الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخروج في سبيل الله
مداخلة: أرجو أن تفيدونا حول الخروج في سبيل الله كداعية إلى الله سبحانه وتعالى ثلاثة أيام أو أربعون يوماً، وهل هذا العمل من السنة؟ وما معنى قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:«يا علي! لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم» ؟
الشيخ: من حمر النعم. نقول: الخروج في سبيل الله له مفهوم شرعي وله مفهوم بدعي، وعرفتم سابقاً أن كل بدعة في الإسلام ضلالة ولو كان يراد بها زيادة التقرب إلى الله عز وجل فإنما يكون التقرب - كما عرفتم - باتباع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
الخروج في سبيل طلب العلم، طالب العلم حينما يخرج من بيته أو من عمله لطلب العلم فهو في سبيل الله، بل العامل الذي يخرج إلى عملٍ يحصل به رزقه الحلال فهو أيضاً في سبيل الله، لا شك أن السبيل الأول أفضل من السبيل الآخر، ذلك لأن السبيل الأول عبادة محضة، وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه:«من سلك طريقاً يلتمس به علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة» .
وأخرج الترمذي والإمام أحمد وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع» لكن حتى الذي يخرج ليعف نفسه عن أكل الحرام بل ليعفها عن سؤال غير الله عز وجل هذا أيضاً يعتبره الشارع الحكيم خروجاً في سبيل الله تبارك وتعالى، فقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -
كان جالساً بين أصحابه ذات يوم حينما مر شاب فرأى أصحابه من قوته وجلده ونشاطه ما أعجبهم فقالوا: لو أن هذا كان في سبيل الله، فقال عليه الصلاة والسلام:«إن كان هذا خرج يسعى على أولاد له صغار فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله» .
فإذاً: سبيل الله معنى واسع جداً يشمل كل عبادة وكل طاعة. فالخروج للدعوة في سبيل الله لا شك أن هذا أمر مشروع بل وقد يكون واجباً، فهو من الأمور التي يقال فيها في المثل العربي القديم: هذا أمر لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه عنزان. لكن إذا أحاط بالخروج في الدعوة إلى الله عز وجل ما لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك في عهد السلف الصالح دخل الخروج في زمرة أو في عموم ما سمعتم من المحاضرة السابقة وحسبكم تذكيراً منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» .
أنا أعتقد أن من كان عنده علم بسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة الأصحاب الكرام والأئمة الأعلام وتاريخ الإسلام بعامة كل هذه القرون التي مضت إلى هذا العصر لن يجد خروجاً على النحو الذي جاء الإشارة إليه في السؤال.
في السؤال خروج ثلاثة أيام، في السؤال خروج أربعين يوماً، فيما لم يذكر خروج جماعة كثيرة فقيرة إلى قرية، إلى مدينة بل ربما إلى إقليم، بل ربما إلى بعض الدول الكافرة، أكثرهم يصدق فيهم قول الله عز وجل:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187].
هذا الخروج الذي يصدق في هذه الجماعة، هذه الآية الكريمة:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187] مقروناً بخروج مقيد بثلاثة أيام أو بأربعين يوماً هذا بلا شك زيادة دخلت في الدين في العصر الحاضر، ولن يستطيع عالم مطلقاً
أن يأتي بأثر ولو واهي وضعيف أن السلف الصالح كانوا يقننون الخروج بثلاثة أيام، أو يقننون الخروج بأربعين يوماً. هذا الذي جاء في السؤال. أو يخرجون هكذا جماعات هذا لم يكن إطلاقاً.
أما أن يخرج عالم من علماء المسلمين فهذا هو الواجب المأمور به في القرآن الكريم في مثل قوله عز وجل: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 104] الأمة لا شك أن المقصود هنا الجماعة.
