الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نصيحة بأهمية الأخذ بمنهج السلف وبيان خطورة
التنكُّب عن ذلك بضرب أمثلة من أبواب الاعتقاد
مداخلة: قد يجهل بعض الناس نصيحة تتعلق بدنيانا وآخرتنا دنياه وآخرته، بما تنصحنا يا أستاذي؟
الشيخ: أنصح بكلمة مجملة مختصرة أن نتطلب أن العلم النافع مقرون بالعمل الصالح، لأنه لا يكون ذاك إلا بهذين الشرطين العلم النافع، والعمل الصالح.
العمل الصالح يعني: المعروف لدى الجميع بداهة، فما يحتاج إلى شرح إلا ربما من بعض الجوانب والنواحي، أما العلم النافع، فهذا الذي يخفى أمره على كثير من الناس؛ لأن العلم هو ما كان مستقىً من كتاب الله ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع الاعتماد على ما كان عليه سلفنا الصالح؛ لأنهم تلقوا الشرع كتاباً وسنة غَضَّاً طرياً كما نطق به عليه الصلاة والسلام دون زيادة أونقصان، من حيث الرواية، ودون سوء فهمٍ للنص من القرآن والسنة، ولهذا كان من دعوتنا التي ندندن حولها دائماً وأبداً: أننا ندعو إلى العمل بالكتاب والسنة، وعلى منهج السلف الصالح لماذا نقول على منهج السلف الصالح؟ لدفع ما قد اعترى الكتاب والسنة من الانحراف في فهمها، وبسبب هذا الانحراف وُجِدت الفرق الإسلامية الكثيرة كما يشهد بذلك التاريخ الإسلامي وكما تنبأ عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -
في الحديث الصحيح الذي قال فيه: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: هي ما أنا عليه وأصحابي» .
لذلك اصطلح العلماء على تسمية هذه الفرقة من ثلاثٍ وسبعين فرقة بالفرقة الناجية، فالفرقة الناجية أولاً: هي واحدة فقط لا ثاني لها، ثم هي: من ثلاث وسبعين فرقة، اثنين وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة.
فاليوم نحن نعيش في غمرة فرق قديمة وحديثة وأحزاب عديدة، وبعض الفرق القديمة ذهبت أسماؤها وبقيت آثارها، فالمنطق الاعتزالي والمذهب المعتزلي لا نكاد نسمع له ذكراً في هذه الأيام، ولكنه تطوَّر وصار تارة بأسماء فرق إسلامية، ومذاهب إسلامية معتدٌ بها ومعترف بها عند جماهير المسلمين، وتارة بآراء حديثة لكنها تتصل بسبب وثيق بتلك الآراء الاعتزالية القديمة، أما التارة الأولى التي أشرتُ إليها آنفاً، وهي التي تكون بأسماء ومعترف بها عند المسلمين فمثلاً كالأشاعرة، وكالماتريدية، العالم الإسلامي إذا استثنينا منه الفرق المعروفة بالانحراف عن الشريعة كالشيعة مثلاً، والزيدية والخوارج، وحصرنا كلامنا على من يُسَمون أو يتسمون بأهل السنة والجماعة، فأهل السنة والجماعة اليوم هم ثلاثة مذاهب فيما يتعلق بالعقائد، وأربعة مذاهب فيما يتعلق بالفقه.
أما المذاهب الثلاثة الأولى فهي: الماتريدية، والأشاعرة، وأهل الحديث، فهذه فرق ثلاث تتعلق في العقيدة فقط بأهل السنة والجماعة.
أما المذاهب الأربعة فمعروفة لدى الجميع في الفقهيات الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، إذا رجعنا إلى المذاهب الثلاثة الأولى الماتريدية
والأشاعرة نجد في هذين المذهبين الشيء الكثير مما هومن مذاهب وآراء وأفكار المعتزلة، ومع ذلك فهي موجودة ومبثوثة في المذهب الأشعري، والمذهب الماتريدي، أهم ما يتعلق بهذا الذي أقوله أنه موجود من الاعتزال شيء في المذهبين المذكورين: الماتريدي والأشعري أهم ما يمكن ذكره الآن أصل من الأصول وقاعدة من القواعد هي: أن الحديث الصحيح لا تثبت به عقيدة، هذا رأي المعتزلة، لكن الأشاعرة والماتريدية يتبنون هذا الرأي، هذه كقاعدة وأصل.
