الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة هامة حول منهج السلف
الشيخ: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أمامي سؤالان يلتقيان في نقطة واحدة، وهي: السؤال عن حزب التحرير.
السؤال الأول يقول: قرأت كثيراً عن حزب التحرير، وقد أعجبني كثير من أفكارهم، فأريد منك أن تشرح أوأن تفيدنا بنبذة عن حزب التحرير؟ .
السؤال الثاني: يدندن حول الموضوع، ولكن يريد شرحا فيقول: نريد منك
شرحا موسعا عن حزب التحرير، وأهدافه، وأفكاره، وأخطائهم، وهل تغلغلت في العقيدة؟ .
جواب عن هذين السؤالين: أنا أقول: إن أي حزب وليس فقط أعني حزب التحرير، من دون الأحزاب الإسلامية، أو التكتلات الإسلامية، أو التجمعات الإسلامية، أي جماعة من هذه الجماعات لم تقم جماعتها ولم تقم أحزابها على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيادة على المصدرين المذكورين، أقول: وعلى منهج السلف الصالح، أي حزب لا يقوم على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح فهو بلا شك ستكون عاقبة أمره خسراً، وأنه مهما كان مخلصاً في دعوته، وبحثي أو جوابي هذا إنما هو عن هذه الجماعات الإسلامية التي يفترض أن تكون مخلصة لدين الله عز وجل وناصحة للأمة كما جاء في الحديث الصحيح ألا وهو قوله: صلى الله عليه وآله وسلم: «الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة، . قالوا: لمن يا رسول الله؟ . قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» . فإذا لم تكن دعوة أي حزب من هذه الأحزاب قائمة على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح فسوف لا يجنون من دعوتهم إلا خساراً، ذلك لأن الأمر كما قال ربنا عز وجل في القرآن الكريم:{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} .
فمن كان جهاده لله، وعلى كتاب الله وعلى سنة رسول الله، وعلى منهج السلف الصالح فهؤلاء هم الذين ينطبق عليهم قول الله عز وجل:{إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد: 7]. أُكَرِّر على مسامعكم هذا الأصل العظيم الذي لا بد لكل جماعة مسلمة أن تقوم دعوتها عليه: الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح.
إذا كان الأمر كذلك فأنا أقول بناء على معرفتي بكل الجماعات والأحزاب القائمة اليوم على الأرض الإسلامية: أنهم جميعاً إلا جماعة واحدة، ولا أقول: إلا حزبا واحدا؛ لأن هذه الجماعة لا تتحزب، ولا تتكتل ولا تتعصب إلا للأصل المذكور أنفا، ألا وهو: كتاب الله وسنة رسول الله، ومنهج السلف الصالح.
فأنا أعرف جيدا أنه سوى هذه الجماعة لا تدعو إلى هذا الأصل الذي وضَّحته آنفاً، وكررَّته مرارا وتكرارا على مسامعكم، وإنما يعودون إلى الكتاب والسنة فقط، ولا يقرنون إلى الكتاب والسنة قولنا السابق ذكره: وعلى منهج السلف الصالح.
وحينئذ سيتبين لكم أهمية هذا القيد الثالث؛ وعلى منهج السلف الصالح، سيتبين لكن حيث واقع الجماعات الإسلامية بل الفرق الإسلامية من يوم بدأ يمد رقبته، أو يظهر قرنه بين الجماعات الإسلامية الأولى: أي من يوم خرجت الخوارج على أمير المؤمنين: علي بن أبي طالب، ومن يوم الجعد الذي دعا بدعوة المعتزلة، والذين جاءوا من بعده مقلدين له في الاعتزال، إلى غير ذلك من الفرق المعروفة أسماؤها قديما، والتي تتجدد مسمياتها حديثا بأسماء حديثة.
هذه الفرق كلها سواء ما كان منها قديماً أو حديثاً، لا يوجد فيها فرقة تقول وتعلن: أننا لسنا على الكتاب والسنة، كل هذه الفرق على ما بينها من اختلاف، سواء كان هذا الاختلاف في العقائد والأصول أو كان هذا الاختلاف في الأحكام والفروع، هؤلاء المتُفَرِّقون في دينهم كلهم يقولون، كما نقول نحن الكتاب والسنة، ولكنهم يفترقون عنا فلا يقولون قولتنا: الذي هي تمام دعوتنا: وعلى منهج السلف الصالح.
إذن ما الذي يحكم بين هذه الفرق وكلها تنتمي وعلى الأقل كلاما ودعوة إلى
الكتاب والسنة؟ .
ما هو الحكم الفصل بين هؤلاء الذين يقولون كلمة واحدة؟ .
الجواب: على منهج السلف الصالح.
هنا كما يقال في العصر الحاضر: سؤال يطرح نفسه بالنسبة لبعض الناس وهو: من أين جئنا بهذه الضميمة: وعلى منهج السف الصالح؟
جئنا بها من كتاب الله ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومما جرى عليه أئمة السلف المتبعين من جماهير أهل السنة والجماعة كما يقولون اليوم.
أول ذلك قوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115].
