الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدعوة السلفية في اضطراب
مداخلة: ما رأي فضيلتكم في
…
الدعوة السلفية عمومًا، وفي الكويت ومصر والسعودية خصوصًا؟
الشيخ: أنا أقول أن الدعوة السلفية الآن مع الأسف في اضطراب، وأعزو السبب إلى ذلك: هو إلى تسرع كثير من الشباب المسلم إلى ادَّعاء العلم، فهو يتجرأ على الإفتاء، وعلى التحريم والتحليل قبل أن يعرف بعضهم كما سمعنا كثيرًا، لا يحسن أن يقرأ آيةً من القرآن، ولو أن أمامه المصحف الكريم، فضلًا عن أنه كثيرًا ما يلحن في قراءة حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، فيصدق فيه المثل المعروف في بعض البلاد: إنه تزبب قبل أن يتحصرم، الحصرم تعرفونه، مستعمل هذه الكلمة عندكم؟ والعنب حينما يبدأ يصير حب أخضر وهذا حصرم، والحصرم يكون حامض جدًا، فهو قبل أن يتحصرم جعل نفسه كالزبيب، يعني: كالعنب الذي نضج وصير زبيبًا.
ولذلك فركوب كثير من هؤلاء الناس رؤوسهم وتسرعهم في ادعاء العلم والكتابة، وهم بعد ما مشوا إلى منتصف طريق العلم، هو الذي جعل الآن الذين ينتمون للدعوة السلفية، مع الأسف شيعًا وأحزابا.
ولذلك فالعلاج أيضًا ليس له علاج إلا بأن يتقي هؤلاء المسلمون ربهم عز وجل، وأن يعرفوا أنه ليس لكل من بدأ في طلب العلم أن يتصدر في الإفتاء في التحريم والتحليل، وفي تصحيح الحديث وتضعيفه، إلا بعد عمرٍ طويل يتمرس
في هذا العمر على معرفة كيف يكون الإفتاء وكيف يكون الاستنباط من الكتاب ومن السنة.
وفي هذا الصدد لا بد من أن يتقيد هؤلاء الدعاة أوالسلفيون بالقيد الثالث الذي سبق أن ذكرته في أثناء الكلام عن العلم النافع والعمل الصالح، وقد قلنا بأن العلم النافع يجب أن يكون على منهج السلف الصالح.
فحينما يحيد كثيرٌ من الدعاة الإسلاميين اليوم عن التقيُّد بهذا القيد الثالث الذي أشار إليه الإمام ابن القيم رحمه الله في شعره السابق، حين قال:
العلم قال الله قال رسوله
…
قال الصحابة ليس بالتمويه
عدم الالتفات إلى ما كان عليه سلفنا الصالح يعود بالناس بعد أن اتفقوا إلى الفرقة التي تباعد بينهم كما باعدت من قبل بين كثيرٍ من المسلمين فجعلتهم شيعًا وأحزابا، كل حزبٍ بما لديهم فرحون، هذا رأيي في هذا الواقع.
فعليهم إذا كانوا مخلصين كما نرجو أن يتمسكوا بالمبادئ العلمية الصحيحة، وألا يتجرأ من لم يكن قد وصل إلى مرتبة العلم صحيحًا أن يتوارى عن ذلك وأن يكل العلم إلى عالمه.
في هذا الصدد بعض الروايات التي وردت في كتب الحديث، أنا أظن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله من كبار علماء السلف الصالح، قال: لقد أدركت في هذا المسجد، ولعله يشير إلى مسجد المدينة، روى كذا عددًا من الصحابة، نسيت أنا العدد، فكان أحدهم إذا سئل.
مداخلة: سبعين.
الشيخ: وربما يكون كذلك، المهم لقد أدركت في هذا المسجد سبعين من
الصحابة، كان أحدهم إذا سئل عن مسألة أواستفتي عن فتوى يتمنى أن يتولى ذلك غيره من العلماء الصحابة الحاضرين، والسبب في ذلك: هوأنهم يخشون أن يقعوا في خطأ فيوقعون غيرهم في الخطأ، فيتمنى أحدهم ألا يتحمل هذه المسئولية ويتحملها غيره.
أما الآن فالظاهرة معاكسة تمامًا مع الأسف الشديد، وذلك يعود إلى سبب واضح وأنا أذكره دائمًا وأبدًا: هوأن التفتح الذي نشعر به الآن للكتاب والسنة والدعوة السلفية هوأمرٌ حادث، ولم يمضي على هذا التفتح الذي يسمونه بالصحوة، لم يمضي زمن طويل حتى يجني هؤلاء الناس ثمرة هذه الصحوة أو هذا التفتح في أنفسهم.
أي: أن يتربوا على أساس الكتاب والسنة، ثم هم بالتالي يفيضون بهذه التربية الصحيحة القائمة على الكتاب والسنة، يفيضون بها على غيرهم ممن حولهم الأدنى فالأدنى.
