المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌7- باب من قال بجواز رمي الجمرة قبل طلوع الشمس للعذر - ابن قيم الجوزية وجهوده في خدمة السنة النبوية وعلومها - جـ ٢

[جمال بن محمد السيد]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌الباب الثاني: آراء ابن القيم ومنهجه في الحديث وعلومه

- ‌الفصل الثالث: منهج ابن القيم في تخريج الحديث والحكم عليه

- ‌المبحث الأول: منهج ابن القيم في تخريج الحديث وعزوه

- ‌المبحث الثاني: فِي بَيَانِ مَنْهَجِهِ فِي الْحُكْمِ عَلَى الحديث

- ‌الفصل الربع: منهج ابن القيم في شرح الحديث، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه

- ‌المبحث الأول: منهجه في شرح الحديث، وبيان معانيه

- ‌المبحث الثاني: مَنْهَجُهُ في بَيَانِ غَرِيبِ الحَدِيثِ

- ‌المبحث الثالث: مَنْهَجُهُ في التعريفِ ببعضِ الأماكنِ والبقاعِ التي تَرِدُ في النصوص الحديثية، وضبط ذلك

- ‌المبحث الرابع: مَنهَجُهُ في الاستدلالِ بِالنُّصُوصِ الْحَدِيْثِيَّةِ عَلَى آرَائِهِ واخْتِيَارَاتِه

- ‌المبحث الخامس: مَنْهَجُهُ في التوفيقِ والجمعِ بينَ الأحاديث التي ظَاهِرُهَا التَّعَارض

- ‌الباب الثالث: دراسة جملة من الأحاديث المختارة مما تكلم عليه ابن القيم

- ‌المدخل

- ‌من كتاب الطهارة

- ‌1ـ باب ما جاء في الرخصة في استقبال القبلة عند الحاجة

- ‌2- باب وضع الخاتم عند دخول الخلاء

- ‌3- باب ما جاء في تخليل الأصابع عند الوضوء

- ‌4- باب من قال بالموالاة في الوضوء وعدم جواز تفريقه

- ‌5- بابُ الوضوء من مس الذكر

- ‌6- باب ما جاء في ترك الوضوء من مس الذكر

- ‌7 ـ باب الوضوء من لحم الإبل

- ‌8 - باب التوقيت في المسح على الخفين

- ‌9- باب من قال بعدم التوقيت في المسح على الخفين

- ‌10- باب ما جاء في مسح أعلى الخف وأسفله

- ‌ من كتاب الحيض

- ‌1- باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة

- ‌2- باب في المستحاضة: أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد

- ‌3- بابُ كفارة من أتى حائضا

- ‌ من كتاب الصلاة

- ‌1- باب ما جاء في رفع اليدين عند افتتاح الصلاة

- ‌2- باب ما يقال من الدعاء في افتتاح الصلاة

- ‌4- باب ترك القراءة خلف الإمام فيما يجهر فيه

- ‌5- باب من قال: لا يقرأُ المأمومُ خلف الإمام مطلقاً

- ‌6- باب في التأمين بعد الفاتحة، والجهر بها

- ‌7- باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع

- ‌8- باب أول ما يقع من الإنسان على الأرض عند السجود

- ‌9- باب ما جاء في التشهد في الصلاة

- ‌10- باب في ذكر نوع آخر من التشهد

- ‌11- باب التسليم في الصلاة وما جاء في التسليمة الواحد

- ‌12- باب في صلاة الرجل وحده خلف الصف

- ‌13- باب ما جاء في صلاة الإمام جالسا

- ‌14- باب من ترك القصر في السفر

- ‌15- باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين في السفر

- ‌من كتاب الزكاة

- ‌1- باب في عقوبة مانع الزكاة

- ‌من كتاب الصوم

- ‌1 ـ باب السواك للصائم

- ‌2- باب القبلة للصائم

- ‌3- باب ما جاء في الإفطار في السفر

- ‌5- باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال

- ‌ من كتاب الحج

- ‌1- باب الإهلال بعمرة من بيت المقدس

- ‌2- باب لا تنتقب المرأة المحرمة

- ‌3- باب لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين

- ‌4- باب في إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي

- ‌5- باب من قال: كان الفسخ لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة

