الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
10- باب في ذكر نوع آخر من التشهد
29 -
(14) عن جابر رضي الله عنه، أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التشهد كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورة من القرآن: "بِسْم الله، وبالله، التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ مُحَمَّداً عبده ورسوله، أسأل الله الجنة، وأعوذ بالله من النار".
قال ابن القَيِّم رحمه الله: "ولم تجئ التسمية في أول التشهد إلا في هذا الحديث، وله عِلَّةٌ غير عنعنة أبي الزبير"1.
قلت: هذا الحديث أخرجه: النسائي، وابن ماجه في (سننيهما) 2، والترمذي في (العلل) 3، والطيالسي في (مسنده) 4 - ومن طريقه: البيهقي5 - ومسلم في كتاب (التمييز) 6، والدارقطني في (العلل) 7،
1 زاد المعاد: (1/244) .
2 س: (2/243) ك الافتتاح، باب: نوع آخر من التشهد، و (3/43) ك السهو، باب: نوع آخر من التشهد. جه: (1/292) ح 902 ك إقامة الصلاة
…
، باب ما جاء في التشهد.
(1/227) باب ما جاء في التشهد.
(ح 1741) .
5 السنن: (2/141، 142) .
(ص 188) ح 58.
7 ج4 (ق 80/أ) .
والحاكم في (المستدرك) 1، كلهم من طريق:
أيمن بن نابل2، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه به.
وقد أُعِلَّ هذا الحديث كما أشار ابن القَيِّم رحمه الله، وعلته: أن أيمن بن نابل قد وَهِمَ في إسناده ومتنه، وخالفه من هو أوثق منه، وأكثر اختصاصاً بأبي الزبير، وهو: الليث بن سعد، فرواه عن: أبي الزبير، عن طاوس، عن ابن عباس مرفوعاً، ولم يذكروا فيه تلك الزيادة، وهي قوله:"بسم الله وبالله". وتابع الليثَ على ذلك جماعةٌ.
وأيمن بن نابل: صدوق، وثقة الأكثرون3، ولكن أخذ عليه بعضهم أنه يخطئ ويُخالِف، فقال ابن حبان: "كان يخطئ وينفرد بما لا يُتَابع عليه
…
والذي عندي: تَنَكُّبُ حديثه عند الاحتجاج - إلا ما وافق الثقات - أولى من الاحتجاج به"4. وقال الدارقطني: "ليس بالقويِّ، خالف الناس"5. وتقدم قول ابن حجر:"صدوق يهم".
وقد كشف الأئمة رحمهم الله عن وجه إعلال هذا الحديث، وموضع الخطأ والوهم فيه، فقال الإمام الترمذي: "
…
سألت محمداً عن هذا الحديث؟ فقال: هو غير محفوظ، هكذا يقول أيمن بن نابل: عن
(1/266) .
2 أبو عمران، ويقال: أبو عمرو، الحبشي، المكي، نزيل عسقلان، صَدُوقٌ يَهِم، من الخامسة/ خ ت س ق. (التقريب 117) .
3 انظر تفصيل ذلك في: تهذيب التهذيب: (1/393 - 394) .
4 المجروحين: (1/183) .
5 سؤالات الحاكم للدارقطني: (ص187) رقم 286.
أبي الزبير، عن جابر. وهو خطأ، والصحيح: ما رواه الليث بن سعد: عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير وطاوس، عن ابن عباس. وهكذا رواه عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي، عن أبي الزبير، مثل رواية الليث بن سعد"1.
وقال الإمام مسلم في كتاب (التمييز) 2: "هذه الرواية من التشهد، والتشهد (كذا) غير ثابت الإسناد والمتن جميعاً، والثابت: ما رواه الليث، وعبد الرحمن بن حميد
…
" فساقه بإسناده من طريقهما، ثم قال: "فقد اتفق الليث، وعبد الرحمن بن حميد الرؤاسي: عن أبي الزبير، عن طاوس. وروى الليث، فقال: عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وكلُّ واحدٍ من هذين عند أهل الحديث أثبت في الرواية من أيمن، ولم يذكر الليث في روايته حين وصف التشهد:"بسم الله وبالله". فلما بانَ الوهمُ في حفظ أيمن لإسناد الحديث، بخلاف الليث وعبد الرحمن إياه، دَخَلَ الوهم - أيضاً - في زيادته في المتن، فلا يثبت ما زاد فيه. وقد رُوي التشهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوجه عدة صحاح فلم يذكر في شيء منه بما روى أيمن في روايته قوله:"بسم الله وبالله". ولا ما زاد في آخره من قوله: " أسأل الله الجنة، وأعوذ بالله من النار"، والزيادة في الأخبار لا يلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يُعثر عليهم الوهم في حفظهم".
وقال الترمذي: "وهو غير محفوظ"3. قال ذلك عقب إخراجه لحديث الليث بن سعد الماضي ذكره.
1 علل الترمذي: (1/228) .
(ص 188 - 189) ح 58.
3 جامع الترمذي: (2/83) ح 290.
وقال النسائي: "لا نعلم أحداً تابع أيمنَ بن نابل على هذه الرواية، وأيمن عندنا لا بأس به، والحديث خطأ، وبالله التوفيق"1.
