الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة أخيرة
أرجو أن يكونَ هذا العمل الذي تعبتُ على جمعِه وترتيبِه وإخراجِه مُفتاح خيرٍ لكل من اطَّلَع عليه من أبناءِ ديننا، أيًّا كان منهجه أو مشربه، ومهما بعُدت بيننا وبينه المسافات، فلم يدفعْنا لإخراج هذا العمل إلا الرَّحمة والشَّفقة بأقوامٍ نحسبُهم لم يقفوا على ما وقفنا عليه مما نعتقده حقًّا، وهانحن اليوم نقدِّم لهم شيئا من ذلك لعلَّ الله يجمعنا على كلمةٍ سواء
…
ولعلَّ هذا العمل كذلك يكون مفتاحَ خيرٍ لإخوانٍ لنا بغَوا علينا وعلى أبناء ديننا، وتعدوا حدود الله فينا وفيهم، ونَصَّبُوا أنفسهم -بغير وجه حق- حُكامًا على من انتسب للإسلام والسنة
…
وهم وإن كانت لهم جهود لا تُنكر في نَشْر العقيدة الصحيحة، والدِّفاع عن عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعة، والرد على الأفكار المنحرفة، إلى غير ذلك من جهود علمية ودعوية لا ينكرها إلا جاحد، إلا أنهم سلكوا مَسلكاً طالما حَذَّر منه العلامةُ الألباني، فانحرفوا بالدعوة وأدخلوا طلابهم في نَفَق مظلم لا نهاية له.
- إنهم أقوام أضحت الدعوة السلفية التي هي دوحة الإسلام الخضراء التي نأمل أن يستظلَّ بها أهل الإسلام من لفحات الشرك والبدع والخرافات .. قد استحالت في أيدي هؤلاء إلى سهام مسمومة يحاول كلٌّ منهم أن يصيب بها كبد أخيه فلا يخطئها ..
- أناسٌ تضيقُ بهم مذاهب القول، وتُغلق في أوجههم أبواب العلم، فيلجؤون
إلى الحديث عن الناس، وتتبع عثراتهم، ويحاولون أن ينبشوا دفائن صدورهم، ويتغلغلوا في أطواء أسرارهم ..
- لا يهدؤون ساعةً عن تصديع رؤوسنا وتمزيق أفئدتنا بصواعق التبديع التي يمطرونها كلَّ يوم من سماء منهجهم العطن ..
- أناسٌ قد هان عليهم أمرَ الظُّلْم، حتى إنك لتجد الرجل المنصف فتحكي عليهم أمره، وتعرض عليهم سِرَّه، وتظرفهم بحديثه، وتمتعهم بأخباره، كأنك تعرض شيئًا من عجائب المخلوقات، أو نوعًا من خوارق العادات، أو ضربًا من أسرار الكائنات ..
- يسمع أحدهم كلمة حقٍّ من صاحبه، ويعتقد أنها كلمة حق، ولكنه يبغضه فيبغض الحق لأجله، وينبري للرد عليه بحُجج واهية، وبدعوى الدفاع عن المنهج ..
- إذا ابتُليت بشاعرٍ من شعرائهم، أنشأ يترنَّم أمامك بقصيدةٍ من قصائد التبديع تشعر كأنَّما يجرعك السمَّ قطرةً قطرة، حتى إنك تتمنى أنْ لو ضربك بها جملة واحدة على أُمِّ رأسك يكون فيها انقضاء أجلك فيريحك من هذا العذاب الذي سماه شعرًا، ويزيح عن كتفك هذا العناء الذي سماه نظمًا ..
- وإن كثيرًا من الكلام الذي أودعوه كتبهم ورسائلهم، وأمطروه على آذان مستمعيهم، لو مسخه الله شيئًا غير الحروف لطار ذبابًا على وجوه القُرَّاء والمستمعين ..
- إذا رأيت الجاهلَ فيهم مُقَدَّمًا، والسفيه فيهم موقَّرًا، فسوَّلت لك نفسك أن تسأل أحد أتباعهم مستفهمًا مستنكرًا عن السر الخطير وراء هذا التقديم والتقدير، لجحظت عيناه فيشعرك أن الله قد خلقه في هذه الدنيا لتدقيق النظر، ثم تشعر وكأن تيارًا كهربائيًّا قد سرى من نفسه إلى يده، فتشنجت أعصابه وتصلَّبت
أنامله وتجمدت أطرافه، ليهمس في أذنيك قائلاً: الأخ قوي في المنهج! !
- يقدمون أجهلهم ثم يكذبون الكذبة ويصدقونها فيصبغون عليه الأوصاف والنعوت فهو: الشيخ، العلامة، المحدث، الفقيه، الأصولي، المحقق، المدقق، ال .. ، ال .. ، ال .. ، (فما أكثر أسماء الهر وما أقله بنفسه! ) ..
- ثم لا يلبث جاهلهم أن (يعيش الدور) كما يقولون في مصر، أو (يصدق حاله) كما يقولون في الشام، أو (يسوي لنفسه زحمة) كما يقولون في اليمن، فيتصدر المجالس مبدعًا مفسقًا سابًّا وشاتمًا ..
- اخترعوا أصولا من عند أنفسهم جعلوها أصول دعوتنا، وقواعد من بنات أفكارهم سموها قواعد منهجنا، فإذا ما تأملت وجدت أصولهم بحاجة إلى أصول، ووجدت قواعدهم معلقة في الهواء تصيح: أين القواعد؟ !
