الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما المقصود بسنة الخلفاء الراشدين
؟
السؤال: شيخنا حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر» ، وحديث:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» فنريد شرح لهذا الحديث، وبخاصة هذه الكلمة:(سنة الخلفاء الراشدين) ما المقصود منها؟
طبعاً في حالات كثيرة في حالة، ما إذا وافق النصوص، وفي حالة ما إذا خالف النصوص، وفي حالة إذا حصل الخلاف بينهم وهكذا؟
الجواب: لا شك أن الأمر في الحديث الأول: «اقتدوا باللذين بعدي أبي بكر وعمر» لاشك أنهم هم القوم لا يشقى جليسهم، وإنهم هم القدوة الثانية بعد نبينا صلى الله عليه وآله سلم، والسبب في ذلك واضح جداً، لكل من يعرف تاريخ هذين الرجلين العظيمين؛ حيث كانا أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقتداءً واتصالاً به وتعلماً منه، فإذا ما أراد الإنسان أن يفتي بمسألة .. برأي، سواء كان هذا الرأي نابعاً من عنده، أومن عند غيره من أهل العلم، وكان مخالفاً لما ثبت عن الخليفتين المذكورين في الحديث أبي بكر وعمر، فلا شك أن رأيهم مُقَدَّم على رأي غيرهم؛ لما لهم من تلك الخصوصية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أما قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث العرباض بن سارية: «فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ» .. إلى آخر الحديث، فإن
كثيراً من الناس يسيئون فهم هذا الحديث، فهم يظنون أن معنى الحديث:(فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء) أي: سنة أحد الخلفاء، هنا بلا شك مضاف محذوف، يا ترى هذا المضاف المحذوف هل هو تقديره أحد الخلفاء، أم تقديره جميع الخلفاء؟ وفرق كبير جداً بين هذين التقديرين؛ لأن التقدير الأول: وسنة أحد الخلفاء الراشدين، يعني: أنه يكفي أن يكون أحد الخلفاء الراشدين قال رأياً أو اجتهدا اجتهاداً، والرسول عليه السلام يأمر المسلمين بأن يأخذوا به، ويعتبر الخروج عنه ضلالاً وابتداعاً في الدين، بينما الرأي أو التقدير الآخر، وهو سنة مجموع الخلفاء الراشدين يختلف الأمر تماماً.
ومما لا شك فيه أن اجتماع الخلفاء الراشدين في شيء ما يكاد أن يكون مستحيلاً أن يكون خطأً في نفسه، بخلاف ما إذا كان تفرد برأي أحدهم دون الآخرين، فحينئذٍ يظهر الفرق الكبير بين معنى كلٍّ من التقديرين، ولا شك ولا ريب عندي أن التقدير الثاني هو الذي يوافق بعض النصوص الشرعية الأخرى التي منها قوله تعالي:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115]، والله عز وجل يقول:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} هل هو سبيل أحد المؤمنين، كذلك:«سنة الخلفاء الراشدين» أربعتهم وليس واحد منهم، ثم التاريخ الواقع يدل على أنه يبعد كل البعد أن يأمر النبي صلى عليه وآله وسلم المسلمين بإتباع أحد الخلفاء الراشدين، وبخاصة إذا تَبَيَّن فيما بعد أنه كان اجتهاداً منه، دل الدليل أو الواقع أنه لم يكن قد صاحبه التوفيق، ونحن قلنا آنفاً في حديث:«اقتدوا باللذين من بعدي» قلنا أن لا شك أن المسلم يجب أن يقتدي بهذين الصحابيين الجليلين ويُقَدِّم رأيهما على رأيه، لكن هل يقدم رأي أحدهما على رأيه؟ هذا موضع بحث؛ لأن الرأي قد يكون صواباً ممن سلف أو صواباً ممن خلف، فإذا كان
الصواب ممن سلف فالخطأ ممن خلف، والعكس بالعكس تماماً.
هنا مثلاً: بعض الأمثلة: لقد ثبت يقيناً أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان ينهى عن متعة الحج، علماً بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تمتع وأمر بالتمتع، وغضب على من لم يستجب لأمره.
أقول: فعل وأمر ناظراً في هذا التعبير إلى أن التمتع يكون على نوعين: تمتع معروف في كتب الفقه بأنه: قران، وتمتع معروف فيها بأنه تمتع لكن القران نفسه فيه تمتع أيضاً، ولذلك كان من سبيل التوفيق بين بعض الأحاديث التي بعضها تقول أن الرسول قرن وبعضها تقول: تمتع، ولما كان التمتع قائماً في أذهان كثيرٍ من الناس قديماً وحديثاً هو الذي يكون بين الحج والعمرة، فصل بالتحلل، فهو يأتي بالعمرة ويتحلل، ثم يأتي بالحج، هذا هو التمتع المعروف في كتب الفقه.
فحينما يسمعون من حديث ابن عمر رضي الله عنه في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تمتع، وكذلك يقول عمران بن حصين:«تمتع رسول الله صلى عليه وسلم وتمتعنا، ثم قال رجل برأيه ما شاء، فلا يشكلن هذا الأمر، ولا يختلفن» حديث قران الرسول مع حديث تمتعه عليه السلام؛ لأن كل قران تمتع، وليس كل تمتع قرانا.
