الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استثناءً وهو إذا كان هناك طائفة من أهل العلم والمعرفة بأحكام الشريعة، ويقومون بتوجيه هؤلاء المسلمين والمحافظة على عقائدهم، وعلى أحكام شريعتهم وأخلاقهم، فيجوز وإلا فلا، هذا كان في الأمس.
(الهدى والنور /523/ 48: 30: 00)
باب منه
مداخلة: الإقامة في بلاد الكفر، سؤال عن هذا الأمر وزيادة عليه عن الناس الأمريكيين المسلمين الذين هم في الأصل أمريكيين ومسلمين، هل يجب عليهم الهجرة من هناك؟
الشيخ: وهل من شكٍّ في ذلك، في هؤلاء قال الله تعالى:{أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97]، لكن قبل سؤالك الأخير الشطر الأول منه ما أدري أنت ثابت على سؤاله فنجيب عنه.
مداخلة: أكون شاكر
…
الشيخ: أنا في اعتقادي أن الشطر الأول من السؤال يفهم ضمناً من الجواب عن الشطر الثاني منه، لكن لعله من الأفضل بيان ما جاء في السنة من الأحاديث الصحيحة التي تُحَذِّر المسلم من أن يستوطن بلاد الكفر، ، هناك في علم الفقه والأصول قياس يسمى بالقياس الأولوي، إذا كان أهل البلد ولادة ووراثة إذا ما أسلموا وجب عليهم أن يهاجروا إلى بلاد الإسلام فمن باب أولى من كان على العكس من ذلك، ولد في بلاد الإسلام ونشأ وتربى أنه لا يجوز له أن يسافر ولا
أقول أن يهاجر إلى بلاد الكفر، هذا من باب أولى، لكن مع ذلك أقول الأحاديث جاءت تترى لتنهى المسلم من أن يسافر إلى بلاد الكفر، فمن ذلك الحديث الذي رواه الإمام أبو داود في سننه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال بأوجز عبارة:«من جامع المشرك فهو مثله» والمجامعة هنا المقصود المخالطة، أي: المساكنة، وجاءت أحاديث أخرى تؤكد هذا المعنى في أوضح عبارة، فيقول عليه الصلاة والسلام:«المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما» ، هذا كناية عن أنه يجب على المسلم أن يكون مسكنه بعيداً عن مسكن المشرك؛ لأن العرب من عادتهم أنهم كانوا يوقدون النار أمام دورهم، وأمام خيامهم، فيتراءى النار للقادم من بعيد، فكأن الرسول عليه السلام يقول للمسلم ابعد ابعد ما استطعت عن أن يرى نارك الكافر المشرك.
ويؤكد هذا أيضاً حديث ثالث وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين» ، هذه نصوص واضحة جداً أنها تؤكد أنه لا يجوز للمسلم أن يسكن بين ظهراني المشركين، والحكمة من ذلك واضحة جداً ليس من الناحية المنطقية أو العقلية أو التجريبية؛ لأن هذا أمر ثانوي بالنسبة للنصوص النقلية، فهناك بعض الأحاديث التي يمكن أن يعتمد عليها لأخذ جواب سؤال قد يتبادر لبعض الأذهان حينما يسمعون تلك الأحاديث، ما هو السر، ما هي الغاية، ما هي الحكمة من نهي الرسول عليه السلام من المسلم من مخالطة المشرك؟
هناك حديثان من المناسب ذكرهما كجواب عن هذا التساؤل، الأول قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«مثل الجليس الصالح كمثل بائع المسك إما أن يحذيك وإما أن تشتري منه، وإما أن تشم منه رائحة طيبة، ومثل الجليس السوء كمثل الحداد إما أن يحرق ثيابك وإما أن تشم منه رائحة كريهة» ، هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضرب مثلاً بالمجلس
المصغر، مجلس مصغر تجلس مع إنسان واحد فرد فيقول لك إن كان صالحاً فمثله كمثل بائع المسك، أو كان طالحاً فكالحداد إما أن يحرق ثيابك وإما أن تشم منه رائحة كريهة.
الحديث الثاني الذي يؤكد الحديث الأول والواقع أيضاً يزيده تأكيد وهو ما رواه الإمام مسلم وربما البخاري أيضاً في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: قتل رجل ممن قبلكم تسعةً وتسعين نفساً ثم أراد أن يتوب، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُلَّ على راهب فأتاه وقال له: أنا قتلت تسعة وتسعين نفساً فهل لي من توبة؟ قال: قتلت تسعة وتسعين نفساً وتسأل هل لك من توبة لا توبة لك، فأكمل به عدد المائة، ثم لم يزل يسأل حتى دُلَّ على عالم، هو من قبل دُلَّ على راهب أي متعبد جاهل، فأفتاه بجهله فكانت عاقبة أمره أن ألحقه بالسابقين من القتلى، في المرة الثانية دُلَّ على عالم فجاءه وقال له أنا قتلت مائة نفس بغير حق فهل لي من توبة؟ قال: ومن يحول بينك وبين التوبة، ولكنك بأرض سوء، هنا الشاهد، بأرض سوء فاخرج منها إلى القرية الفلانية الصالح أهلها، فانطلق إليهم إلى تمام الحديث
…
وهو معروف إن شاء الله.
الشاهد أن هذا الرجل العالم متفقه بفقه هذا الحديث أو هذه الأحاديث وهذا لا يمنع أن هذه الأحاديث حدثنا بها الرسول عليه السلام، لا يمنع أن يكون هذا من فقه الأنبياء من قبله عليه السلام لأنهم جميعاً كانوا يستقون من مشكاة واحدة، فإذاً هذا العالم فهم هذه الحقيقة أن الجو الموبوء قد يعدي الشخص الصالح فيما إذا خالطه، وهذا مثل من النواحي المادية المرضية، الأمراض التي تتعدى ولذلك فجاء هنا الحجر الصحي المعروف اليوم، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد وضع قاعدته في الحديث المعروف: «إذا وقع الطاعون بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا
منها، وإذا وقع الطاعون في أرض لستم فيها فلا تدخلوا إليها» وهكذا.