فالسبب أن هذه الدعوة لم يظهر أثرها؛ لأنها حديثة العهد بهذا العصر الذي نحن نعيش فيه، ولذلك نجد الظاهرة المعاكسة لما ذكرناه آنفًا مما رواه عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أولئك الصحابة الذين كانوا يتورعون عن أن يسألوا، ويتمنون أن يسأل غيرهم، وما كانوا يجيبون على السؤال إلا لعلمهم بأنه لا يجوز لهم أن يكتموا العلم، لكن في قرارة قلوبهم كانوا يتمنون أن يتولى ذلك غيرهم.
أما الآن فتجد في كثير من المجتمعات السلفية فضلًا عن غيرها، يسأل أحد مِمَّن يظن فيه أنه أكثر من الحاضرين علمًا، وإذا بك تجد فلاناً بدأ يتكلم وهو غير مسؤول، وفلان بدأ يتكلم وهو غير مسؤول، ما الذي يدفع هؤلاء؟ هوحب الظهور .. هوالأنانية، أنا هنا، أي: أنا عندي علم وما شاء الله علي، هذا يدل على
أننا لم نتربى التربية السلفية، نحن نشأنا على العلم السلفي وكلٌّ بحسب اجتهاده وسعيه إلى هذا العلم، أما التربية فما حصَّلنها بعد كمجتمع إسلامي سلفي.
ولذلك فهذه الجماعات وهذه التكتلات وهذه الأحزاب في كل حزبٍ، نجد مثل هذا التفرق، ما سببه إلا عدم التربية الإسلامية الصحيحة.
عشرين سنة تقريبًا أقول: علاج هذه الأمة ليعود إليها مجدها ولتتحقق لها دولتها، فليس لذلك سبيلٌ إلا البدء بما أُلخِصّه بكلمتين اثنتين: بالتصفية والتربية، خلافًا لجماعات كثيرة يسعون إلى إقامة الدولة المسلمة بزعمهم بوضع أيديهم على الحكم، سواءً كان ذلك بطريقٍ سلمي كما يقولون بالانتخابات، أوكان ذلك بطريقٍ دموي كانقلابات عسكرية وثورات دموية ونحو ذلك.
نقول: هذا ليس هوالسبيل لإقامة دولة الإسلام على أرض الإسلام، وإنما السبيل هوسبيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذي دعا في مكة كما تعلمون ثلاثة عشر سنة، ثم أتم الدعوة في المدينة، فهناك بدأ بعد أن استصفى له ممن اتبعه وآمن به رجالًا لا تأخذهم في الله لومة لائم، فبدأ بوضع أسس الدولة المسلمة.
والتاريخ كما يقولون يعيد نفسه، فلا سبيل أبداً وأنا على يقين مما أقول، والتجربة الواقعية منذ نحو قريب قرن من الزمان تدل على أنه لا مجال إطلاقًا لتحقيق نهضة إسلامية صحيحة، ومن ورائها إقامة الدولة المسلمة إلا بتحقيق هذين الهدفين:
وهو التصفية، وهو كناية عن العلم الصحيح.
والتربية: وهو أن يكون الإنسان مربىً على هذا العلم الصحيح .. على الكتاب والسنة.
نحن الآن في صحوة علمية، ولكننا لسنا في صحوة تربوية، لذلك نجد كثيرًا من أفراد من بعض الدعاة يستفاد منه العلم، لكن لا يستفاد منه الخلق؛ لأنه هو نشَّأ نفسه على العلم، ولكنه لم يكن في بيئة صالحة رُبِّي فيها منذ نعومة أظفاره، ولذلك فهو يحيى ويعيش وهو يحمل الأخلاق التي ورثها من ذاك المجتمع الذي عاش فيه ووجد فيه، وهو مجتمع بلا شك ما هو مجتمع إسلامي، لكنه استطاع بشخصه أو بدلالة بعض أهل العلم أن ينحوا منحًا علميًا صحيحًا، لكن هذا العلم ما ظهر أثره في خلقه .. في سلوكه .. في أعماله.
هذه الظاهرة التي نحن الآن في صدد الكلام عنها، سببها: هوأننا لم ننضج علميًا إلا أفراد قليلين.
وثانيًا: الأفراد أكثر من ذلك لم يربوا تربية إسلامية صحيحة، ولذلك فتجد كثيرًا من المبتدئين في طلب العلم يُنَصِّب نفسه رئيسًا .. رئيس جماعةٍ أورئيس حزب، وهنا تأتي حكمة قديمة لتعبر عن أثر هذا الظهور، وهي التي تقول: حب الظهور يقطع الظهور، فهذا أسبابه يعود إذًا إلى عدم التربية الصحيحة على هذا العلم الصحيح.
(سلسلة الهدى والنور (188) /00: 13: 27)