ما وجه التمتع من القارن، ذلك أنه يتمتع بفضل العمرة دون أن يشد لها رحلاً .. سفراً، فهذه متعه، لكن المتعة الكاملة هوأن يفصل بين العمرة وبين الحج.
الشاهد: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى الناس أن يتمتعوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مع أن الرسول عليه السلام تمتع فعلاً، وعرفتم أنني أقصد بالتمتع القران، وأمر بالتمتع حينما أمر أصحابه بعد أن طافوا طواف القدوم، ووقف على المروة
يخطبهم أمرهم بأن يتحللوا، وأن يجعلوها عمرة، فقال قائل وهو ابن جعشم، ما أسمه؟
مداخلة: مالك بن جعشم.
الشيخ: المهم ما أظن مالك، المهم أحد الصحابة قال: يا رسول الله! عمرتنا هذه ألعامنا هذا أم للأبد؟ قال: بل لأبد الأبد، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، وشَبَّك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أصابعه، مع ذلك حينما أمرهم عليه الصلاة والسلام بالتحلل وأن يجعلوها عمرة تلكأ بعضهم، ولم يبادروا إلى تنفيذ أمره عليه السلام، فغضب عليه السلام ودخل على بعض زوجاته مغضباً، وهي السيدة عائشة رضي الله عنها، قالت: من أغضبك يا رسول الله؟ !
مداخلة: أم سلمة يا شيخ.
الشيخ: نعم.
مداخلة: أم سلمة.
الشيخ: لا، ما أظن أم سلمة لها علاقة بالعمرة تبع الحديبية، أما هنا في حجة الوداع القصة مع عائشة، ثم عاد الرسول عليه السلام ليقول لهم: يا أيها الناس! أحلوا، فلولا أني سقت الهدي لأحللت معكم. لماذا تلكأ أصحابه عليه السلام في حجة الوداع؟ لأنهم رأوه يأمرهم بشيء وهولا يفعله، فظنوا أن هذا الأمر ليس أمر إلزام وإيجاب، وإنما هو أمر تخيير، بدليل -هكذا قام في بالهم وأذهانهم- أنه هولا يزال محرماً، فالرسول عليه السلام بَيَّن لهم السبب، وإذا ظهر السبب بطل العجب، فلما قال لهم عليه السلام: أحلوا أيها الناس، فلولا أني سقت الهدي لأحللت معكم، قال جابر وهو صاحب قصة حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم رضي الله عنه وعن أبيه، قال: فتحلل الناس وسطعت المجامر، وأتوا النساء.
على الرغم من هذه الأشياء كلها كان عمر رضي الله عنه ينهى الناس أن يتمتعوا، ومن العجائب التي تجعل المسلم أن يحرص على التمسك بالسنة، وألا يتمسك بآراء الرجال؛ لأنه أي رجل هوأفقه من عمر بن الخطاب؟ مع ذلك وقع في مثل هذه المخالفة، حيث قال معللاً النهي عن التمتع بالعمرة إلى الحج قال: يتحلل أحدهم فيذهب إلى منى وعضوه يقطر ماء، نفس الشيء الذي أنكره بعض المتخلفين عن مبادرة استجابة قول الرسول لما قال لهم ما قال، رجع عمر إلى ذلك، فسبحان ربي ما عصم أحداً في التشريع إلا الأنبياء والرسل، ولذلك فالعصمة كما قال عليه السلام هو التمسك بالسنة.
هذه واحدة معروفة عن عمر بن الخطاب، والواقع أنه يجد له أنصاراً حتى هذا الزمان، على رغم مخالفة أحاديث كثيرة كثيرة جداً تجد بعض الناس يقولون: الإفراد أفضل، مع أمر الرسول بالتحلل وغضبه على من امتنع من التحلل ونحو ذلك من الأقوال المؤكدة، وقد ذكرنا آنفاً قوله: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، لا يزال كثير من الناس يتمسكون بالقول بجواز الحج المفرد، ويجدون لهم مستنداً، لكن هذا المستند مستند واهي بالنسبة إذا رجعنا إلى مثل قوله عليه السلام: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي
…
» إلخ الحديث.
وشيء آخر ذاق مرارته المسلمون في هذا الزمان، بينما من قبل كان المسلمون جميعاً عليه، وهو أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل الطلاق بلفظ ثلاث ثلاثاً، إذا الرجل قال لزوجته: أنت طالق ثلاثاً فقد بانت منه بينونة كبرى على ما سن عمر رضي الله عنه في زمانه، فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره، سار هذا الحكم في المذاهب الأربعة إلى ما قبل أقل من نصف قرن من
الزمان، فلما بدأت الشكاوى تتكاثر على القضاة الإسلاميين من كثرة وقوع المفارقة التي لا حل لها إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره، نظروا فوجدوا هذه المشكلة قائمة، فلم يجدوا لها حلاً إلا بالرجوع لا أقول إلى السنة، وإنما بالرجوع إلى من كان يتمسك بالسنة، والفرق بالنسبة لنا جوهري جداً، لأن الذين حلوا مشكلة كثرة الطلاق بين المسلمين في هذا العصر لجأوا إلى أقوال منها ما يصح ومنها ما لا يصح، ليس بدعوى اتباع الأصح، وإنما اتباع ما يناسب الزمان.