- ‌6- باب النهي عن رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس

- ‌7- باب من قال بجواز رمي الجمرة قبل طلوعِ الشمس للعذر

- ‌8 ـ باب من قال بجواز التضحية ثلاثة أيام بعد النحر

- ‌9- باب ما يستحب من ذبح صاحب النسيكة نسيكته بيده، وجواز الاستنابة فيه

- ‌10- باب ما جاء في طواف الإفاضة

- ‌11- باب الشرب من ماء زمزم

- ‌12- باب فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌من كتاب الجهاد

- ‌1 ـ باب ما جاء في حلية السيف

- ‌ من كتاب الجنائز

- ‌1- باب في الغسل من غسل الميت

- ‌2- باب ما جاء في المشي خلف الجنازة

- ‌3- باب ما جاء في القيام للجنازة

- ‌4- باب الصلاة على الجنازة في المسجد

- ‌5 - باب ما جاء في الصلاة على الطفل

- ‌6- باب ما جاء في الصلاة على الشهداء

- ‌7- باب ما جاء في تلقين الميت بعد دفنه

- ‌ من كتاب النكاح

- ‌1- باب في البكر لا تزوج إلا برضاها

- ‌2- باب ما جاء في العزل

الفصل: ‌7- باب من قال بجواز رمي الجمرة قبل طلوع الشمس للعذر

‌7- باب من قال بجواز رمي الجمرة قبل طلوعِ الشمس للعذر

54 -

(9) عن عائشة رضي الله عنها: "أنه صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَ بأمِّ سلمة ليلة النحر، فَرَمَتْ الجمرةَ قبل الفجر، ثُمَّ مَضَت فَأَفَاضَتْ

" الحديث.

ذكر ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث، وقال:"حديث منكرٌ، أنكره الإمام أحمد وغيره". ثم ساق كلام الإمام أحمد في ذلك.

قال: "وما يدل على إنكاره: أن فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافي صلاة الصُّبْح يوم النَّحْر بمكة، وفي رواية: "توافيه بمكة " وكان يَومَها، فأحبَّ أن توافيه. وهذا من المحال قطعاً".

ثم استدلَّ على بطلانه أيضاً: بحديث عائشة في (الصحيحين) : "أن سودة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن تَدْفَعَ قبله، فَأَذِنَ لها. قالت عائشة: "ولأن أكون استأذنتُ كما استأذنته سودة أحبَّ إليَّ من مفروح به". قال: "فهذا الحديث الصحيح يبين أن نساءَهُ - غير سودة - إنما دَفَعْنَ معه"1.

قلت: هذا الحديث أخرجه أبو داود في (سننه) 2، والحاكم في (المستدرك) 3، والبيهقي في (سننه) 4 من طريق:

1 زاد المعاد: (2/248 - 252) . وانظر: تهذيب السنن: (2/404 - 405) .

(2/481) ح 1942، ك الحج، باب التعجيل من جمع.

(1/469) .

(5/133) .

ص: 435

ابن أبي فُديك، عن الضحاك بن عثمان1، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"أَرْسَلَ النبي صلى الله عليه وسلم بأمِّ سلمة ليلة النحر، فرمتْ الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت، وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ". تعني عندها. هذا لفظ أبي داود، ولفظ الباقيين مثله، إلا أن عند الحاكم: "وكان ذلك يوم الثاني الذي يكون عندها

". كذا رواه الضحاك عن هشام. قال أبو عبد الله الحاكم: "صحيح على شرطهما ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.

ورواه أبو معاوية2، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنها.

أخرجه من هذا الطريق: الإمام مسلم في كتاب (التمييز) 3، من طريق: يحيى بن يحيى، وأبي كريب، ومحمد بن حاتم، ثلاثتهم: عن أبي معاوية، بالإسناد إلى أم سلمة رضي الله عنها:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة".