- يجتمع أحدهم مع شيطان هواه في ليلةٍ لا قمر فيها ليخرج علينا ضُحًى ببيان تبديع موسوم بأنه بإجماع أهل السنة، وقد احترنا في معرفة أي إجماع هذا الذي يوصف به قول الرجل والرجلين، إلا أن يكون إجماع إخواننا من أهل السنة في عالم الجن .. ولكننا نُجِلُّهم عن ذلك! !
- بدع أحدهم مع مريديه (في مزاد تبديعي) مائة نفس في ساعة واحدة (بمعدل رجل ونصف في الدقيقة)! ولا أدري لماذا لم يتم التواصل مع موسوعة جينز للأرقام القياسية لتسجيل هذا الحدث التبديعي القياسي الأول من نوعه؟ !
- إذا ما جالست أحدهم غبطت أبا العلاء المعري الذي قال يومًا: أنا أحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر، فقد صنع لي وأحسن بي، إذ كفاني رؤية الثقلاء والبغضاء ..
- ما من كلمة لخصمهم إلا لها عندهم ابنة عم وابنة خالة .. يحجبها المتكلم وراء جدران ألفاظه .. هم وحدهم قادرون على هتك سترها، وإخراجها من خدرها ..
- العبرة عندهم بما يهجس في خواطرهم، لا بما هو الحق والواقع ..
- لا يستحضرون من قاموس العربية إلا: يقصد ويريد، وينوي ويكيد ..
- لم يفقهوا أن أولى الناس بالحكم على الأشخاص هم أهل العلم والورع التام، وأبصر الناس بالمحكوم فيه، فإن تخلَّف شئ من ذلك فإن حكمه هو في نفسه خصومة تحتاج إلى من يحكم فيها ..
- يُقَرِّبُ شيخٌ فاضل أحدَهم يعلمه ويربيه .. فإذا اشتد ساعده طعنه ورماه .. يحوطه ويُدنيه .. فإذا قال قافيةً ثَلَبَهُ وهجاه ..
- توجهوا لأهل العلم والفضل بالتبديع والتجريح، فيظن أحدهم أنه يستطيع بمقالةٍ عرجاء، أو كلمةٍ مقعدةٍ أن يهدم شيئًا هو بين أوله وآخره كعود من القش يؤتى به لاقتلاع جبل من أصوله ..
- ولعلي أتوقف عن وصفهم عند هذا القدر فقد سئمهم قلمي وسئمتهم ..
- وقد طلقتُ أخبارهم طلقة بائنة منذ زمن إلا أن أخبارا وصلتني - قَدَرًا- مفادها أن الدائرة -دائرة التبديع- قد دارت بين كبرائهم في ديارنا اليمنية وخارجها، وأخشى ما أخشاه أن يبدع كلٌّ منهم نفسه بعد أن بدَّعوا الدنيا من حولهم ..
-ولعله من بركة هذا الجامع أخي القارئ الكريم أنه احتوى على عدد كبير من توجيهات الشيخ رحمه الله لغلاة التبديع والتحذير من طريقتهم وبيان انحرافهم بالدعوة السلفية عن طريقها الحقيقي.
- ولا يفوتني في هذا المقام أن أتوجه بالشكر إلى شيخنا الفاضل أبي الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني المأربي حفظه الله ورعاه وسدد خطاه، فقد مَنَّ الله عليَّ بمجالسته والانتفاع بنصحه وتوجيهه في وقت - وسِن- هو لطالب
العلم مفترق طريق، إما أن يختار لنفسه طريق طلب العلم، والبحث والاستقراء، والتنقيب والتفتيش، وخدمة تراث أمتنا وأئمتنا، والانتصار لأهل الحديث والأثر، والذب عن السنة وحياضها ..
وإما أن ينخرط في حزبيات بغيضة وولاءات ضيقة، أو ينشغل بتتبع عورات الناس والانتقاص من أهل العلم والفضل، أو يتسكع على مقاهي التبديع، أو أن يضيع عمره على مواقع السب والتجريح ..
ناهيك عن سعة صدره لتقبل خلاف طلابه له بل وتشجيعهم على ذلك، فكم خالفناه - ونخالفه- وإن كنَّا لا نضاهيه علمًا وقدرًا وخبرةً وتجربةً، فيتقبل منا ذلك بصدره الرَّحب، وكم من مجالس يعقدها لمناقشة طلابه في بعض المسائل لينهي المجلس بقوله: هذا رأيكم وهذا رأيي، أو هذا ما ظهر لي لكن لعلي أعيد النظر في المسألة، في صورة مُشرقة لسعة الدعوة السلفية ومرونتها، فأين هذا من طريقة أولئك الذين نَصَّبوا أنفسَهم أوصياء علينا وعلى دعوتنا، ولسان حالهم مع مريديهم: ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.
فأسأل الله أن يجزيه خير الجزاء، وأن يطيل في عمره ويبارك في عمله وعلمه ودعوته، وأن يحفظه من بين يديه ومن خلفه، وأن يحسن خاتمته ويجمعنا به في جناته.
وكتب
د. شادي بن محمد بن سالم آل نعمان
في صنعاء اليمن حرسها الله
في ليلة الاثنين 17 من ذي الحجة 1432 هـ
الموافق 13 نوفمبر 2011