وهنا لا بد لي من وقفة وهي مهمة جداً ولو طال الزمن قليلاً لأن المقصود أن الاجتماع إنما هو للعلم، والعلم كما قيل: العلم إن طلبته كثير والعمر عن تحصيله قصير فقدم الأهم منه فالأهم، وأنا أعتقد أن هذه النقطة التي رأيت نفسي مضطراً أن أقف عندها بمناسبة الآية السابق ذِكْرُها وهي قول ربنا عز وجل:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} [آل عمران: 104] أمة، ما معنى الأمة؟ جماعة. هذه الآية يجب أن نفهمها فسرها علماء التفسير والتفسير السلفي، ليس التفسير البدعي، التفسير السلفي الذي يفسر القرآن أول ما يفسر بالقرآن، ثم يفسر إن لم يكن هناك آية تفسر آية فيفسر بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام ولا بد، فإن لم يكن هناك حديث ولا قرآن فحينئذ يفسر بالأثر سواء كان عن الصحابة أو عن التابعين أو عن أتباعهم، لأن هؤلاء هم المقصود بقوله عليه الصلاة والسلام:«خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» .
من أجل ذلك ألف الحافظ السيوطي كتابه المعروف والمسمى بالدر المنثور في التفسير المأثور، ليس التفسير العقلي والعقول هناك تتفاوت وتتفاوت جداً. هذه اللفظة الأمة في هذه الآية يجب تفسيرها أولاً: على ضوء ما فسره السلف،
ثم على ضوء تطبيق الرسول عليه السلام، لأن هذه الآية أول ما نزلت نزلت على قلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فهو الذي سيتولى تطبيقها وبيانها للناس إما بقوله، وإما بفعله، وإما بتقريره.
والآن: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} [آل عمران: 104] هذه الأمة هي جماعة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ليس في مكان واحد، وإنما هذه الأمة - أي هذه الجماعة - توزع على المجتمع الإسلامي، فقد يكون هنا عالم أو اثنين أو ثلاثة وهناك كذلك، يعني يجب أن يحقق الفرض الكفائي الذي يعرفه الفقهاء بأنه إذا قام به البعض سقط عن الباقين.
إذا كان هناك قريتان مثلاً وفي إحداهما رجل عالم، عالم بمعنى الكلمة وهو يعلم أهل بلده لكنه لا يخرج إلى تلك القرية الأخرى التي ليس فيها عالم يبين لهم أحكام الله عز وجل، هذا العالم يجب ألا ينحصر في هذه القرية وإنما ينتقل إلى القرية الأخرى، أي: يحقق الواجب هناك وهناك. وإذا كان في القرية علماء كثيرون - وهذا مع الأسف غير متحقق في هذا الزمان حتى في كثير من البلاد الكبيرة - هؤلاء يجب أن يحققوا هذا الواجب الذي ذكره الله عز وجل في الآية السابقة.
إذاً كما قلت آنفاً: لا يتصور النقاش والنزاع والخلاف في موضوع الخروج لتعليم الناس وتبليغهم دعوة الله كما قلت آنفاً: هذه مسألة لا يختلف فيها اثنان ولا ينتطح فيها كبشان أو عنزان. ولكن من الذي يخرج؟ وكيف يخرج؟ هل يقيد خروجه بثلاثة أيام وأربعين يوماً؟ وهذا النظام ما جاء في الإسلام. ما هو المانع أنه يكون بدل ثلاثة أيام أربعة أيام إذا تيسر له ذلك؟ لماذا هذا التقييد؟ إذا ما تيسر له إلا يوم واحد لماذا ثلاثة أيام؟ ولماذا ما هو عشرة ما هو خمسة عشرة؟ ولماذا
ما هو شهور؟ هذا التحديد لا أصل له لا في كتاب الله ولا في حديث رسول الله ولا في الآثار عن السلف الصالح ولا في أقوال الأئمة الأربعة الذي ندعي نحن جمهور أهل السنة والجماعة أننا ننتهي في أحكامنا وفي فقهنا إلى هؤلاء الأئمة الأربعة، لا أحد منهم يذكر شيئاً من هذا إطلاقاً.
إذاً من أين جيء بهذا القيد الثلاثي؟ ومن أين جيء بهذا القيد الأربعيني؟ ثم من أين جيء بهذا الخروج الزرافات والجماعات؟ أهكذا كان الأئمة المتقدمون يفعلون؟ حاشا.