قال الإمام مسلم عقبه: "وهذا الخبر وَهْمٌ من أبي معاوية، لا من غيره، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصُّبْحَ في حجته يوم النحر بالمزدلفة،

1 ابن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي، أبو عثمان المدني، صدوقٌ يَهِمُ، من السابعة/ م 4. (التقريب 279) .

2 هو: محمد بن خازم الضرير الكوفي، عَمِيَ وهو صغير، ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يَهِمُ في حديث غيره، من كبار التاسعة، مات سنة 195هـ، وقد رُمِيَ بالإرجاء / ع. (التقريب 475) .

(ص 186) .

ص: 436

وتلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يأمر أم سلمة أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة، وهو حينئذ يصلي بالمزدلفة؟ " قال: "هذا خبر محال، ولكن الصحيح من روى هذا الخبر عن أبي معاوية، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن توافي صلاة الصبح يوم النحر بمكة

وإنما أفسد أبو معاوية معنى الحديث حين قال: توافي معه"1.

قلت: وهذه الرواية التي أشار مسلم إلى صحتها عن أبي معاوية: أخرجها البيهقي في (سننه) 2 من طريق: يحيى بن يحيى، عن أبي معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن زينب، عن أم سلمة به. بدون قوله "معه".

ورواه أسد بن موسى3، عن أبي معاوية بالإسناد نفسه، ولكن لفظه:"أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر أن توافي معه صلاة الصبح بمكة". هكذا بتقديم قوله: "يوم النحر". أخرجه هكذا الطحاوي في (شرح معاني الآثار) 4، ثم قال:"ففي هذا الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم أمرها بما أمرها به من هذا يوم النحر، فذلك على صلاة الصبح في اليوم الذي بعد يوم النحر".

ولكن تعقبه البيهقي بقوله: "فتعلق به بعض من يدَّعي تصحيح الآثار على مذهبه، وزعم أنه إنما أمرها بذلك يوم النحر؛ لتوافي معه

1 التمييز: (ص186) .

(5/133) .

3 ابن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الأموي، أسد السنة، صدوق يُغْرِبُ، وفيه نصبٌ، من التاسعة، مات سنة 212هـ / خت د س. (التقريب 104) .

(2/218) .

ص: 437

صلاة الصبح من غد يوم النحر بمكة

وليس من الإنصاف أن تُتْرَكَ رواية الجمهور، ويُؤْخَذ برواية واحدٍ لم يكن عندهم بمصر بالحافظ جداً"1. يعني: أسد بن موسى.

وخالف هؤلاء جميعاً جماعة من أصحاب هشام، فرووه عنه، عن أبيه، عن أم سلمة مرسلاً.

أخرجه الطحاويُّ في (شرح المعاني) 2 من طريق: حماد بن سلمة، عن هشام، عن أبيه:"أَنَّ يومَ أُمِّ سلمة دَارَ إلى يوم النحر، فأمرها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ليلة جمع أن تُفيضَ، فَرَمَتْ جمرة العقبة، وصلت الفجر بمكة".

وأخرجه البيهقي في (سننه) 3 من طريق: داود بن عبد الرحمن العطَّار، والدراوردي، كلاهما عن هشام به، ولفظه:"دار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أُمِّ سَلَمَة يوم النَّحْرِ، فأمرها أن تُعَجِّلَ الإفاضة من جمع، حتى تأتي مكة فتصلي بها الصبح، وكان يومها فأحبَّ أن توافقه".

وأخرجه الإمام مسلم في كتاب (التمييز) 4 من طريق: الثوري، عن هشام به بنحو لفظ البيهقي، مختصراً.

وقد رواه وكيع، عن هشام، عن أبيه مرسلاً أيضاً، ولفظه: "أن

1 معرفة السنن والآثار: (7/313) رقم 10170.

(2/218) .

(5/133) .

(ص 186) .

ص: 438

النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ أُمَّ سلمة أن توافيه الصبح بمنىً". أخرجه مسلم في (التمييز) 1، وقال: "وَهِمَ فيه كنحو ما وَهِمَ فيه أبو معاوية

وسبيل وكيع كسبيل أبي معاوية: أن النبي صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصبح يوم النحر بالمزدلفة، دون غيرها من الأماكن لا محالة".

