الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الْمسْح على الْخُفَّيْنِ)
لما كَانَ مبْنى الْوضُوء على غسل الْأَعْضَاء الظَّاهِرَة الَّتِي تسرع إِلَيْهَا الأوساخ، وَكَانَت الرّجلَانِ تدخلان عِنْد لبس الْخُفَّيْنِ فِي الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة، وَكَانَ لبسهما عَادَة متعارفة عِنْدهم، وَلَا يَخْلُو الْأَمر بخلعهما عِنْد كل صَلَاة من حرج سقط غسلهمَا عِنْد لبسهما فِي الْجُمْلَة، وَلما كَانَ من بَاب التَّيْسِير الاحتيال بِمَا لَا يسترسل مَعَه النَّفس بترك الْمَطْلُوب اسْتَعْملهُ الشَّارِع هَهُنَا من رُجُوع ثَلَاثَة.
أَحدهَا التَّوْقِيت بِيَوْم وَلَيْلَة للمقيم، وَثَلَاثَة أَيَّام ولياليها للْمُسَافِر لِأَن الْيَوْم بليلة مِقْدَار صَالح للتعهد يَسْتَعْمِلهُ النَّاس فِي كثير مِمَّا يُرِيدُونَ تعهده، وَكَذَلِكَ ثَلَاثَة أَيَّام بلياليها فوزع المقداران على الْمُقِيم وَالْمُسَافر لمكانهما من الْحَرج.
وَالثَّانِي اشْتِرَاط أَن يكون لبسهما على طَهَارَة ليتمثل بَين عَيْني الْمُكَلف أَنَّهُمَا كالباقي على الطَّهَارَة قِيَاسا على قلَّة وُصُول الأوساخ إِلَى الْأَعْضَاء المستورة، وأمثال هَذِه القياسات مُؤثرَة فِيمَا يرجع إِلَى تَنْبِيه النَّفس.
وَالثَّالِث أَن يمسح على ظاهرهما عوض الْغسْل إبْقَاء لمذكر ونموذج.
وَقَالَ عَليّ رضي الله عنه: لَو كَانَ الدّين بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَل الْخُف أولى بِالْمَسْحِ من أَعْلَاهُ.
أَقُول: لما كَانَ الْمسْح إبْقَاء لنموذج الْغسْل لَا يُرَاد مِنْهُ إِلَّا ذَلِك، وَكَانَ الْأَسْفَل مَظَنَّة لتلويث الْخُفَّيْنِ عِنْد الْمَشْي فِي الأَرْض كَانَ الْمسْح على ظاهرهما دون باطنهما معقولا وموافقا بِالرَّأْيِ، وَكَانَ رضي الله عنه من أعلم النَّاس بِعلم مَعَاني الشَّرَائِع كَمَا يظْهر من كَلَامه وخطبه، لَكِن أَرَادَ أَن يسد مدْخل الرَّأْي لِئَلَّا يفْسد الْعَامَّة على أنفسهم دينهم
(صفة الْغسْل)
على مَا روته عَائِشَة ومَيْمُونَة، وتطابق عَلَيْهِ الْأمة أَن يغسل يَدَيْهِ قبل إدخالهما الْإِنَاء، ثمَّ يغسل مَا وجد من نَجَاسَة على بدنه وفرجه، ثمَّ يتَوَضَّأ كَمَا يتَوَضَّأ للصَّلَاة، ويتعهد رَأسه بالتخليل، ثمَّ يصب المَاء على جسده،
وَاخْتلفُوا فِي حرف وَاحِد يُؤَخر غسل الْقَدَمَيْنِ أَولا؟ وَقيل بِالْفرقِ بَين مَا إِذا كَانَ فِي مستنقع من الأَرْض وَمَا إِذا لم يكن كَذَلِك.
أما غسل الْيَدَيْنِ فَلَمَّا مر الْوضُوء.
وَأما غسل الْفرج فلئلا تتكثر النَّجَاسَة بإسالة المَاء عَلَيْهَا، فيعسر غسلهَا وَيحْتَاج إِلَى مَاء كثير، وَأَيْضًا لَا يصفو الْغسْل لطهارة الْحَدث. وَأما الْوضُوء فَلِأَن من حق الطَّهَارَة الْكُبْرَى أَن تشْتَمل على الطَّهَارَة الصُّغْرَى وَزِيَادَة ليتضاعف تنبه النَّفس لخلة الطَّهَارَة، وَأَيْضًا فالوضوء فِي الْغسْل من بَاب تعهد المغابن فَإِنَّهُ إِذا أَفَاضَ على رَأسه المَاء لَا يستوعب الْأَطْرَاف إِلَّا بتعهد واعتناء.
وَأما تَأْخِير غسل الْقَدَمَيْنِ فلئلا يتَكَرَّر غسلهمَا بِلَا فَائِدَة اللَّهُمَّ إِلَّا الْمُحَافظَة على صُورَة الْوضُوء، ثمَّ كمل الْغسْل بالندب إِلَى التَّثْلِيث والدلك وتعهد المغابن وتأكيد السّتْر.
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " إِن الله حييّ ستير " تَفْسِيره قَوْله: " يحب الْحيَاء والستر " والستر من أعين النَّاس وَاجِب، وَكَونه بِحَيْثُ لَو هجم إِنْسَان بِالْوَجْهِ الْمُعْتَاد لم ير عَوْرَته مُسْتَحبّ.
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " خذي فرْصَة من مسك فتطهري بهَا " يَعْنِي تتبعي بهَا أثر الدَّم أَقُول إِنَّمَا أَمر الْحَائِض بالفرصة الممسكة لمعان مِنْهَا زِيَادَة الطَّهَارَة إِذْ الطّيب يفعل فعل الطَّهَارَة، وَإِنَّمَا لم يسن فِي سَائِر الْأَوْقَات احْتِرَازًا عَن الْحَرج.
وَمِنْهَا إِزَالَة الرَّائِحَة الكريهة الَّتِي لَا يَخْلُو عَنْهَا الْحيض.
وَمِنْهَا انْقِضَاء الْحيض والشروع فِي الطُّهْر وَقت ابْتِغَاء الْوَلَد وَالطّيب يهيج تِلْكَ الْقُوَّة.
وَاخْتَارَ الصَّاع إِلَى خَمْسَة أَمْدَاد للْغسْل، وَالْمدّ للْوُضُوء لِأَن ذَلِك مِقْدَار صَالح فِي الْأَجْسَام المتوسطة،
قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: " تَحت كل شَعْرَة جَنَابَة فَاغْسِلُوا الشّعْر وانقوا الْبشرَة: وَقَوله صلى الله عليه وسلم: " من ترك مَوضِع شَعْرَة من الْجَنَابَة لم يغسلهَا فعل بهَا كَذَا وَكَذَا ": سر ذَلِك مثل مَا ذَكرْنَاهُ فِي اسْتِيعَاب الْوضُوء من أَنه تَحْقِيق لِمَعْنى الْغسْل، وَأَن الْبَقَاء