الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2- باب في المستحاضة: أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد
14-
(2) عَنْ حَمْنَة بنت جحش رضي الله عنها قَالَتْ: "كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حيضةً كثيرةً شديدةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم أَسْتَفْتِيهِ وَأخبره، فَوَجَدْتُهُ في بيت أُخْتِي زينب بنت جحش، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ حيضةً كثيرةً شديدةً، فَمَا تَرَى فِيها، قَد منعتني الصلاة والصوم؟ فقال: "أَنْعَتُ لكِ الكُرْسُف1؛ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الدم". قَالَتْ: هُوَ أَكْثَرُ مِن ذَلِكَ. قال: "فَاتَّخِذِي ثَوبَاً". فقالت: هو أكثرُ من ذلك، إِنَّمَا أَثُجُّ2 ثَجَّاً. قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "سَآمركِ بأمرين، أَيُّهُمَا فَعلتِ أجزأَ عنكِ من الآخر، وإنْ قَوِيتِ عليهما فأنت أعلم". قال لها: "إِنَّمَا هذه رَكْضَةٌ من رَكَضَاتِ الشيطان3، فَتَحَيَّضِي4 سِتَّةَ أَيَّامٍ أو سبعة أيامٍ في علم الله، ثم اغتسلي، حَتَّى إِذَا رَأّيْتِ أَنَّكِ قَدْ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَأْتِ
1 الكُرْسُف: القطن. (النهاية: 4/163) .
2 قال أبو عبيد: "هو من الماء الثَجَّاج، وهو السائل. ومنه الحديث المرفوع: أنه سُئِل عن بِرِّ الحج؟ فقال: "هو العَجُّ والثَّجُّ"
…
والثجَُّّ: سيلانُ دماء الهَدْي". (غريب الحديث1/279) .
3 قال ابن الأثير: "أصل الرَّكْضِ: الضربُ بالرِّجْلِ والإصابة بها، كما تركض الدابة وتصاب بالرجل
…
المعنى: أن الشيطان قد وَجَدَ بذلك طريقاً إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها حتى أَنْسَاهَا ذلك عادتها، وصَارَ في التقدير كأنه ركضة بآلة من ركضاته". (النهاية 2/259) .
4 قال ابن الأثير: "تَحَيَّضَتْ المرأة: إذا قَعَدَتْ أيامَ حيضها تنتظر انقطاعه، أراد: عُدِّي نفسكِ حائضاً، وافعلي ما تفعل الحائض". (النهاية 1/469) .
فَصَلِّي ثلاثاً وعشرين ليلةً أو أربعاً وعشرين ليلةً وَأَيَّامهَا، وَصُومِي، فَإِنَّ ذَلِكَ يجزيكِ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي فِي كُلِّ شهرٍ كما تَحِيضُ النِّسَاء وَكَمَا يَطْهُرْن، ميقاتُ حيضهن وطهرهن، وإن قِويتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي العَصْرَ، فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين: الظهر والعصر، وَتُؤَخِّرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين، فافْعَلِي، وتغتسلين مع الفجر فافعلي، وصومي، إنْ قدرتِ على ذلك". قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وَهَذَا أَعْجَبُ الأمْرَين إِلَيّ".
أَورَدَ ابن القيم رحمه الله أَقْوَالَ الْمُعَلِّلِينَ لِهَذا الحديث، وَرَدَّ عليها، وَأَجَاب عنها، وَاخْتَارَ صحَّة الحديث، وَنَقَل أقوال الأئمة الْمُصَحِّحِين له1.
قلت: هذا الحديث مداره علىعبد الله بن محمد بن عقيل2، ورواه عنه جماعة:
فأخرجه أبو داود في (سننه) 3، والترمذي في (جامعه) 4، وأحمد في
1 انظر: تهذيب السنن: (1/183-187) .
2 ابن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد المدني، أمه زينب بنت علي، صدوقٌ في حديثه لينٌ، وَيُقَال: تَغَيَّرَ بآخرة، من الرابعة، مات بعد الأربعين / بخ د ت ق. (التقريب 321) .
(1/199) ح 287 ك الطهارة، باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة.
(1/221) ح 128 ك الطهارة، باب ما جاء في المستحاضة: أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد.
(مسنده) 1، والدارقطني والبيهقي في (سننيهما) 2، وابن عبد البر في (التمهيد) 3، كلهم من طريق: زهير بن محمد4.