فَتَلَخَّص من ذلك: أن هذا الحديث يُروى مرسلاً، ويروى متصلاً. ويُروى بلفظ:"توافي صلاة الصبح"، وبلفظ:"توافي معه صلاة الصبح"، وبلفظ:"توافيه صلاة الصبح".

أما من ناحية إسناده: فقد رَجَّحَ بعض الأئمة الرواية الْمُرْسَلَة، فقال الدارقطني - بعد أن أذكر الروايات المتصلة -:"وخالفهم أصحاب هشام الحفاظ عنه، رووه عن هشام، عن أبيه مرسلاً، وهو الصحيح"2.

وَقَوَّى البيهقي رحمه الله الراوية المتصلة بقوله: "وَصَلَ أبو معاوية هذا الحديث عن هشام، وأبو معاوية حجة قد أجمع الحفاظ على قبول ما ينفرد به، ثم قد وَصَلَهُ الضَّحَاكُ بن عثمان، وهو من الثقات الأثبات"3.

ثم ساق رحمه الله رواية الضحاك بن عثمان بإسناده، ثم قال:"إسنادٌ صحيح لا عار فيه".

(ص 187) .

2 علل الدارقطني: ج5 (ق122/أ) .

3 معرفة السنن والآثار: (7/316) رقم 10181.

ص: 439

ثم قال - مُوَفِّقَاً بين الرواية المتصلة والمرسلة -: "وكأنَّ عروة حمله من الوجهين جميعاً، فكان هشام يرسله مرةً ويُسْنِده أخرى، وهذه عادتهم في الرواية"1.

وصَحَّحَ النووي رواية أبي داود المتصلة أيضاً، فقال:"إسناد صحيح على شرط مسلم"2.

قلت: فعلى كلام البيهقي هذا لا تكون الرواية المتصلة معلولة، وهو ظاهر صنيع الإمام مسلم رحمه الله، فإنه لما رواه على الوجهين لم ير الرواية المتصلة معلولة من جهة إسنادها، وإنما تَكَلَّمَ في متنها فقط.

وأما من ناحية المتن: فقد أنكروا رواية أبي معاوية وقوله: "أمرها أن توافيه" وكذلك: "توافي معه"، وقد تقدم كلام الإمام مسلم رحمه الله في ذلك، وأنه رَجَّحَ رواية أبي معاوية التي فيها "توافي " فقط.

وقد نقل ابن القَيِّم رحمه الله عن الأثرم أَنَّ الإمام أحمد أَنْكَرَ هذه الرواية وقال: "

النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر وقت الصبح ما يصنع بمكة؟! " ينكر ذلك. قال: فجئت إلى يحيى بن سعيد، فسألته، فقال: عن هشام، عن أبيه: أمرها أن توافي، وليس: توافيه. قال: وبين ذين فرق. قال: "وقال لي يحيى: سل عبد الرحمن عنه - يعني ابن مهدي - فسألته، فقال: هكذا سفيان عن هشام، عن أبيه"3.

1 المعرفة: (7/317) رقم 10183.

2 المجموع: (8/132) .

3 زاد المعاد: (2/249 - 250) .

ص: 440

فإذا علمنا هذا، فَإِنَّ حكم ابن القَيِّم رحمه الله على الحديث كُلِّهِ بالنَّكَارَةِ غير مُسَلَّم، واستدلاله لذلك بكلام الإمام أحمد لا يساعده؛ لأنَّ الإمام أحمد - كما مضى - قد أنكر هذه اللفظة فقط، وهو الذي قاله الإمام مسلم أيضاً، وأوضح البيهقي رحمه الله ذلك يقوله:"وأما ما ذُكِرَ من حكاية أحمد: فإنما أُنكرَ قوله: "توافي معه صلاة الصبح"؛ إذ لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وقت صلاة الصبح"1.

