الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إمام دار الهجرة:
" من ابتدع في الإسلام بدعة رآها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة، اقرأ قول الله عز وجل: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ".
"صوت العرب تسأل ومحدث الشام يجيب"(سؤال رقم 10).
السلفية وحركات العنف
مداخلة: فيه سؤال الله يجزيك خير! قد كنت دائماً الله يجزيك الخير تنهي الشباب هؤلاء المتسرعين المتحمسين عن الأعمال اللي كانوا يسووا، أعمال الضفة الغربية يقولوا عنها أعمال استشهادية، طبعاً الأعمال كأنه تصورت والعياذ بالله أن الفتن هذه قد تحصل في هذا البلد، فالشباب ما يعمل في هذا الوقت الله يجزيكم الخير في مثل هذه الظروف؟
الشيخ: النصيحة هي هي، كما قال عليه السلام بالنسبة لزمن الفتن كلها «كونوا أحلاس بيوتكم» (1)، كلما اشتدت الفتنة كلما قوي هذا الأمر النبوي الكريم:«كونوا أحلاس بيوتكم» ومع الأسف من الملاحظ في العالم الإسلامي أن ما هذا الذي يدندن به كثيراً ونرفع من أجله رؤوسنا عالية ألا وهي الصحوة الإسلامية أننا نلاحظ أن في هذه الصحوة شيء من الغرور واتباع الهوى والابتعاد عن طلب العلم الصحيح وعن الصبر عليه، ولذلك فنجد في هؤلاء الشباب الذين بهم تتمثل الصحوة المشار إليها انحرافاً عن أمر مهم جداً جداً
(1) صحيح سنن أبي داود (4262).
وهو الانطلاق من العلم الصحيح وعدم الانطلاق من التفرقات الأرضية الشخصية.
فتجد في كثير من البلاد حركات أشبه بالحركات الثورية إن لم نقل الدموية التي لم يكن يعرفها الإسلام من قبل ولا يتعرف إليها الإسلام من بعد؛ لأن الإسلام إنما هو دين دعوة كما قال عز وجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، فكثير من هؤلاء الشباب لا يفرقون بين وضع ووضع، وبين عهد وعهد لا يفرقون بين أن تكون الدولة الإسلامية قائمة على ساقها وقوية في حكمها وفي انطلاقاتها وبين ما هو واقع اليوم في العالم الإسلامي كله مع الأسف الشديد حيث أن العالم الإسلامي اليوم ينطبق عليه تماماً إنذار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمته أن تنحرف عن شريعة ربه وأن تتباهى بكثرة عددها دون أن تكون عند حسن الظن بها، ذلك هو قوله عليه الصلاة والسلام:«تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله الرهبة من صدور عدوكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قالوا: وما الوهن يا رسول الله! قال: حب الدنيا وكراهية الموت» ، لا يفرق هؤلاء الشباب بين أن تكون الدولة الإسلامية قائمة لها حاكمها المسلم الذي يتحاكم إلى الله ورسوله ولا يتحاكم إلى الطواغيت والقوانين الأرضية، وبين أن يكونوا كما قال عليه السلام في هذا الحديث الصحيح:«أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل» .
وقد ابتلينا في عصرنا الحاضر بكثير من الحركات إن لم نقل الثورات الإسلامية قامت في بعض البلاد من باب إصلاح الأوضاع القائمة بسبب هذه
الحكومات التي تحكم بغير ما أنزل الله فيريدون أن يصلوا إلى تحقيق الحكم الإسلامي وإقامة الدولة الإسلامية على طريقة الثورات الدموية وهذا بلا شك كما قلت بمطلع هذه الكلمة شيء لم يأت به الإسلام ولا يتعرف عليه الإسلام إطلاقاً ولذلك فلم تفد هذه الحركات إن لم نقل الثورات لم تفد العالم الإسلامي شيئاً بل أضرت به ضرراً بالغاً كبيراً، حيث رجع بالدعوة القهقرى ما شاء الله من سنين كثيرة.