فأنتم تسمعون قوله عز وجل في هذه الآية: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ} . فلو أن الله عز وجل لم يذكر: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} لو أن الآية كانت: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً على دعوة أولئك الفرق القديمة والحديثة، لا يخسرون شيئا لولم تكن هذه الجملة الطيبة في الآية الكريمة ألا وهو قوله تعالى:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} ؛ لأنهم يقولون: نحن على الكتاب والسنة، هذه القولة يجب تحقيقها با تباع الكتاب والسنة تحقيقا شاملا أولا ومطبقا عملياً ثانياً.
مثلا قوله عز وجل المعروف لدى علماء المسلمين: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]. المُقَلِّدة من العالم الإسلامي كله إذا دعوا إلى الله ورسوله،
إلى كتاب الله وحديث رسوله، قالوا: لا، نحن نتبع مذهبنا، هذا يقول مذهبي حنفي، وهذا شافعي الخ.
فهل هؤلاء الذين أقاموا تقليدهم للأئمة مقام إتباعهم لكتاب الله ولسنة رسول الله صلى الله علي وآله وسلم قد طبقوا هذه الآية الكريمة التي ذكرتها أخيرا: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]؟ .
الجواب: لم يفعلوا شيئاً من ذلك إذن لم يفدهم قولهم: نحن على الكتاب والسنة؛ لأنهم لا يطبقون عمليا الكتاب والسنة، هذا مثال أريد به تقريب الموضوع الأول؛ لان هذا المثال أقصد به المقلدة.
أما البحث الأول فإنما أقصد به الدعاة الإسلاميين الذين يفترض فيهم ألا يكونوا من المقلدين، من الذين يؤثرون أقوال الأئمة غير المعصومين على أقوال الله ورسوله المعصوم.
فإذا كان الأمر إذن يعود على العقيدة والعقيدة تؤخذ من الكتاب والسنة وما كان عليه السلف؛ لأن هذا السلف هو المقصود بالآية الأولى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] فيتبع غير سبيل المؤمنين لم يذكر الله عز وجل هذه الجملة في منتصف هذه الآية عبثاً؛ وإنما ليؤصل بها أصلا، ويقعد بها قاعدة وهي: أنه لا يجوز لنا أن نتكل في فهم كتاب ربنا وسنة نبينا على عقولنا المتأخرة زمنا، والمختلفة فهما، وإنما يكون المسلمون متبعين للكتاب والسنة تأصيلا وتقعيداً إذا أضافوا إلى الكتاب السنة: وما كان عليه السلف الصالح، لأن هذه الآية تضمنت النص: أنه يجب علينا ألا نخالف الرسول، وألا نشاقق الرسول، كما تضمنت ألَّا نخالف وألَّا نتبع غير سبيل المؤمنين ومعنى كل من القيد الأول في هذه الآية والقيد الآخر: أنه يجب
علينا اتباع الرسول عليه السلام وترك مشاققته، كما يجب علينا اتباع سبيل المؤمنين، وعدم مخالفته.
من هنا نقول، من هنا أولا نقول: بأن على كل حزب أوجماعة إسلامية أن تُصَحِّح أصل منطلقها وهو: أن يعتمد على الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه السلف الصالح، هذا القيد لا يتبناه حزب التحرير فكراً ولا الإخوان المسلمين ولا أمثالهم من الأحزاب الكثيرة وإنما نعني الأحزاب الإسلامية، أما التي أعلنت محاربة الإسلام كالبعثية والشيوعية فلس لنا معهم الكلام الآن.
فالشاهد هذا الأصل الثالث: اتباع سبيل المؤمنين، حزب التحرير لا يتبناه، كذلك كل الأحزاب الأخرى.
إذا كان الأمر كذلك، فينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يعلم أن الخط إذا اعوجَّ من رأسه فكلما مضى قدما يمشى فإنما يزداد انحرافا وابتعاد من الخط المستقيم الذي قال عنه رب العالمين في القرآن الكريم:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].
هذه الآية الكريمة صريحة الدلالة، قطعية الدلالة كما يجب، وكما يلهج حزب التحرير من بين الأحزاب الإسلامية الأخرى في دعوتهم وفي رسائلهم ومحاضراتهم هذه الآية قطعية الدلالة؛ لأنها تقول: أن السبيل الموصل إلى الله هوواحد وأن السبل الأخرى هي التي تبعد المسلمين عن سبيل الله؛ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].
وقد زاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية بياناً وتوضيحاً كما هو سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم دائما وأبدا، كما ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم حين خاطب نبيه بقوله:{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
فسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم هي البيان الكامل للقرآن، والقرآن هو الأصل، هو الدستور للإسلام، وأما السنة فهي المُبَيِّنة المُؤَصِّلة للقرآن: أي بلا تشبيه وإنما من باب التقريب: القرآن بالنسبة للنظم الأرضية كالدستور فيها، والسنة بالنسبة لهذه القوانين الأرضية كالقانون الموضِّح للدستور.
لذلك كان من المتفق عليه بين المسلمين قاطبةً: أنه لا يمكن فهم القرآن إلا ببيان الرسول عليه الصلاة والسلام وهذا أمر مجمع عليه، لكن الشيء الذي اختلف المسلمون عليه واختلفت أثارهم من بعد ذلك هو أن كل الفرق الضالة القديمة لم ترفع رأسها إلى هذا القيد الثالث وهو: اتباع السلف الصالح، فخالفوا بذلك الآية التي ذكرتها آنفا مراراً وتكراراً، ثم خالفوا سبيل الله، لأن سبيل الله واحد وهو: ما جاء ذكره في الآية السابقة: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].