إذاً: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما حرم على المسلمين أن يستوطنوا بلاد الكفر إنما هو محافظة على عقيدتهم، على عبادتهم على سلوكهم، فلهذا أوجب ليس على المشركين، هذا أمر مهم جداً أيضاً، وربما قلما تعرضت له حينما نتكلم عن مثل هذه المسألة، الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو الشارع الحكيم ليس فقط أوجب على المشركين إذا أسلموا أن يهاجروا إلى بلاد الإسلام، بل أوجب على الأعراب أن يهاجروا من بداوتهم إلى حضرهم، هذا فيه أيضاً مراعاة نفس المعنى؛ لأن الرسول عليه السلام يقول في بعض الأحاديث:«من بدا جفا» ، فإذا عاش الأعرابي بعد أن تلقن التوحيد وتعلم ما يجب عليه لتصحيح إيمانه وإسلامه، ثم عاد إلى باديته وعاش فيها فقد يتأثر بالجفاء الذي هو من طبيعة الأعراب، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حض الأعراب أولاً على أن يعودا حضراً، ثم ربط بذلك حكماً شرعياً وهو أنهم ليس لهم حق في المغانم التي يغنمها المسلمون بسبب مقاتلة الكفار، فأولى وأولى وأولى أن يوجب على المسلمين أن يلزموا ديارهم وأن لا ينتقلوا إلى بلاد الكفر والشرك والضلال، وبخاصة في هذه الأيام؛ لأنكم تعلمون بأن اليهود والنصارى وإن كانوا ضالين بسبب انحرافهم أولاً عن التوحيد الذي بلغهم عن أنبيائهم، ثم بسبب كفرهم بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم فهم مع ذلك كانوا على شيء من السلوك الحسن والأخلاق الطيبة .. إلى آخره، ومن كان في سني أو قريباً منه فهو يعلم أن نساء النصارى في بلاد الإسلام كن يتحجبن بحجاب أحسن من كثير من المسلمات اليوم، ومعنى هذا الكلام أن أهل الكتاب ما كان انتشر فيهم الفسق والفجور والخلاعة، الانتشار الذي أخذ يشكو منه العقلاء إن كان فيهم عقلاء من هؤلاء الكفار في بلادهم، فلذلك كيف يجوز للمسلم أن يعرض نفسه لهذا المجتمع الموبوء بالتفسخ الخلقي والتحلل الخلقي هذا، هذا ما عندي جواباً عن
ذاك السؤال.
مداخلة: هذه الأحاديث هناك من يؤولها بأن هذه الأحاديث كلها نوع من الأمر بالهجرة إلى المدينة المنورة، والهجرة كانت أمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين أن يهاجروا إلى المدينة، فالذين ما هاجروا كانوا قد اقترفوا هذا الإثم، فهذه الأحاديث إنما تعني هجرة المسلم إلى دار الإسلام حينما يكون للمسلمين إيمان يأمرهم بالهجرة إليه، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه لما فتحت مكة قال:«لا هجرة بعد الفتح» ، فأوقف هذه الهجرة، يعني ما طلب من الناس الذين هم في ديار الشرك أن يأتونه؛ لأنه قال لا هجرة بعد الفتح، وحديث:«أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين» مرادف للآية {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 72]، فهذا معنى:«أنا بريء» يعني: ليس لهم حق المواطنة في المدينة المنورة في الدولة المسلمة، لذلك هو بريء من دمائهم إن حصلت حرب بينهم وبينه وأتوا مع المشركين أو إذا أغار على قوم مشركين وكانوا منهم وقتل منهم، وذلك لأنهم ما هاجروا، أما في بعض الأحاديث أن بعض المسلمين أتوا المشركين في بدر فقتلوا وما أدين المسلمين على قتلهم، وفي نفس هذا الحديث:«أنا بريء من كل مسلم أقام بين ظهراني المشركين» فيه تكملة بدايته ونهايته، أنا لا أذكره بالنص، لكن مؤادها أن المسلمين أغاروا على قوم مشركين وكان فيهم مسلمون، فالمسلمين الذين مع المشركين سجدوا حتى ينبهوا المسلمين إلى أنهم مسلمون، فأسرع فيهم القتل فالمسلمون شكوا في ذلك كيف قتلوا إخوانهم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:«أنا بريء من كل مسلم يقيم بين ظهراني المشركين» فهذه الأحاديث إذا فسرت بأنها كانت أمر بالهجرة والهجرة إلى دار الإسلام، والهجرة مشروطة بوجود إمام ودولة مسلمة تأمر بالهجرة، حتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قال:«لا هجرة بعد الفتح» انتهى هذا الأمر، فهل هذا التأويل
لهذه
الأحاديث مستساغ وممكن؟
الشيخ: أنا أعتقد كما يقال ولا مؤاخذة: لقد أبعدت النجعة.
ما أدري أنت تشعر معي أننا تطرقنا للجواب عن سؤالك ذي الشقين، أحدهما يتعلق بالهجرة التي الآن تدندن حولها، والآخر يتعلق لا أقول بهجرة المسلم إلى بلاد الكافر، وإنما بسفره إلى بلاد الكفر، فأنا أراك الآن أنت تدندن ليس فقط حول الحديث أو الأحاديث التي تأمر المسلم بأن يهاجر من بلد الكفر إلى بلاد الإسلام، بل والآية التي أنا أشرت إليها آنفاً، أنت تدندن حول هذه النقطة بالذات، وجواباً على هذه الدندنة أنا أقول: أعجبني منك حينما قلت أن بعض الناس يتأولون هذه النصوص بهذا التأويل، لكني خشيت أنك قد لا تعني بلفظة التأويل المعنى الاصطلاحي له؛ لأن التأويل لغة قد يأتي بمعنى التفسير، فخشيت أن تعني بكلمة التأويل هو التفسير، وهذه الخشية بدت لي أخيراً حينما استعملت لفظة التفسير، فأظنك إذاً لا تعني التأويل بمعنى التأويل الاصطلاحي وإنما التأويل بمعنى التفسير.