والشيء الثاني: أن المعتزلة عُرِفُوا عند أهل السنة حقاً بأنهم يتأولون آيات الصفات، وأحاديث الصفات، والتأويل أخو التعطيل، والمقصود بالتعطيل: إنكار الشيء إنكار الحقيقة، فحينما تكون هناك آية، أو يكون هناك حديث نبوي صحيح، وله دلالة واضحة صريحة، فيعطلون هذه الدلالة ويأتون بمعنى غير متبادر للذهن لذاك النص القرآني أو الحديث النبوي، فهذا معناه: أنه ما اتبعوا الكتاب ولا السنة، لكنهم لا نستطيع أن نقول: ما اتبعوا الكتاب والسنة إنكاراً لهما، وإنما دوراناً عليهما، وخروجاً عن دلالتهما الصريحة باسم التأويل ولذلك قلت التأويل أخو التعطيل.
نحن نضرب مثلاً عادياً: إذا قال الرجل العربي: جاء الملك، فما يتبادر إلى ذهنه إلى ذهن المخاطبين بكلامه أنه يعني جاء خادم الملك هو قال جاء الملك، فالسامعون لا يفهمون من كلامه أنه يعني: جاء خادم الملك، بل ولا يفهمون منه أنه جاء وزير الملك، فلو أن رجلاً عربياً تكلم بهذه اللفظة العربية، بهذه الجملة العربية جاء الملك فأحد السامعين قال: يعني: خادم الملك، هذا عطل كلام هذا المتكلم.
مداخلة: نعم.
الشيخ: نعم. فما بالكم إذا كان الكلام المُعَطَّل هو كلام الرب تبارك وتعالى؟ ! فيأتي المعتزلة ويتبعهم في ذلك الماتريدية والأشاعرة، فيتأولون بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في مثل هذا التأويل الذي قلنا عنه بحق: إنه أخو التعطيل.
في الآية الكريمة: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] جاء ربك، ولا تشبيه مثلما قلنا آنفاً جاء الملك لا ما جاء الملك من أتى خادم الملك، وزير الملك في فرق بين خادم الملك ووزيره طبعاً، مع ذلك فإذا فُسِّر بوزير الملك يكون عاطل باطل، وإذا فُسِّر بخادم الملك فهو أعطل، نعم.
فقولهم في تفسير قول ربنا عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22].
جاء ربك أي: أمر ربك، أو خلق من خلق ربك، أو كذا يمكن، أما لا به، ولا بروحه، ومن أين جاءتهم هذه المشكلة؟ أومن أين جاء هذا التعطيل؟ ! من قياس الخالق على المخلوق، من قياس الغائب على الشاهد.
يقولون: لا يجوز وصف الله بالحركة، نحن ما نصف الله بالحركة؛ لأنه ما وصف بذلك لا هو وصف بذلك نفسه، ولا وصفه بذلك نبيه؛ لكن وصف نفسه بأنه جاء أي: يوم القيامة، فنحن نقول جاء، وما نقول إنه جاء يعني: تحرك هم يأبون أن يؤمنوا بصريح القرآن، كذلك مثلاً فيما يتعلق بهذا المعنى: الحديث المعروف والمشهور بل هو عندنا حديث متواتر؛ لكثرة طرقه الصحيحة: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا» أهل السنة حقاً وهم أهل الحديث: يؤمنون بالآية السابقة الذكر على ظاهرها، جاء ربك: ربك جاء، وينزل ربنا: ينزل ربنا، أما
المعتزلة وتبعهم الأشاعرة في جملة ما تابعوهم عليه: لا، ربنا لا ينزل كما قالوا: لا يجيء، قالوا أيضاً لا ينزل، إذاً: ما معنى ينزل ربنا؟ أي: رحمته هذا تأويل، هذا التأويل هو تعطيل، يلزم من هذا التعطيل إنكار حقائق شرعية متعلقة بالصفات الإلهية، ربنا عز وجل حينما يصف نفسه في كتابه، أو على لسان نبيه صلى الله وعليه وآله وسلم، فإنما ذلك ليُعَرِّف عباده به تبارك وتعالى؛ لأنه غائب عنا، ولا يمكننا أن نراه إلا يوم القيامة إن شاء الله، فحينما نأتي إلى آيات الصفات وأحاديث الصفات، فنأتي لها بمعاني غير المعاني الظاهرة الجلية من النصوص القرآنية أو الحديثية، فمعنى ذلك أننا أنكرنا هذه الصفات الإلهية، جاء ربك ما جاء ربك، ينزل ربنا لا ينزل ربنا سبحان الله، لو كان هناك نص أنه لا يجيء ولا ينزل، كنا بنأمن، لكن النصوص على خلاف ذلك، فكيف نصف ربنا بما لم يصف نفسه به، وننزهه عما وصف نفسه به، هذا هو التعطيل، وهذا مما وقعت فيه كما قلنا بعض المذاهب الإسلامية السنية، كالماتريدية، والأشعرية.