قلت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد زاد هذه الآية بيانا حينما روى عنه أحد أصحابه عليه السلام المشهورين بالفقه ألا وهو عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه حيث قال: خط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما خطاً مستقيما على الأرض، ثم خطَّ حول هذا الخط خطوطاً قصيرة، ثم مد أصبعه الكريمة على الخط المستقيم وقرأ الآية السابقة:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153].
قال عليه السلام وهو يمر بأصبعة على الخط المستقيم: «هذا صراط الله» ثم أشار على الخطوط القصيرة من حوله فقال: «وهذه طرق، وعلى رأس كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليه» . إذن هذا الحديث أيضا يفسره حديث آخر، وهذا الحديث الآخر وحديث الخط يعتبر من الموضحات لآية سبيل المؤمنين.
ذاك الحديث والذي رواه أهل السنن كأبي داود والترمذي وأمثالهما من أئمة الحديث من طرق عديدة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم كأبي هريرة ومعاوية وأنس بين مالك وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: هي ما أنا عليه وأصحابي» . هذا الحديث يوضح لنا سبيل المؤمنين المذكور في الآية، من هم المؤمنون فيها؟ هم الذين ذكرهم الرسول عليه السلام في حديث الفرق حينما سئل عن الفرقة الناجية، عن منهجها، عن صفتها، عن منطلقها.
فقال عليه السلام: «ما أنا عليه وأصحابي» ، ما أنا عليه وأصحابي، فأرجو الانتباه، لأن جواب الرسول عليه الصلاة والسلام إن لم يكن وحيا من الله، فهو تفسير من رسول الله لسبيل المؤمنين المذكور في قول الله عز وجل الذي رويته مراراً آنفاً.
حيث إن الله عز وجل ذكر الرسول في الآية وذكر سبيل المؤمنين، هكذا الرسول عليه السلام جعل علامة الفرقة الناجية التي ليست من تلك الفرق الاثنين والسبعين من الفرق الضالة جعل علامتها: أنها تكون على ما عليه الرسول وأصحابه، فنجد في هذا الحديث ما وجدنا في الآية، كما أن الآية لم تقتصر على ذكر الرسول فقط، كذلك الحديث لم يقتصر على ذكر الرسول فقط، وإنما ذكرت الآية سبيل المؤمنين كذلك ذكر الحديث أصحاب النبي الكريم، فالتقى الحديث مع القرآن؛ لهذا قال عليه الصلاة والسلام:«تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» .
كثير من الفرق القديمة والحديثة لا تنتبه لهذا القيد المذكور في الآية وفي هذا الحديث، حديث الفرق الضالة، حيث جعل من صفة الفرقة الناجية، بل علامة الفرقة الناجية: أنها تكون على ما كان عليه الرسول وأصحابه أيضاً.
مثل هذا الحديث تقريباً حديث العرباض بن سارية، وهومن أصحاب النبي من أهل الصفة الذين كانوا فقراء يلزمون المسجد، ويلزمون حلقات الرسول عليه السلام وتلقى العلم من كتاب الله ومن فم رسول الله غضاً طريا، قال العرباض هذا: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون.
فقلنا: أوصنا يا رسول الله قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن وَليَ عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» .
الشاهد من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقتصر على حض المسلمين حينما يختلفون قال عليه السلام «إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا» .
لذا أجاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما هو أسلوب الحكيم، ومن أحكم منه من بعد أحكم الحاكمين؟
لا أحد في البشر أحكم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك فحينما قال: «وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرا» أجاب عن سؤال مفروض؛ فماذا نفعل يا رسول الله قال: «فعليكم بسنتي» ؟ ولم يكتف عليه السلام بأمر الذين يعيشون في وقت الاختلاف كوقتنا هذا، لم يكتف بقوله:«عليكم بسنتي» فقط، وإنما عطف على
ذلك فقال. «وسنة الخلفاء الراشدين» .
إذن ليضم المسلم الناصح لنفسه في عقيدته أنه يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة وإلى سبيل المؤمنين بدلالة الآية وحديث الفرق وحديث العرباض بن سارية.
هذه حقيقة مع الأسف الشديد يغفل عنها كل الأحزاب الإسلامية وبخاصة منها حزب التحرير الذي يتميز عن أي حزب إسلامي آخر أنه يقيم للعقل البشري وزنا أكثر مما أقامه الإسلام له، نحن نعلم يقيناً أن الله عز وجل حينما يكلم الناس بكلامه إنما يخاطب العقلاء، ويخاطب العلماء، ويخاطب الذين يتفكرون، ولكننا نعلم أن العقل البشري مختلف، فالعقل عقلان: عقل مسلم وعقل كافر.
هذا العقل الكافر ليس عقلاً، فقد يكون ذكاء ولكن لا يكون عقلاً، لأن العقل في أصل اللغة العربية هو الذي يَعْقِل صاحبه، ويربطه ويقيده أن ينفلت يمينا وشمالا، ولا يمكن العقل ألا ينفلت يمينا وشمالا إلا إذا اتبع كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ولذلك حكى الله عز وجل عن الكفار والمشركين حينما يعترفون بحقيقة أمرهم: أنهم حينما كانوا كما قال الله عز وجل في القرآن الكريم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7].
