الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجتنبوا الطاغوت، أي عبادة الله وحده لا شريك له، وأنا لا أريد أن أطيل كثيرا وكثيرا، أريد أن أقف في هذه النقطة:
الآن نقلب نحن موضوع السؤال إلى سؤال، الذين يهتمون
…
وأرجوا الأخ الجالس في الزاوية، وفي الزوايا خبايا، ما يشرب باليد اليسرى -، المقصود لقد بدأ الرسول عليه السلام في دعوته بالتوحيد وأظن يجب أن نجري نقاشاً هادئاً ولا بأس أن يكون واسعاً في هذه النقطة التي ستسمعونها، أنا أعتقد أن أكثر الدعاة وأحمسهم وأحرصهم على إقامة الدولة المسلمة لا يدعون إلى التوحيد، هذه كبيرة أنا أعرفها، فمن كان سائلا واحدا أوأكثر، أرجوإما أن يعترف بهذه الحقيقة لأمضي في كلامي، وإما أن نقف عندها لننظر هل نحن مخطئون، أم أولئك هم المخطئون. نحن نقول أن الذين يهتمون بإقامة الدولة المسلمة، الركيزة الأساسية الأولى أواللبنة الأولى لهذا البنيان الشامخ بعدُ ما وضعوها، هكذا نحن نعتقد، والدليل أننا نختلف معهم حينما نبحث في توحيد الله عز وجل، وأن معنى لا إله إلا الله الذي خُوطبَ نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلّم بها في قوله:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]، هذا التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام عند أهل العلم:
توحيد الربوية، وتوحيد العبادة، وتوحيد الصفات:
لا نجد في هؤلاء الدعاة يدعون عامة المسلمين، بل وخاصتهم الذين هم يريدون أن يقيموا دولة مسلمة، ما نراهم يعرفون من الشهادة سوى النطق بها، أما أن معناها أن تعتقد بأن الله كما هوواحد في ذاته فهوواحد في عبادته وواحد في صفاته، فهذا أمر منكر عندهم وأكثر من هذا أنهم يُنكرون على أمثالنا ممن يهتمون بتصحيح هذه العقيدة، تصحيح هذه الكلمة الطيبة، إلا إذا أنتم
بَدكو تشتغلوا بهذا المجال وما تهتمون بإقامة الدولة المسلمة، نحن نعكس الموضوع تماما ونقول نحن الذين نهتم، كمثل إنسان يريد أن يبني قصرا وإنسان آخر يُشاركه في هذه الإرادة، لكن الأول يمشي فيها مشية السلحفاة، يعني أول شيء اشترى الأرض ثم بدأ يجمع الحجارة لوضع الأساس إلخ
…
ما يحتج الأمر إلى تفصيل، أما الأخر فما تسمع منه إلا مخطط عريض طويل، لازم تكون الأرض مساحتها كذا ولازم تكون في منطقة كذا ولازم تكون غرفها كذا ووإلخ
…
وما نزال إلا نشبع كلاما، وكما قال العربي:«أسمع جعجعةً ولا أرى طحنا» ، أما الرجل الأول البصير اللي ماشي رويدا رويدا، اشترى الأرض لكن لِسَّه مشاريع طويلة أمامو، إلى متى بِدَّك تبني هذا القصر! ! ! نحن سنبنيه قبلك، لأنك أنت ما فعلت فيه شيئاً، حتى الأرض التي تريد أن تقيم عليها قصرك وبنيانك الشامخ بعدُ ما أوجدتها.
أنا أعني هنا وأُكَنِّي بالأرض هنا هو الشعب الذي هو سوف يستطيع أن يقيم الدولة المسلمة وسوف يكون مستعداً فيما إذا بدأت أحكام هذه الدولة المسلمة تُفرض على هذا الشعب لماذا؟ لأنه أُسِّسَ وهُيِّئَ لتقبُّل هذا الحكم الذي هوحكم الله تبارك وتعالى، فإذا كان التوحيد أساس الإسلام كله والذي .. من لم يُوحِّد الله كما أراد الله وكما أراد رسول الله، لا يفيده عمله الصالح بتاتاً، لأن الله عز وجل يقول في القرآن الكريم يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكنه يخاطبنا نحن في شخص النبي، فيقول:{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65]، فإذن كيف يمكن إقامة الدولة المسلمة دون العلم بالإسلام؟ ؟ ! !