مداخلة: نعم.
الشيخ: الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكرت تماماً أنه قال: «لا هجرة بعد الفتح» ، هل هذا النص فيما تعلم هو عام أم خاص؟
مداخلة: عام في ماذا؟
الشيخ: يعني لا هجرة مطلقاً إلى أي بلد إسلامي من أي بلد كافر أم لا هجرة فقط إلى المدينة؟
مداخلة: هو هذا السؤال، هل لا هجرة تعني لا هجرة إلى المدينة المنورة أم
أنه لا هجرة معناها لا وجوب للهجرة إلى ديار المسلمين، وإنما كان الأمر بالمجيء إلى ديار المسلمين، إنما هو أمر للهجرة.
الشيخ: أنا ما فهمت أن هذا كان سؤالاً، أنا فهمت أن هذا كان تفسيراً لتلك النصوص وحمل لها على الهجرة التي كانت من قبل واجبة ثم أصبحت منسوخة بقوله عليه السلام:«لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتهم فانفروا» هكذا فهمت كلامك، وما فهمت أنك وجهت سؤالاً هذا السؤال الذي أنا وجهته إليك، قوله عليه السلام:«لا هجرة بعد الفتح» هل يعني لا هجرة مطلقاً أم هو يعني لا هجرة إلى المدينة؛ لأن الله عز وجل نصر نبيه وأعز جنده ومكن لدينه في المدينة بعد ذلك لم يكن هناك حاجة بعد أن تمكن الإسلام والمسلمون في بلدهم وقامت دولتهم.
«لا هجرة بعد الفتح» فأنا أقول جواباً على هذا السؤال، الحديث بارك الله فيك ليس عاماً أي هو لا ينفي استمرارية الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وإنما هو يعني لا هجرة بعد فتح مكة إلى المدينة؛ لأن الرسول عليه السلام كان قد خطط بأمر من الله عز وجل أن يتجمع المسلمون وأن يتكتلوا في دار المدينة لتقوم دولتهم، وليتجمعوا لمحاربة الكفار في مكة الذين استضعفوا المؤمنين وعَذَّبوهم، فلما نصر الله عز وجل نبيه وأعز جنده وفتح مكة، قال: لا هجرة بعد الفتح، ولكنه جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا.
ولذلك أُذَكِّر هنا بقاعدة أن ما نقلته آنفاً عن بعضهم معنى ذلك المصير إلى نسخ نصوص كثيرة وكثيرة جداً أولها الآية التي تقول: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97]، فأريد أن أذكر أن النسخ إنما يصار إليه حينما يتعارض نصان صحيحان تعارضاً متنافيان كل التنافي كل التنافر لا يمكن التوفيق
بينهما بوجه من وجوه التوفيق المعروفة عند العلماء، والتي أوصلها بعضهم إلى أكثر من مائة وجه، فحينما لا يمكن الجمع بين الوجه الأول والثاني والثالث .. إلى آخره، حينئذ يقال: هذا ناسخ وهذا منسوخ، أو العكس.
وهذا فيه شرط مهم جداً، وهو أن يعرف المتقدم من المتأخر، فالنسخ لا يصار إليه إلا بعد أن تسد كل الطرق للجمع بين النصوص، وهنا لا ضرورة إطلاقاً ولا حاجة .. ليس فقط الضرورة، لا حاجة للصيرورة إلى ادعاء نسخ الآية فضلاً عن الأحاديث التي ذكرناها آنفاً من أن الشارع الحكيم حض الأعراب أن يهاجروا من باديتهم إلى حاضرتهم ليكون لهم ما للمسلمين عامة من الغنائم.
نسخ هذه النصوص مع إمكان الجمع بالمعنى الذي نعرفه عن العلماء قاطبة في تفسيرهم لحديث: «لا هجرة بعد الفتح» أي: لا هجرة إلى المدينة، هذا الذي رفع، أما الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام فبابها مفتوح، وماض إلى يوم القيامة، وهذا مذكور في العقائد المتوارثة خلفاً عن سلف، كما أنهم يقولون الجهاد ماض إلى يوم القيامة، كذلك يقولون الهجرة ماضية إلى يوم القيامة، ولعل هناك حديثاً بهذا الخصوص لكن الآن لا أستحضره وما أدري إذا كان بعض إخواننا يذكر هذا.
مداخلة: .. ما زالت الهجرة وما زال الجهاد ..
الشيخ: هذا هو، لكن هذا الكلام بارك الله فيك كله في الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، نعني أنه ليس منسوخاً هذا، وإنما المنسوخ الهجرة فقط إلى المدينة بمعنى لو أن مسلماً هاجر اليوم من المدينة إلى مكة، لا أحد يقول له لماذا خالفت؟ لا، فضلاً هاجر من بلد آخر إلى مكة دون المدينة، لا أحد ينكر هذا الشيء إطلاقاً، فالهجرة إذاً ماضية إلى يوم القيامة من بلاد الكفر إلى بلاد
الإسلام، لكن نحن موضوعنا الهام في الحقيقة الذي يتعلق بالمسلمين الذين ابتلوا بالسفر من بلادهم إلى بلاد الكفر، فهذه النصوص التي ذكرتها آنفاً هذه لا يمكن تأويلها بالمعنى الاصطلاحي، ولا أعني تفسيرها، لا يجوز تأويلها بأنها أصبحت منسوخة؛ لأن هذه ليس لها علاقة بقوله عليه السلام:«لا هجرة بعد الفتح» ليس لها علاقة، هذه عكس تلك كما قدمنا آنفاً، وقلنا إن هناك في الفقه الإسلامي قياس يسمى بالقياس الأولوي، فقلنا إذا كان الشارع الحكيم أمر من كان مقيماً في بلاد الكفر وقد هداه الله إلى الإسلام أن يهاجر إلى بلد الإسلام، فكيف يأذن لمن كان مسلماً أباً عن جد ويعيش في بلد إسلامية كيف يسمح له بأن يذهب إلى بلاد الكفر ويستوطنها؟ ومن كثّر سواد قوم فهو منهم، فمن جامع المشرك فهو منهم.