يعترفون أنهم حينما كانوا عارفين بأمور الدنيا أنهم لم يكونوا عقلاء، ذلك هوقولهم فيما حكاه ربنا عنهم:{وَقَالُوا لَوكُنَّا نَسْمَعُ أَونَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10]. إذن هناك عقلان: عقل حقيقي وعقل مجازي.
العقل الحقيقي: هو العقل المسلم الذي آمن بالله ورسوله، أما العقل المجازي: فهو عقل الكفار؛ لذلك قال تعالى في القرآن كما سمعتم آنفا عنهم: {وقالوا لوكنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} .
وقال بصورة عامة عن الكفار: {أم لهم قلوب لا يعقلون بها} .
فإذن هم لهم قلوب، ولكنه لا يعقلون بها، لا يفهمون بها الحق.
إذا عرفنا هذه الحقيقة وهي حقيقة ما أظن أنه يختلف فيها اثنان، وينتطح فيها عنزان؛ لأنها صريحة في القرآن وفي أحاديث الرسول عليه السلام لكني أريد أن أتوصل من هذه الحقيقة إلى حقيقة أخرى التي هي نقطة البحث في هذه اللحظة مني.
إذا كان عقل الكافر ليس عقلا، فعقل المسلم ينقسم أيضا إلى قسمين: عقل عالم وعقل جاهل.
فالعقل المسلم الجاهل لا يمكن أن يكون مساوياً في عقله وفي فهمه لعقل العالم، لا يستويان مثلا أبدا.
لذلك قال تعالى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43].
إذن لا يجوز للمسلم الحق المؤمن بالله ورسوله حقاً أن يُحَكِّم عقله، وإنما يخضع عقله لما قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
من هنا نضع نقطة في دعوة حزب التحرير: أنهم تأثروا بالمعتزلة في منطلقهم في طريق الإيمان، وطريق الإيمان هو عنوان لهم في بعض كتبهم التي ألفها رئيسهم: تقى الدين النبهاني رحمه الله وأنا لقيته أكثر من مرة وأنا عارف به تماماً، وعارف بما عليه حزب التحرير كأحسن ما تكون المعرفة؛ ولذلك فأنا أتكلم إن شاء الله عن علم بما عليه تقوم دعوتهم، فهذا أول نقطة تؤخذ عليهم: أنهم جعلوا للعقل مزية أكثر مما ينبغي.
أُكَرِّر على مسامعكن ما قلته آنفاً؛ أنا لا أنفى أن العقل له قيمته لما سبق ذكره،
لكن ليس للعقل أن يحكم على الكتاب والسنة وإنما العقل يخضع لحكم الكتاب والسنة وما عليه إلا أن يفهم ما جاء في الكتاب وفي السنة.
من هنا انحرف المعتزلة قديما؛ فأنكروا حقائق شرعية كثيرة، وكثيرة جدا؛ بسبب أنهم سلطوا عقولهم على نصوص الكتاب والسنة فحرفوها، وبدلوا فيها وغيروا، وبتعبير علماء السلف: عطلوا نصوص الكتاب والسنة.
هذه النقطة أُريد أن أُلفت نظركن إليها وهي: أنه ينبغي إخضاع العقل المسلم لنص الكتاب والسنة بعد فهم الكتاب والسنة. من هنا انحرف المعتزلة قديما، فأنكروا حقائق شرعية كثيرة، وكثيرة جدا؛ بسبب أنهم سلطوا عقولهم على نصوص الكتاب والسنة فحرفوها، وبدلوا فيها وغيروا، وبتعبير علماء السلف: عطلوا نصوص الكتاب السنة.
هذه نقطة أريد أن ألفت نظركن إليها وهي: أنه ينبغي إخضاع العقل المسلم لنص الكتاب والسنة بعد فهم الكتاب السنة. فالحكم هو الله ورسول الله، وليس الحاكم عقل البشر لما ذكرنا: أن عقل البشر يختلف من عقل مسلم وعقل كافر، ثم عقل المسلم يختلف من عقل مسلم جاهل ومن عقل مسلم عاقل، فليس فهم المسلم العالم كفهم المسلم الجاهل، لذلك قال تعالى، ولا بأس من التكرار؛ لأنني أعلم أن هذا الموضوع قليلا يطرق مسامع الملايين المملينة من المسلمين، من الرجال فضلاً عن المخدرات من النساء، ولذلك فأنا مضطر إلى أن أكرر هذه النقاط وهذه الأدلة ما يعقلها إلا العالمون.
هنا نحن نقف قليلاً: من هم العالمون؟ أهم العلماء الكفار؟ لا. لا نقيم لهم وزناً؛ لما ذكرناه آنفاً أنهم ليسوا عقلاء، والحقيقة أنهم أذكياء لأنهم اخترعوا وابتدعوا
…
و
…
الخ.، وارتقوا في الحضارة المادية المعروفة لدى الجميع.
كذلك عقل المسلمين، هذا العقل في كل أفرادهم ليس سواء، فلا يستوي عقل العالم مع عقل الجاهل، وسأقول شيئا آخر: لا يستوي عقل العالم العامل بعلمه مع عقل العالم اللا عامل بعلمه، لا يستوون مثلا إطلاقاً.
