الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخروج مع جماعة التبليغ
مداخلة: فضيلة الشيخ حفظك الله! أرجو منكم النصيحة بالنسبة للخروج مع جماعة التبليغ، حيث أن هذه الجماعة بدأت تأخذ بعض الشباب في الخروج والنصيحة حيث يوجد شباب كثيرون يخرجون معهم وجزاكم الله خيرًا.
الشيخ: نحن نعيش في جونا السوري والأردني في نفس الجو الذي أنتم تذكرون الآن أنكم تعيشون فيه، لا شك أن أي جماعة تنتمي إلى الإسلام الذي أصله الأول وركنه الأساسي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فهو منا له ما لنا وعليه ما علينا، ولكن قد سمعتم آنفًا حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل أحاديث كثيرة ذكرنا آنفًا بعضها أن الفرقة الناجية إنما هي التي تتعبد الله تبارك وتعالى على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى ما كان عليه أصحابه وما اتبعهم عليه من جاؤوا من بعدهم بإحسان إلى يوم الدين.
لذلك خص النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل القرون الثلاثة بالخيرية، فمن سار على دربهم فهو الذي نسير معهم ومن خرج عن طريقهم فلا نسير معهم، وندعو الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياهم على السير على هذا الصراط المستقيم.
نحن نعرف من هؤلاء الجماعة أن فيهم خيرًا كثيرًا، وأنهم في الغالب يظنون أن ما هم عليه من هذا الخروج أنهم على خير ولا أدل على ظنهم هذا من أنهم يسمون خروجهم هذا: خروجًا في سبيل الله، هذا اصطلاح حادث لأمر حادث أو في أمر حادث كلاهما مخالف لما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لو أن بعض أهل العلم
خرجوا للدعوة إلى الله إلى كتاب الله وإلى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكان هذا مما يحمدون عليه، وبخاصة في هذا العصر الحاضر الذي كثر فيه عدد المسلمين وقل فيه عدد المرشدين، فلو خرج من علمائهم أفراد كثيرون ينتشرون في مختلف البلاد الإسلامية يدعون الأمة إلى اتباع الكتاب والسنة لكان ذلك مما لا يختلف فيه اثنان ولا ينتطح فيه كبشان، فإن الخروج في سبيل الدعوة إلى الله من أهل العلم هي سنة الأنبياء والرسل والصحابة الذين ساروا على دربهم وعلى طريقهم.
أما خروج العشرات أو المئات من بلد إلى بلد آخر قد لا يكون فيهم إلا عالم أو طالب علم، فهذا بلا شك لم يكن عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن ننصح هؤلاء أن يخرج علمائهم إذا كان لديهم علماء بالمعنى الصحيح وهو: العالم بكتاب الله وبحديث رسول الله وعلى منهج السلف الصالح ننصح أن يخرج من كان من علمائهم على هذا المنهج لدعوة الناس وهدايتهم وإرشادهم، كما ننصح الآخرين الذين يخرجون مع مثل هذا العالم زرافات وجماعات كثيرة، ننصحهم أن يقبعوا في بلادهم وأن يترددوا على مساجدهم، وأن يعقدوا هناك الحلقات العلمية التي جاء وصفها في بعض الأحاديث الصحيحة:«ما جلس قوم مجلسًا يتلون فيه كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وحَفَّتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، وذَكَرَهم الله فيمن عنده» هذا خير لهم من أن يخرجوا كما ذكرنا وهم لا علم عندهم.
قلت آنفًا بأن مثل هذا الخروج يخالف السنة مرتين:
المرة الأولى: عمليًا فإن مثل هذا الخروج الكثير عدده القليل علمه لم يكن معروفًا إلى هذا القرن الأخير من بعد تلك القرون الطويلة، فضلًا عن القرون
المشهود لهم بالخيرية، فهذا بلا شك من محدثات الأمور، أي: هذا الخروج بهذه الكثرة الكاثرة لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا في عهد الخلفاء الراشدين، ولا في عهد الأئمة المجتهدين، ولا في عهد العلماء المقلدين إلى هذا العصر حدثت هذه الجماعة يخرجون بهذه الكثرة الكاثرة بدل أن يجلسوا كما قلنا يتدارسون كتاب الله تبارك وتعالى فهذا من محدثات الأمور.
وضغثاً على إبالة: يسمون هذا الخروج بغير اسمه يسمونه: خروجًا في سبيل الله ووضعوا له نظامًا، هذا النظام لا أصل له ثلاثة أيام أربعين يومًا وغير ذلك من التفاصيل التي لا أستحضرها الآن فهي محدثة فعلًا واسمًا.
وعندنا بعض الأخبار الكثيرة أنهم بسبب عدم معرفتهم بالعلم الصحيح يقعون في كثير من المشكلات فتارة يروون الأحاديث الضعيفة والموضوعة وتارة يفتون بفتاوى يتبعون فيها شيخًا دون أن يعرفوا مأخذه ومصدره من كتاب الله تبارك وتعالى.
من أجل هذا وهذا ولنا مجالس كثيرة ولقاءات عديدة مع بعض الأفراد منهم ممن نرجو أن يكونوا مخلصين في خروجهم هذا وإن كانوا مخطئين وإذا كان العمل قصده قصد فاعله حسن لكن عمله ليس مشروعًا فقصده الحسن لا يفيده شيئًا ما دام أن عمله على خلاف سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في حديث البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وكذلك جرى أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذم كل المحدثات ولو كانت عند الناس حسنة كما صح عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة هذا يقوله عبد الله بن عمر بن الخطاب: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة، فمحدثات الأمور
هي من المحدثات للناس؛ لأنها من تلك الطرق التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك ننصح ونكرر النصيحة بالعودة إلى السنة ففيها الكفاية كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة.