لهذا قلنا: إننا ندعوإلى اتباع الكتاب والسنة، وعلى منهج السلف الصالح حتى ما نقع في مثل هذه الانحرافات التي ابتدأها المعتزلة، ثم تبعهم عليها كثير ممن ينتمون إلى أهل السنة والجماعة، أهل السنة والجماعة اليوم في عرف العصر الحاضر، وفي الأزهر الشريف، والجامعات الإسلامية وإلى آخره هي أهل الحديث، والماتريدية والأشعرية، طيب هذه مذاهب ثلاثة في العقيدة، وكيف يكون هناك ثلاثة مذاهب في العقيدة؟ في الأمور الغيبية؟ .
يقولون: اختلافهم رحمة، كان يمكن أن يكون هذا وقد قيل هذا في الأحكام، اختلافهم رحمة في الأحكام، يعني: فيه تيسير، كما يقول بعض الجهلة: إنه يوم القيامة يقف على أول الصراط؛
…
الهالوعة، فكأنه هم المحاسِبين الناس، يأتي
الرجل مثلاً حنفي المذهب صلى على كيفية، لكن هي تصح في مذهب ثاني يقول له: الإمام الثاني تعال هُوِن صلاتك صحيحة على مذهبي، وهكذا، فهذا هو الضلال المبين.
فقلت: يمكن أن يقال: إن الاختلاف في الفروع فيه يُسْر، وبنوا على ذلك هذه الخرافة التي ذكرناها متعلقة بالصراط، مع ذلك الاختلاف ليس برحمة حتى في الفروع، فما بالنا نقول: ثلاثة مذاهب في العقيدة التي لا يمكن أن يتصور فيها شكلان في العقيدة.
في بعض الأحكام الشرعية ممكن يكون في وجهين يعني: كما يعبر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيقول: الاختلاف نوعان: اختلاف تضاد، واختلاف تنوع، اختلاف تضاد: فلان توضأ ولمس امرأة ما حكم وضوءه؟ قول: انتقض وضوؤه، وقول: ما انتقض وضوؤه، هذا اختلاف تضاد، لا يمكن أن يكون القولان صحيحين في واقع الشرع، وإنما أحدهما هو الصحيح، ما هو الصحيح؟ يعرفه أهل العلم، وأهل العلم الذين يستقون العلم من الكتاب والسنة، هذا اختلاف تضاد، لا يمكن أن يكون القولين صحيحين.
اختلاف تنوع: الإمام الشافعي يقول: دعاء الاستفتاح: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض
…
إلى آخره.
الإمام أبو حنيفة يقول: سبحانك اللهم بحمدك.
المحدثون: اللهم باعد بيني وبين خطاياي
…
إلى آخره.
في تعارض تصادم؟ ما في تعارض تصادم، إن أنت استفتحت بوَجَّهْتُ جاز، سبحانك جاز، اللهم باعد جاز، وفي هناك أدعية أخرى كثيرة ذكرتها في صفة الصلاة، هذا اختلاف تنوع.
أما في العقيدة، لا يمكن أن يتصور اختلاف بوجه من الوجوه إطلاقاً، يعني: ربنا إما أنه ينزل أولا ينزل، يجيء أولا يجيء، استوى على العرش أوما استوى على العرش، ونحو ذلك، مع هذا وجدت في العقيدة ثلاثة مذاهب كيف يُتصور هذه المذاهب الثلاثة في العقيدة تكون حق؟ وربنا عز وجل يقول:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس: 32].
لذلك؛ لكي نكون في منجاةٍ من الوقوع في مثل هذا الاختلاف، وفي منجاة من الوقوع في مثل هذا الانحراف عن الكتاب والسنة فهماً: ليس إيماناً بالكتاب والسنة كل الفرق الإسلامية تؤمن بالكتاب والسنة، لكن الكثير منها لا يؤمن بالكتاب والسنة، يؤمن به لفظاً، لكن لا يؤمن به معنىً، فما الفائدة من الإيمان باللفظ دون الإيمان بالمعنى؟ فعرفت كيف يؤمنون باللفظ؟ فلا يؤمنون بالمعنى، لذلك تحاشياً من الوقوع في مثل هذا الانحراف نحن ندعو إلى اتباع الكتاب والسنة، وعلى منهج السلف الصالح، كيف يمكننا أن نعرف ما كان عليه سلفنا الصالح سواءً ما كان متعلقاً بالعقيدة، أو كان متعلقاً بالفقه، أو ما كان متعلقاً بالسلوك.