دائماً نحن نذكر اتباعاً لحديث الرسول عليه السلام: «خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم» لا أحد من طلاب العلم فضلاً عن أهل العلم لا يذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يرسل أفراداً من خاصة أصحابه، أرسل مثلاً معاذاً إلى اليمن وأرسل تارة علياً إلى اليمن وأرسل أبا موسى أيضاً إلى اليمن وأرسل دحية الرومي إلى الروم. عفواً. دحية الكلبي إلى الروم، وهكذا كان عليه الصلاة والسلام يرسل نخبة فقهاء أصحابه وعلمائهم، وكذلك أرسل مرة وهذه لم تتكرر في حياته صلى الله عليه وآله وسلم أرسل سبعين قارئاً لدعوة القبائل العربية المشركة التي عاشت في الجاهلية بالدخول في الإسلام أفواجاً، فقتلوا وغدر بهم كما هو مذكور في صحيح البخاري وغيره من كتب السنة.
الشاهد: هؤلاء خرجوا في سبيل الله ولا شك، في سبيل الدعوة إلى الله وتنفيذاً للآية السابقة، لكن هل خرج معهم من عامة الصحابة؟ لا، لا شيء من ذلك أبداً. يذكر أهل العلم بالسيرة وبتاريخ الصحابة ومنهم ابن قيم الجوزية في كتابه العظيم:«إعلام الموقعين عن رب العالمين» أن الصحابة الذي كانوا يعدون الألوف المؤلفة كانوا من الجمهور الذي يأمرهم ربهم في قوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ
الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] أكثر الصحابة الذين يعدون الألوف المؤلفة كانوا مخاطبين بهذه الآية.
أهل الذكر منهم؟ يقول ابن قيم الجوزية تلميذ ابن تيمية، يقول: الصحابة العلماء الذين كانوا يفتون أولئك الجمهور هم يعني يبلغون المائة، عفواً المائتين أو يزيدون قليلاً أو يقلون، فقهاء الصحابة إذاً نحو مائتين والباقي واجبهم أن يسألوا هؤلاء.
ترى! حينما أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معاذاً إلى اليمن هل خرج أحد من هؤلاء صحبة هذا العالم أو ذاك العالم من أصحاب الرسول عليه السلام؟ الجواب: لا. وهذا هو التاريخ بين أيدينا. لذلك نحن بالإفاضة إلى ما قلنا آنفاً أن هذا الخروج المقنن الموصوف بهذه الصفة بالرغم أنه يخالف ما كان عليه السلف، والعلماء دائماً يقولون:
وكل خير في اتباع من سلف
…
وكل شر في ابتداع من خلف
نحن حينما نتحدث عن أمر ما إنما نتحدث عن الطريق والسلوك الذي يجب على المسلمين الذين يريدون أن يتقربوا إلى الله زلفى، لا نتكلم عما في نياتهم من حسن القصد وحسن العبادة والتقرب إلى الله هذا أمر لا نتدخل فيه، لأنه لا يعلم ما في الصدور إلا الله عز وجل، مع ذلك فنحن قد شاهدنا كثيراً من هؤلاء الذين يخرجون ذلك الخروج الذي يسمونه في سبيل الله، رأينا في سوريا ودمشق وحماه وحلب ونحو ذلك كذلك في عمَّان ناساً طيبين صالحين يخرجون لله عز وجل، لكن الأمر لا يكفي أن يكون القصد حسناً، لا بد أن يقترن مع القصد الحسن مع النية الحسنة العلم النافع. وألقينا كلمة منذ أيام قريبة حول قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ
أَحَدًا} [الكهف: 110] لا يشرك بعبادة ربه أحداً أي: ليبتغي بعبادته ربه عز وجل وحده لا شريك له.