وأخرجه أحمد في (مسنده) 5، وابن ماجه في (سننه) 6من طريق: شريك بن عبد الله7.
وأخرجه الحاكم في (المستدرك) 8، والبيهقي في (سننه) 9 من طريق: عبيد الله بن عمرو الرَّقي10.
وأخرجه ابن ماجه في (سننه) 11 من طريق: ابن جريج.
(6/439) .
2 قط: (1/214) ح 48. هق: (1/338) .
(16/62، 63) .
4 التميمي، أبو المنذر الخراساني، رواية أهل الشَّام عنه غيرُ مستقيمة فَضُعِّفَ بسببها
…
من السابعة، مات سنة 162هـ/ع. (التقريب 217) .
(6/439-440) .
(1/205) ح627، ك الطهارة، باب ما جاء في البكر إذا ابتدأت مستحاضة، أو كان لها أيام حيض فنسيتها.
7 النخعي الكوفي، القاضي بواسط، ثم الكوفة، أبو عبد الله، صدوقٌ يخطئ كثيراً، تَغَيَّرَ حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلاً فاضلاً عابداً شديداً على أهل البدع، توفي سنة 177أو 178 هـ / خت م 4. (التقريب ص266) .
(1/172-173) .
(1/338-339) .
10 أبو وهب الأسدي، ثِقَةٌ فَقَيه رُبَّمَا وَهِمَ، من الثامنة، مات سنة 180هـ/ع. (التقريب 373) .
11 (1/203) ح622، باب المستحاضة التي قد عدت أيام أقرائها قبل أن يستمر بها الدم.
كُلُّهم: عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة1 عن عمه: عمران بن طلحة2، عن أمه حَمْنَة بنت جحش3 به. وقد جاء في رواية ابن جريج:"عمر بن طلحة" بدل "عمران" وسيأتي الكلام عليها.
واللفظ المتقدم هو لفظ أبي داود، ومثله لفظ البيهقي، والباقون ألفاظهم بنحوه، إلا أن الترمذي والدارقطني عندهما زيادة قوله:"فَتَلَجَّمِي" بعد قوله: "أنعت لك الكرسف". وعند أحمد هذه اللفظة أيضاً، لكن ليس عنده قوله:"فَاتخذي ثوباً". وجاء في رواية شريك عند أحمد وابن ماجه: "إني استحضت حيضةً منكرةً شديدةً" وعندهما: "احتشي كرسفاً". أما الحاكم فعنده: "أنعت لك الكرسف" فقط.
وقد أُعِلَّ هذا الحديث بعدة علل:
أولها: الطَّعْنُ في "عبد الله بن محمد بن عقيل".
قال ابن منده: "لا يصحُّ بوجه من الوجوه؛ لأنهم أجمعوا على ترك حديث ابن عقيل"4. وقال الخطابي: "وقد تَرَكَ بعض العلماء القول بهذا
1 التيمي، أبو إسحاق المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة110هـ/م4. (التقريب93) .
2 ابن عبيد الله التيمي، المدني، له رؤية، ذكره العجليُّ في ثقات التابعين/ بخ د ت ق. (التقريب 429) .
3 الأسدية، أخت زينب، كانت تحت مصعب بن عمير، ثم طلحة
…
ولها صُحْبَة، وهي أم وَلَدَي طلحة: عمران ومحمد /بخ د ت ق. (التقريب 745) .
4 البدر المنير: (1/356) . رسالة ماجستير، تحقيق /إقبال أحمد محمد إسحاق.
الخبر؛ لأن ابن عقيل راويه ليس بذاك"1. وقال البيهقي: "تَفَرَّدَ به عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو مختلف في الاحتجاج به"2.
وقد أجاب ابن القيم رحمه الله عن ذلك بقوله: " عبد الله ابن محمد بن عقيل ثقة صدوق، لم يُتَكَلَّم فيه بجرح أصلاً. وكان الإمام أحمد، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وإسحاق بن راهويه يَحْتَجُّونَ بحديثه، والترمذي يصحح له، وإنما يُخْشَى من حفظه إذا انفرد عن الثقات أو خالفهم، أَمَّا إذا لم يخالف الثقات، ولم ينفردْ بما يُنْكَر عليه: فهو حجة"3. قال: "ودعوى ابن منده الإجماع على تركِ حديثه غلط ظاهر منه"4.