الطريق الذي به نعرف ما كان عليه الرسول عليه السلام: هو نفس الطريق الذي به نعرف ما كان عليه السلف الصالح، أي: باختصار الطريق الرواية، طريق الحديث، وتلقي الروايات المتعلقة سواءً ما كان منها للنبي صلى الله وعليه وآله وسلم، أو بالسلف الصالح أو بطريق الروايات والحديث.
هذا الطريق حاد عنه جماهير المسلمين اليوم، وقبل اليوم بقرون، فجماهيرهم كانوا يعتمدون في فهم الكتاب والسنة على آرائهم، وما كانوا يشعرون مطلقاً في داخلة نفوسهم أنهم بحاجة إلى أن يستعينوا على فهم الكتاب والسنة بآثار
السلف الصالح، ما كانوا يشعرون بهذا، لكننا نحن بفضل من سَبَقَنا من أهل العلم تنبهنا لهذه النقطة الهامة ألا وهي: ضرورة فهم الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح، ومن الدليل على ذلك قوله تبارك وتعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
هنا دقيقة ولطيفة جداً في الآية الكريمة: ربنا ذكر سبيل المؤمنين عطفاً على مشاققة الله والرسول، فقال:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} [النساء: 115].
ما اكتفى بهذه المشاققة عطف عليها قوله: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
تُرى ما هي النكتة مِنْ ذكر سبيل المؤمنين، لوأن الآية كانت فَرَضاً:«ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا» ترى كان يتفي بالغرض الذي قامت به الآية بتمام: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} ؟ نقول: لا. إذاً: هنا نكتة بالغة من ذكر الله عز وجل لجملة «ويتبع غير سبيل المؤمنين» عطفاً على قول رب العالمين: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] لماذا ذكر هذه الجملة؟ يتبين لكم الآن لماذا؟ أي: [انقطاع] يكون باتباع سبيل المؤمنين الذين اتبعوه بإحسان عليه الصلاة والسلام، وإلا لو فعلنا كما فعلت المعتزلة والخوارج ركبنا رؤوسنا وسلَّطنا أفهامنا، بل أهواءنا على نصوص الكتاب والسنة لضللنا ضلالاً بعيداً، ولَكُنَّا من الذين شاقوا الله والرسول، باسم ماذا؟ هكذا نحن نفهم، هذا هو السبب في وقوع الفرق الضالة في مخالفة الشريعة في كثير من العقائد فضلاً عن
الأحكام الفقهية.
أنا عادة أضرب مثلاً بسيطاً؛ لتوضيح أهمية هذا القيد الذي استفدناه من الآية السابقة، ومن الحديث الأول:«ما أنا عليه وأصحابي» أضرب مثلاً بسيطاً: آية في القرآن الكريم من أبين الآيات في بيان المراد الإلهي، وهي قوله تبارك وتعالى في وصف أهل الجنة في الجنة:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23].
ماذا كان موقف المعتزلة والخوارج بالنسبة لهذه الآية وهي صريحة في أن مِنْ نِعَمِ الله تبارك وتعالى على المؤمنين في الجنة، بل هي أكبر نعمة يمتن الله بها على أهل الجنة: أنهم يرون ربهم يوم القيامة، فإذا رأوه تبارك وتعالى نسوا نعيم الجنة كلها، نعم.
ماذا فعل المعتزلة والخوارج تجاه هذه الآية؟ أنكروها؟ لا ما أنكروها؛ لأنهم لو أنكروها لخرجوا من الدين كما تخرج الشعرة من العجين، لكنهم عَطَّلوها حَرَّفوا دلالتها الصريحة، {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] قالوا: إلى نعيم ربها ناظرة، ما فيها شيء، إلى نعيم ربها ناظرة، قَدَّروا مضافاً محذوفاً، كما قلنا نحن آنفاً: لبيان كيف ينبغي أن تفهم اللغة العربية فضلاً عن الكلام الإلهي القائم على اللغة العربية؟ جاء الأمير جاء الملك، هل يجوز لنا أن نفهم جاء خادم الأمير أو الملك؟ لا. يا أخي يقول لك:
هذا أمر معروف في اللغة العربية تقدير مضاف محذوف، وهنا بحث عند أهل العلم يقولون: تقدير المضاف المحذوف يجوز عند وجود الدليل المقتضي لذلك، وإلا كانت تعطلت اللغة العربية، أنا أقول: جاء أحمد، نعم، هل يفهم جاء ابنه، جاء أحمد، جاء ابنه؟ يا أخي من أين جئت بالتأويل هذا؟ ما في جواب
يعطل اللغة العربية، فهنا هكذا فعل المعتزلة وغيرهم في تفسير نصوص الكتاب والسنة، نعم.