أولا بالتوحيد، أما إذا دخلنا فيما دون التوحيد، أو في تفاصيل التوحيد، ثم
فيما دونه فهناك العجب العجاب، لأنك تجد هؤلاء الناس الذين يقولون أنتم تشتغلون بالدعوة ولا تشتغلون بإقامة الدولة المسلمة، والذين يشتغلون بالدعوة هم الذين يشتغلون بإقامة الدولة المسلمة لكن لا يلهجون بهذا الكلام ولا يستغلون عواطف الناس وإنما يعملون على السكت والصمت، هؤلاء الذين يريدون أن يقيموا دولة مسلمة، إذا قيل له هل تُحسن أن تصلي كما كان رسول الله يصلى، قد يقول لك في الجواب أن هذه المسائل فرعية، هذه من توافه الأمور، نحن يهمنا الآن إقامة الدولة المسلمة، هل تستطيع أن تحج إلى بيت الله الحرام كما حج الرسول عليه الصلاة والسلام وكما أمر في سنته بالحج إلى بيت الله الحرام؟ لا تسمع جواباً ولا تسمع شيئاً سوى أننا نريد إقامة الدولة المسلمة، الدولة المسلمة نسبة إلى الإسلام، ما هوالإسلام يا جماعة؟ فاقد الشيء لا يعطيه، فاقد الشيء لا يعطيه، فإذن قامت نحن دعوتنا على أساسين وعلى ركيزتين لا يمكن للعالم الإسلامي كله أن تقوم قائمته وأن يعود إليه مجده الغابر وعزّه الذي نتفاخر بأنه كان المسلمون وكانوا
…
، ثم ذُلُّوا حتى احتل بعض بلادهم أذل الأمم ألا وهم اليهود، الركيزتان اللتان لابد منها لإقامة الدولة المسلمة هما:
العلم {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19]، والثاني: العمل {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 105].
اليوم علم ما في! ! وعمل بالإسلام ما في! ! وإذا عملت بالإسلام إما أن يكون عملك لا يوافق الإسلام وإما أن تهمل العمل بالإسلام لأنه الشيء الأساسي هوأن نقيم الدولة المسلمة، نحن نكني عن هاتين الركيزتين بالتصفية والتربية، كثيرا ما نسمع من بعض الناس - مع الأسف الشديد - يقولون عن من ينهجون
منهج السلف الصالح، وقد ينتسبون اسماً إليهم فيقولون عن أنفسهم نحن سلفيون أتباع السلف الصالح، يقولوا ماذا قدّم السلفيون لإقامة الدولة المسلمة، أظن الجواب الآن عرفتموه، لكننا نحن نعكس هذا السؤال ونقول، ماذا قدّم غيرُ السلفيين، ماذا قدّم هؤلاء منذ سنين طويلة، تسأل أحدهم سؤالاً شرعياً متناقلاً متوارثاً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا مؤاخذة هذا امتحان لكم معشر الحاضريين، «أين الله؟ » فلا تسمع جواباً إلا من كان يعمل لإقامة الدعوة المسلمة على ركيزتين اثنتين، التصفية والتربية، أما الذين يرفعون أصواتهم بإقامة الدولة المسلمة وقد يكون مضى عليهم قريب من قرن من الزمان، ثم ما استطاعوا أن يفعلوا شيئاً، هل يحسنون الإجابة عن هذا السؤال، «أين الله؟ » الله الذي قال في كتابه:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ، أين الله؟ ما تسمع منهم جواباً، لا يدرون أين الله كيف هؤلاء يريدون أن يقيموا دولة الله - إذا صحّ التعبير - وهم لا يعلمون الله أين هو، هل هو مثل دودة الحرير في جحرها في شرنقتها، أم هو في هذا الفراغ في هذا الهواء، أم ماذا، لا تسمع منهم جوابا! ! !