الذي يناسب الزمان اليوم بأنه الطلاق بلفظ الثلاث واحد أصح من أن نقول كما كانوا يقولون من قبل بأنه ثلاث، عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذه المسألة اجتهد كما اجتهد في المسألة الأولى، لكني أفرق بين اجتهاده هذا واجتهاده في المسألة الأولى، المسألة الأولى لا أجد لها وجهاً، المسألة الأخرى أجد لها وجهاً من باب مراعاة تغير الأحكام بتغير الزمان، ذلك مما هو واضح في الحديث الذي يقول بأن عمر جعل الطلاق بلفظ ثلاث ثلاثاً أنه لفت النظر لماذا فعل ذلك؟
الجواب: تأديباً للذين يكثرون استعمال الطلاق والإكثار منه، ومخالفة الشرع في طريقة إلقائه، الشرع يقول في القرآن الكريم:{الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوتَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229]، {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] معنى الآية الكريمة: الطلاق الشرعي مرتان، في كل مرة إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، الطلاق مرتان يعني: مرة مرة، ليس مرتان، أنت تعرف مرتين، لا، الطلاق مرتان مرة بعد مرة، في كل مرة إما إمساك وإرجاع، وإما تسريح بإحسان، فالذي يقول لزوجته: أنت طالق ثلاثاً لقد جمع ما فرق الله، وشدد فيما يسر الله، ربنا قال في كل مرة إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، هو
ما أوسع لنفسه، قال لها: روحي أنت طالق ثلاثاً، وبعض الحمقى يقولون: كلما ردك شيخ تحرمي عليّ، من هذه المبالغات والترهات هذه، الشارع الحكيم في منتهى الحكمة، الطلاق مرتان في كل مرة إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، فإذا طلقها مرة ثم راجع نفسه فأعادها هذه طلقة، فإذا طلقها مرة ثانية فراجع نفسه أيضاً فراجعها وأمسكها هذه الثانية، أما إذا وقعت الثالثة فلتت من يده، وربما تكون حصة غيره، فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره، لما الناس خالفوا شريعة الله، أو بدءوا يخالفون شريعة الله في عهد عمر قال: أرى الناس قد استعجلوا أمراً كان لهم فيه أناة، فأرى أن أجعلها عليهم ثلاثاً، ثم بدا له فأوقعها ثلاثاً، هذا دليل واضح أنه فعل ذلك اجتهاداً، وهذا الاجتهاد حكم زمني يناسب الوضع الذي كان فيه أولئك الناس يستعجلون في إنفاذ الطلاق مرة واحدة، بينما ربنا جعلها ثلاثاً، لكن مع الأسف الشديد صارت هذه السنة العمرية التي لا حظ فيها مصلحة زمنية صارت سنة مستمرة إلى عهد قريب، بينما حديث ابن عباس في صحيح مسلم صريح بخلاف ذلك كان الطلاق في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي عهد أبي
بكر وخلافة عمر في أول الأمر وصدراً من خلاف عمر يعتبر طلقة واحدة، ثم بدا لعمر كما ذكرنا آنفاً.
فإذاً: نستطيع أن نقول: سنة الرسول وسنة أبي بكر وسنة عمر كلها متفقة أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد هو طلقة واحدة، لكن عمر اجتهد فرأى بإبطال تلك العادة أن يجعلها عليهم ثلاثاً عقوبة لهم، فكان ينبغي على العلماء الذين جاءوا من بعده أن يعودوا إلى السنة، سنة الرسول وأبو بكر وعمر في صدر خلافته، لكن لحكمة يريدها الله استمر هذا الحكم إلى ما قبل نحو ربع قرن من الزمان تقريباً، فبدأ بعض القضاة الإسلاميين الذين ما عندهم فكرة العمل بالكتاب والسنة، وإنما هم يريدون أن يعالجوا قضايا الناس ومشاكلهم، فوجدوا أن ابن
تيمية رحمه الله كان يفتي ولا يزال كتبه واضحة جداً بأن هذا الطلاق طلقة واحدة، قالوا: نحل المشكلة بالاعتماد على فتوى ابن تيمية، بينما كان الواجب عليهم أن يعودوا إلى السنة، فإذاً: عمر بن الخطاب الذي هو أحد الخلفاء الراشدين رأى هذا الرأي، فلا يعني الرسول:«فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين» أي: أحدهم، وإنما مجموعهم كنحو ما ذكرنا في قوله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] أي: يتبع سبيل غير جميع المؤمنين، وإلا كان الأمر مشكلة، إذا واحد خالف مسلماً معناها شاق الله ورسوله، كذلك الحديث:«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين -كلهم جميعهم- عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور .. » إلخ الحديث، هذا جوابي عن هذين الحديثين.
(الهدى والنور/288/ 32: 00: 00)