الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل المنهج يدخل في العقيدة أم الأحكام
؟
مداخلة: هاهنا سؤالان: السؤال الأول: هل يدخل المنهج في باب العقيدة أم في باب الأحكام؟ صلى الله عليه وآله وسلم
الشيخ: نحن لا يهمنا في الجواب عن هذا السؤال الأمور الاصطلاحية التي طرأت وتطرؤ خاصة في هذا الزمان، فأنا أقول كما قال عليه السلام في حديث خطبة الحاجة التي ذكرتُها آنفاً، وفيها يقول صلى الله عليه وآله وسلم:«وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم» ، وفي الرواية الأخرى:«وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم» ، فهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يجب أن يؤخذ كلاًّ لا نفرق بين الغاية وبين الوسيلة؛ لأن الوسيلة تؤدي إلى الغاية التي شرعها الله عز وجل، فإذا كان هناك وسائل قد بَينَّها الرسول عليه السلام للأمة وأمرهم باتخاذها أو حضهم عليها، فلا يجوز لنا نحن أن نُحْدِث مقابلها وسائل جديدة، ولو كانت هذه الوسائل من الأمور المباحة، ولكننا نتخذها وسيلة لدعوة الأمة إلى الإسلام عامة أو إلى الإسلام بتفاصيله التي جاء بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، نحن نعلم أنه قد جَدَّ في هذا الزمان مفاهيم جديدة اتخذوها
…
لتقريب الناس إلى الإسلام، واتخذوا هذه الوسائل كأنها غايات يلتزمونها بزعم أنها تقربهم إلى الله زلفى، إنهم يتخذون من الوسائل مثلاً: من الألعاب الحديثة التي ابتلي بها بلادُ الكفر؛ لأنهم هم المقصودون ابتداء بمثل قوله تبارك وتعالى: {اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأنعام: 70]، فاتَّبع سبيلَ هؤلاء بعضُ المسلمين الذين زين لهم اللعب بهذه الألعاب الجديدة التي جاءتنا من بلاد الكفر الذين لا دين لهم إلا اللهوواللعب، فاتخذها بعض من ينتمي إلى بعض الأحزاب
الإسلامية وسائل لتقريب الشباب إلى الإسلام الذي أصبحوا بعيدين مع الأسف كل البعد عنه، لم يكن هذا من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما كان هديه هو دعوة الشباب والشيوخ والناس جميعاً إلى عبادة الله تبارك وتعالى وحده لا شريك له، وتذكيرهم بأن هناك حياة أخرى إما نعيماً مقيماً وإما جحيماً وسعيراً؛ وذلك بحسب العمل الصالح أوالعمل الطالح، كما قال تعالى:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 - 7] أي: الجنة، {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل: 8 - 10] وهي جهنم، هكذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذكر أصحابه بالجنة والنار، ويجعل ذلك وسيلة لتقريبهم إلى عبادة الله تبارك وتعالى، فاتُّخِذت اليوم بعضُ الوسائل من بعض الناس تشبُّهاً بأولئك الكفار الذي حذرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن نتشبه بهم في كثير من الأحاديث الصحيحة المعروفة لدى الحاضرين جميعهم إن شاء الله، منها قول عليه الصلاة والسلام، كما في صحيح البخاري:«لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لودخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله؟ اليهود والنصارى؟ قال: فمن الناس» ، وقال عليه الصلاة والسلام في
الحديث الصحيح في مسند أحمد وغيره: «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبدَ الله وحده لا شريك له وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهومنهم» .
إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الوقت الذي نهى عن التشبه بالكفار فقد حض المسلمين على شيء أسمى وأعلى من ذلك ألا وهوقوله عليه الصلاة والسلام: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم» أي: شيبهم، لا يصبغون شعورهم فخالفوهم، هكذا عُنِي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمسلمين ألا يتشبهوا بالكفار، بل وألَّا يشتركوا مع الكفار في شيء لا يملكون فيه إلا الاشتراك، ولكن قد أمر الرسول عليه السلام لمغايرتهم بصبغ الشعر، أعني بالأمر الذي لا يسعهم أن يخالفوهم فيه الشيب،
فالشيب سنة الله عز وجل في خلقه لا فرق فيه بين مسلم وكافر، فكل من بلغ سناً معيناً من البشر سيُصاب بالشيب، فأمر صلى الله عليه وآله وسلم المسلم إذا وخطه الشيب أن يصبغه؛ لأن الكفار من اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم، قال عليه السلام:«فخالفوهم» ، والأحاديث التي تأمر بمخالفة المشركين هي كثيرة جداً جداً، وقد كنت جمعت طائفة طيبة منها في كتابي حجاب المرأة المسلمة، فبإمكان من أراد التوسع في هذا المجال أن يرجع إليه، والشاهد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الوقت الذي نهى عن التشبه، فقد أضاف إلى ذلك أنه حض على مخالفة الكافر، فالمخالفة أوسع من التشبه، فقد لا يتشبه المسلم بالكافر فيما إذا مثلاً شاب؛ لأن هذا من خلق الله عز وجل، لكنه يستطيع أن يخالف الكافر بصبغ شعره، ولذلك قال عليه السلام:«إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم» ، إذا كان حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بلغ إلى هذه المنزلة في حض المسلمين على مخالفة المشركين، فكيف يجوز في بعض المسلمين اليوم أن يتخذوا بعض الوسائل التي عليها الكفار لجذب الناس إلى المساجد مثلاً، حتى وصل الأمر
ببعضهم أن أدخلوا الصور إلى المساجد، بل وأدخلوا بعض آلات الطرب في بعض البلاد باسم ترقيق قلوب المسلمين، وأدهى وأَمَرُّ من هذا من حيث التدليس على الناس ما اتخذوه من الوسائل التي أشاعوها وسُجِّلت أشرطة كثيرة بها، ألا وهوما يسمونه بالأناشيد الإسلامية، قد جَرَّهم إبليس الرجيم إلى هذه الوسيلة في أول الأمر بالتطريب وتلحين بعض ما يسمونه بالأناشيد الإسلامية بالأوزان التي يتغنى بها المغنون الماجنون، هكذا بدءوا بنشر هذه الأناشيد المزعومة بأنها أناشيد إسلامية، ثم جَرَّهم الشيطان ونقلهم من هذه المعصية الأولى إلى معصية أخرى هي أشنع من الأولى، حيث أخذوا يضربون على الدفوف وعلى الطبول فيما يسمونه من أناشيد الإسلامية، ثم ترقى الشيطان بهم إلى أن أدخلوا بعض الآلات الموسيقية الأخرى التي ما كان يعرفها الماجنون السابقون وإنما هي من الآلات التي ابتكرها الكفار
الأوروبيون؛ أدخلوا هذه الأناشيد وهذه الآلات إلى بيوت الله تبارك وتعالى مع الصور ومع الفيديو ونحو ذلك من الوسائل زعموا أنها لجذب الناس إلى طاعة الله وإلى عبادة الله في بيوت الله.
فقد وقعوا في مثل ما وقع الكفار من قبل، حينما ذكرت بعض نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حينما رجعن من الحبشة ذكرتا لرسول صلى الله عليه وآله وسلم كنيسة رأينها في الحبشة وذكرن من صور وتصاوير فيها، فقال عليه الصلاة والسلام:«أولئك كانوا إذا كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصَوَّروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله تبارك وتعالى» .
هكذا صارت المساجد اليوم قريبة جداً من كنائس النصارى؛ من حيث تزيينها ومن حيث زخرفتها، ومن حيث التغني فيها بما يسمونه بالأناشيد الدينية، وأخشى ما أخشى أن يأتي يوم يسمح للنساء المتبرجات بأن يدخلن المساجد كما تفعل النصارى تماماً في الكنائس.
نسأل الله عز وجل أن يكفينا شر محدثات الأمور.
هذا ما يتيسر لي الجواب عن ذلك السؤال.
ونسأل الله للمسلمين أن يعودوا إلى دينهم على ضوء الكتاب والسنة وعلى ما كان عليه السلف الصالح. نعم.
(الهدى والنور /805/ 53: 34: 00)