ورحم الله أميرا من أمراء دمشق يوم جرى نقاش في حضرته بين عالم سلفي كبير وبين ناس آخرون متأثرون بعلم الكلام حيث كان هؤلاء العلماء المتأثرون بعلم الكلام وإن شئت قلت الاعتزال، قالوا: الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، هؤلاء علماء الشام في زمانه ينطقون بهذا الضلال المبين بين يدي حضرة أمير دمشق يومئذ، وهم يجادلون رجلاً يقول ربي الله، ربي في السماء، أأمنتم من في السماء، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء
لما سمعه الأمير، والمفروض في الأمير أن يكون عاديا في علمه بالشرع،
يستعين بالعلماء لكنه عاقل،
فلما سمع علماء الكلام يقولون: الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، ماذا قال الأمير؟ «هؤلاء قوم أضاعوا ربهم» ، صدق، هؤلاء قوم أضاعوا ربهم وأنا أعتقد ليس أولئك فقط أضاعوا ربهم، بل جماهير الإسلاميين اليوم أضاعوا ربهم، لماذا؟ لأنهم ما تفقهوا في كتاب الله ولا تفقهوا في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما دراسات مكثفة وخفيفة وقليلة وليست مُدَعَّمة بالأدلة الشرعية، قد يتخرج الواحد منهم من الجامعة وهو لم يفهم بعد {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} ، لكن يلقي لك محاضرات وخطب طنانة رنانة ويهيج النفوس فتكاد تراها الآن [بدها تهجم] على اليهود، ثمّ كرغوة الصابون! ! ! . لو سألت هذا ومن خطبهم أين الله، ما في جواب! ! ! ! بينما جارية في عهد الرسول عليه السلام لأنها تخرجت من مدرسته -بالتعبير العصري الموجود اليوم-، سألها الرسول عليه السلام هذا السؤال فأجابت بالجواب الإسلامي الصحيح، روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث معاوية ابن الحكم السُلَمِي، معاوية ابن الحكم هو غير معاوية ابن أبي سفيان الأموي الخليفة المعروف الذي كان في دمشق الشام، معاوية ابن الحكم السُلَمِي، يحدثنا هو عن قصته التي وقعت له وهو يصلي خلف نبيه صلى الله عليه وآله وسلم يوماً، قال:«صليت وراء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعطس رجل بجانبي فقلت له يرحمك الله وهويصلي قال فنظروا إلي هكذا، تسكيتا، فقلت واثكل أمياه، ما لكم تنظرون إلي، - وهويصلي وصلاته مقبولة يا ترى ما تظنوا أنه بطلت صلاته- واثكل أمياه فأخذوا ضربا على أفخاذهم» ، يعني أسكت ليس الآن وقت كلام، قال:«فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة أقبل إلي» تصوروا لو القصة وقعت اليوم، وراء إمام من أئمة المسلمين ما شاء الله اليوم
…
أخطأ وعرف نفسه بأنه أخطأ، وشاف الإمام جاي
لعندو، بدو يضرب أخماس في سداس بدو يضرب وبدو ينهر ويقول له حيوان، لا تفهم جاهل إلخ
…
الله أعلم بالذي دار في خيال وفي ذهن معاوية هذا، لكن قال: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة أقبل إلي، فوالله ما قهرني ولا كهرني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال لي:«إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي تسبيح وتحميد وتكبير وتلاوة القرآن» .