وعبد الله بن محمد هذا اختلفت فيه أقوال الأئمة، فَمَشَّاُه جماعة واحْتَجُّوا به، وَضَعَّفَهُ آخرون، والكلام إنما هو في حفظه؛ فإنَّ أكثرَ الذين تركوا الاحتجاج به إنما فعلوا ذلك لسوء حفظه5. وقد جعله ابن رجب الحنبلي مثالاً للرواة الذين اختُلِفَ فيهم: هل هم ممن غلب على حديثهم الوهم والغلط أم لا؟ 6. وقال الحافظ الذهبي رحمه الله: "حَدِيثُهُ في مرتبة الحسن"7.
1 معالم السنن: (1/185) .
2 المعرفة: (2/159-160) .
3 تهذيب السنن: (1/183) .
4 المصدر السابق: (1/184) .
5 انظر: تهذيب التهذيب: (6/14-15) .
6 شرح علل الترمذي: (ص249) .
7 الميزان: (2/485) .
ولعلَّ هذا ما تطمئنُ إليه النفس في أمره؛ لأن جماعةً من الأئمة احتجوا به، ومنهم من صَحَّحَ حديثه، وحَسَّنَهُ آخرون، وإنما الخشية من انفراده بما لا يُتَابعُ عليه، أو مخالفته الثقات كما مضى في كلام ابن القيم رحمه الله.
وأما ما قاله ابن القيم من أنه "لَم يُتَكَلَّم فيه بِجرحٍ أصلاً" ففيه نظر؛ فقد ضَعَّفَهُ جماعة كثيرون1. وكذلك قول ابن عبد البر رحمه الله: "هو أوثق من كل من تَكَلَّم فيه". لا يخلو من نظر، ولذلك رَدَّهُ ابن حجر بقوله:"وهذا إفراط"2.
وقد رَدَّ الأئمة على ابن منده في دَعْوَاهُ الإجماعُ على تركه، فقال ابن دقيق العيد:"ليسَ الأمر على ما ذَكَرَهُ، وإن كان بَحْرَاً من بُحُورِ هذه الصناعة"3. وقال ابن الملقن: "
…
قولة عجيبةٌ منه"4. وقال الحافظ ابن حجر: "ظَهَرَ لي أن مراد ابن منده بذلك: مَنْ خَرَّجَ الصحيح. وهو كذلك"5. وقد مضى كلام ابن القيم في تعقب ابن منده.
العلة الثانية: أنه منقطع بين ابن جريج وابن عقيل.
1 انظر أقوالهم في تهذيب التهذيب: (6/14- 15) .
2 تهذيب التهذيب: (6/15) .
3 البدر المنير: (1/360) . رسالة ماجستير، تحقيق /إقبال أحمد.
4 المصدر السابق.
5 التلخيص الحبير: (1/163) ، أي أنَّ الكتب التي اشترطت الصِّحَّة أجمع مؤلفوها على تركه، بمعنى عدم الاحتجاج به.
قالوا: إنَّ ابنَ جريج لم يسمعه من ابن عقيل، بينهما فيه "النعمان بن راشد"1، والنعمان هذا ضعيف، وقد أَعَلَّه بذلك ابن حزم2 رحمه الله.
وَأَجَابَ عن ذلك ابن القيم رحمه الله، فقال:"النعمان بن راشد ثقة، أَخْرَجَ له مسلم في (صحيحه) ، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، واستشهد به البخاري. وقال: في حديثه وهمٌ كثيرٌ، وهو صدوقٌ، وقال ابن أبي حاتم: أَدْخَلَهُ البخاريُّ في الضعفاء، فسمعتُ أبي يقول: يُحَوَّل اسمه منه"3.
وقال ابن الملقن رحمه الله: "وأما رَدُّ ابنِ حزم بالانقطاع
…
فجوابه: أن الترمذي، وأبا داود، وابن ماجه، والحاكم رووه من غير طريق ابن جريج، فليتصل طريق ابن جريج أو لينقطع، ولتكن الواسطة بينه وبين ابن عقيل ضعيفاً إن شاء أو قوياً. وعلى تقدير الواسطة وهو "النعمان بن راشد"، فقد أخرج له مسلم، واستشهد به البخاري
…
"4.
العلة الثالثة: ضعف شريك، وزهير بن محمد. وهما من رواته عن عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد أعله بذلك ابن حزم أيضاً5.
1 الجزري، أبو إسحاق الرقي، مولى بني أمية، صدوقٌ سَيِّئُ الحِفْظ، من السادسة/ خت م 4. (التقريب 564) .
