الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنهج الصحيح في الدعوة السلفية
مداخلة: فضيلة الوالد الكريم! نرجو منك أن تبين لنا ما هو المنهج الصحيح في الدعوة السلفية، خاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن وقل فيه العلم، وما الفرق بين التنظيم
…
؟ نرجو التوضيح وجزاك الله خير.
الشيخ: أما الدعوة فلا ينهض بها إلا أولو العلم القائمين بالقسط، أما ما شاع في هذا الزمان أن كثيرًا من الناس الذين لم يؤتوا من العلم إلا نصيبًا لا يكاد يذكر يُسَمُّون أنفسهم بالدعاة إلى الله، فهذا في اعتقادي وربما تستغربون لكن أنا أتحمل مسئولية ما أقول من بدع العصر الحاضر، من بدع العصر الحاضر أن يشاع الآن بين الناس أن هناك ألوفًا من الدعاة وليسوا على علم لا بالكتاب ولا بالسنة وبآثار السلف، بل ولا بالمذاهب القائمة التقليدية اليوم وإنما يعرفون بعض الأحكام البسيطة وربما بعض الآيات وبعض الأحاديث التي يمكن أن يلقيها أقل الناس علمًا ثم ينصبون أنفسهم دعاةً، فإذا سئلوا عن مسألة ما، حاروا ولم يستطيعوا جواب، وقد يجيبون على جهل بالغ وهذا من آفة العصر الحاضر، وليس الأمر يقف عند هؤلاء الشبيبة النابتة بل قد نجد رجالات كبارًا لم يؤتوا ذلك الحض الوافر من العلم مع ذلك قد اشتهروا بأنهم دعاة إلى ماذا؟ إلى الإسلام وهم يحاربون الإسلام بمحاربة السنة التي لا يمكن للمسلم أن يفهم كتاب الله إلا من طريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يكون داعيةً للإسلام من يجهل السنة علمًا، ثم من يحاربها في بعض جوانبها على الأقل عقيدًة، هذا لا يصلح أن
يكون داعيًة إلى الإسلام إلا كنحوما أشرت لكم آنفًا، وأرجوأن تقفوا عند لفظي حتى لا يساء نقل كلامي .. إلا كنحو- ما أقول: كمثل - ما ذكرت آنفًا عن القاديانيين فإنه أنشط الفرق الإسلامية في الدعوة إلى الإسلام، لكن هذه الدعوة ليست إلى الإسلام وإنما إلى إسلامهم هم الذي أخرجهم عن دائرة الإسلام المتوارث خلفًا عن سلف.
كذلك يوجد اليوم بعض الدعاة لم يُؤْتَوا حظاً وافراً وعلماً كثيرًا بالسنة التي على ضوئها يمكن تفسير القرآن الكريم تفسيرًا صحيحًا، فماذا يقول الإنسان في مثل هؤلاء، بل ماذا نقول في النابتة العصرية التي لا يكاد أحدهم يتخرج من المدرسة الثانوية فضلًا عن يأخذ شهادة أعلى من
…
حتى الشهادة البروفيسوراة وحتى في الشريعة فإنهم لم يتعلموا بعد كثيرًا من أحكام الشريعة، ماذا نقول في هؤلاء وقد نصبوا أنفسهم للدعوة إلى الإسلام، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمروبن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله لا ينتزع العلم انتزاعًا من صدور العلماء، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» .
أنا أعرف بعض المفتين في بعض البلاد الإسلامية العربية وليس البلاد الأعجمية، سئل عن الخادمات الأجنبيات التي يؤتى بها إلى بعض البلاد الإسلامية كخدم، هل يجوز لهذه النساء الكافرات الخادمات أن تتكشف سيدة الدار المسلمة أمامها، أم يجب أن تحتجب أمامها كما تحتجب عن الرجال الأجانب كما هوصريح القرآن لقوله تبارك وتعالى:{وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوآبَائِهِنَّ} [النور: 31] إلى أن قال تعالى في آخر الآية:
{أَونِسَائِهِنَّ} [النور: 31] أونسائهن المسلمات، فهن اللاتي يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر برأسها وبذراعيها وقدميها، والقسم الأدنى من ساقيها، أما غير ذلك كما تعيش حاسرة كاشفة عن صدرها .. كاشفة عن عضدها؛ لأنها تأخذ حريتها في عقر دارها لكن عندها كافرة .. خادمة كافرة، تدرون ماذا أجاب؟ أجاب بأنه يجوز قياسًا على الإماء أي العبيدات اللاتي كن يؤخذن بطريق شرعية فتكون هي سيدتها.