هذا الرجل فوجئ بما لم يكن في حسبانه، عرف من تسكيت الصحابة له أنه ارتكب خطأ ومعنى ذلك أن الرجل كان حديث عهد بالإسلام مش عارف الأحكام بعد المتعلقة بالصلاة، فبعد ما عرف أنه كان مخطئا تصور أنه سيلاقي من الرسول عليه السلام صدمة عنيفة جداً، وإذا به لا يرى إلا اللطف وإلا الرأف الذي وُصف به الرسول عليه السلام:{بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128]، الأمر الذي هيّأ له الجو الذي يُفسح المجال ليتعلم وقد عرف أنه جاهل وأنه بحاجة إلى العلم، فقال يا رسول الله إن منا أقواماً يتطيرون، قال:«فلا يصدنّكم» ، فلا يصدنّكم -أي التطيّر-، ومعروف التطيّر عندكم هوالتشاؤم ومع الأسف الشديد المسلمون اليوم خاصة عالم النساء، عالم الذي يسمونه اليوم الجنس اللطيف ما في أكثر منهم تشاؤماً، الصابون يوم كذا ما يجوز يدخل إلى الدار، المكنسة وراء الباب ما لازم تشتغل، أشياء لا يمكن إحصاؤها.
مع أن الإسلام قال: «لا طيرة في الإسلام» ، وهذا الرجل عاش في الجاهلية ثمّ هداه الله وآمن برسول الله فلما عرف أنه أخطأ في الصلاة، إذن لازم أنا أغتنم فرصة وجودي بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فأسأله، قال: إن منا أقواماً يتطيرون، أنظروا الآن تعليم الرسول، لا يكلف الناس ما لا يطيقون، لم يقل لهم لا تتطيروا، لا، لأنه الطيرة التشاؤم يأتي الإنسان فجأة دون قصد منه، ولكن القصد منه أن
يتجاوب مع الطيَرة أولا يتجاوب، ولا بأس أن نلفت نظركم لماذا سميت الطيرة، كانوا في الجاهلية من خرافاتهم وضيق عقلهم، كما تعرف حتى اليوم الكثير من الأمم المتحضرة -زعمت-، لكنها في الحضيض من سلامة العقل، حتى الأوروبيين والأمريكيين وغيره، لأن هؤلاء بشهادة القرآن -لا تغفلوا عن القرآن- لا عقول لهم، أنتم بتظنوا أنهم عقلاء، ويجب أن نفرق هم أذكياء وليسوا عقلاء، هم أذكياء لذلك صعدوا إلى السماء إلى القمر إلى إلى النجوم هذه الأخرى- والحبل جرّار كما يقال-، هؤلاء أذكياء ولكنهم ليسوا عقلاء:{وَقَالُوا لَوكُنَّا نَسْمَعُ أَونَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10]، الشاهد: العرب في الجاهلية كانوا يتطيرون، كان أحدهم إذا عزم على السفر وشدّ الرحل وخرج من داره فهو ينظر أول طير يراه، والطير لابد حينما يرى الإنسان يطير ويهرب منه، فإن طار يمينا ما شاء الله هذه سفرة ميمونة، وإن طار -الطير الحيوان الصغير- يساراً هذه سفرة مشؤومة ورجع إلى بيته وبَطَّل عن سفره، هذا من هنا جاءت كلمة الطيَرة، وقالوا الرسول عليه السلام:«لا طيرة في الإسلام» .
أنا أُمَثِّل أحيانا رجل مسلم هيّأ حاله للسفر وفتح الباب وجد اثنين يتخاصموا واحد قال لثاني: «إن شاء الله ربنا الله لا يوفقك» ، هذا الذي خرج للسفر بدُّوا يطاير، يتشاءم، لا امضي قدماً ولا تبالي، هذا معنى قول الرسول:«لا يصدنّكم» ، لا تتطير أي لا تتجاوب مع الطيرة، قال يا رسول الله إنا منا أقواما يخطون، أي يضربون بالرمل، فقال عليه السلام:«قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطُه خطَّه فذاك» ، أي الضرب بالرمل كان وسيلة ومعجزة لنبي في ذلك الزمان، الزمان الأول، فمن وافق خطه منكم خط ذلك النبي فذاك المصيب، وهذا كما يُسَمِّيه العلماء تعليق بالمحال، أي هذا غير ممكن.