على أننا نحن نقول إذا لاحظنا المعنى الذي فهمناه من حديث الرجل الذي قتل مائة نفس بغير حق، وذلك العالم الحكيم الطبيب قال له: أنت في أرض شر، فاخرج منها، فهذه الحكمة أن يقال لمن يعيش في بلاد الفسق والفجور أن يتطلب بلداً أقل منه فسقاً وفجوراً فضلاً أن يكون أقل منه كفراً وضلالة، وليس العكس تماماً أن يقال اترك بلداً إسلامياً وسافر إلى بلد كافر، ثم ما الذي يحمل هؤلاء الناس على السفر إلى بلاد الكفر دون بلاد الإسلام الأخرى؟ أنا كثيراً ما أسمع من بعض الناس أننا نحن مضطرون للسكن في هذه البلاد لأننا أخرجنا من ديارنا مكرهين، وهذه نحن نعرفها مع الأسف حقيقة مُرَّة، لكن الذي أقوله لهم: لم تؤمروا أن تسافروا إلى الأرض التي أنتم الآن تستوطنونها، أُخرجتم من بلدكم بلد مسلم ثم اخترتم أنتم باختياركم المحض أن تقيموا في بلد الكافر كان أمريكا أم كان بريطانيا أم كان ألمانيا أم كانت فرنسا وغيرها ..
فإذاً هذا ليس عذراً، أنا أتصور أن زيداً من الناس أُخرج من داره مكرهاً وأنا من هؤلاء، لكن حينما
اخترت بلداً إسلامياً اخترته بمحض اختياري، فلماذا أولئك يختارون بلد الكفر والضلال؟ لأن هناك المرابح المادية، إذاً هم لم يسافروا هناك كما سافر بعض الضعفاء المظلومين من مكة إلى الحبشة المرة الأولى والثانية فراراً من الظلم فقط وإلى أرض فيها أمن كما جاء وصف ذلك في بعض الأحاديث، ما سافروا لهذا لأن بإمكانهم أن يجدوا هذا الأمن في بلد إسلامي، وأن يجدوا العمل أيضاً الذي يعيشون به وبرزق حلال مثل ذلك أو قريباً من ذلك، لكن الذي يجعلهم يؤثرون السفر إلى تلك البلاد هو الربح المادي، وهذه فتنة من زاوية أخرى وهي ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح المعروف «إن لكل أمة فتنة وإن فتنة أمتي المال» «ما الفقر أخشى عليكم إنما أخشى عليكم أن تفتح عليكم الدنيا وزهرتها» أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وأنا أعرف أو ألمس تأثر المسلم بالجو الكافر وبذوقه من حيث يشعر أو لا يشعر، وقعت لي القصة التالية وفيها عبرة لكل من يعتبر: قُدّر لي أن سافرت إلى أوروبا وبريطانيا منها، وجلست هناك أياماً وزرت بعض الدعاة الإسلاميين وكان الشهر شهر رمضان، فأنبئت بأحد الدعاة الأفاضل في قرية تبعد عن لندن نحو مائة وعشرين كيلو متر بالسيارة، فسافرنا وجلسنا على طعام الإفطار، والداعي شاب في نحو الخامسة والثلاثين أو الأربعين، وهو إما باكستاني أو هندي طبعاً مسلم، ويتكلم اللغة العربية ببيان واضح، ومتزي بالزي الإسلامي باللحية، لكنه يلبس الجاكت والبنطال زيادة عن الجاكت الكرفتة هذه، فأنا من باب التناصح مع الرجل لا سيما وقد سمعت حوله ثناء طيباً، بدأت أتكلم بموضوع من تشبه بقوم فهو منهم، وموضوع آخر يختلط أحياناً على بعض الناس بالموضوع الأول وهو مخالفة المشركين، الأحاديث التي تأمر مسلم بمخالفة المشرك، فالأمر بمخالفة
المشرك أهم من النهي عن التشبه بالمشرك، وهذا واضح في مثل قوله عليه
السلام كما في صحيح البخاري: «إن اليهود والنصارى لا يسبغون شعورهم فخالفوهم» فالشيب صبغة الله لا يملكه الإنسان مفروض على المسلم والكافر، على الصالح والطالح، مع ذلك قال عليه السلام:«فخالفوهم» أنت تشيب والكافر يشيب خالفه بأن تصبغ شعرك لحيتك، تحدثت معه في هذا الموضوع ومن طيب نفسه أنه استجاب فوراً وهذا نادراً ما نجد مثل هذه الاستجابة السريعة، ونحن على الطعام ترك الكرفتة ورماها أرضاً، لكنه قال وليته ما قال وهنا الشاهد قال: والله أنا ما وضعت هذه الكرفتة إلا لأنه هنا الإنجليز ينظرون إلى إخواننا الفلسطينيين الذين من عادتهم كما أنت فاعل يا دكتور قميص بدون كرفيت مفكوك الزر، فينظرون إليهم نظرة إنكار أو استكراه أو ما شابه ذلك، قلت: ولهذا أنت وضعتها؟ ليتك ما قلت هذا الكلام، أنت تهتم بهذه النظرة الإنجليزية لإخوانك المسلمين فتريد ألا تشاركهم في هيئتهم حتى الإنجليز يحسنوا الظن بك ويظلون يسيئوا الظن بإخوانك الفلسطينيين، قصدي هذا رجل فاضل وداعية فتأثر بالجو البريطاني الذي ينظر إلى بعض المسلمين تلك النظرة، فرأى أن ينجو من مثلها بأن يتزيى بزيهم، وهذا قل من جل مما يتأثر به كثير من الشباب المسلم حينما يستوطنون بلاد الكفر، ولذلك أنا صار من عادتي وقد بليت وأرجو إن شاء الله أن أكون بليت بالخير بهذا الهاتف فكل ليلة تأتيني أسئلة من مختلف البلاد حتى هذه البلاد التي نحذر المسلمين من استيطانها، في الأمس القريب ما أدري من كان هنا من إخواننا واحد اتصل من بلد نسيت اسمه والله، نادراً ما يتصلون من هناك، يقول لي: أنا أكلمك من أمريكا، أنا من بريطانيا، أنا من هنجاريا، أنا من ألمانيا إلى آخره ..
