الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من تمسك بالسنة لا يضيعه الله أبداً
قال الإمام:
يجب عليك أيها المسلم أن تعتقد أن لله في كل ما شرع لعباده من أمر أونهي وإباحة- حكمة بل حكماً بالغة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، تظهر لبعضهم، وتخفى على آخرين، ولذلك فالواجب على المسلم حقاً أن يبادر إلى طاعة الله، ولا يتلكأ في ذلك حتى تتبين له الحكمة، فإن ذلك مما ينافي الإيمان الذي هو التسليم المطلق للشارع الحكيم، ولذا قال عز وجل في القرآن الكريم:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما} .
وعلى هذا عاش سلفنا الصالح، فأعزهم الله، وفتح لهم البلاد وقلوب العباد، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ولقد كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه قصب السبق فيه، وكان مثالاً صالحاً لغيره، كما يدل على ذلك موقفه الرائع في قصة صلح الحديبية، فيما رواه سهل بن حنيف رضي الله عنه قال:
أيها الناس! اتهموا أنفسكم، لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية ولونرى قتالاً لقاتلنا-وذلك في الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين المشركين-فجاء عمر بن الخطاب، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله! ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار قال:
بلى، قال: ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال:
«يا ابن الخطاب! إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبداً» .
قال: فانطلق عمر- فلم يصبر متغيظاً-فأتى أبا بكر، فقال: يا أبا بكر؟ ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال: بلى، قال: أليس قتلانا في الجنة، وقتلاهم في النار؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية من ديننا، ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال:«يا ابن الخطاب! إنه رسول الله، ولن يضيعه الله أبداً» .
قال: فنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بـ (الفتح)، فأرسل إلى عمر، فأقرأه إياه، فقال: يا رسول الله؟ أوفتحٌ هو؟ قال: «نعم» ، فطابت نفسه ورجع.
أخرجه البخاري (3182 - فتح) ومسلم (5/ 175 - 176) والسياق له، وأحمد (3/ 486)، وفي رواية لهما عنه:
«أيها الناس اتهموا رأيكم .. » وهي لسعيد بن منصور (3/ 2/374) وابن أبي شيبة (15/ 299).
وأروع مثال مر بي في سيرة أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم الدالة على إيثارهم طاعته، ولو كان ذلك مخالفاً لهواهم ومصلحتهم الشخصية قول ظهير بن رافع قال:«نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر كان لنا نافعاً، وطواعية لله ورسوله أنفع لنا، نهانا أن نحاقل بالأرض فنكريها على الثلث والربع والطعام المسمى» .
رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في «الإرواء» (5/ 299).
لقد ذكرتني هذه الطواعية، بتلك المطاوعة التي تعجب منها مؤمنوا الجن حينما أتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستمعون إلى قراءته في صلاة الفجر المشار إليها في أول سورة الجن:{قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجباً، يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً} ، فرأوا أصحابه صلى الله عليه وسلم يصلون بصلاته؛ يركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، قال ابن عباس رضي الله عنهما:
رواه أحمد (1/ 270) وغيره بسند صحيح.
والمقصود أن هذه الطواعية يجب أن تكون متحققة في كل مسلم ظاهراً وباطناً، سواءً كانت موافقة لهواه أو مخالفة.
(تحريم آلات الطرب (137 - 139 - 00)