الشاهد الآن يأتي، قال يا رسول الله، عندي جارية ترعى غنماً لي في أُحد، فسطا الذئب يوماً على غنمي وأنا بشر أغضب كما يغضب البشر فصككتها صكّة وعلي عتق رقبة، كأنه يقول أنا معترف بأني أخطأت مع هذه الجارية الراعية لغنمي، فماذا يجب علي أن أعمل، الرجل ممكن [
…
]، فضلا عن إيش؟ الجارية المرأة، وعلي عتق رقبة، فهل يجزيني أن أعتقها؟ قال:«هاتها» ، لما جاءت قال عليه الصلاة والسلام لها:«أين الله؟ » ، قالت: في السماء، قال لها:«من أنا؟ » قالت: أنت رسول الله، قال:«اعتقها فإنها مؤمنة» .
الآن نسأل الآن هؤلاء المتحمسين فراغاً لإقامة الدولة المسلمة هل أتقنتم عقيدة الجارية راعية الغنم؟ لا، إنهم ينكرون هذه العقيدة وإنهم يقولون بقول علماء الكلام والمعتزلة: الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا يسار ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، فهؤلاء قوم أضاعوا ربهم، كيف يا إخواننا، يا إخواننا مسلمين يجمعنا دين الإسلام ولكن يُفَرِّقنا عدم انشغالنا بفهم ديننا على منهج سلفنا، الذي تركهم الرسول عليه الصلاة والسلام على البيضاء نقيّة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، البحث في هذا طويل الذيل جدا جدا لأني سأقول: بيننا وبين نبينا أربعة عشرة قرنا، ترى هل بقي الإسلام الذي فارقه الرسول عليه السلام على الكمال والتمام غضاً طرياً صافياً؟ هل بقي كما تركه الرسول عليه السلام حتى اليوم، أم دخل فيه ما لم يكن فيه؟ دخل فيه أولاً من الأحاديث التي يتبرّأ منها نبينا صلوات الله وسلامه عليه براءة الذئب من دم ابن يعقوب، هل بقيت العقيدة الإسلامية الصافية الموافقة للفطرة كما كانت في عهده عليه السلام وعهد سلفنا الصالح، أم تفرق المسلمون كما قال عليه الصلاة والسلام:«تفرّقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» ،
قالوا من هي يا رسول الله؟ أجاب بجوابين اثنين أحدهما يفسّر الآخر، الجواب الأول وهوالأشهر قال:«هي الجماعة» ، الجواب الآخر قال:«هي ما أنا عليه وأصحابي» .
فنحن نسأل الإخوان الحريصين -أينما كانوا من الإسلام- على إقامة الدولة المسلمة، هل أنتم تعرفون ما كان عليه الرسول عليه السلام في زمانه من العقيدة والعبادة والسلوك؟ لا، هم لا يتفرغون لهذا ولوتفرغوا ما استطاعوا إليه سبيلا لأنهم ما درسوا الإسلام من منبعيه الصافيين، فهم يكتفون كدين العجائز، العجوز ماذا تفعل؟ تسأل الشيخ، وخذه واجبها، وكذلك هم يسألون المشايخ الذين ورثوا العلم وراثة، أما ما هو العلم، ما هو العلم؟ هذا من الخلاف الذي يمكن أن يقع في تعليم العلم، كثير من الناس يقولون: العلم هو ما جاء مثلا فيما يتعلق بالعقيدة هو ما جاء مثلا في الجوهرة، هذا مذهب الأشاعرة، وما يتعلق بالعقيدة على المذهب الماتريدية فهي ما جاء مثلا في مد الأماني ونحو ذلك من الكتب، ما يتعلق بالأحكام الشريعة ما جاء في المذاهب الأربعة: المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، ما يتعلق بالأخلاق والسلوك ما جاء في كتاب إحياء علوم الدين. أمّا ما قاله ابن قيِّم الجوزية بحق:
العلم قال الله قال رسوله
…
قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة
…
بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها
…
حذرا من التعطيل والتشبيه
هذا هو العلم، اليوم إذا ما جَرَّبتم جَرِّبوا، وما أخالكم إلا وقد جرّبتم، سلوا من شئتم: ما حكم الله في كذا؟ يقولوا لك في المسألة قولان، قال فلان كذا وقال فلان كذا، وهذه الدراسة الجامعية اليوم التي يسمونها بدراسة المقارنة، يخرج
الطالب من الجامعة لا يعرف الصواب من الخطأ ولا يعرف الحق من الباطل، وهذا على مذهب ذلك المفتي الذي قيض له أن يسافر سفرة، فيخلوا مكانه، فأناب عنه أباه، وأبوه لا يعرف شيئاً من العلم ويعترف هو بذلك، قال له يا أبي: كيف آخذ مكانك وأنا لا أعرف، قال أنا أعطيك قاعدة تعطيها بترتاح فيها، قال ما هي؟ قال: كلما جاءك سائل وسألك، قل له في المسألة قولان، مثلا جاءك رجل وقال لك: يا سيدي الشيخ أنا غضبت وطلقت زوجتي، وقلت أنت طالقة بالثلاثة، طلقت زوجتي حتى أفارقها وما أقاربها؟ يجيب: في المسألة قولان، منهم من يقول طلقت ومنهم من يقول ما طلقت، وهكذا. حرام يا سيدي أنا عملت كذا وإلا حلال؟ في المسألة قولان، منهم من يقول حلال ومنهم من يقول حرام. فارتاح الأب على نصيحة الابن وانطلق، وجلس الشيخ وكالعادة في بعض الناس الذين يريدون أن يتفقهوا المساكين، ولكن لا يعرفون ما هوالفقه، بدهم يحضروا مجلس الإفتاء بدأت الأسئلة تطرح على والد المفتي وبدأ هويطبق إيش: في المسألة قولان، أحد الأذكياء، أحدهم تنبه أن الشيخ ما يجاوب إلا على وتيرة واحدة، في المسألة قولان، حرام حلال، يجوز ما يجوز، فرض سنة مستحب، في المسألة قولان، واحد ذكي: يقول له إسأل الشيخ: أفي الله شكٌ؟ ، يا سيدي الشيخ أفي الله شكٌ؟ قال: في المسألة قولان.
الآن مع الأسف الشديد نسمع هذه الفتاوى على هذا النمط، يقوم المحاضر يلقي محاضرة، ومحاضرة لا علمية ما في إلا وعظ ونصيحة وتذكير إلخ
…
هذا شيء طيب لا شك، لكن الناس بحاجة إلى العلم، إلى الفقه الذي قال عنه الرسول عليه السلام، من يرد الله به خيراً يفقّهه في الدين، ما تسمع إلا المذهب الحنفي يقول هكذا، والمذهب الشافعي يقول هكذا، مساكين، الجماعة الحاضرين، ولا تؤاخذوني ولكل قاعدة استثناء الجماعة الحاضرين [
…
]
مخبلين، ما في واحد يقول يا سيدي الشيخ ضعنا بين هذا المذهب وهذا المذهب، ما هوالصواب؟ ربنا يقول:{فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32]، نبينا يقول:«إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد» ، إذن العلم صواب وخطأ، فما هوالصواب فيما تقول؟ فاقد الشيء لا يعطيه، ما يقدر أنه يعطي جواب، لماذا؟ لأنه هوفي الأمس كان طالب في الجامعة، بعد يوم يومين ثلاثة شهر شهرين أخذ الشهادة وصار دكتور، فالذي كسبه هوالذي بدويقدمه، ما اكتسب علماً، اكتسب قيل وقال، وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال، ومنع وهات ووأد البنات.