أقول له أرجو الله أن ينجيك فوراً من بلاد الكفر، هنا يشير فيه حديث كثيرين منهم بعضهم والله وهذا من فضل الله علينا وعلى الناس، يقولون: والله نحن سمعنا أشرطتك واقتنعنا ولمسنا ضرر
الإقامة في هذه البلاد لكن الخلاص منها ليس بالأمر السهل ويحتاج إلى استعدادات، أحدهم راجعني ست مرات بواسطة الهاتف يقول: أنا عليّ ديون كذا ألف ما أدري قال دينار أو شيء آخر، وأنا الآن لا أستطيع أن أرجع إلى بلدي وإلا أُسجن حتى أجمع هذا المال وأستطيع أن أخلي ذمتي من هذا الكلام .. فالشاهد الدين النصيحة .. الدين النصيحة ..
الدين النصيحة لا يجوز للمسلم أن يدع بلده المسلم وأنا أعني البلد المسلم باللغة الشرعية، وليس باللغة الإقليمية أي بلاد الإسلام كلها لكن أنا أعرف مع الأسف الشديد أن كثيراً منها لا يستطيع المسلم أن يدخلها وإذا استطاع دخولها فهو لا يستطيع الإقامة فيها نعرف هذا، لكن ليست كلها بمثابة واحدة من حيث التضييق، ولذلك فهذا من باب الدين النصيحة، ألحّ على هؤلاء المسلمين الذين استوطنوا في بلاد الكفر أن يعودوا إلى بلاد الإسلام، بأي طريقة كانت فقر صبر، هذا هو الأمر الطبيعي بالنسبة للمسلم {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157] لكن أنا أقول مشكلة المسلمين اليوم أنهم يفقدون ركيزتين هامتين جداً نحن دائماً ندندن حولهما: التصفية والتربية، تصفية الإسلام بما دخل فيه مما هو غريب عنه، والتربية على هذا الأساس، اليوم تربية على الحياة الضغط والعيشة الفقر أكثر الناس لا يعرفونه، ولذلك فيُسَوِّغون لأنفسهم أن يهاجروا إلى بلاد الكفر من أجل الحصول على المال ثم يُعَلِّلون لأنفسهم أنهم سيعودون يوماً ما إلى بلادهم بعد أن يكونوا جاؤوا بالمال، هل كان السلف الصالح هكذا أم صبروا صبر أيوب عليه السلام حتى فتح الله عليهم البلاد.
ويعجبني بهذه المناسبة أن أبا هريرة الذي كان من أهل الصُفَّة ينام في
المسجد ليس له مأوى وليس له زوجة فيما بعد تزوج امرأة فيه له قصة
…
لكن لا يوجد أحد منكم يذكرها، لعله كان يخدمها أو أي شيء بعد هذا صارت زوجته وليس هذا المهم، صار أمير في بلد ما طلع المنديل وامتخط فيه فقال: كخ كخ، أبو هريرة يتنخع في المنديل نظر إلى وضعه هو الوضع السابق، لكن الحقيقة أن الصبر هو مفتاح الفرج، لكن المسلمون بحاجة إلى تربية، ولذلك الذين يهاجرون إلى تلك البلاد إما أن يكون فيهم نقص في فهمهم للإسلام، وهذا غالب على الناس، أو فيهم نقص تربية إسلامية صحيحة وهذا أغلب على الناس، ولذلك فنحن ننصح بأن يعودوا إلى بلدهم.
هنا شبهة لا بد من ذكرها بهذه المناسبة وهي شبهة غَرَّارة يغتر بها كثير من الشباب، يقولون: والله يا شيخ نحن هنا آخذين حريتنا الدينية أكثر من بلدنا، وهذا من بعض الجوانب صحيح، لكن أنا أفجئهم بحقيقة هم يعيشونها أقول لهم: هل تستطيعون أن ترفعوا أصواتكم بالأذان؟ يقولوا: لا، فأقول لهم أين الحرية التي تدّعونها؟ ثم أذكرهم بالمدى البعيد أنتم إذا كنتم تفرون بدينكم زعمتم إلى بلاد الكفر، هل بإمكانكم أن تتصوروا أنكم تستطيعون أن تقيموا دولة الإسلام حيث أنتم في أمريكا في فرنسا إلى آخره .. إلا بعد قرون وقرون طويلة، أي الأمرين أقرب أن تعودوا إلى بلادكم وأن تتعاونوا مع إخوان لكم هناك لتحققوا أولاً المجتمع الإسلامي والحياة الإسلامية التي منها ينبع إقامة دولة الإسلام والحكم بالإسلام، أم هناك أقرب؟ لا والله يقولون في بلاد الإسلام أقرب؛ لأنه لإعادة تلك البلاد الكافرة إلى مثل ما هو الوضع في البلاد الإسلامية يحتاج إلى قرون، لذلك أنتم تعيشون في أوهام تقولون نحن نعيش في حرية أكثر من بلاد الإسلام هذا وهم وهذا خيال، نعم تصلوا وتصوموا إلى آخره، لكن أكثر صيامكم وأكثر صلاتكم ليس على الوجه الشرعي، ثم دعوا هذا الجانب تسمع هناك مشاكل
يتعرض لها الشباب من حيث الزواج ببعض الكتابيات زعموا والتوالد الذي يحصل بعد ذلك، والنزاع إذا المرأة طلقته وليس هو طلقها فيبقى ولده أو ابنته معها وليس معه إلى آخره .. ، مشاكل دائماً نسأل عنها هذه ما تقع في بلاد الإسلام، لذلك تكون الحقيقة التي لا شك فيها ولا ريب أنه لا يجوز للمسلم اليوم أن يعيش في بلاد الكفر، فإذا أخرج من بلده من مسقط رأسه فيسعه أن ينتقل إلى بلاد آخر من بلاد الإسلام، هذا ما يحضرني ذكره أو رأيت من الضروري ذكره بمناسبة البحث في هذه المسألة.