ولذلك فنحن ننصح دائماً وأبداً بأن يعنى المسلمون قبل كل شيء بأن يصلحوا أنفسهم على حد قوله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105].
لقد ترك جماهير المسلمين هذا الأمر الإلهي فقط على الأقل وأخذوا ينشغلون بالفرض الكفائي عن الفرض العيني وينشغلون بالفرض الكفائي قبل أن تتهيأ له أسبابه وظروفه الفرض العيني: «لا يضركم من ضل إذا اهتديتم» «عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم» تجد في العالم الإسلامي كله الذين يقومون بهذه الحركات القائمة على الاستعجال بالأمر وعدم الاستعداد له إنما يقوم بذلك بعض الشباب المتحمسين الذين لم يعرفوا الإسلام في أصوله وقواعده المتخذة أو المستنبطة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك تكون العاقبة مع الأسف الشديد ضرراً على العالم الإسلامي تحقيقاً للحكمة التي أخذت من نصوص من الكتاب والسنة تلك الحكمة التي تقول: «من استعجل الشيء قبل أوانه ابتلي بحرمانه» .
وقد ذكرت في أكثر من جلسة وقد تكون منها جلسة في هذا المكان بالذات أن الله عز وجل حينما يخاطب الناس بقوله: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ
وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُواللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] إنما وجه هذا الخطاب ليس لعامة الناس وإنما لخاصة الناس ألا وهم المؤمنون حقاً.
{وَأَعِدُّوا لَهُمْ} [الأنفال: 60] بداهة لا أحد أوتي شيئاً من الفهم والفقه في اللغة فضلاً عن الكتاب والسنة لا يتبادر إلى ذهنه أن الخطاب في قوله {وَأَعِدُّوا} إنما هو موجه للكفار، لا أحد يفهم هذا، لكن أنا أدري هذا وأقول ما هو كالشمس في واضحة النهار بداهة تمهيداً للفهم الآخر أيضاً الذي لا يمكن أن يتبادر إلى ذهن أحد وإن كان أخفى قليلاً من الأول.
فأقول: قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا} كما أنه ليس خطاباً للكفار فليس خطاباً إلى المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر بالله ورسوله، هذا الأمر الثاني.
والثالث: وهو أخفى من الأمرين السابقين: ليس المقصود بهذا الأمر هم فساق المسلمين، {وَأَعِدُّوا} ليس المقصود بهذا الأمر هم فساق المسلمين وعصاتهم، وإنما المقصود بهذا الأمر هم المؤمنون حقاً.
ولست أشك أن مثل هؤلاء المؤمنين لهم وجود في كل زمان وفي كل مكان ولو بنسب متفاوتة كثرة وقلة، ذلك مما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام:«لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى تقوم الساعة» .
فإذاً أول ما يتبادر الذهن أن المقصود بهذا الأمر الموجه في الآية السابقة {وَأَعِدُّوا} هم المؤمنون ولا أقول: فانتبهوا هم هؤلاء المؤمنون، يعني: سأقول أخيراً، إنما المقصود هؤلاء المؤمنون إذا كانوا متكتلين ولم يكونوا متفرقين، على الأقل لم يكونوا متفرقين في أبدانهم وفي بلدانهم، أي: إنه لا يكفي أن يكونوا مجتمعين في أفكارهم وفي عقائدهم وأفهامهم على الكتاب والسنة كما هي
دعوتنا منذ أكثر من نصف قرن من الزمان لا يكفي الالتقاء على هذا الفكر وعلى هذه العقيدة فقط بل يجب أيضاً أن يكونوا مجتمعين في مكان واحد وأن يكونوا كما لوكانوا رجلاً واحد وعلى قلب رجل واحد، هل هذا فيما تعلمون له وجود في زمانكم؟
مداخلة: لا
…
الشيخ: الجواب مع الأسف الشديد: لا، إذاً كيف يتعجل هؤلاء الناس البسطاء الذين يلملمون بعض الشباب المتحمس لإسلامه، قد يكون تحمساً فائقاً جداً ولكنه من حيث العلم ومن حيث العمل. نعم. فأقول: هؤلاء قد يكونون متحمسين أشد التحمس ولكن قلوبهم لم تمتلئ بعد بهذا الإيمان الذي يدفع أولاً إلى أن يكونوا يداً واحدة كما ذكرت آنفاً ثم بعد ذلك قد يمكن وأقول وأنا أعني ما أقول: قد يمكن أن يحققوا هذا الأمر القرآني {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} قد يكونون على العكس من ذلك، قد يكونون في وضع محيط بهم الكفار من كل جانب ولا يدعون لهم مجالاً لحمل ولوسلاح سهل بسيط من الأسلحة القديمة كالسهام والرماح والسيوف ونحوذلك فضلاً عن هذه الأسلحة الحديثة التي لا يمكن الاستغناء اليوم في مقاتلة الكفار إلا بها.