إذن يا إخواننا نحن نريد الآن أن نحيي المجتمع الإسلامي قبل أن نقيم دولة إسلامية وهذه نقطة يغفل عنها أكثر الدعاة الإسلاميين، الدولة المسلمة لا يمكن إقامتها في مجتمع كافر أوشبه كافر أومجتمع فاسق، وإنما الدولة المسلمة تقام على أرض مسلمة، هذه الأرض المسلمة لا يمكن أن تحقق إلا عبر الركيزتين السابقتين: تصفية وتربية، التصفية: قلنا أن الإسلام اليوم غير ذلك الإسلام وذكرنا لكم الحديث: «وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين طائفة كلها في النار إلا واحدة» ، نحن نتحدى أي طائفة، أي جماعة أي شخص يريد أن يقيم الدولة المسلمة على غير هذا المنهج، أن نسأله سؤالاً واحد ويجيب عنه: هل عرفت ما كان عليه الرسول عليه السلام وأصحابه؟ لا لا يمكنه أن يعرف لأنه ما قضى هو حياته في معرفة السنّة ولو فعل ما استطاع، لماذا؟ لأن الشخص الواحد ما يستطيع، يجب أن يتوارث العلماء هذا العلم خلف عن سلف، والعلم بالسنّة على وجهها انقطع منذ قرون مع الأسف الشديد، ولذلك فيجب أن يكون هناك علماء يستطيعون أن يجيبوا عن كل مسألة تخطر في بال إنسان أوتعرض لأي
إنسان، أن يقول الجواب هكذا، قال عليه السلام كذا، كان الصحابة على كذا.
هكذا يمكن تحقيق المجتمع الإسلامي، وبالتالي، وهذا هوالجواب، فقرة جاءت هنا لا أذكرها لعلك تُذَكِّرني بها، هوجواب أننا نقيم الدولة أوتوماتيكياً، بإيجاد المجتمع الإسلامي ستوجد الدولة المسلمة، أما دولة مسلمة تُفرض بانقلاب عسكري، أوبانقلاب -كما يزعمون اليوم- أبيض لا تسيل فيه الدماء لكن الأرض لا تزال هي هي، لم يُهيَّأ المجتمع هذا لتقبُّل الأحكام الشرعية، ستكون النتيجة غيّرنا بس الواجهة، غيرنا الرجالات الذين نقول اليوم أنهم يحكمون اليوم بغير ما أنزل الله وسينوب منابهم رجال كانوا يقولون نريد إقامة الدولة المسلمة وقد يصلون إلى الحكم ولكن لا يستطيعون أن يقيموا دولة مسلمة، لماذا؟ فاقد الشيء لا يعطيه، أنا عندي تجربة الآن جديدة في الجزائر فيه نهضة إسلامية حارة جدا، عواطف جامحة، يقولون: أحدهم حوله خمسة ملايين مسلم يريدون أن يقيموا الدولة الإسلامية، في جلسة متواضعة عدداً أقل من هذه الجلسة المباركة سألتهم: الشعب الجزائري ما أدري عشرين ثلاثين مليون كلو، لكن المصطفين الأخيار منهم الذين تكتلوا حول شعب مسلم طيب يريد أن يقيم دولة مسلمة من هذه العشرين أوثلاثين مليون، خمسة ملايين! ! قلت لهم هذه الخمس ملايين إذا مرضوا مرضاً مادياً كم طبيب يا ترى تقدرون هم بحاجة إليهم؟ يكفي خمسة؟ عشرة؟ مئة؟ وإلا تحتاجون إلى ألوف مؤلفة؟ قالوا وهوكذلك نحتاج إلى ألوف مؤلفة من أطباء الذين يعالجون الأمراض المادية، قلت لهم: هؤلاء الخمس ملايين، كم عالم عندكم؟ ما في جواب، وهذا الذي نعرفه، إذن من الذي يقيم الدولة المسلمة؟ ! من الذي يضع الدستور؟ ! من الذي يفسر الدستور بالقوانين؟ ! العلماء أم الجهلاء؟
لذلك أعود وأقول، والبحث طويل الذيل كما قلت سلفا:
أوردها سعد وسعد مشتمل
…
ما هكذا يا سعد تورد الإبل
لا يمكن إقامة الدولة المسلمة إلا في مجتمع إسلامي، ولا يمكن إقامة المجتمع الإسلامي إلا على العلم الصحيح، والتربية القائمة على هذا العلم الصحيح.
