن إبراهيم بن العلاء: هو الحمصي الزبيدي، ذكره الذهبي في (الميزان) 7 وقال:"قال محمد بن عوف: كان يَسْرِقُ الحديث". وعبد الله بن محمد القرشي لم أقف له على ترجمة.
1 الروح: (ص 16) .
2 تحفة المودود: (ص149) .
3 تهذيب السنن: (7/250) .
(8/298) ح 7979.
(3/1367) ح 1214.
6 أبو عتبة الحمصي، صدوق في روايته عن أهل بلده، مُخَلِّطٌ في غيرهم، من الثامنة، مات سنة 181هـ أو 182هـ/ ي 4. (التقريب 109) .
(3/447) .
وأما سعيد بن عبد الله الأودي: فهكذا وقع عند الطبراني في كتابيه، وقال بعضهم: سعيد الأزدي1، وأشار المنذري إلى الخلاف في اسمه، فقال في الجزء الذي صَنَّفَهُ في التلقين - ونقل عنه ابن الملقن في (البدر المنير) 2-: "قال أبو نعيم الحدَّاد: هذا حديث غريب من حديث حماد بن زيد، ولم أكتبه إلا من حديث سعيد الأزدي، وقال ابن أبي حاتم3: سعيد الأزدي، عن أبي أمامة الباهلي
…
". وقال المنذري: "هكذا قال: الأزدي، ووقع في روايتنا: الأودي، وهو في معنى المجهول".
فإن كان هو الأزدي: فقد بَيَّضَ له ابن أبي حاتم، وإن كان الأودي: فإنه أيضاً لا يُعْرَف، ولذلك قال الهيثمي رحمه الله ووقع عنده: الأودي -: "رواه الطبراني في الكبير، وف إسناده جماعة لم أعرفهم"4.
وأورده الشيخ الألباني في (السلسلة الضعيفة) 5 من طريق آخر، فقال: "أخرجه القاضي الخُلعي في الفوائد (55/2) عن: أبي الدرداء هاشم بن محمد الأنصاري، ثنا عتبة بن السكن، عن أبي زكريا، عن جابر بن سعيد الأزدي، قال: دخلت على أبي أمامة وهو في النَّزْع
…
" الحديث.
فهذا قولٌ ثالت في اسم الراوي عن أبي أمامة، وأخشى أن يكون
1 انظر: التلخيص الحبير: (2/136) .
2 ج 4 (ق 50/ب) .
3 انظر: الجرح والتعديل: (2/1/76) .
4 مجمع الزوائد: (3/45) .
5 ح (599) .
حصل تصحيف في إسناد الخُلعي هذا، ويكون صوابه: جابر عن سعيد الأزدي، فيكون هو نفسه "سعيد الأزدي" المذكور سابقاً؟ فالله أعلم.
قال الشيخ الألباني عقب سياقه هذا الإسناد: "وهذا إسناد ضعيف جداً، لم أعرف أحداً منهم غير عتبة بن السكن، قال الدارقطني: متروكُ الحديث. وقال البيهقي: واهٍ، منسوب إلى الوضع. ثم أورد كلام الهيثمي السالف وقال: فاختلف في اسم الراوي عن أبي أمامة
…
".
وقد ضَعَّفَ هذا الحديث جماعة من الأئمة: فتقدم قول أبي نعيم الحداد أنه حديث غريب. وقال ابن الصلاح وقد سئل عنه: "ليس إسناده بالقائم"1. وقال النووي: "إسناده ضعيف"2. وقال الحافظ العراقيُّ في تخريج الإحياء3:"
…
الطبراني هكذا بإسناد ضعيف". ونقل ابن علان في شرح الأذكار4 عن ابن حجر أنه قال: "حديث غريب، وسند الحديث من الطريقين ضعيف جداً". وقال رحمه الله في فتح الباري5:"سنده ضعيفٌ جداً". وقال الصَنْعَانِي: "ويَتَحَصَّل من كلام أئمة التحقيق: أنه حديث ضعيفٌ، والعملُ به بدعةٌ، ولا يُغْتَرُّ بكثرة من يفعله"6. وقال الشيخ الألباني: "وجملة القول: أن الحديث منكرٌ عندي، إن لم يكن موضوعاً"7.
1 الأذكار للنووي: (ص138) .
2 المجموع: (5/257) .
(4/420) .
(4/196) .
(10/563) .
6 سبل السلام: (2/157) .
7 السلسلة الضعيفة: (2/65) .
ومع ذلك فقد حاول جماعة تقوية هذا الحديث، فقال ابن الملقن:"إسناده لا أعلم به بأساً"1. ثم ذكر له جملة من الشواهد "يعتضد بها" - ولم أر في واحدٍ منها ما يصلح شاهداً لهذا الحديث، وسأشير إلى شيء منها- وقال الحافظ ابن حجر: "إسناده صالح، وقد قَوَّاهُ الضياء في أحكامه
…
"2 ولا أدري ما هذا من الحافظ رحمه الله؟ فقد نقلنا قبل قليل تضعيفه إياه في تخريجه لأذكار النووي، فلعله هنا تبع صاحب الأصل (البدر المنير) فنقل تصحيحه إسناده دون أن يتعقبه؟ فالله أعلم.