وأما استدلاله على بطلانه بحديث عائشة في (الصحيحين) : أن سودة استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن تدفع قبله، فأَذِنَ لها، وحَبَسَ باقي نسائه حتى دفعن بدفعه:

أقول: ليس في هذا دليل على عدم خروج أم سلمة رضي الله عنها بليلٍ، بل ذكرت عائشة رضي الله عنها في هذا الحديث من استأذن النبي صلى الله عليه وسلم من نسائه، وهي سودة، ولم تذكر التي أمرها بالخروج، وهي أم سلمة رضي الله عنها، ولذلك قالت عائشة: "ولأن أكون استأذنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنته سودة

".

وما يقال في أم سلمة، يقال في أم حبيبة رضي الله عنهن؛ فإنه قد ثبت في (صحيح مسلم) 2 "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها من جمعٍ بليلٍ" فهذا

1 معرفة السنن والآثار: (7/316) رقم 10180.

(2/940) ح 1292.

ص: 441

يردُّ على قول ابن القَيِّم رحمه الله: "

أن نساءه - غير سودة - دَفَعْنَ معه". فعندي - والله أعلم - أن قول عائشة رضي الله عنها: "وحبسنا حتى أصبحنا، فَدَفَعْنَا بِدَفْعِهِ" يعني: ما عدا من بَعَثَ بهنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، وما عدا من استأذنته.

ولذلك فإن ابن القَيِّم رحمه الله اضطر إلى أن يقول في حديث أم حبيبة: "انفرد به مسلم، فإن كان محفوظاً، فهي إذن من الضَّعَفَةِ التي قَدَّمَها"1.

فَتَلَخَّص من هذا: أن حديث إرسال أمِّ سلمة رضي الله عنها ورميها الجمرة بليل، حديث صحيح، صححه الأئمة: مسلم، والحاكم، والبيهقي، والنووي. وأن الذي أنكره الإمام أحمد هو لفظة واحدة فقط، وهي قوله:"توافي معه" أو "توافيه". وأما حكم ابن التركماني2 عليه بالاضطراب، ومتابعة الشيخ الألباني له3، فإنه لا دليل عليه، وأن ما ذُكر فيه من اختلاف ليس مما يوجب سقوطه.

ثم إنَّ ابن القَيِّم نفسه عاد بعد ذلك فقال: "ثُمَّ تَأَمَّلْنَا، فإذا لا تعارض بين هذه الأحاديث؛ فإنه أمر الصبيان ألا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس فإنه لا عذر لهم في تقديم الرمي، أما من قَدَّمَهُ من النساء: فَرَمَيْنَ قبل طلوع الشمس للعذر، والخوف عليهنَّ من مزاحمة

1 زاد المعاد: (2/251) .

2 في الجوهر النقي: (5/132) .

3 في إرواء الغليل: (4/279) .

ص: 442

الناس وحَطْمِهِم. وهذا الذي دَلَّت عليه السنة: جواز الرمي قبل طلوع الشمس للعذر: بمرض، أو كِبَرٍ يشقُّ عليه مزاحمة الناس لأجله، وأما القادر الصحيح، فلا يجوز له ذلك"1.

قلت: وعلى هذا فإنه يُقال في أم سلمة رضي الله عنها ما قاله ابن القَيِّم نفسه في أم حبيبة: من أنها من الضَّعَفَةِ الذين قَدَّمَهُم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة النحر، فرموا بليل، وبهذا تتفق الأحاديث ولا يضرب بعضها بعضاً، ويكون هذا التوفيق والجمع من ابن القَيِّم بين هذه النصوص هو المعتمد، ويُحْمَل إنكاره لحديث تقديم أم سلمة رضي الله عنها على ما جاء فيه من قوله:"أن توافي معه صلاة الصبح"، لما تقدم بيانه.

ومن الأحاديث الواردة في الرمي قبل طلوع الشمس، حديث:

55-

(10) عائشة رضي الله عنها: "أَنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَمَر نِسَاءَهُ أن يَخْرُجْنَ من جَمْعٍ ليلة جمع، فيرمينَ الجَمْرَةَ، ثم تُصْبِحُ في مَنْزِلِهَا". وكانت تصنع ذلك حتى ماتت.