مداخلة: ويفهمون الحق.
الشيخ: يفهمون الحق، لكن الحق ما وافق أهواءهم، لذلك يقولولك في ضرورة تأويل، ما هو دليله؟ ما دخل في عقله، ومعنى هذا: أنهم ما نقول ليسوا مؤمنين مطلقاً، لكن نقول: بكل جرأة أن إيمانهم ناقص وضعيف؛ لأن الله عز وجل يقول في مطلع سورة البقرة: {الم* ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 1 - 2] من هم؟ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] أول صفة المتقين: الذين يؤمنون بالغيب.
طيب. من الغيب: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] ما تُريد فلسفة، هم بقي يستعمل العقل البشري مثل: القوى البشرية، تستطيع أن تزيل الجبل عن مكانها؟ لا. القوة البشرية محدودة، كذلك البصر محدود السمع محدود، كذلك ماذا؟ العقل محدود تماماً، كل شيء يعني: الإنسان خُلِقَ ضعيفاً، فهم لما يسمعوا الآية:{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] أكيد نحن إذا قلنا: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] معناه: حصرناه في جهة وضعناه فوق، وضعناه قدام إلى آخره، من هذه الشبهات التي استقوها مما يشاهدونه حولهم كمخلوقين، لكن الخالق نسوا أنه وصف نفسه بصفتين اثنتين إحداهما: إيجابية، والأخرى: سلبية.
الإيجابية: صفة قائمة فيه، السلبية تنزيه له تبارك وتعالى، فقال وهوالسميع البصير.
مداخلة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11].
الشيخ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُو السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11].
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] تنزيه أنه أي شيء يخطر في بالك من صفات الله عز وجل يختلط عليك الأمر لويكون مثل صفاتنا، بتقول رأساً ليس كمثله شيء، لكن هل هوعبارة عن معنى قائم في الذهن لا حقيقة له ولا وجود له؟ ! حاشاه، يعني: نحن الآن نستطيع أن نتصور العنقاء، العنقاء اسم عربي قديم خيالي، طير كبير يتحدث عنه السندباد البحري، في قصة ألف وليلة وأمثالها، إنه عبارة عن طير كبير يعني: البيض اللي بيطلعوا مثل القبة، وبيحكي القصة فيها يعني: فيها طرافة وكلها خيال في خيال.
العنقاء: اسم بدون جسم، اسم في الذهن معنى قائم الذهن، لكن في خارج الذهن يعني: في الواقع لا حقيقة له.
فربنا عز وجل الذي له كل صفات الكمال، ومنزه عن كل صفات النقصان، هل هو هكذا معنى قائم في نفوسنا وليس له حقيقة قائمة خارج هذا الكون، خارج هذا العقل؟ ! الله أكبر من ذلك، بل هو خلق السموات والأرض، فهوله كل صفات الكمال، فهو ذات موجودة حقيقةً، ولها كل صفات الكمال، إذ الأمر كذلك، فما هي صفاته عز وجل؟ ليس لنا مجال في العقل أن نصفه من عندنا، بل قد كفانا مؤنة تجريد عقولنا بأن وصف نفسه لنا في الكتاب وفي السنة.
من جملة هذه الصفات: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23] أن المؤمنين كما قال أحد فقهاء الشعراء نستطيع أن نقول:
يراه المؤمنون بغير كيف
…
وتشبيه وضربٍ من مثال
نعم، فرؤية الله ثابتة في الآخرة أنكرها المعتزلة، أنكرها الخوارج لعدم وجود نصوص الكتاب والسنة، لا النصوص موجودة، ولكنهم حَرَّفوها وعَطَّلوا معانيها، فإذاً: ما استفادوا شيئاً من إيمانهم بهذه النصوص مع إنكارهم حقائق
دلائلها، فإذاً: يجب أن نؤمن بالنص لفظاً ومعنىً، النص محفوظ كيف نعرف المعنى؟ هنا بيت القصيد كما يقال: بالرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح.