وقال الدارقطني - بعد أن ذَكَرَ الخلاف فيه -: "وحديث ابن عباس أشبه بالصواب من حديث جابر"2. وقال مرةً - وقد سئل عن أيمن بن نابل-: "خالف الناس، ولو لم يكن إلا حديث التشهد، خالفه الليث، وعمرو بن الحارث، وزكريا بن خالد: عن أبي الزبير"3.
وقال حمزة الكناني: "قوله: عن جابر. خطأ، ولا أعلم أحداً قال في التشهد: " بسم الله وبالله". إلا أيمن"4.
وقال البيهقي: "تفرد به أيمن بن نابل، عن أبي الزبير، عن جابر"5.
وقال الحافظ ابن حجر: "ورجاله ثقات، إلا أن أيمن بن نابل - راويه عن أبي الزبير - أخطأ في إسناده، وخالفه الليث - وهو من أوثق الناس في أبي الزبير - فقال: عن أبي الزبير، عن طاوس وسعيد بن جبير، عن ابن عباس"6.
فهذا كلام هؤلاء الأئمة الأعلام في بيان علة هذا الحديث، ووجه
1 السنن: (3/43) .
2 العلل: ج4 (ق 80/أ) .
3 سؤالات الحاكم للدارقطني: (ص 187 - 188) .
4 التلخيص الحبير: (1/266) .
5 السنن: (2/142) .
6 التلخيص الحبير: (1/265 - 266) .
الخطأ فيه، وأما رواية الليث بن سعد ومن وافقه، التي صوبها الأئمة، فأشير إليها على سبيل الاختصار.
فحديث الليث بن سعد: أخرجه الإمام مسلم في (صحيحه) 1، وفي (التمييز) 2 له، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه في (سننهم) 3، وابن خزيمة في (صحيحه) 4، والدارقطني في (سننه) 5، كلهم من طريق:
الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير وطاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: "التحيات المباركات الصلوات لله، السلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله". هذا لفظ مسلم، ولفظ الباقين مثله، لكنهم قالوا: "كما يعلمنا القرآن". إلا ابن ماجه، فإنه وافق مسلماً، على أن لفظ الجماعة هو إحدى الروايات عند مسلم.
قال الترمذي: "حديث حسن غريب صحيح". وقال الدارقطني: "هذا إسناد صحيح".
(1/302) ح 403 (60) ك الصلاة، باب التشهد في الصلاة.
(ص 189) ح 59.
3 ت: (2/83) ح 290 ك الصلاة، باب ما جاء في التشهد. س:(2/242) . جه: (1/291) ح 900 ك إقامة الصلاة، باب ما جاء في التشهد.
(1/349) ح 705.
(1/350) ح 2.
وتابع الليث على هذه الرواية: عبد الرحمن بن حميد1، أخرجه من هذا الطريق: مسلم في (صحيحه) 2، وفي (التمييز) 3 أيضاً، وعَلَّقَهُ الترمذي في (جامعه) 4 كلهم من طريق:
عبد الرحمن بن حميد، عن أبي الزبير، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن".
وتابعهما: عمرو بن الحارث، أخرجه الدارقطني في (سننه) 5 من طريقه، عن:
أبي الزبير، عن عطاء وطاوس وسعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما به بنحو ما تقدم من رواية الليث.
وثَمَّةَ متابعة رابعة لهؤلاء، أشار إليها الدارقطني في (علله) 6 من طريق: زكريا بن خالد7 - قال الدارقطني: "شيخ لأهل الكوفة، يَروي عنه قيس بن الربيع وغيره" - عن أبي الزبير، عن طاوس، عن ابن عباس.
1 ابن عبد الرحمن الرُّؤَاسي، الكوفي، ثقة، من السابعة / م د س. (التقريب 339) .
(1/303) ح 403 (61) .
(ص 189) ح 59.
(2/83) .
(1/350) ح 3.
6 ج 4 (ق 80/أ) .
7 مقبول، من السابعة/ خت. (التقريب 216) .
فهذه رواية الليث بن سعد ومن تابعه، وهي الرواية التي حكم الأئمة بتقديمها على رواية جابر الماضية.
ومع تُظَاهُرِ الأئمة واتفاقهم على الحكم على حديث جابر بالخطأ، فقد صَحَّحَهُ الحاكم رحمه الله، فقال:"فأما الزيادة في أول التشهد: "باسم الله وبالله" فإنه صحيح من شرط البخاري
…
أيمن بن نابل ثقة، فقد احتجَّ به البخاري"1.
ومما سبق يتبين لنا أن الأمر على خلاف ما ذهب إليه الحاكم رحمه الله، ولذلك تَعَقَّبَهُ النووي رحمه الله فقال:"وذكر الحاكم أبو عبد الله في المستدرك: أن حديث جابر صحيح، ولا يُقبل ذلك منه؛ فإن الذين ضَعَّفُوهُ أجلُّ من الحاكم وأتقن"2.
فَتَلَخَّصَ من ذلك: أن هذا الحديث بالزيادة المذكورة معلول؛ إذ خُولف أيمن بن نابل في إسناده ومتنه، وقد صحَّ التشهد عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه كثيرة ليس فيها هذه الزيادة، وإعلال هذا الحديث هو اختيار ابن القَيِّم رحمه الله، والله أعلم.
وأما ما ذكره ابن القَيِّم رحمه الله من عنعنة أبي الزبير: فإنه قد صرَّح بالتحديث في رواية الترمذي في (العلل) .
1 المستدرك: (1/266 - 267) .
2 المجموع: (3/401) .