الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب منه
مداخلة: النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن التشبه باليهود والنصارى.
الشيخ: نعم.
مداخلة: فما ضوابط هذا التشبه يعني: هل هو في جميع الأمور الدينية والدنيوية المميزة وغير المميزة؟
الشيخ: نعم، لا شك أن ما كان من الأمور الدينية عند المخالفين للإسلام فهي كلها مما ينهى المسلم أن يتشبه بهم فيها أما ما لم يكن من أمورهم الدينية وإنما هي من عاداتهم فهذه ينظر إليها بالتفصيل التالي:
إذا كانت عادة من تلك العادات ولو لم تكن من القسم الأول من العبادات عندهم ومما يأمرهم دينهم بذلك ولو كان هذا الدين منحرف كما هو معلوم فننظر إلى هذه العادة: إذا كانت عادة اختص الكفار بها فحينئذٍ يظل حكم النهي عن التشبه بهم وارداً، وفي الحالة الأخرى: إذا لم تكن هذه العادة خاصة بهم لا يكون المسلم متشبهاً بهم فيها ولكن المسألة في الشرع تأخذ طوراً آخر وهو يدخل في باب قصد المخالفة للمشركين، فهناك تشبه بالمشركين وهناك قصد لمخالفة المشركين، في قصد المخالفة ليس من الضروري أن نتصور بأن المسلم إذا فعل فعل الكفار وكان هذا الفعل ليس من عاداتهم الخاصة بهم فليس من الضروري أن نتصور بأنه في الوقت الذي هو لم يتشبه بهم فليس معنى ذلك أنه لا يشرع له أن يتقصد مخالفتهم في ذلك الفعل ولو لم يكن من عادتهم أو شعاراً
لهم.
فنحن نعلم من بعض الأحاديث النبوية أن قصد مخالفة المشركين في عاداتهم غاية مشروعة في الإسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلل بمخالفة الكفار بعض الأوامر التي أمرنا بها، من مثل ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:«صلوا في نعالكم وخالفوا اليهود» هناك فرق كبير كما يذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم: بين أن يكون الرسول عليه السلام قال: «صلوا في نعالكم» فقط، وبين أن يكون كما صح عنه:«صلوا في نعالكم وخالفوا اليهود» فإن هذا الشطر الثاني من الحديث يعطينا ويوحي إلينا بأن مخالفة اليهود غاية مشروعة؛ ولذلك كانت الحكمة في عدم الاقتصار على قوله فقط: «صلوا في نعالكم» وإنما أضاف إليها: «وخالفوا اليهود» ؛ لأن في هذه ضميمة ألا وهو قوله عليه السلام: «وخالفوا اليهود» إشعار بأن من مقاصد الشارع الحكيم أن يقصد المسلم مخالفة اليهود.
كذلك مثلاً في الحديث الآخر المشهور وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «حفوا الشارب وأعفوا اللحى وخالفوا اليهود والنصارى» .
والأحاديث بهذا المعنى كثيرة وكثيرة جداً حتى وصل الأمر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم واهتمامه في هذه المسألة إلى أنه أمرنا بمخالفة اليهود في شيء ليس من عملهم وليس من صنعهم وكسبهم وإنما هو من خلق الله عز وجل فيهم ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون شعورهم فخالفوهم» وقد جاءت أحاديث معروفة في الحض على تغيير الشيب، لكن المهم من هذه الأحاديث حديثنا هذا؛ لأنه يؤكد لنا المعنى الذي ذكرته آنفا ألا وهو أن قصد المسلم مخالفة غير المسلمين هو حكم شرعي عام بدليل أن اليهود والنصارى يشيبون كما يشيب
المسلمون وأن شيبهم ليس من عملهم وإنما هو من سنة الله عز وجل في خلقه: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 62] فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر المسلمين أن يتقصدوا مخالفة المخالفين لهم في أمر ليس من عملهم ألا وهو شيب شعرهم فأولى وأولى أن يأمرنا بمخالفتهم فيما هو من كسبهم ومن أعمالهم، فإذا عرفنا هذا التفصيل عرفنا أين يكون التشبه وهو يمكن حصره في عباداتهم وفي عاداتهم المميزة لهم على غيرهم، فإذا لم يكن ذلك من عباداتهم ولا هو من أعمالهم التي تميزهم على المسلمين جاء في الحكم الثاني وهو المخالفة، ولذلك فأمام المسلمين أمر يجب أن يتوسعوا فيه ليكونوا شخصيتهم الإسلامية وذلك بأن يتقصدوا مخالفة الكفار في أعمالهم كلها بدون استثناء ما دام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرنا أن نخالفهم في شيبهم.
وبهذه المناسبة أقول: والشيء بالشيء يذكر كما يقال أنه جمعني مجلس مرة مع قسيس من قساوس النصارى فجرى بحث طويل بيني وبينه والقصة فيها طول وفيها فائدة ولكن الوقت ضاق باقي معنا نحو خمس دقائق، ولذلك فأذكر منها ما يتعلق بهذا المقام، لقد أنكر هذا القسيس على المسلمين أنهم حكموا بكفر الذي كان من قبل يسمى: بمصطفى كمال باشا ثم سمي ب: أتاتورك أبو الأتراك والذي يعني حاد بالأتراك المسلمين عن كثير من أحكام دينهم كما هو معلوم، فهذا القسيس هاجم المسلمين ونسبهم إلى الغلو في تكفيرهم لأتاتورك هذا، بزعمه هو أنه لم يصنع شيئاً يذكر ويستحق عليه التكفير سوى أنه فرض على الشعب التركي القبعة - البرنيطة معروفة هذه البرنيطة عندكم - وهي القلانس والتي لها مظلة إما مظلة كاملة، أو مظلة أمامية فكان ردي عليه من ناحيتين:
الناحية الأولى، ولا أطيل فيها: أن الرجل لم يخالف الإسلام فقط في هذه
الناحية، وإنما غَيَّر كثيراً من أحكام الشريعة منها: أنه جعل للأنثى في الإرث مثل حظ الذكر.