القرآن يُفَسَّر أول شيء بالقرآن، ثم بالسنة الصحيحة ثم بالآثار السلفية، فهل نجد عند السلف الصالح تفسير هذه الآية:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22 - 23] أي: إلى نعيم ربها؟ ! أبداً، كل أثر يأتي عن السلف يتفق مع ظاهر الآية أولاً، ثم مع الأحاديث الصحيحة.
الصريحة في الدلالة على أن الآية على ظاهرها التي يفهمها كل عربي إذا كان لم يصبِ بهَوَن، لم يصب بمذهبية، أو حزبية مقيتة، هناك آية أخرى؛ قال تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] جاء تفسير هذه الآية في الحديث الصحيح في مسلم: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} [يونس: 26] أي: الجنة. {وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] أي: رؤية الله في الآخرة.
مداخلة: فَسَّروها؟ .
الشيخ: فَسَّروها بغير شيء، رؤية النعم وما شابه ذلك مما سبق ذكره، هذا اسمه تعطيل.
باختصار ولعلي أطلت أكثر مما أراد السائل بالسؤال باختصار أقول: رحم الله ابن القيم الذي قال:
العلم قال الله قال رسوله
…
قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة
…
بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها
…
حذراً من التعطيل والتشبيه
هذا هو العلم: قال الله، قال رسول الله، قال الصحابة.
اليوم الفرق الإسلامية كلها يأخذون من هذا الكلام اثنين: قال الله وقال رسول الله، لكن بيلفوا ويدوروا على ما قال الله قال رسول الله، ويأتونك بمذهب ما أنزل الله به من سلطان، وحسبكم مثالاً على ذلك: الفرقة الجديدة وهي فرقة القاديانية الذين يسمون بالأحمدية، فهؤلاء آخر الفرق الإسلامية التي لها كيان ولها شخوص، ولها بروز ولها دعوة شائعة في الأوربية والأمريكية باسم الإسلام.
هؤلاء مسلمون يصلون صلاة خمس، ويحجون إلى بيت الله الحرام، ولكنهم ينكرون حقائق شرعية منصوصة في الكتاب والسنة لم يُسْبقوا إلى القول بها، مش مثل المعتزلة والماتريدية الأشاعرة، فهم مثلاً: ينكرون أن يكون هناك خَلْقٌ هم الجن مع أنه هناك سورة في القرآن اسمها سورة الجن، طيب. هل ينكرون القرآن ينكرون السورة؟ لا. لكن يقولون لنا: أنتم ما فهمتم معنى الجن كمثل الإنس والبشر اللفظين هذين يدلان على مسمى واحد والا على مسميين؟ لا مسمى واحد، هم بقي جابوا مسمى ثالث الإنس والبشر والجن أسماء ثلاثة تطلق على مسمى واحد وهم: البشر. لما تأتي لهم بآية في القرآن: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12] يقول لك: هذه ما هي نار حقيقة، ولا طين حقيقي إنما هذا مجاز، مجاز ولما بتجيب له بالحديث الصحيح في مسلم:«خلق الله الملائكة من نور، وخلق الجان من نار، وخلق آدم مما وصف لكم» يقول لك: هذا حديث آحاد، حديث آحاد آحاد، حديث ما هو متواتر يعني، حديث آحاد لا تثبت فيه عقيدة، وهذه ضلالة وهي: أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة مع الأسف الشديد ما هو مذهب قادياني، القاديانية سبقوا إلى هذه الضلالة بقرون، لكن لم يسبقوا إلى تفسير الجن بأنهم الإنس أو البشر.
الأزهر الشريف الآن، الأزهر الذي يسموه شريف يقرر على الطلاب الذي يوزعوهم في العالم الإسلامية للدعوة للإسلام أن الحديث الصحيح لا يحتج به في العقيدة إلا إذا كان متواتراً، ما معنى متواتر؟ يعني: يكون جاء من طرق عديدة، يعني: يكون رواه في عشرة من الصحابة، وعشرة من التابعين عن عشرة من الصحابة
…
وهكذا.
وعلى كل حال: أردت أن أختصر، لكن كما يقال: الحديث ذو شجون.
مداخلة:
…
ماذا يستفيدوا من؟
الشيخ: مثلاً.
مداخلة: ماذا يستفيدون من التعطيل.
