الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما هي الفرقة الناجية
؟
مداخلة: فضيلة الوالد حفظك الله! ما هي الفرقة الناجية، وما أصول دعوة السلف الصالح؟
الشيخ: لقد جاء الحديث جوابًا عن هذا السؤال في كتب الحديث كسنن الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال - في رواية -: الجماعة» يعني: جماعة الرسول عليه السلام أي: الصحابة، والدليل على هذا الرواية الأخرى:«قال: هي التي على ما أنا عليه وأصحابي» فالفرقة الناجية هي التي تتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسنة أصحابه، وبخاصة سنة الخلفاء الراشدين التي أمر بها عليه الصلاة والسلام في حديث العرباض بن سارية، حيث قال هذا الصحابي الجليل وهو من أهل الصُفَّة:«وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: أوصنا يا رسول الله، فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن ولي عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة» .
ففي هذا الحديث تخصيص سنة الخلفاء الراشدين بالاتباع بعد سنة النبي
- صلى الله عليه وآله وسلم، لماذا ذكر مع سنته في الحديث السابق أصحابه وفي الحديث اللاحق الخلفاء الراشدين من أصحابه؟ ذلك لأنهم قد تلقوا الشرع مبينًا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله وبفعله، فنحن ما سمعنا أقواله ولا رأينا أفعاله وإنما تعلمنا ذلك من طريق أصحابه، وأصحابه هم الذين طبقوا شريعة الله التي فهموها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تطبيقًا صحيحًا.
ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يكتفي بالرجوع إلى الكتاب وإلى السنة فقط، وإنما يضيف إلى ذلك ما أضافه الرسول عليه السلام في حديث الفرق، وفي حديث الخلفاء الراشدين، وذلك مما أشار إليه رب العالمين في القرآن الكريم حينما قال عز وجل:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] قال: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] ما قال الله عز وجل: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تين له الهدى نوله ما تولى} وإنما عطف على مشاققة الرسول فقال: {ويتبع غير سبيل المؤمنين} أذكر هذا ربنا عبثًا؟ حاشى لله تبارك وتعالى، فما في القرآن كلمة إلا لحكمة بالغة فضلاً عن جملة كهذه الجملة:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] الحكمة في ذلك هو ما ذكرته آنفًا.
ولذلك احتج الإمام الشافعي على أنه لا يجوز مخالفة سبيل المؤمنين، ولا تكون هذه المخالفة إلا بركوب بعض الناس رؤوسهم وتأويلهم لبعض النصوص من الكتاب والسنة دون الاستعانة على فهم تلك النصوص بما كان عليه سلفنا الصالح، ولذلك فنحن نعلم يقينًا أن سبب تفرق المسلمين إلى ثلاثة وسبعين فرقة واحدًة منها هي الفرقة الناجية ذلك؛ لأنها تمسكت بالكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، أما من تمسك بالكتاب والسنة على تفسيره هو، وأعرض عما كان عليه السلف الصالح فقد خالف الآية: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ
الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] وخالف الحديثين السابقين ذكرًا.
لسنا بحاجة الآن إلى أن نُذَكِّرَكُم ببعض الفرق الإسلامية القديمة كالمعتزلة والخوارج والمرجئة وغيرهم، فإن هؤلاء معروف مخالفتهم للكتاب والسنة، وما ذاك إلا أنهم لا يرجعون قسم منهم إلى السنة، فيردون الأحاديث الصحيحة، وقسم منهم يتأولون الأحاديث بغير ما فهمه سلفنا الصالح، لا نذهب بعيدًا لنضرب لكم بعض الأمثلة من عقائد هذه الفرق القديمة الظاهرة، ولكننا نضرب لكم مثلًا بانحراف بعض المسلمين اليوم انحرافًا خطيرًا جدًا هو الكفر بعينه والردة بعينها، ألا وهم طائفة يعرفون بالقاديانيين وهم يسمون أنفسهم بالأحمديين، وهؤلاء من عرف تاريخهم ونشاطهم في الدعوة إلى إسلامهم يعجب كيف يفرغون أنفسهم بهذا النشاط في الدعوة إلى دينهم وهم يزعمون أن دينهم الإسلام.