مداخلة: حول هذه المسألة.
الشيخ: تفضل.
مداخلة: أيضاً يذكرون يعني شيئاً قريباً مما ذكرته شبهة بأن البلاد الآن قد استوت في الفسق والفجور الإسلامية منها والكافرة، وأن الأحكام معطّلة فما رأيكم؟
الشيخ: نحن قلنا آنفاً بالنسبة للفسق والفجور لا يجوز مشابهة بلاد الإسلام بتلك البلاد، أما أيضاً بالنسبة للأحكام صحيح مع الأسف أن كثيراً من الأحكام الإسلامية مهدورة ومهجورة، ولكن القياس هنا قياس مع الفارق، فبلاد الإسلام لا يزال فيها كثير من الأحكام على الإسلام وعلى الأقل على بعض المذاهب الإسلامية، أما هناك فليس هناك إلا القانون الذي يحكمهم جميعاً، فهذه مغالطة أيضاً يريدون بها تسويغ ما هم عليه من الإقامة المخالفة للشريعة، ثم إنني أقول أيضاً وكما يقال الكلام ذو شجون، ربنا يقول في القرآن الكريم:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] الذي يعيش في بلد كافر هل هو موال لهذا البلد أم معادي؟ نريد أن نسمع الجواب من الدكتور حتى الجو شوية يتفرغ.
مداخلة: هو موالي لذاك البلد أو معادي؟
الشيخ: نعم، أيّ مسلم يسافر إلى بلد كافر فهل هو موال لهذا البلد ولحكامه، أم هو معادي؟
مداخلة: لا هو غير موالي لهم على البلاد وحكامه ونظامه غير موالي.
الشيخ: معادي؟
مداخلة: تارة يعني ليس شرط المعادي، معادي نعم لكن قد لا يفعل شيئاً في العداء لكن هو كاره له.
الشيخ: كاره؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: فلماذا يساكنهم؟
مداخلة: إي هذه للحاجة تكون عادة كما ذكرت أنت يعني.
الشيخ: نعم، إذاً نقول في الجواب لماذا؟
مداخلة: للحاجة لأن يسكن هناك.
الشيخ: لكن الحاجة قلنا تتحقق.
مداخلة: لا عندما قلت لما ذكرت أنت بس، جواب سؤالك جميع ما ذكرت سابقاً لماذا .. هذا جواب سؤالك هل المسلم الذي يسكن في ديار الكفرة هو موالي لهم وإلا معادي؟ إذا اعتبرت مجرد السكنة هي موالاة هذا موضوع آخر بس إذا تسألني على موالاة القلب، لا المسلم غير موالي لهم عادة ساكن لكن غير موالي لهم، يعني غير محب لهم، كاره لأوضاعهم ..
الشيخ: اسمح لي الموالاة في رأيك تكون قلباً فقط أم وقالباً أيضاً؟
مداخلة: لا، قلباً وقالباً.
الشيخ: إذاً أنت خصصت قلت قلباً.
مداخلة: غير موالي لهم، غير راضي عمّا هم عليه، منكر لذلك يدعو إلى عكسه، لا يطبّقه على نفسه، الموالاة لا أراها متحققة، يعني حتى بقاءه بينهم حرام هذا أمر، بس هل هو موالي لهم ما يبدو أنه موالي، ممكن أن يسكن بينهم وهو كاره لهم كاره لما هم عليه.
الشيخ: طيب ما يتعاون معهم يا أستاذ؟
مداخلة: نعم يتعاون في الحياة العامة في الدنيا.
الشيخ: طيب.
مداخلة: هذه من الموالاة؟
الشيخ: وليس على قوانينهم؟
مداخلة: نعم يحكمونه بها.
الشيخ: كيف تكون الموالاة إذاً؟ الموالاة المحرمة كيف تكون؟
مداخلة: بس يا شيخ حتى في ديار المسلمين نُحكم بقوانين غير إسلامية.
الشيخ: لا، اسمح لي الآن خلينا ننتهي من هناك، بعدين نعود إلى بلاد الإسلام.
مداخلة: يعني هو لما ساكن معهم ما يستطيعون هم بحكم القانون أن يمشوه عليه بطبيعة الحال هو يؤديه لا يستطيع أن ينفذ منه، وإن كان البعض ينفذ من
بعضه، لكن يعني يؤدي معظمه، لكنه تنفيذ القوانين الكافرة عليه أنها مفروضة عليه هل هذه موالاة؟ هذا السؤال ينطبق حتى على بلاد المسلمين لمن ..
الشيخ: لا ما ينطبق بارك الله فيك، لكن ما أدري هذه القفزة يعني منطقية الآن من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام.
مداخلة: لا، القفزة يا شيخ هو لجواب السؤال، هل إن مجرد انطباق قوانينهم عليه كونه ينطبق عليه القوانين فيجيبهم إلى هذه القوانين، هذه موالاة، الجواب نعم تنطبق عليه قوانيهم، هذا هو جواب السؤال، هل هي موالاة؟ هذه هل هي موالاة؟ أنت ذكرت أنها موالاة، فأنا إذا أسأل أقول إن كانت موالاة فيعني كلنا في كل البلاد تنطبق علينا قوانين غير إسلامية.