لذلك فانحرفت المعتزلة في كثير من الأصول التي وضعوها مخالفين فيها طريقة الشرع: كتابا وسنة ومنهج السلف الصالح، هذه هي النقطة الأولى: اعتماد حزب التحرير على العقل أكثر مما ينبغي.
النقطة الثانية وهي تتفرع في ظني من النقطة الأولى: لقد قسموا نصوص الكتاب والسنة إلى قسمين من حيث روايتها ومن حيث دلالتها.
أما من حيث روايتها: فقالوا: الرواية قطعية الثبوت وقد تكون ظنية الثبوت.
أما الدلالة فكذلك، قد تكون قطعية الدلالة وقد تكون ظنية الدلالة.
لا نناقش في هذا الاصطلاح، فإن الأمر كما قيل: لكل قوم أن يصطلحوا على ما شاءوا، لكننا نناقش فيما إذا رتبوا على هذا الاصطلاح مفارقات تخالف ما كان عليه المسلمون الأولون.
ومن هنا يظهر لكم أهمية سبيل المؤمنين، لأنها قيد من أن ينفلت العالم المسلم فضلا عن الجاهل المسلم أن ينفلت من نص الكتاب والسنة برجوعه إلى مثل هذا الاصطلاح الذي لا يجوز أن يكون له الثمرة التالية وهي: إنهم قد رتبوا من ذلك الاصطلاح بالقطعي والظني الذي يشمل الرواية والدراية رتبوا على ذلك ما يلي:
فقالوا: إذا جاء في القرآن الكريم وهو بلا شك في الاصطلاح السابق ذكره: قطعي الثبوت، إذا جاء نص ليس بقطعي الدلالة فليس يجب على المسلم أن
يأخذ بما فيه من المعنى، لأنه ظني الثبوت، فلا يجوز له أن يبنى عقيدة على نص قطعي الثبوت لكنه ظني الدلالة.
وكذلك العكس عندهم تماماً: إذا جاء الدليل قطعي الدلالة لكن ليس قطعي الثبوت فأيضاً لا يأخذون منه عقيدة.
ومن هنا جاءوا بعقيدة لا يعرفها السلف الصالح، ووضعوا اصطلاحا لهم وكتبهم معروفة وأعني الآن بكتبهم: القديمة؛ لأنهم قد أجروا فيها تعديلاً، وأنا من أعرف الناس بهذا التعديل، لكنه في الواقع تعديل شكلي وهولوسلم به فإنما يدل أن القوم كانوا حتى في عقيدتهم مضطربين؛ حيث قالوا: العقيدة لا تثبت إلا بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة؛ فأقاموا عليها عقيدتهم وهي: أن الحديث الصحيح رواية والقطعي الدلالة لا يؤخذ منه العقيدة.
فقلنا لهم فيما ناقشناهم وجادلناهم: من أين لكم هذه القاعدة: وهي قاعدة تتضمن عقيدةً، فمن أين جئتم بهذه العقيدة؟ ما الدليل على أنه لا يجوز للمسلم أن يبني عقيدته على حديث صحيح لكن ليس بطريق التواتر الذي يفيد القطع قطعي الدلالة؟ من أين جئتم بهذا؟
فاضطربوا هنا في الجواب، والبحث هنا طويل، وطويل جدا، واستدلوا بمثل قوله تعالى:{إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس} {إن الظن لا يغني من الحق شيئا} (خطأ في الآية والصواب): {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم: 23]{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28].
هنا البحث الآن يخرجنا عما نحن في صدده من بيان ما نعرفه عن حزب التحرير،
لأن مناقشة هذه القاعدة وبيان ما عليها من اعتراضات، وأنها أقيمت على دليل كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.
ولذلك نكتفي الآن ببيان أن هذه العقيدة: أي أن المسلم لا يجوز له أن يتبنى عقيدة من حديث صحيح، من حديث صحيح لكن لم تصدق عليها فلسفة: قطعي الثبوت، فهو ليس قطعي الثبوت، لكنه قطعي الدلالة، من أين جاءوا بهذا؟ . لا دليل عليه، لا من الكتاب ولا من السنة، ولاما كان عليه السلف، بل ما كان عليه السلف ينقض هذا الذي تبناه بعض الخلف، منهم المعتزلة قديماً، وأتباعهم اليوم في هذه العقيدة وهم حزب التحرير.
أقول الآن شيئا ولعله نمر مرًّا سريعا حتى نتابع الحديث؛ كلنا يعلم أن النبي صلى الله علي وآله وسلم حينما أرسله الله عز وجل بشيرا ونذيرا، وقال له:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة: 67] كان تبليغه عليه الصلاة والسلام رسالته إلى الناس تارة بشخصه حينما كان يحضر ندواتهم ومجتمعاتهم فيخاطبهم مباشرة، وتارة يرسل رسولا من طرفه يدعوا المشركين إلى أتباع دعوة النبي الكريم، وتارة يرسل خطابا كما هو معلوم من السيرة إلى هرقل ملك الروم وإلى كسرى ملك فارس وإلى و .. و .. الخ أمراء العرب كما هو مشروح في كتب السيرة النبوية.
ومن ذلك أنه أرسل على اليمن معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري وعلى بن طالب، وأرسل إلى الروم دحية الكلبي و
…
والخ.
هؤلاء كانوا أفرادا لا يمثلون، أولا يمثل خبرهم الخبر القطعي؛ لأنهم أفراد فمعاذ في مكان، وأبو موسى في مكان وعلي في مكان، وقد يختلف أيضا الزمان، كما اختلف المكان.