لا شك أن هؤلاء الذين يخرجون ذلك الخروج إنهم يجتهدون فكثير منهم يعطل أعماله يعطل مصالحه يعطل تجارته يترك أهله وأولاده خارجًا فيما يزعمون في سبيل الله فهذا اجتهاد لو كان على السنة كما .... ولكنه كما قال عبد الله بن مسعود: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة، وإليكم أخيرًا قصة وقعت لهذا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه يطبق فعله على قوله السابق: اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة.
لقد روى الإمام الدارمي في سننه بسنده الصحيح أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه وهو صحابي جليل كما تعلمون جاء ذات صباح إلى بيت دار ابن مسعود فوجد الناس عنده ينتظرونه فلما خرج قال يا أبا عبد الرحمن لقد رأيت آنفًا في المسجد شيئًا أنكرته والحمد لله لم أر إلا خيرًا، انظروا كيف جمع بين انكاره للشيء مع أنه لم ير إلا خيرًا ذلك هو الاجتهاد في البدعة، قال: ماذا رأيت يا أبى موسى؟ قال: رأيت في المسجد أناس حلقًا وفي وسط كل حلقة منها رجل يقول لمن حوله: سبحوا كذا احمدوا كذا كبروا كذا، وأمام كل رجل منهم حصى يعد به التسبيح والتكبير والتحميد، قال ابن مسعود رضي الله عنه: أفلا أنكرت عليهم أفلا أمرتهم أن يَعُدُّوا سيئاتهم وأنا الضامن لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء، قال: لا انتظار أمرك أو انتظار رأيك فهذا خلق من أخلاق سلفنا الصالح يعترف العالم بفضل أخيه الأعلم منه ولا يتقدم بين يديه لتصرف إلا بعد أن يستأذنه.
هذه جملة معترضة لنقيس أنفسنا اليوم مع أدب ذلك السلف الصالح بعضهم مع بعض ففي كثير من المجالس لا يكاد يطرح سائل ما سؤالًا ما إلا ويبتدر بالجواب بعض الأقزام ضعاف العلم وهم يرون هناك علماء فحولًا لا يسكتون ليتكلم من يحق له الكلام، انظروا الفرق بين هذا الزمان وبين ذاك الزمان، إن أبا موسى لما رأى ما أنكره قال: حتى أستشير من هو أعلم مني وهو عبد الله بن مسعود لذلك لما قال ابن مسعود له: أفلا أنكرت عليهم أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء؟ قال له: لا، انتظار أمرك أو انتظار رأيك.
فرجع ابن مسعود إلى داره وخرج متلثما لا يرى منه إلا عيناه حتى دخل المسجد ورأى ما وصف له حينئذٍ كشف عن وجهه القناع واللثام وقال: ويحكم ما هذا الذي تصنعون أنا عبد الله بن مسعود صحابي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا وصدقوا فيما قالوا وهذا شأن كثير من الذين يكونون مخلصين في ابتداعهم لكن يكونون متبعين على غير هدى من ربهم، قالوا لما سمعوا إنكار ابن مسعود البالغ عليهم قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلى الخير، هنا الشاهد من هذه القصة أن مجرد قصد الخارج في سلوك طريق ما لم يسلكه.
الشيخ: .. أن يكون على الكتاب والسنة، لهذا قال ابن مسعود ردًا عليهم في قولهم: والله يا أبا عبد الرحمن - كنية عبد الله بن مسعود - يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير قال: وكم من مريد للخير لا يصيبه، حكمة بالغة وكم من مريد للخير لا يصيبه، هذا كما قيل قديمًا:
ترجوا النجاة ولم تسلك مسالكها
…
إن السفينة لا تجري على اليبس
لا بد للسفينة من ماء سائل فتسير وتمشي فيه، هكذا لا بد للمسلم من أن
يكون طريقه السنة حتى يصل به إلى الجنة، قال ابن مسعود: وكم من مريد للخير لا يصيبه، لماذا؟ لأنه لم يسلك طريقه، ثم قال ابن مسعود مؤكدًا قوله: إن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم حدثنا فقال: «إن أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم» كناية عن أنهم يقرؤون القرآن بألسنتهم فقط، ولكن ما يقرؤونه لا يصل إلى قلوبهم، حدثنا يقول نبينا صلى الله عليه وآله وسلم:«إن أقوامًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» قال شاهد هذه القصة: فلقد - وهنا العبرة البالغة - قال الشاهد المشار إليه: فلقد رأينا أولئك الأقوام يقاتلوننا يوم النهروان، انتهت القصة التي رواها الدارمي في سننه بسنده الصحيح عن ابن مسعود.
ما معنى نهاية هؤلاء الأقوام الذين جلسوا يذكرون الله، ولكن بطريقة ما جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما كانت عاقبة أمرهم؟ قال الراوي: فلقد رأينا أولئك الأقوام يقاتلوننا مع الخوارج يوم النهروان حينما قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه فاستأصل شأفتهم، وكان منهم أصحاب الحلقات يعني: أصحاب النوايا الطيبة ولكن للأعمال الصالحة، ولذلك قال تعالى في القرآن الكريم، وبذلك أختم هذا الجواب وقد طال بعض الجواب فأرجو المعذرة، والجواب يتحمل إطالة أكثر فأكثر، وحسبنا أن نختم هذا الجواب بقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] قال علماء التفسير: {فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: 110] على السنة {وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] أي: فليكن في عبادته مخلصًا لله، فإذا اختل أحد هذين الشرطين ذهب العمل هباءً منثورًا، نسأل الله عز وجل أن يحيينا على السنة وأن يميتنا عليها.
(رحلة النور 33 a/00: 28: 51)(33 b/00: 00: 00)