ذكر ابن القَيِّم رحمه الله هذا الحديث عند كلامه على دفع النبي صلى الله عليه وسلم من مزدلفة، ورميه جمرة العقبة، وأن نساءه دفعن معه، ما عدا سودة رضي الله عنها، فإنها استأذنت أن تدفع قبله.

وقد أورد رحمه الله حديث عائشة هذا حُجَّةً للمخالفين، ثم قال: "يَرُدُّهُ محمد بن حميد أحد رواته، كَذ َّبَهُ غير واحد. ويَرُدُّهُ أيضاً:

1 زاد المعاد: (2/252) .

ص: 443

حَدِيثُهَا الذي في (الصحيحين) وقولها: وَدِدت أني كنت استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما استأذنته سودة"1.

قلت: هذا الحديث أخرجه الدارقطني في (سننه) 2 من طريق:

محمد بن حميد3، عن هارون بن المغيرة، عن عبد الله بن يعلى الطائفي، عن عطاء، عن عائشة بنت طلحة، عن خالتها عائشة رضي الله عنهما به، وفي آخره قول عطاء:"ولم أزلْ أفعله".

ومحمد بن حُمَيْد ضَعَّفَهُ الجمهور، وكذبه: أبو زرعة، وابن خراش، والنسائي4. وكان الإمام أحمد حسن الرأي فيه، وكذا ابن معين، لكن قال أبو علي النيسابوري: "قلتُ لابن خزيمة: لو حَدَّثَ الأستاذ عن محمد بن حميد؛ فإن أحمد قد أحسن الثناء عليه؟ فقال: إنه لم يعرفه، ولو عرفه كما عرفناه ما أثنى عليه أصلاً". كذا في (تهذيب التهذيب) 5، وأما في (الميزان) 6: "لو أخذت الإسناد

" بدل "لو حَدَّثَ الأستاذ"! ولعله تصحيف.

ومما يدلُّ على أن هذا الحديث قد يكون من مناكيره: ما رواه ابن

1 زاد المعاد: (2/250 - 251) .

(2/273) ح 175.

3 ابن حيَّان الرازي، حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه، من العاشرة، مات سنة 248 هـ / د ت ق. (التقريب 475) .

4 انظر: الميزان: (3/530)، وتهذيب التهذيب:(9/130 - 131) .

(9/131) .

(3/530) .

ص: 444

أبي حاتم في (الجرح والتعديل) 1 بسنده إلى محمد بن عيسى بن الدامغاني، أنه قال:"لما مات هارون بن المغيرة، سألت محمد بن حميد أن يُخْرِجَ إليَّ جميع ما سمع منه، فأخرج إليَّ جُزَازَات، فأحصيت جميع ما فيه: ثلثمائة ونيفاً وستين حديثاً". قال جعفر بن محمد بن حماد - راوي هذه الحكاية عن ابن الدامغاني -: "وأخرج ابن حميد عن هارون بعد: بضعة عشر ألف حديث".

وهذا الحديث من رواية محمد بن حميد، عن هارون بن المغيرة هذا، وقد كان ابن حميد يسرق الحديث، ويأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضها على بعض2، فلا يبعد أن يكون هذا الحديث وَقَعَ فيه شيء من ذلك.

ومما يدل على نكارته أيضاً: ما أشار إليه ابن القَيِّم رحمه الله من أنها رضي الله عنها كانت تقول: "

فلأن أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنت سودة، أحب إليَّ من مفروح به"3. فهذا ظاهر في أنها دفعت بدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فَتَلَخَّص: أنَّ هذا الحديث لا يصحُّ؛ لضعف إسناده، ونكارة متنه، فَيَتَرَجَّحُ اختيارُ ابن القَيِّم رحمه الله في ردِّهِ، والله أعلم.

(3/2/233) .

2 انظر: الميزان: (3/530) .

3 أخرجه البخاري في (صحيحه) : ك الحج، باب من قَدَّمَ ضعفةَ أهله بليلٍ ح 1681 (فتح الباري 3/527) .

ص: 445