وهناك حديث في الصحيحين
…
بالسند الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أرسل معاذاً على اليمن، قال له:«ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله» .
فمن من المسلمين يشك بأن هذه الشهادة هي الأصل الأول من الإسلام؟ أي هو العقيدة الأولى الذي ينبني عليها الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله فإذا معاذ رضي الله عنه ذهب وحده مبلغا وداعياً المسلمين عفوا وداعيا المشركين أن يؤمنوا بدين الإسلام.
ترى هل قامت الحجة بمعاذ بن جبل حينما دعاهم إلى الإسلام، ويقول لهم: إن الرسول يأمركم بأن تصلوا خمس صلوات في كل يوم وليلة، وهذه الصلاة ركعتان، وتلك ثلاث، والبقية أربع، إلى آخر ما هنالك من تفصيلات معروفة اليوم لدينا والحمد لله؟
ويأمرهم بالزكاة، وذكر لهم تفاصيل أحكام الزكاة: ما يتعلق بالفضة، ما يتعلق بالذهب، ما يتعلق بالثمار وبما يتعلق بالخضار، ما يتعلق بالأبقار والجمال، و .. والخ؟
هل قامت حجة الإسلام على أولئك المشركين بمعاذ وحده؟ على مذهب حزب التحرير مع الأسف: لا: لم تقوم الحجة؛ لأنه فرد يجوز عليه كما يقولون هم يجوز عليه الكذب وإذا قلنا: لا، الكذب بعيد عنهم، فلا أقل أن يقال: يجوز عليهم الخطأ والنسيان.
فإذن جاءوا بفلسفة: أن الحديث الصحيح لا يجوز أن نأخذ منه عقيدة إسلامية.
إذن اليمانيون حينما دعاهم معاذ إلى الإسلام، وبلا شك أول ما دعاهم
دعاهم إلى العقيدة، إذن لم تقم حجة الله على اليمانيين الذين كان منهم الوثنيين وكان منهم صليبين، وكان منهم من المجوس، لم تقم حجة الله عليهم في العقائد، أما في الأحكام يقولون حزب التحرير كما يقول عامة المسلمين: نعم حديث الآحاد تثبت به الأحكام الشرعية، أما العقائد الإسلامية فلا تثبت بحديث الآحاد، هذا معاذ يمثل عقيدة الآحاد في الإسلام كله، أصولا وفروعا، عقائد وأحكاما، فمن أين جاءوا بهذا التفصيل؟ .
{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23].
وأُنهي الكلمة المتعلقة بحديث الآحاد التي ضرب بها حزب التحرير عشرات الأحاديث الصحيحة بحجة: أن هذا والله حديث آحاد لا تقوم به حجة في العقيدة فذكر بعضهم النكتة التالية: زعموا أن أحد الدعاة من حزب التحرير ذهب إلى اليابان وألقى عليهم بعض المحاضرات ومنها: طريق الإيمان وفي هذا الطريق: أن حديث الآحاد لا تثبت به عقيدة، وكان هناك في الحاضرين شاب عاقل حقا كيس فطن، قال له: يا أستاذ، أنت جئت داعية هنا في بلاد اليابان، بلاد الكفر والشرك كما تقول، تدعوهم إلى الإسلام وتقول: إن الإسلام يقول: إن العقيدة لا تثبت بخبر الآحاد، وأنت تقول لنا: إن من العقيدة ألا تأخذوا العقيدة من الفرد الواحد، أنت الآن تدعونا إلى الإسلام وأنت وحدك، فينبغي عليك بناء على فلسفتك هذه: أن تعود أدراجك إلى بلدك، وأن تأتي بالعشرات من أمثالك من المسلمين الذين يقولون بقولك، فيصبح خبرك حينئذ خبراً متواتراً.
فأسقط في يدا المحاضر، وهذا مثال من الأمثلة الكثيرة التي تدل على سوء عاقبة مخالفة منهج السلف الصالح.
من ذلك أن المسلمين يعلمون، وأعني منهم طلاب العلم، وأرجو أن تكون السامعات لهذا الكلام منهن.
لقد جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا جلس أحدكم في التشهد الآخر فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال» .
هنا الحديث حديث آحاد، لكنه من الأحاديث العجيبة الغريبة بالنسبة لفلسفة حزب التحرير، إنه من جهة يتضمن حكما شرعيا، والحكم الشرعي عندهم يثبت بحديث الآحاد، فإذن بالنظر إلى هذا الجانب من الحديث يجب الأخذ به، لأنه حكم شرعي، قال: عليه السلام: «فليستعذ بالله من أربع في التشهد الأخير» .
ومن جهة أخرى يتضمن عقيدة وهي أن هناك في القبر عذاب، وأن هناك فتنة الدجال، فهم لا يؤمنون بعذاب القبر، ولا يؤمنون بفتنة الدجال الأكبر الذي حدث عنه الرسول عليه السلام بأحاديث كثيرة منها: قوله عليه السلام: «ما بين خلق آدم والساعة فتنة أضر على أمتي من فتنة المسيح الدجال» .
هم لا يؤمنون بهذا الدجال؛ لأنه بزعمهم حديث غير متواتر.