ولا شك ولا ريب أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويصلون ويصومون ويحجون ويزكون، أي: يأتون بالأركان الإسلامية الخمسة، ولكن مع ذلك هم ليسوا مسلمين، لماذا؟ لأنهم جاءوا إلى بعض الآيات القرآنية وفسروها بأهوائهم ولم يفسروها على طريقة المسلمين، فاتبعوا غير طريق المسلمين، فصدق عليهم قول رب العالمين:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
هؤلاء يعتقدون بأن الله عز وجل لم يختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم بل سيأتي من بعده أنبياء، وفعلًا زعموا هم، بأن الله قد أرسل إليهم نبيًا من الهند من قرية اسمها قاديان، واسم ذلك النبي المزعوم ميرزا غلام أحمد القادياني، فهم يعتقدون بأن هذا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، فهل كفروا بالقرآن؟ هل كفروا بأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام وهي في الآية والأحاديث كلها مجمعة على أنه لا نبي بعده؟ لا،
ما كفروا بلفظ القرآن، قال تعالى:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] ما كفروا بهذا اللفظ ولكن احتالوا عليه وعطلوا دلالته، ما كفروا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:«لا نبي بعدي» بل أيضًا فسروه بغير ما تلقاه المسلمون، فالآية السابقة، قوله تعالى:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] قالوا: معنى خاتم النبيين: أي: زينة الأنبياء، كالخاتم في الإصبع، ليس معناه أنه لا يأتي بعده نبي، فإذا عرضوا للأحاديث الصحيحة:«لا نبي بعدي» قالوا: معنى لا نبي بعدي: لا نبي معي، ولم يكن معه نبي، أما بعده يعني: بعد موته فيأتي نبي وقد جاء فعلًا.
إذًا: من مثل هذا المثال الحديث يظهر لكم أنه لا يكفي المسلم أن يفهم القرآن وحديث الرسول عليه السلام منفصلًا عن فهم سلفنا الصالح للقرآن وللسنة، من هنا تظهر الحكمة البالغة في ذكر الآية سبيل المؤمنين، وذكر الرسول الصحابة والخلفاء الراشدين حتى لا ينحرف المسلم في فهم بعض النصوص من الكتاب والسنة فيضل ضلالًا بعيدًا، والعصمة في ذلك هواتباع السلف كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث الفرق:«ما أنا عليه وأصحابي» لم يقل: ما أنا عليه فقط، لأن الصحابة هم الذين نقلوا إلينا ما كان عليه الرسول عليه السلام وبَيَّنوه بيانًا لم يَدَعُوا لأحد بعد ذلك أن يأتي ويتفلسف ويفسر بعض النصوص حسب أهوائهم.
هؤلاء القاديانيون من انحرافهم عن الإسلام أنهم أنكروا خلقًا أنزل الله عز وجل سورًة باسم الجن، فأنكروا وجود هذا الخلق مع تصريح القرآن بذلك في غير ما آية، ويكفي السورة المذكورة آنفًا، هل أنكروا السورة؟ هل أنكروا قوله تعالى:{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا} [الجن: 1] هل أنكروا لفظة الجن المذكورة في هذه السورة، وفي آيات أخرى؟ الجواب: لا، لكنهم فسروا الجن بالذكر، {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ
النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: 1 - 6] أنكروا الجنة وقالوا: الجنة هنا: هم البشر، والناس: هو بيان لكلمة الجن وهم البشر، هذا هو التعطيل الذي كان علماؤنا من السلف يتوجهون بالإنكار على الفرق القديمة الذين كانوا يتأولون الآيات كتأول هذه الفرقة الحديثة، ولذلك سموا بالمعطلة؛ لأنهم يعطلون النصوص الشرعية.
فإذًا: العصمة من أن يكون المسلم وبخاصة في آخر الزمان فرقة من اثنين وسبعين فرقة، والحجة في أن يكون
…
هو ما سبق بيانه على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، لذلك يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله:
العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ..
ما قال فقط: العلم قال الله قال رسوله، بل قال في الثالثة: قال الصحابة، من أين أخذ؟ من الأدلة السابقة:
العلم قال الله قال رسوله
…
قال الصحابة ليس بالتمويه
ما العلم ذكر الخلاف سفاهة
…
بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا ولا جحد الصفات ونفيها
…
حذرًا من التعطيل والتشبيه
فإذا تذكرتم هذه النصوص من الكتاب والسنة كنتم حريصين معنا كل الحرص على ألا نستقل في فهم الكتاب والسنة، ولا ننفرد في ذلك فنخالف ما كان عليه السلف الصالح؛ لذلك اشتهر عن العلماء أنهم كانوا يقولون:
وكل خير في اتباع من سلف
…
وكل شر في ابتداع من خلف
(رحلة النور 29 أ/00: 01: 27)