وهذا نحن لا نشك في هؤلاء المسلمين أو غيرهم ممن يتعبدون الله ولو بمخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، النوايا ظاهرها طيبة ولا يجوز لنا إلا أن نعتقد هذا الظاهر، لكننا لا نستطيع إلا أن نبلغ هؤلاء بأنكم كما قيل:
أوردها سعد وسعد مشتمل
…
ما هكذا يا سعد تورد الإبل
الذي يخرج في سبيل الله أول شيء يجب أن يكون عالماً، ثم لا يكفي أن يكون عالماً بفقه من فقه المذاهب الأربعة لأن المذاهب كثيرة وهناك خلافات كثيرة في مسائل عديدة تعد بالمئات إن لم نقل بالألوف، وبخاصة إذا ذهبوا إلى بلاد الكفر والضلال وهناك العهر والكفر والخلاعة والفسق والفجور إلى آخره فقد يسألون سؤالاً، فإذا لم يكن متفقهاً في كتاب الله وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي الآثار السلفية لم يستطع أن يجيب.
يروون هناك عندنا نكتة في سوريا، يقولون: أن عامياً متحمساً وهو مسلح بالخنجر في وسطه لقي رجلاً من اليهود فأخذ بتلابيب ثيابه وقال له أولاً: أسلم وإلا قتلتك، فارتجف من خوفه من القتل. قال: دخلك، ماذا أقول؟ قال: والله ما أدري. هذا متحمس، هذا قلبه طيب لكن بلغ به الجهل طبعاً. {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21] بلغ به الجهل أنه لا يدري أن يلقن المشرك أن يقول: لا إله إلا الله، لكن المسألة بالنسبة لمن يخرج للدعوة إلى الله أدق بكثير من هذه النكتة التي رويناها آنفاً.
لذلك نحن ننصح إخواننا هؤلاء وكل مسلم يبتغي وجه الله بما يدين الله به خيراً لهم من هذا الخروج الذي لا مثيل له في ما مضى من كل القرون أن يجلسوا
في بيت من بيوت الله يتدارسون كتاب الله ويتلونه بينهم ويكون فيهم رجل عالم بالتفسير، عالم بالحديث، عالم بالفقه ذلك خير لهم وأبقى من هذا الخروج الذي لم يبن أولاً على هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم لم يبن على العلم الذي ينبغي أن ينقلوه إلى الآخرين.
إذاً: إن كان هناك مثلاً عشرة أشخاص من هؤلاء المتحمسين لتبليغ دعوة الله حقاً، فيهم واحد هو الذي يليق به أن يكون داعية لأنه فاقد الشيء لا يعطيه. هذه حقيقة بدهية. فإذا كان من بين هؤلاء العشرة واحد يصح أن يكون داعية إلى الله كمثل ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمعاذ بن جبل حينما أرسله ليدعو الناس، قال له:«ليكن أول ما تدعوهم هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن استجابوا لك فمرهم بالصلاة، فإن هم استجابوا لك فمرهم بالصيام» وهكذا. الآن هذا الخروج نجد فيه مخالفة أخرى، والكلام يجر بعضه، وكما يقال: الحديث ذو شجون. ينبغي على كل داعية أن يكون عالماً بالكتاب والسنة، وأن يخرج اثنين ثلاثة ويتوزعون في الجماعة يبلغون الناس، يجب عليهم أن يبدؤوا بمثل ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الإسلام اليوم كما قال عليه الصلاة والسلام:«إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء» .
جاء هناك السؤال إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قيل له:«من هؤلاء الغرباء يا رسول الله؟ أجاب: هم ناس قليلون صالحون بين ناس من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم» هذا وصف وهذا مشاهد اليوم، الذين يعصون الله مع الأسف أكثر ممن يطيعون الله، والذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أو كما قال تعالى. والذين يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .... الصالحين قلة.
إذاً هناك عندنا ثلاثة أقسام، أكثر الناس اليوم عصاة يعني لا يطيعون الله. الذين
يطيعون الله قسمان: قسم عالم وقسم غير عالم. هذا القسم العالم هو الأقل، لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:«الغرباء هم ناس قليلون صالحون من يعصيهم - يعني حينما يدعونهم - أكثر ممن يطيعهم» .
مرة أخرى: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الغرباء: من هم؟ وهذا أدق بكثير من الوصف الأول. قال عليه الصلاة والسلام: «هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي» .