فنحن نقول لهم الآن: ماذا تفعلون بحديث أبي هريرة؟ إنه من جهة يتضمن حكما شرعيا، فعليكم أن تقولوا في آخر الصلاة: وأعوذ بك من عذاب القبر، لكن هل تستعيذ من عذاب القبر وأنت لا تؤمن بعذاب القبر؟ نقيضان لا يجتمعان.
فجاءونا، بمخلص، حيلة من الحيل التي ينهى الله المسلمين عنها، ماذا؟ قالوا: نحن نصدق بعذاب القبر ولا نؤمن به، نصدق بعذاب القبر ولا نؤمن به.
فلسفة عجيبة غريبة، ما الذي يحملهم؟ جاءوا بفلسفة أولى فتسلسلت معهم إلى فلسفات أخيرة كثيرة، خرجوا بها عن الصراط السوي، الذي كان عليه أصحاب النبي صلى الله عيه وآله وسلم.
الآن أمضى والحديث كما قلت: طويل الذيل؛ لأُبَيِّن أن من دعوة حزب التحرير التي يدندنون حولها: أنهم يريدون أن يقيموا حكم الله في الأرض.
نحن أولاً: نلفت النظر إلى أنهم ليسوا منفردين بهذه الدعوة، فَكُل الجماعات الإسلامية والأحزاب الإسلامية تنتهي كلها إلى هذه الغاية: أي يريدون أن يقيموا حكم الله في الأرض، فهم ليسوا منفردين.
جاءني سؤال الآن وإن كنت أن أؤجل الأسئلة إلى ما بعد، لأن هذا السؤال قد يقطع علي سلسلة أفكاري، ومع ذلك فأنا لا أُخَيِّب السائل؛ فأجيب عن السؤال هو: السؤال: يقولون: إن هناك رواية تقول: لما سئل الرسول عن الفرقة الناجية، أجاب الرسول بأنها الجماعة.
نعم هذه الرواية صحيحة ونؤمن بها، ولكن هذه الرواية: الجماعة، مفسرة بالرواية التي ذكرناها؛ لأننا لو ذكرنا لفظة الجماعة، أي هذه الروية التي جاء السؤال عنها أخيرا؛ لوجب علينا أن نشرحها بالشرح الذي سبق ذكره آنفاً.
ننهي إذن هذه الجلسة بالإجابة عن السؤال الأخير.
وأقول: هاي روايتان اثنتان، لما سئل الرسول عليه السلام عن الفرقة الناجية، أجاب بروايتين اثنتين.
الأولى: هي التي ذكرتها آنفاً: «ما أنا عليه وأصحابي» . والأخرى هي التي جاء السؤال عنها: قال: «هي الجماعة» .
لكن أشعر بأن السائلة كأنها تتوهم بناء على ما قرأت من كتابات حزب التحرير أن هذه الرواية: رواية الجماعة تخالف الروية التي أدرت الحديث حولها.
فأقول لها ولتقريب هذا الجواب النافي: أنه لا اختلاف بين الروايتين، افترض الآن أن الرواية الأولى وهي:«ما أنا عليه وأصحابي» .
لا أصل لها إطلاقا، وإنما الرواية هي: الجماعة فسنقول: من هي الجماعة؟ من هي الجماعة اليوم يا أم المؤمنين؟ أهم حزب التحرير؟ أهم الإخوان المسلمين؟ أهم جماعة التبليغ؟ .
الجواب:
وكل يَدّعي وصلا بليلى
…
وليلى لا تقر لهم بذاك
الجماعة كما صح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه من كان الحق معه ولوكان فرداً واحداً.
حينما بعث الله عز وجل الرسل والأنبياء مبشرين ومنذرين، كانوا أفراداً، وكانوا هم الجماعة، كان إبراهيم أمة وحده، فمن اتبع هذا الأمة: أي الجماعة: وهو في الحقيقة واحد في ذاته لكن هو الجماعة في دعوته، من سار على وتيرته، وسار مثل مسيرته فهو الجماعة ولو كان فرداً واحداً.
فالآن على افتراض أن الرواية الأولى في وصف الفرقة الناجية لا وجود لها إطلاقا، الجماعة هذه هي سبيل المؤمنين، الجماعة هذه هي جماعة الخلفاء الراشدين.
فحديث العرباض بن سارية ما فيها روايتان حتى يقال أويشكك فيها كما قد
يمكن أن يراد التشكيك في رواية: «ما أنا عليه وأصحابي» .، الجماعة إذن هي سبيل المؤمنين التي شرحتها آنفا كتابا وحديثا، فماذا يضرنا إذا فسرنا الجماعة هنا بالرواية الأولى:«ما أنا عليه وأصحابي» ؟ .
لأن أصحابه، أصحابه عليه السلام هم المؤمنون الذين أوعد المخالفون بأن لهم جهنم في الآية التي بدأت الاستدلال بها، أنه لا يجوز الاعتماد فقط على الكتاب والسنة؛ بل ولا بد من إضافة: سبيل المؤمنين المذكور في الآية الكريمة.
فمن فسر الجماعة في حديث الفرقة الناجية بأنه طائفته فقط دون أن يأتي بالأدلة من الكتاب والسنة على ذلك: أنه على ما كان عليه المؤمنون الأولون؛ فيكون قد حمل الحديث: حديث الجماعة على غير المحمل الصحيح، وحينئذ يكون تأول هذا الحديث غير صحيح.