الشيخ: ليسوا سواء بارك الله فيك، أنا سأقول لك الآن ما دام أنت تصر على القياس، سأقول لك هناك فرق كبير جداً، المسلم لا بد له من مأوى من كنّ يكنّه لا بد له، فلا بد له بهذا الكنّ من بلد، وهذا البلد لا بد من أن يكون إما بلداً لا أقول إسلامياً الآن خليني أكون أدق من ذي قبل، سكانه مسلمون، أو بلد آخر سكّانه كافرون، فهو آثر السكن في البلد الثاني دون الأول، وآخر آثر السكن في البلد الأول، هل يستويان مثلاً؟
مداخلة: لا، لا يستويان.
الشيخ: بارك الله فيك هذا الظن، لذلك لا يستوي قياسك للبلد الكافر مع البلد المسلم، لأن المسلم لا بد له كما قدّمت من كنّ يأوي إليه، إذاً إما أن يكون كنّه هذا في بلد مسلم أو في بلد كافر، فحينما يسكن في بلد مسلم نقول هنا مشياً معك هذا مضطر أن يساير هذا البلد في أحكامه، على أنه أنا قلت آنفاً أنه فرق بين الأحكام التي تُطَبَّق في بلاد الإسلام عن الأحكام التي تطبق في بلاد الكفر ولو
5% أو 10 % نسبة لا تهمنا، لكن المهم أن هناك فرق، فهذا الذي لا بد له من مسكن وسكن فهو مضطر أن يعيش على ضوء هذه الأحكام، لكن هنا فرق آخر، الآن أضرب لك مثلاً بين هذا البلد وذاك البلد، فيما يتعلق بالتأمين على السيارة هناك كما تعلم تأمينين: تأمين إجباري، وتأمين اختياري حسن، وفي بلد ما يجبر على التأمينين، وفي بلد آخر يجبر على تأمين واحد، البلدان في الصلاح أو في الطلاح كلاهما سواء لا فرق أبداً، ولتقريب الموضوع فاختار المسلم البلد الذي يفرض عليه التأمينان هل يقال هذا كالأول؟
مداخلة: لا ليس كالأول.
الشيخ: إذاً بارك الله فيك، ينبغي على المسلم أن يلاحظ دائماً أن هناك فرقاً ولنقولها صراحة في الموالاة، هناك فرقاً في الموالاة .. موالاة لا بد له منها كالمسلم الذي يقيم في بلاد الإسلام ويدفع ضرائب ونقود كثيرة وكثيرة جداً، فهذا معذور فإلى أين يذهب؟ هنا لا يقال له {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97] أما ذاك الإنسان الذي يحكم بقانون من ألفه إلى يائه هو كافر، وكل يوم هذا القانون بدون مبالغة كل مدة ومدة يدخل فيه تعديل لأنه من وضع البشر، ليس القانون موجود في بلاد الإسلام بهذه المثابة في البعد عن الإسلام، فيه تفاوت قَلَّ أو كثر ليس هذا موضوعنا، فإذاً فلنمشي معك .. المسلم في بلد الإسلام موالي لكن لا يستطيع إلا هذا، هذه الموالاة في الغالبية وليست قلبية، أما هناك فهي قلباً وقالباً؛ لأنه يستطيع أن ينجو من ذاك بأن يعيش في بلاد الإسلام مضطراً لمثل هذه الموالاة البدنية وليست القلبية، فأنا أرجو ملاحظة هذه الأمور لأنه في الحقيقة تساعدنا على تفهيم المسلمين الأحكام الشرعية، وعلى أن يعودوا إلى أن يكثّروا سواد أمتهم وفي عقر دارهم، بديل أن يكثّروا
سواد الكفار، أنا أضرب مثلاً بسيطاً جداً، المسلم في بلد الإسلام .. لعلكم تذكرون معي حديثاً في سنن أبي داود وفي غيره دخل رجل فقال: السلام عليكم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: عشر، دخل رجل ثاني السلام عليكم ورحمة الله، عشرون، دخل رجل ثالث قال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قال: ثلاثون، قالوا: يا رسول الله دخل فلان قلت عشر .. ، إلى آخره، قال: الأول قال: السلام عليكم، فكتب له عشر حسنات، الثاني زاد كتب له عشرون، الثالث ثلاثون، هذه الحسنات التي يحصلها المسلم في بلاد الإسلام يحصّلها ترى هناك؟
مداخلة: لا.
الشيخ: هذا مثال مصغّر جداً جداً، بل أنا أقول لك مثالاً آخر ومصغّر جداً هذا المثال يختلف من بلد مسلم إلى بلد مسلم، بل من محلة مسلمة في بلد واحد إلى محلة مسلمة أخرى، بل من بيت إلى بيت هل هناك تصغير أصغر من هذا؟ كيف هذا؟ بلد مسلم ومنه هذا البلد تقول له: السلام عليكم، يقول لك: مرحباً أين {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: 86] ليس مربى التربية الإسلامية، أقترب قليلاً لبعض الأمثلة المصغّرة السلام عليكم، وعليكم السلام .. لكن في أصغر مثال دخل قال السلام عليكم، خرج قال: السلام عليكم، داخل وخارج وهو تسجّل أتوماتيكياً حسنات متتالية الله أعلم في الأربعة وعشرين ساعة كم يكون مجموع هذه الحسنات، لماذا؟ لأنه يعيش في جو مسلم سلفي عرف قوله عليه السلام:«إذا دخل أحدكم المجلس فليسلّم، وإذا خرج فليسلّم فليست الأولى بأحق من الأخرى» هذا وما دونه من الأمثلة الكثيرة التي قربنا إليكم الحقيقة التي ننشدها لا يمكن أن تراها في بلاد الكفر أبداً، ولذلك أسأل الله عز وجل أن يلهم شبابنا المسلم بالعودة إلى دار الإسلام، وأن يتعلموا
أحكام القرآن وسنة الرسول عليه السلام وعلى منهج السلف الصالح، وأن يربوا أنفسهم ومن يلوذ بهم على هذا الإسلام المصفى، ولعل بهذا القدر كفاية إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.