السائل: ذكرتم الذين أضاعوا ربهم، وذكرت أنهم الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة، لكن هناك أناس في اعتقاد كثير من العوام لم يضيعوا ربهم، وهم الصوفية الذين يقولون عن ربهم أنه في كل مكان، آه صح.
الشيخ: ما صح.
السائل: ويستدلون بالآية {وَهُوالَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]، والله في السماوات والأرض
الشيخ: يعني لذلك هم يذكرون الله بقولهم: (هوهو)، (لاهولاهو)! ! ! هذا كمان مثال ثاني، شوموقف الجماعات التي تريد إقامة الدولة المسلمة من هؤلاء الناس؟
السائل: (يا موجود في كل الوجود)، إذا خرج من بيته يقول:(يا موجود في كل الوجود)، سمعتها في دمشق كثيرة.
الشيخ: يا سيدي هون، [يقولون] الله موجود في كل مكان، الله موجود في كل وجود.
لذلك هؤلاء مسلمون، نحن الآن يا جماعة أمرنا مشكل عجيب جداً، نريد مثلا أن نجاهد الكفار هل نحن على قلب واحد؟ هل نستطيع أن نجاهد الكفار؟
نحن الآن مختلفون بيننا ولا نستطيع أن نقاتل الكفار ما دمنا نحن مختلفين، إذن قبل كل شيء أبسط الأمور التي يشترك في معرفتها العالم والجاهل أنه لازم نتفق حتى نكون قوة ويداً واحدة ضد العدو، هذا يحتاج إلى اتفاقنا، ودائماً نعمل حركات وثورات إلخ .. ، ثم لا شيء وراء ذلك، فلماذا لا نستفيق، والمثل العربي يقول:«أنا تائق، وأنت مائق، فكيف نتفق! ! » ، كل واحد منا ماشي في طريق، لكن الله عز وجل يقول:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153]، نحن الآن قد تتبعنا السبل ولذلك تفرقنا، فقبل التفكير في إقامة الدولة المسلمة، الله يرحم ذاك الداعية، ما أذكر إن كان حسن البنا ولا الهضيبي، قال كلمة لوأن أتباعه اليوم الذين ينتمون إليه ساروا عليها، لاستطاعوا أن يقيموا مجتمعا إسلامياً ولوصغيرا، ماذا قال؟ :«أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تُقام لكم في أرضكم» ، أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، لا نحن بدنا نقيم دولة الإسلام في الأرض قبل ما نقيمها في القلب، هذا لن يكون أبداً.
الآن هؤلاء الصوفية بيصلوا ويصوموا، ويمكن أنهم يصلوا بالليل ونحن نائمين، لكن إيش فائدة هذا الصيام وهذا القيام، وهم جحدوا ربهم، وقال قائلهم كما تعلم: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا، وما الله إلا راهب في كنيسة
هدول إخواننا! ! إخواننا هادول، لكن إيش لون يا جماعة إخواننا وهم كفروا بربنا! ! ! وجعلوا الكلب والخنزير إلهنا! ! ! هؤلاء ليسوا إخواننا، هل يستطيع هؤلاء الذين يريدون أن يقيموا دولة الإسلام أن يستغنوا عن هؤلاء ويتركوهم هكذا هملا، أم واجبهم أن يرشدوهم، واجبهم أن يرشدوهم، لأنه قد يكون منهم أبوهم، منهم أخوهم، منهم أمهم، خالتهم عمتهم إلخ
…
ما هم خارجين عنا،
لكن بس بدنا نقيم الدولة المسلمة وكيف .. ؟ هذه نقطة لا تبحثها، بس بدنا نقيم الدولة المسلمة، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(الهدى والنور 489/ 39: 00: 00)