فإذاً نستلخص مما سبق أن قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] إلى آخر الآية، فيها أمر صريح بإعداد السلاح المادي ولكن فيه أمر ضمني وهوأن السلاح الأول من هذا السلاح المادي هوسلاح الإيمان الذي إذا استقر في القلب لن يبالي بحطام الدنيا وزخرفها وزينتها.
وإذا كانوا كذلك بإمكانهم حينئذ أن يكونوا هم الذين قال عنهم رسول الله
- صلى الله عليه وآله وسلم: «لن يغلب اثنا عشر ألف من قلة» (1) فاثنا عشر ألف لا يعني: أن يكونوا مبعثرين هكذا، أفراد في هذا البلد وأفراد في بلد آخر وثالث ورابع وإلى آخره وإنما يكونون على قلب رجل واحد، هيؤوا في أنفسهم الإيمان الصحيح القائم على الكتاب والسنة ثم طبقوا هذه الآية الكريمة {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} يومئذ يجب على هؤلاء المسلمين أن يعلنوها صراحة ويومئذ يمكن تحقيق الحكم الإسلامي الذي عليه رئيس يأمر وينهى فيجب إطاعته فيما يأمر وفيما ينهى إلا في معصية الله تبارك وتعالى.
فقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» .
هذا القول يجب أن نتنبه إنما صدر من الحاكم المسلم الذي لم يكن ولن يكون له مثيل في الدنيا إطلاقاً ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم إنما يصدر هذا ممن ينوب عنه من الحكام المسلمين.
فإذاً يجب أن نفرق بين وضع كوضع المسلمين اليوم متفرقون شذر مذر كما ذكر عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق، فيوم يصبحون على قلب رجل واحد كما ذكرنا، يومئذ يختارون منهم رجلاً يبايعونه على الإسلام يبايعونه على الموت، هذا الرجل مع هذه الجماعة هم الذين يحق لهم ديناً وإسلاماً أن يقاتلوا من حولهم إذا لم يستجيبوا لدعوتهم دعوة الحق؛ ولذلك فمن الخطأ الفاحش ما وقع بعيداً وما وقع قريباً في الجزائر مثلاً من الثورة التي ثار فيها بعضهم فكانت العاقبة كتلك العواقب الأخرى التي أشرنا إليها آنفاً.
(1) صحيح الجامع (13808).
ولذلك فأنا أنصح كل الشباب، مهما قامت فتن من بعض الدول سواء كانت دول اسماً دول إسلامية أو انحرفت عن الإسلام كثيراً أو قليلاً فثارت هناك فتن في الداخل أو جاءت من الخارج فأنا أنصح أن يلزموا دورهم إلا في حالة واحدة حينما يغزى أحدنا بعقر داره وهو قد ابتعد عن الفتن تجاوباً مع أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم المذكور آنفاً فيومئذ له الحق أن يدافع عن نفسه.
أما أن يلقي بنفسه في خضم الخلاف والفتنة القائمة بين طائفة وأخرى أو دولة وأخرى فهنا يرد قوله عليه السلام: «كونوا أحلاس بيوتكم» هذا ما عندي جواباً عن ذاك السؤال.
(الهدى والنور / 354/ 40: 00: 00)