وأختم كلمتي هذه بمناقشة جرت بين أحد السلفيين وآخر من الإسلاميين، وآخر من الإسلاميين ممن يدعو إلى الكتاب والسنة، ولكن لم يكن متنبها لهذه الضميمة التي لا تستقيم دعوة الأحزاب الإسلامية إلا بتبنيها فكرا أولا، وتطبيقها عمليا ثانيا، وهي: اتباع سبيل المؤمنين.
قلت له: هذا جواب قاصر.
قال: لما؟ .
قلت: لأن كل مسلم مهما كان منحرفا أو مستقيما يقول: أنا مسلم.
مثلا: نبدأ بالأهون فالأهون.
إذا سئل الحنفي: ما مذهبك ولا يريد أن يحشر نفسه في مناقشة، يقول: أنا مذهبي مسلم، والشافعي كمان يقول: أنا مسلم، و
…
و
…
الخ.
لكن الحنفي يقول: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، الشافعي يقول: الإيمان يزيد وينقص الخ.
إذن جوابك: بأنك مسلم، وجواب ذاك بأنه مسلم، لا يحدد مذهبك تماماً، ففهم فقال: أقول حينئذ أنا مسلم على الكتاب والسنة.
قلت له: كذلك كل مسلم حتى الأمثلة التي ضربتها لك آنفا هل هناك حنفي يقول: أنا مسلم لست على الكتاب والسنة؟ .
هل هناك شافعي يقول: لست على الكتاب والسنة؟ .
سأقول لك: هل هناك إباضي من الخوارج الموجودون اليوم في الأرض الإسلامية يقول: أنا لست على الكتاب والسنة؟ .
بل هل هناك شيعي، هل هناك رافضي يقول: أنا لست على الكتاب والسنة؟ .
كلهم يقولون نحن على الكتاب والسنة؟ .
هذا ما سبق بيانه آنفا.
كل المسلمين مهما كان الخلاف بينهم شديداً وكثيراً، كلهم يقول: على الكتاب والسنة، ولكن لا أحد منهم يقول: وعلى منهج السلف الصالح إلا الذين ينتمون إلى منهج السلف الصالح، ونقول إذا ما سئلنا: أنا سلفي انتهى الأمر؛ لأنه معنى سلفي: على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح.
فلما بينت له هذا، قلت له: لا يكفي أن تقول: أنا مسلم على الكتاب والسنة؛ لأن كل الطوائف والجماعات يقولون: على الكتاب والسنة.
قال: أقول إذن: أنا على الكتاب والسنة لأنه آمن معي بعد مثل هذه المحاضرة، بل محاضرات قال: إذن أنا أقول: أنا على الكتاب والسنة وعلى
منهج السلف الصالح.
وقلت وأنا أعرف أنه أديب من الأدباء وكاتب من الكُتَّاب ألا تجد في لغتك العربية التي تأدبت بها، وتكلمت بها، وتكتب بها، ألا تدلك لفظة تختصر جوابك هذا: أنا مسلم على الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح؟ .
فصمت. قلت يعني إذا قلنا: أنا سلفي ألا يؤدي عبارتك الطويلة: أنا على الكتاب والسنة؟ .
فأجاب بالإيجاب. هذه هي حقيقة الدعوة السلفية، وتلك هي مخالفات حزب التحرير، وكل الجماعات القائمة وإنما نحن دائرتنا أوسع من أي دائرة يتبناها أي حزب على وجه الأرض.
أنا عارف من حزب التحرير أنه من نظامه: إذا تبنى فرد من أفراده رأيا يخالف رأيه: أي الرأي الذي يتبناه الحزب يفصل، ويقال له: لست منا.
نحن لا نقول هكذا، أنا أعرف مثلا أن من أفكار حزب التحرير أن المرأة لها حق أن تنتخب وأن تُنتخب، فلن تجد تحريريا منهم من الكُتاب: أن المرأة ليس لها مجال للتدخل في هذه الأمور التي تسمى اليوم: بالسياسة.
لها أن تتعلم ما يناسب أنوثتها، ما يناسب رقتها ولطفها إلى آخره.
أما أن تنتخب وتُنتخب لوتبنى شخص من حزب التحرير هذا الرأي يخالف فيه حزب التحرير فسوف يفصل، أما نحن فنقبل حزب التحرير، والإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ، ولكن على أساس:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 64].
فنحن ندعو كل مسلم إلى أن يتبنى هذا الأصل، ثم يتفرع عليه فروع كثيرة، وكثيرة جداً.
حينئذ يصبحون معنا، قد يختلفون معنا في التطبيق، لأن التطبيق يحتاج إلى علم، ونحن نقول: أن العلم بالكتاب والسنة مع الأسف الشديد لا يعتني الجماعات الإسلامية به، ومع ذلك فهم يريدون أن يقيموا دولة الإسلام على الجهل بالإسلام.
فنقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُواللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
فرسول الله عز وجل بدأُ بتعليم الناس، وبدعوتهم إلى العقيدة أولا، ثم إلى العبادات وتحسين السلوك ثانياً، وهكذا ينبغي أن يعيد التاريخ نفسه.
وبهذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين.
(الهدى والنور / 740/ 06: 01: 00)
(الهدى والنور / 740/ 12: 14: 01)