هنا لا بد لي من وقفة كتلك الوقفة التي وقفناها معكم عند قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «فمن رغب عن سنتي فليس مني» ما هي السنة؟ هي السنة يعني بمعنى دون الفرض الواجب؟ لا. هي طريقتي ومنهجي وشريعة الله التي جئت بها.
هنا أيضاً يجب أن تفسر السنة بهذا المعنى، فقال عليه السلام:«هم الذين يحيون ما أفسد الناس من سنتي من بعدي» أي: من طريقتي التي جئت بها إليكم. ما هي أعظم سنة؟ هي شهادة أن لا إله إلا الله، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكرت آنفاً من حديث معاذ:«ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله» .
الذين يخرجون إذاً اليوم في بعض البلاد ليسوا بحاجة إلى أن يدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأنهم معهم يشهدون أن لا إله إلا الله، لكن هم بحاجة - كما فعلنا في أول هذه الجلسة - أن يذكروهم بمعنى هذه الكلمة الطيبة. ما معنى لا إله إلا الله؟ أنا أقول آسفاً: أكثر المسلمين اليوم لا يعرفون حقيقة هذه الشهادة فكراً وعلماً وبالتالي يخالفونها تطبيقاً وعملاً. مثلاً: من منكم لا يعلم أن هناك قبور بعض الأولياء والصالحين يقصدون بالدعاء من دون الله عز وجل؟ من منكم لا يعلم أن هناك مساجد دفنت وبنيت على قبور أولياء وصالحين؟ تقصد هذه القبور من دون الله عز وجل للاستشفاء خاصة من النساء القليلات العقل
والدين. من منكم لا يعلم هذه الحقائق المؤسفة جداً؟ ومن منكم لا يعلم أن هذا ينافي قول الله عز وجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18].
هذا كله ينافي معنى لا إله إلا الله، لأننا - كما قلنا في أول هذه الكلمة - لا إله إلا الله.
ومن منكم لا يعلم أن هذا ينافي قول الله عز وجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]؟ هذا كله ينافي معنى لا إله إلا الله - لأننا كما قلنا في أول هذه الكلمة - لا إله إلا الله معناها: لا معبود بحق في الوجود في الكون كله إلا الله تبارك وتعالى.
إذاً: إذا انتشر الدعاة في بعض البلاد أو في بعض القرى التي لا يوجد فيها مذكر ولا معلم يجب أن يبدءوا بشرع الإسلام من أسه ومن أصله الأول وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. هذا بحث مطوي مع أنه أساس الإسلام وأساس الدين، وكثير من المسلمين هم غائبون فقهاً وتطبيقاً عن هذه الشهادة الطيبة التي من آثارها العظيمة جداً أن من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه حرم الله بدنه على النار.
هذا الإخلاص حينما يقول هذه الشهادة الطيبة من قلبه لا يمكن أن يكون كذلك إلا بعد أن يفهم هذه الشهادة ما معناها، وماذا لوازمها، كذلك الشهادة الثانية: محمد رسول الله. كانت محاضرة كلها حول هذه الشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله ألا تعبد معه غيره، الله واحد في عبادته. الآن ألخص تلك المحاضرة فأقول: محمد واحد في اتباعه. وهذا تعبير قد تستغربونه ولكنه كما قال: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات: 23].
الله واحد في عبادته ومحمد واحد في اتباعه، والدليل ما رواه الإمام أحمد في
مسنده. وأنهي هذه الكلمة وقد صارت الساعة التاسعة تماماً بهذا الحديث الصحيح. روى الإمام أحمد في مسنده من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه: «أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى في يد عمر يوماً صحيفة، سأله عنها قال: هذه صحيفة من التوراة كتبها لي رجل من اليهود، فقال عليه الصلاة والسلام: أمتهوكون أنتم يا عمر، أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ » متهوكون يعني: شاكون مرتابون. «كما تهوكت اليهود والنصارى، والذي نفس محمد بيده! لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي» .
إذاً: متبوعنا واحد، ولذلك قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
(الهدى والنور/712/ 39: 00: 00)
(الهدى والنور/712/ 16: 30: 00)