وأما ابن الصلاح رحمه الله، فإنه مع تضعيفه إياه قال:"ولكن اعتضد بشواهد، وبعمل أهل الشام به قديماً"3. وقال النووي: "فهذا وإن كان ضعيفاً فيستأنس به، وقد اتفق علماء المحدثين وغيرهم على المسامحة في أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب، وقد اعتضد بشواهد من الأحاديث
…
"4. فذكر بعضها.
أما عن الشواهد التي ذكروها لهذا الحديث:
- فمنها: حديث "
…
واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل".
- ومنها: حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنه قال: "إذا دفنتموني أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها، حتى أستأنس بكم،
1 البدر المنير: ج 4 (ق50/ب) .
2 التلخيص الحبير: (2/135 - 136) .
3 الأذكار للنووي: (ص138) .
4 المجموع: (5/257 - 258) .
وأعلم ماذا أراجع رسل ربي". أخرجه مسلم في (صحيحه)1.
- ومنها: ما رواه سعيد بن منصور من طريق: راشد بن سعد، وضمرة بن حبيب وغيرهما، قالوا:"إذا سُوِّي على الميت قبره وانصرف الناس عنه، كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره: يا فلان قل: لا إله إلا الله، قل: أشهد أن لا إله إلا الله. ثلاث مرات، قل: ربي الله، وديني الإسلام، ونَبِيِّ محمد، ثُمَّ يَنْصَرِف"2. إلى غير ذلك من الشواهد التي ساقوها.
وهذه الشواهد كما نرى كلها موقوفات، والمرفوع منها ليس فيه سوى الدعاء للميت بالتثبيت والمغفرة، وهذا لا علاقة له بالتلقين المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أمامة، قال الشيخ الألباني: "واعلم أنه ليس للحديث ما يَشْهَدُ له، وكلُّ ما ذكره البعض إنما هو أثرٌ موقوفٌ على بعض التابعين الشاميين، لا يصلح شاهداً للمرفوع، بل هو يُعِلُّه، وينزل به من الرفع إلى الوقف
…
على أنه شاهد قاصر"3. يشير إلى أثر سعيد بن منصور السابق.
قلت: فإذا كان هذا هو حال هذا الأثر، الذي هو أقرب ما يكون إلى حديث أبي أمامة، فكيف ببقية هذه الشواهد التي لا صلة لها بلفظ الحديث؟
(1/112) ح 192 (121) وهو جزء من حديث طويل.
2 التلخيص الحبير: (2/136) .
3 السلسلة الضعيفة: (2/65) .
وأما قول النوويِّ: إن ذلك من فضائل الأعمال التي يُتَسَامَحُ فيها: فإنه مردود، قال الشيخ الألباني:"ولا يرد هنا ما اشتهر من القول بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال؛ فإن هذا محله فيما ثبت مشروعيته بالكتاب أو السنة الصحيحة، وأما ما ليس كذلك فلا يجوز العمل فيه بالحديث الضعيف؛ لأنه تشريع، ولا يجوز ذلك بالحديث الضعيف، لأنه لا يفيد إلا الظن المرجوح اتفاقاً، فكيف يجوز العمل بمثله"1.
وأما الذين قَوَّوه بعمل الناس إلى يومنا هذا، كقول ابن الصلاح:"ولكن اعتضد بشواهد، وبعمل أهل الشام قديماً": فلا شكَّ أن العمل الذي يُعَوَّلَ عليه، ويُجعل الحديث بمقتضاه مقبولاً، هو عمل العلماء، وليس عمل كل أحد. ثم إنَّ أهل الشام وحدهم لا يمثلون الأمة كلها - أو علماء الأمة - حَتَّى يُجعل عملهم حجةً على الأمة. هذا بالإضافة إلى شِدَّة ضعفِ هذا الحديث، وجهالة رواته، وإنكار أكثر العلماء له، حتى قال الشيخ الألباني: "منكر
…
إن لم يكن موضوعاً". وكم من حديث ضعيف لا يثبت قد عمل به عاملون، فهل يلزم من هذا أن تُتَّخَذَ البدع ديناً بحجة أن الناس يعملونها؟؟ كلَاّ، ففيما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم كفايةٌ.
ثم إن ابن القَيِّم رحمه الله قد قال نحواً من ذلك!! فإنه وإن ضَعَّفَ الحديث كما مضى، إلا أنه قال في كتابه (الروح) 2: "فهذا الحديث وإن لم يثبت، فاتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار: كافٍ في العمل به
…
"!
1 السلسلة الضعيفة: (2/65) .
(ص 16) .
كذا قال ابن القَيِّم رحمه الله، مع أنه يَنْفِي أن يكون ذلك من هَدْيِ النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يقول في (زاد المعاد) 1:"ولم يكن - يعني النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عند القبر، ولا يُلَقِّنُ الميت كما يفعله الناس اليوم". مع ما تقدم من تضعيفه لهذا الحديث، فلعله كان يقول به أولاً ثم رجع عنه، فالله أعلم.
فالخير كل الخير في اتِّبَاع هَدْيِه صلى الله عليه وسلم في الفِعْلِ والتَّرْكِ، وما أحسن ما قال الصنعاني رحمه الله:"ويَتَحَصَّل من كلام أئمة التحقيق: أنه حديث ضعيف، والعملُ به بدعة، ولا يُغْتَرُّ بكثرة من يفعله"2. والله أعلم.
(1/522) .
2 سبل السلام: (2/157) .