2 المحلى: (2/263) .
3 تهذيب السنن: (1/184) .
4 البدر المنير: (1/361، 362) . رسالة الأخ/ إقبال.
5 المحلى: (2/263) .
وقد أَجَابَ عنه ابن القيم بأن شريكاً قد وَثقَهُ الأئمة1، قال:"وأما زهير بن محمد: فاحتجَّ به الشَّيخان وباقي الستة، وعن الإمام أحمد فيه أربع روايات2: إحداها: أنه "ثقة". والثانية: "مستقيم الحديث". والثالثة: "مقارب الحديث". والرابعة: "ليس به بأس". وعن يحيى بن معين فيه ثلاث روايات: إحداها: "صالح لا بأس به"3. والثانية: "ثقة"4. والثالثة: "ضعيف"5. وقال عثمان الدرامي: "ثقة صدوق". وقال أبو حاتم: "محله الصدق"6. وقال يعقوب بن شيبة: "صدوق صالح الحديث". وقال البخاري: "ما رواه عنه أهل الشام فإنه منكر، وما رواه عنه أهل البصرة فإنه صحيح". وهذا الحدث قد رواه أبو داود والترمذي من حديث أبي عامر العقدي - عبد الملك بن عمرو - عنه، وهو بصريٌّ فيكون على قول البخاريّ صحيحاً"7.
وقال ابن الملقن في الجواب عن ابن حزم: "وأما تضعيفه لشريكٍ
1 لكن تَكَلَّمَ كثير منهم فيه من جهة سوء حفظه وكثرة خطئه وتخليطه. انظر: تهذيب الكمال (12/467 - 472) .
2 انظر هذه الروايات الأربع في تهذيب التهذيب: (3/349) .
3 المصدر السابق.
4 تاريخ الدارمي عن يحيى: (ص114) رقم 345.
5 تهذيب التهذيب: (3/349) .
6 الجرح والتعديل: (1/2/590) وتمام كلامه: "
…
وفي حفظه سوء، وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق لسوء حفظه".
7 تهذيب السنن: (1/186) .
فليس بجيد منه؛ لأنه مخرج له في الصحيح1، وقد انفرد بهذا الطريق ابن ماجه فأخرجها في سننه
…
". ثم ذكر في رَدِّ التهمة عن زهير بن محمد قريباً من كلام ابن القيم2.
العلة الرابعة: أَعَلَّهُ بها ابن حزم - أيضاً - فقال: "وعمر بن طلحة غير مخلوقٍ، ولا يُعرف لطلحة ابنٌ اسمه عمر"3.
وجواب ذلك: أن رواية "عمر بن طلحة" انفرد بها ابن جريج، وخَطَّأوه فيها، فقال الترمذي عقب إخراجه: "ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي، وابن جريج، وشريك: عن عبد الله بن محمد بن عقيل
…
إلا أن ابن جريج يقول: عمر بن طلحة. والصحيح: عمران بن طلحة"4.
ونَقَلَ ابن القيم كلام الترمذي في الجواب على هذه العلة، ثم زاد:"وقد تَقَدَّمَ من كلام الدارقطني5 أن ابن جريج قال فيه: عمران ابن طلحة، وهو الصواب"6.
قلت: فإنْ صحَّ ما نقله الدارقطني عن ابن جريج فتكون هذه رواية أخرى عن ابن جريج توافق رواية الجماعة.
1 إنما أخرج له الإمام مسلم في (صحيحه) متابعة، واستشهد به الإمام البخاري في الصحيح:(انظر: تهذيب الكمال 12/475) .
2 البدر المنير: (1/362) . رسالة الأخ/ إقبال الماضي ذكرها.
3 المحلى: (2/264) .
4 جامع الترمذي: (1/225 – 226) .
5 كلام الدارقطني هذا في علله: ج5 (ق211/أ) .
6 تهذيب السنن: (1/185) .
العلة الخامسة: أَعَلَّهُ ابن حزم - أيضاً - بأنه قد رُوي من طريق الحارث بن أبي أسامة، قال:"والحارث بن أبي أسامة قد تُرك حديثه، فسقط الخبر جملة"1.
قال ابن القيم: "وهذا تَعَلُّقٌ باطلٌ فإنما اعتمدَ في ذلك على كلام أبي الفتح الأزدي فيه، ولم يُلتفت إلى ذلك2، وقد قال إبراهيم الحربي: هو ثقة. وقال البرقانيُّ: أمرني الدارقطني أن أُخْرِجَ عنه في الصحيح. وصَحَّحَ له الحاكم، وهو أحد الأئمة الحُفَّاظ"3.