الشيخ: اتباع الأهواء عقل بيحكموهم عقولهم ما بيحكموا الشرع.
مداخلة: هذا هو الأمر، {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43].
الشيخ: هواه أي نعم.
الشاهد: أذكر جيداً بمناسبة الأزهر الشريف وأنه يقرر هذه العقيدة.
الشيخ: أذكر جيداً منذ يمكن عشر سنين أو أكثر: كنا في منى في الحج، وفي ليلة من ليالي منى الجميلة الجو هناك هادئ، وربنا متجلي فيه على عباده، جلست أتحدث مع بعض الحجاج هناك فيه من مصر فيه من سوريا
…
إلى آخره.
لما دخل علينا رجل مصري أزهري جلس بعد السلام أحس بأن الذي يتكلم إنه في اتجاه خاص يعني: بالقلم العريض الذي يسموه وهابي يعني، ونحن نقول: سلفي فأحب هو أن يثير مشكلة وهي يقول: إن الجماعة الوهابية مُجَسِّمة
يقولوا: إن الله عز وجل في السماء وعلى العرش استوى، أنا سمعت منه من أجل نرجع له، انتهى من الكلام قلت له: يا شيخ، {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] هذا كلام البشر وإلا كلام الله؟ قال: لا كلام الله. قلت: أنا سمعتك تقول: إن الوهابية يقولوا ذلك، هذا كلام رب العالمين، ماذا قال المسكين؟ قال: صحيح. هذا كلام رب العالمين، لكن المعنى ما هو مثلما يقولوا هم، ما يقولوا عن الآية؟ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] يعني: استعلى. قلت له: طيب شو المعنى، ما معنى في غير هذا؟ قال: لا. هذا معناه: أن نحن حصرنا ربنا في مكان وهنا الشاهد والنكتة تأتي.
قلت له: يا شيخ أنت فاهم من الجماعة خطأً، هم ينزهون الله عن المكان، والذين يخالفونهم هم الذين يجعلون الله في مكان، قال: كيف؟ قلت له: المكان حادث أم قديم؟ قال: لا. حادث؛ لأنه من كان يكون، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] قلنا له: طيب. الآن نحن هنا جالسين في منى ألسنا في مكان؟ قال: نعم. قلنا له: وفوقنا ويش في؟ قال: سماء الدنيا. قلت له: مكان؟ قال: نعم. وفوق السماء الدنيا بلا طول سيرنا إلى السماء السابعة ويش في فوق السماء السابعة؟ قال: العرش. قلنا له: طيب. ويش في فوق العرش؟ هنا نكتة قال - وهنا الشاهد - قال: الملائكة الكروبيون.
مداخلة: نعم.
الشيخ: الملائكة الكروبيون
…
تعبير منقول، منقول لكن ما هو صحيح أنا تجاهلت الموضوع، قلت له: ما هي الملائكة الكروبيون؟ قال: هم من الملائكة الذي ربنا خلقهم الذين فوق العرش؟ قال: نعم. قلت له: في آية أنه فوق العرش؟ في الرحمن على العرش استوى، في آية أنه على العرش استوى الملائكة
الكروبيون؟ قال: لا. قال قلت له: طيب. في حديث؟ قال: لا. قلت له: نعم لكن من أين جاءتكم العقيدة هذه؟ قال: الأزهر الشريف الذي لقنا. قلت له: سبحان الله هنا الشاهد: قلت له: سبحان الله الأزهر الشريف يقرر أن الحديث الصحيح الثابت إسناده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تثبت به العقيدة طيب. والآن لا آية ولا حديث من أين جئتم بهذه العقيدة؟ !