مداخلة: شيخنا أذكر بس تأكيد لكلامك من قصة واقعية حصلت أمامي في أمريكا شيخنا.
الشيخ: تفضل.
مداخلة: وهي قصة يعني لا بد أن تصيب كل إنسان وهي الموت، في مدينة بعض الولايات هناك شيخنا اسمها ديترويت شيخنا، هذه المدينة لعلها الوحيدة في ما أعلم التي يأذنوا لها بالأذان، وليس كل المساجد حتى، نعم شيخنا ..
الشيخ: نعم.
مداخلة: هي الوحيدة التي يؤذن فيها بالأذان علناً بالسماعة؛ لأن كثير فيها يمنيين أردنيين ولبنانيين وكذا من المسلمين، ومع ذلك ليس كل المساجد، ففي قريب من المسجد اشتروا قطعة أرض ملتصقة بمقبرة النصارى لكي يدفنوا فيها موتى المسلمين، ففي اليوم الذي كنت فيه هناك مات أحد الإخوة يمني، كان له فيها فترة قبل أن يتوفى رحمة الله عليه، وذهبوا ليدفنوه فذهبت معهم فإذا بالدفن على الطريقة الأمريكية شيخنا.
الشيخ: لازم؟
مداخلة: لا بد، وفي لجنة من الشرطة ومن البلدية ومن محافظة المدينة واقفة تراقب.
الشيخ: ما المقصود من المراقبة؟
مداخلة: تراقب حتى لا يخالفوا الشروط؛ لأن الشرط لازم يفرّغوا معدته من كل الأمعاء وغير ذلك، وبعدين يدفنوه في التابوت ويجعلوه كذا .. وشغلات عجيبة جداً، فأنا سمعت أكثر من واحد من ضمنهم والد أخونا زكريا الشيشاني كان هناك وفي نفس الوقت قال: والله بعد هذا لن أبقى أبداً هنا؛ لعل الواحد يموت مثل هذه الموتة، فموتة الإنسان ما يستطيع أن تكون على شريعة الله وهي شيء يسير ويستطيع أن يقوم به.
مداخلة: شيخنا فيه تعقيب مهم جداً.
الشيخ: تفضل.
مداخلة: ويرجع له أكثر الشباب الذي هو السفر إلى بلاد الغرب بحجة الحصول على جواز السفر.
الشيخ: هذه ختم للموالاة.
مداخلة: أنا أردت منك تعليق لهذا لأني أريد أن تُنشر هذا التعليق إن كانت هناك إمكانية.
الشيخ: أخونا اصمادي اسمه؟
مداخلة: نعم رائد اصمادي.
الشيخ: رائد اصمادي، أنتم تعرفوا أنه مقيم في هنجاريا، سألني منذ أسبوع تقريباً طبعاً بالهاتف وقال لي وأولاً كان قد سألني عن الجهاد في البوسنة والهرسك، قلت أنا لا أعتقد أن هناك جهاد، وكما تعلمون هذا دائماً رأينا الجهاد لا يكون جهاد أفراد للكفار هؤلاء الذين عنده كل وسائل القتال والتدمير، وإنما يكون بجهاد الدول الإسلامية، لكن الدول الإسلامية كما تعلمون، لكن إذا كان
فيه مجال للمساعدة سواء بالمال أو العلاج والدواء وما أشبه ذلك، فهذا أقل ما يجب، هذا تحدثنا معه سابقاً، فجاءني منذ أسبوع تقريباً يقول: الآن لإيصال هذه المساعدات إلى تلك البلاد لا يمكن للرجل العربي المسلم أن يدخلها إلا بجواز أجنبي، فهل يجوز أن أستخرج أنا جواز هنجاري من أجل أن أتمكن من إدخال هذه المساعدات؟ قلت له: لا يجوز، لأن هذا هو ختم لموالاة الكفار؛ لأنك تعني أني أنا أريد أكون محكوماً بهذا النظام الكافر، ولذلك أنت تستنجد وترجو هؤلاء أن يعطوك هذا الجواز الكافر، وأنا دائماً أقول بأن هذا من تمام الموالاة للكفار وأيضاً كثيراً ما سئلت ولعل الدكتور يعرف هذه الحقيقة أن المسلم مثلاً الذي يعيش في تلك البلاد حتى يكون له الحقوق التي تعطى للمواطن الأمريكي لا بد هو أن يكون عنده جواز أمريكي، وليحصل على جواز أمريكي يمكن أن يتزوج أمريكية فيحصل على الجواز الأمريكي صحيح هذا؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: فنقول نحن الغاية لا تبرر الوسيلة! هذه قاعدة ليست إسلامية أبداً، فلذلك استحصال الجواز هذا عين الموالاة وتحقيق للموالاة تماماً للكفار حتى أيضاً من مشاكل الإقامة في تلك البلاد لعلي عرفت هذا من أخونا الرائد، ولعل هذا موجود أيضاً في تلك البلاد يُعطى المقيمون في تلك البلاد راتب إذا كان ما عنده عمل موجود هذا في أمريكا؟
مداخلة: نعم.
الشيخ: موجود سبحان الله، ربنا يقول:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: 141] ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قول: «اليد العليا خير من اليد السفلى» واليد العليا هي المعطية واليد السفلى هي الآخذة، فكيف يمد المسلم
يده لينال مالاً أو صدقة من يد كافر، العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا مؤمنين حقاً وبهذا القدر كفاية، والحمد لله رب العالمين.
(الهدى والنور/617/ 39: 00: 00).
(الهدى والنور/617/ 28: 42: 00).