وَثَمَّة علل أخرى أُعِلَّ بها الحديث لم يَعْرِضْ لها ابن القيم رحمه الله، منها:
العلة السادسة: أن بعضهم جَعَلَ قوله صلى الله عليه وسلم: "وهذا أعجب الأمرين إليَّ " من كلام حَمْنَة موقوفاً عليها، ذَكَر ذلك أبو داود عقب إخراجه. وأجاب عنه ابن الملقن رحمه الله4.
العلة السابعة: قال البخاري رحمه الله: "إبراهيم بن محمد بن طلحة هو قديم، ولا أدري سمع منه عبد الله بن محمد بن عقيل أم لا؟ "5.
1 المحلى: (2/264) .
2 قال الذهبي في الميزان: (1/442) : "وكان حافظاً عارفاً بالحديث عالي الإسناد بالمرة، تُكُلِّمَ فيه بلا حجة".
3 تهذيب السنن: (1/187) .
4 البدر المنير: (1/359) . رسالة الماجستير المتقدم ذكرها.
5 علل الترمذي: (1/188) .
وأجاب عن ذلك ابن الملقن أيضاً1.
فظهر من هذه الدراسة: أن ما أُعِلَّ به هذا الحديث غير قائم، ومع ذلك فقد صَحَّحَه عدد من أئمة هذا الشأن وحَسَّنَهُ آخرون، فقال الإمام أحمد:"حديث حسن صحيح"2. وقال البخاري: "حديث حسن" كذا نقله عنه الترمذي في (علله) 3، وفي بعض نسخ (جامعه) 4 عنه أنه قال: "حسن صحيح". وقال الترمذي: "حسن صحيح". وكأن الدارقطني رحمه الله قد مالَ إلى تصحيحه حيث ذَكَرَ اختلافاً فيه علي عبد الله بن محمد بن عقيل، ثم صَوَّبَ رواية الجماعة المتقدمين: عن ابن عقيل، عن إبراهيم، عن عمران بن طلحة، عن حَمْنَة، فقال:"وهو الصحيح"5. وكذا يَظْهَرُ من صنيع الحاكم الميل إلى تصحيحه؛ حيث أشار إلى شواهد له عقب إخراجه6. وصححه النووي في (الخلاصة) 7 (وشرح المهذب)8.
وضعفه - إلى جانب من تقدمت أقوالهم -: أبو حاتم الرازي،
1 البدر المنير: (1/359 – 360) الرسالة المتقدم ذكرها.
2 جامع الترمذي: (1/226) .
(1/187) باب المستحاضة: أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد.
(1/226) .
5 علل الدارقطني: ج5 (ق 211/أ) .
6 المستدرك: (1/173) .
(ق 22) .
8 المجموع: (2/356) .
حيث سأله عنه ابنه؟ فَوَهَّنَهُ، ولم يقوّ إسناده1.
وقد ردَّ ابن القيم كلام أبي حاتم: بأنه لم يُبَيِّنْ سَبَبَهُ حتى يُمْكُنَ البحث معه فيه. ولعله أراد بعض ما تقدم، وقد أجيب عنه2.
ونقل أبو داود عن الإمام أحمد قوله: "حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء"3. وَرَدَّهُ ابن الملقن: بأنه معارض بما نقله عنه الترمذي من أنه صححه4.
وبعد: فإن هذا الحديث تميل النفس إلى تحسينه، كما حكم بذلك البخاري وغيره، وهذا أقل ما يُقال فيه من أجل ابن عقيل؛ فإنه قد تُكُلِّمَ في حفظه كما تقدم، وقد حسن الذهبي حديثه لأجل هذا، فقال:"حديثه في مرتبة الحسن"5. مع أن جماعة قد حكموا بصحته كما مضى.
وقد دَفَعَ ابن القيم رحمه الله العلل التي رُمي بها هذا الحديث - أو أكثرها - عِلَّةً عِلَّةً، وأجاب عنها بما يُفهمُ منه ميله إلى تصحيح الحديث، والله أعلم.
1 علل ابن أبي حاتم: (1/51) ح 123.
2 البدر المنير: (1/361) .
3 السنن: (1/202) .
4 البدر المنير: (1/365) .
5 الميزان: (2/485) .