أما بما يتعلق بمسألة البرنيطة فهنا خضت معه بحثاً طويلاً خلاصته: أن الإسلام من كماله أنه وضع أحكاماً وتشريعات في سبيل أن يحافظ المسلمون بها على شخصيتهم الإسلامية لكي لا يميعوا مع الزمن في شخصية أمة أخرى، وذكرت له والرجل مع الأسف مثقف؛ لأن علماء الاجتماع يقولون: بأن أي شعب يريد أن يحافظ على شخصيته فعليه أن يحافظ على تقاليده وعلى تاريخه وعلى لغته، هذا أمر مُسَلَّم لديهم في علم الاجتماع فقلت له: فكان من فضل الإسلام وكمال تشريعه أنه شرع للمسلمين أن يحافظوا على شخصيتهم المسلمة وألا يتشبهوا بالمخالفين لهم، بل وأن يتقصدوا مخالفتهم كما شرحت لكم أنفاً.
فهذا الرجل أتاتورك وهنا الشاهد من هذا المثال: لو كان يريد الخير للشعب التركي المسلم ووجد فرضاً في القبعة مصلحة لا يجدها في لباس آخر لكان باستطاعته أن يجعل فارقاً بين قبعة المسلم التركي وقبعة غير المسلم التركي، كان يجعل مثلاً شريطاً على قبعة المسلم كل من يرى هذا المسلم المتبرنط يقول هذا مسلم ولو أنه لبس لباس الكفار؛ لكن الرجل فعل ما فعل عداءً لدين الإسلام؛ ولذلك حكم عليه علماء المسلمين بالكفر والردة والخروج عن دين الإسلام.
بحث طويل كان بيني وبينه في هذه القضية حتى ألهمني الله عز وجل فقلت له: بعد أن قال لي: هذه القضية يعني لباس صار أمر أممي وليس خاصاً بشعب من الشعوب أو بدين من الأديان، فجئته من ناحية حساسة هذا القسيس لبناني والقساوسة اللبنانيون لهم زي خاص، فأولاً لباسهم سوادٌ في سواد، وثانياً: قلنسوتهم هي كطربوش إذا تعرفونه طربوش الأحمر، ولكنه طويل ضعف
الطربوش طولاً وأسود.
مداخلة: مثل الهرم يعني.
الشيخ: لا الهرم يبقى رأسه رفيع هذا يكون مثل السطر يعني هكذا، الشاهد قلت له: هل أفهم من كلامك أن اللباس ليس له علاقة بالدين؟ أنه مثلاً بالنسبة إليك أنت يجوز أن ترفع هذا القلنسوة وتضع على رأسك الطربوش الأحمر وعليه العمامة البيضاء فمن نظر إليك ظن فيك أنك شيخ من شيوخ المسلمين، قال: لا لا لا، قلت: لم هذا لباس وليس له علاقة بالدين؟ قال: لا، نحن - علماء النصارى يعني - نحن رجال الدين ولنا زي خاص من بين النصارى عموماً لنا زي خاص، فألهمني الله عز وجل وقلت له كلمة يعني سقط من بعدها تماماً وتبين أنه لا مجال لأحد أن يجادل في الإسلام، قلت له: هذا هو الفرق بيننا نحن معشر المسلمين وبينكم أنتم معشر النصارى فنحن لا فرق عندنا بين عالم ومتعلم وغير متعلم ما دام أنه يجمعنا الإسلام فما لا يجوز لأكبر عالم لا يجوز لأقل مسلم هذا عندنا، أما عندكم فعندكم رجال دين ورجال لا دين هكذا قلت له بدليل أنك تقول: هذا لباس خاص بكم أنت معشر القسيسين أما النصارى الآخرون فيلبسون ما يشاؤون لا هذا عندنا لا يجوز، ما يحرم على أكبر إنسان وأتقى إنسان يحرم على أصغر، وما لا يجوز أن يلبسه العالم لا يجوز أن يلبسه الأمي وهكذا.
مداخلة: يا شيخ.
الشيخ: فسقط في يدي والحقيقة هذه من فضائل الشريعة الإسلامية ولعل في هذا القدر كفاية والحمد لله رب العالمين.
مداخلة: يا شيخ نقطتان تتعلق بالموضوع.
الشيخ: نعم.
مداخلة: أقول نقطتان تتعلق بالموضوع: ذكرت لنا التشبه في الأمور الخاصة التشبه المحرم، لكن الأمور التي كانت خاصة ثم أصبحت عامة لجميع الناس فهل يندرج الحكم أو يصطحب الحكم؟
الشيخ: لا تنسى المرحلة الثانية المخالفة.
مداخلة: المخالفة واجبة هذه النقطة الثانية.
الشيخ: وكيف لا؟ ! ما سمعت الأمر من الرسول في أكثر من حديث؟
(الهدى والنور /337/ 19: 17: 00)
(الهدى والنور /337/ 57: 25: 00)
(الهدى والنور /337/ 14: 35: 00)