ونحن نعلم من السنة أن غلام المرأة وهو ذكر يجوز لها ويجوز له أن يرى منها ما يجوز للمحرم منها أن يرى منها، فقد جاء في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل يومًا على فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه عبد لها وهي
…
فلما رأت الرسول عليه السلام ومعه عبدها حاولت أن تتستر وأن تتسجى بغطائها فقال لها عليه الصلاة والسلام: «لا بأس عليك إنما هو أبوك وغلامك» (1) فبالأولى والأحرى إذا كانت امرأة، فقاس هذه الخادمة الكافرة التي ليست عبدة مملوكة على العبدة المملوكة، ألا يصدق على مثل هذا قوله عليه السلام الآنف الذكر:«اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا» هذا وله منصب كبير فماذا نقول عن الناشئة الحديثة التي تنصب نفسها للدعوة زعموا إلى الإسلام وهم لا يعلمون من الإسلام إلا شيئًا قليلًا.
وهنا نكتة: في سوريا في بلادنا فتروى هاي نكتة لتلطيف الجوقليلًا؛ ولأنها حقيقة واقعة مع الأسف الشديد: يزعمون أن رجلًا أعجميًا متحمس للإسلام وعامي ليس عالمًا ولا طالب علم لقي رجلًا
…
في الطريق فأخرج السكين أوالمدية ووجهها إليه وقال: أسلم وإلا قتلتك، قال: لحظة! ماذا أقول؟ قال: والله لا أدري، هذا مسكين ويدعوه إلى الإسلام ويهدده بالقتل لكن لا يحسن أن
(1)«الصحيحة» رقم (2868).
يقول: قل: لا إله إلا الله، هذا مثال تقريبي وليس تحديدي، المهم: أن الدعوة إلى الله يجب أن تكون قبل كل شيء على علم: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] إذا لم يكن عاملًا عالمًا فسوف لا يكون عاملًا صالحًا، وفاقد الشيء كما يقال قديمًا لا يعطيه، فالذي ينبغي أن يكون داعيةً يجب أن يكون عالمًا، ثم لا يكفي هذا يجب أن يكون عالمًا بالكتاب والسنة ليس ببعض الآراء الفقهية المتأخرة فيقع في مثل ذاك القياس الذي سمعتموه آنفًا قاس الخادمة الكافرة الحرة على العبدة الكافرة وشتان ما بينهما.
هذا أولًا: أن يكون عالمًا، ثانيًا: أن يكون عالمًا بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح.
وأخيرًا: أن يكون عاملًا بعلمه، فإن الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ولوكانت صحيحة مائة بالمائة إذا لم تكن مقرونة بعمل هذا الداعية فلا تؤثر التأثير المطلوب لجماهير الناس؛ لأن الناس يهتمون بالاقتداء بأهل العلم والفضل في أعمالهم أكثر من أقوالهم.
هذا ما يتعلق بطريق الدعوة إلى الله، أما ما يسمى اليوم بالتنظيم فالتنظيم له صورتان: لا شك أن أي عمل يراد الاستفادة منه فلا بد من تنظيم له كالدروس التي قد تلقى مثلًا في بعض المدارس أوفي بعض الجامعات هذا تنظيم؛ لأنه إن لم يفعل ذلك صار أمر التعليم فوضى، لا مانع من هذا التنظيم على الطريقة الموجودة اليوم في العصر الحاضر كما كان نحو ذلك قديمًا حيث كانت توجد الحلقات العلمية في كل المساجد التي كانت في البلاد، وأنا شخصيًا أدركت أكبر مسجد في سوريا وهو المعروف بالمسجد الأموي مسجد بني أمية، أدركت فيها حلقات متعددة صباحًا ومساءًا، هذا يدرس في تفسير، وهذا يدرس في الفقه الحنفي، وذاك في الفقه الشافعي، وإن كان لم يكن هناك إلا درس واحد في الأسبوع في الحديث النبوي وهكذا، وأما اليوم فقد أصبحت المساجد قاعًا صفصفًا
…
(رحلة النور 37 أ/00: 00: 45)