على كل حال: هذه جملة معترضة بالنسبة له، أريد أتابع الحديث معه بالنسبة للرحمن على العرش استوى، قلنا له: طيب. نغض النظر الآن عن هذه العقيدة الذي اعترفت أنت أنه ما لها أصل لا في الكتاب ولا في السنة، ولكنها عقيدة أزهرية. سلمنا جدلاً أنه فوق العرش ملائكة كروبيون، وفوق الملائكة الكروبيون أيش في؟ قال: ما في شيء. قلنا له: طيب. فاتنى أذكركم شيء ومهم قلت له: لما سألت المكان مشتق من كان يكون
…
إلى آخره قال: نعم. قلت له: الكون محدود وإلا غير محدود؟ قال: محدود، سلسلنا في البحث لووصلنا للعرش وجاء هو بخرافة الملائكة الكروبيون، وسايرته أنا، بعدين قلت له: هب أن هناك ملائكة كروبيون فماذا بعد ذلك؟ هل في شيء هناك؟ انتهى الكون؟ قال: انتهى الكون. إذاً: ما بقى في مكان؟ ما بقى في مكان. إذاً: لما نحن نقول: الرحمن استعلى على العرش لماذا أنتم تتهمونا أنه جعلناه في مكان ليس هنا مكان يا جماعة باعترافنا باتفاق الجميع أن الكون محدود وآخر الكون الذي ما بعده كائن العرش، وربنا عز وجل فوق العرش فوق المخلوقات كلها، كما قال أيضاً الفقيه الشاعر:
ورب العرش فوق العرش لكن
…
بلا وصف التمكن واتصال
فهو الغني عن العالمين، لكن لا مناص عقلاً وشرعاً من أن نقول: إن الله عز
وجل فوق المخلوقات كلها؛ لأنه غني عن العالمين، أو نقول: إنه هو في المخلوقات كلها داخل فيها، ومثلما يقولوا: امتزاج ماذا؟ الماء بالثلج. وقد قال بعض غلاة الصوفية: وما الله كالماذا؟
مداخلة: إلا راقد في كنيسته.
الشيخ: لا لا، كالماء في الثلج أوأي شيء يعني.
الخلاصة:
مداخلة: كالثلج في الماء.
الشيخ: نعم.
مداخلة: كالثلج في اللبن.
الشيخ: المهم.
مداخلة: أو كالحليب في الماء.
الشيخ: المهم: إما أن نقول: إن الله عز وجل فوق المخلوقات كلها، أو نقول: داخلها، أو نقول: كما سمعت أنا أحد مشايخي في دمشق وعلى المنبر وفي اليوم الأعظم يوم الجمعة يقول: الله لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ولا أمام ولا خلف لا داخل العالم ولا خارجه، لا متصلاً به، ولا منفصلاً عنه.
هذا الوصف لوقيل لأفصح العرب كلاماً وبياناً صف لنا المعدوم! ما استطاع أن يصفه بأكثر مما وصف هؤلاء معبودهم! الله لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، لا أمام لا خلف، لا داخل العالم، ولا خارجه، لا متصلاً به، ولا منفصلاً عنه، هذا هو المعدوم، هذا هو المعدوم.
ولذلك أعجبني جداً كلمة من أحد أذكياء الأمراء ابن تيمية الله يرحمه ويجازيه عن الإسلام خيراً جاهد في سبيل الدفاع عن مذهب السلف جهاداً كبيراً، وكما تعلمون دائماً أهل البدعة يقوموا ضد أهل السنة، وبخاصة قديماً وفي زمن ابن تيمية كل المشايخ ضده، فشكوا إلى الأمير في دمشق وطلبوا منه أنه يجمعنا معه من أجل نقيم الحجة عليه أمامك، فدعاهم الأمير.
بدأ النقاش في بعض النقاط الاعتقادية منها: أنه ابن تيمية يقول: الله عز وجل له صفة العلوفوق المخلوقات كلها، وهم يقولوا: لا الله في كل مكان مثلما تسمعوا في هذا الزمان على أدنى مناسبة يقول لك: الله موجود في كل الوجود! ما معنى الله موجود في كل الوجود؟ من جملة الوجود المجاري والمراحيض والبارات والخانات، والحانات ووإلى آخره، الله موجود في كل الوجود.
الخلاصة: جرى النقاش بين ابن تيمية والمشايخ أقام الحجة ابن تيمية عليهم بمثل هذا الكلام الذي سمعتوه وأكثر منه، ماذا قال هذا الأمير الذكي العاقل ما هوعالم، لكن سمع المناقشة بين ابن تيمية وبين جمهور المشايخ فقال عن المشايخ:«هؤلاء قوم أضاعوا ربهم» ، هذا كلام صحيح؛ لأنه يعني: لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ووإلى آخره، هؤلاء أقوام أضاعوا ربهم ليسوا عارفين بربهم الذي يعبدوه، لكن أنت لما تسجد تقول: سبحان ربي الأعلى، لست عارف هذا ربي الأعلى هو في كل مكان، ما معنى سبحان ربي الأعلى؟ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] أي: استعلى لذلك ضروري جداً جداً أن نتمسك بهذا المنهج الذي هوالعمل بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، ولذلك قال أهل العلم:
وكل خير في اتباع من سلف
…
وكل شر في ابتداع من خلف
(الهدى والنور / 161/ 35: 49: 00).