المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الإيمان بصفات الله تعالى) - حجة الله البالغة - جـ ١

[ولي الله الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَاب الإبداع والخلق وَالتَّدْبِير)

- ‌(بَاب ذكر عَالم الْمِثَال)

- ‌(بَاب ذكر الْمَلأ الْأَعْلَى)

- ‌(بَاب ذكر سنة الله الَّتِي أُشير إِلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلنْ تَجِد لسنة الله تبديلا} )

- ‌(بَاب حَقِيقَة الرّوح)

- ‌(بَاب سر التَّكْلِيف)

- ‌(بَاب انْشِقَاق التَّكْلِيف من التَّقْدِير)

- ‌(بَاب اقْتِضَاء التَّكْلِيف المجازاة)

- ‌(بَاب اخْتِلَاف النَّاس فِي جبلتهم المستوجب لاخْتِلَاف أَخْلَاقهم وأعمالهم ومراتب كمالهم)

- ‌(بَاب فِي أَسبَاب الخواطر الباعثة على الْأَعْمَال)

- ‌(بَاب لصوق الْأَعْمَال بِالنَّفسِ وأحصائها عَلَيْهَا)

- ‌(بَاب ارتباط الْأَعْمَال بالهيئات النفسانية)

- ‌(بَاب أَسبَاب المجازاة)

- ‌(المبحث الثَّانِي)

- ‌(مَبْحَث كَيْفيَّة المجازاة فِي الْحَيَاة وَبعد الْمَمَات)

- ‌(بَاب الْجَزَاء على الْأَعْمَال فِي الدُّنْيَا)

- ‌(بَاب ذكر حَقِيقَة الْمَوْت)

- ‌(بَاب اخْتِلَاف أَحْوَال النَّاس فِي البرزخ)

- ‌(بَاب ذكر شَيْء من أسرار الوقائع الحشرية)

- ‌(المبحث الثَّالِث)

- ‌(مَبْحَث الارتفاقات)

- ‌(بَاب كَيْفيَّة استنباط الارتفاقات)

- ‌(بَاب الارتفاق الأول)

- ‌(بَاب فن أداب المعاش)

- ‌(بَاب تَدْبِير الْمنزل)

- ‌(بَاب فن الْمُعَامَلَات)

- ‌(بَاب سياسة الْمَدِينَة)

- ‌(بَاب سيرة الْمُلُوك)

- ‌(بَاب سياسة الأعوان)

- ‌(بَاب الارتفاق الرَّابِع)

- ‌(بَاب اتِّفَاق النَّاس على أصُول الارتفاقات)

- ‌(بَاب الرسوم السائرة فِي النَّاس)

- ‌(المبحث الرَّابِع)

- ‌(مَبْحَث السَّعَادَة)

- ‌(بَاب حَقِيقَة السَّعَادَة)

- ‌(بَاب اخْتِلَاف النَّاس فِي السَّعَادَة)

- ‌(بَاب توزع النَّاس فِي كَيْفيَّة تَحْصِيل هَذِه السَّعَادَة)

- ‌(بَاب الْأُصُول الَّتِي يرجع إِلَيْهَا تَحْصِيل الطَّرِيقَة الثَّانِيَة)

- ‌(بَاب طَرِيق اكْتِسَاب هَذِه الْخِصَال وتكميل ناقصها ورد فائتها)

- ‌(بَاب الْحجب الْمَانِعَة عَن ظُهُور الْفطْرَة)

- ‌(بَاب طَرِيق رفع هَذِه الْحجب)

- ‌(المبحث الْخَامِس)

- ‌(مَبْحَث الْبر وَالْإِثْم)

- ‌(مُقَدّمَة فِي بَيَان حَقِيقَة الْبر وَالْإِثْم)

- ‌(بَاب التَّوْحِيد)

- ‌(بَاب فِي حَقِيقَة الشّرك)

- ‌(بَاب أَقسَام الشّرك)

- ‌(بَاب الْإِيمَان بِصِفَات الله تَعَالَى)

- ‌(بَاب الْإِيمَان بِالْقدرِ)

- ‌(بَاب الْإِيمَان بِأَن الْعِبَادَة حق الله تَعَالَى على عباده لِأَنَّهُ منعم عَلَيْهِم مجَاز لَهُم بالارادة)

- ‌(بَاب تَعْظِيم شَعَائِر الله تَعَالَى)

- ‌(بَاب أسرار الْوضُوء وَالْغسْل)

- ‌(بَاب أسرار الصَّلَاة)

- ‌(بَاب أسرار الزَّكَاة)

- ‌(بَاب أسرار الصَّوْم)

- ‌(بَاب أسرار الْحَج)

- ‌(بَاب أسرار انواع من الْبر)

- ‌(بَاب طَبَقَات الاثم)

- ‌(بَاب مفاسد الآثام)

- ‌(بَاب فِي الْمعاصِي الَّتِي هِيَ فِيمَا بَينه وَبَين نَفسه)

- ‌(بَاب الآثام الَّتِي هِيَ فِيمَا بَينه وَبَين النَّاس)

- ‌(المبحث السَّادِس)

- ‌(مَبْحَث السياسات الملية)

- ‌(بَاب الْحَاجة إِلَى هداة السبل ومقيمى الْملَل)

- ‌(بَاب حَقِيقَة النُّبُوَّة وخواصها)

- ‌(بَاب بَيَان أَن أصل الدّين وَاحِد والشرائع والمناهج مُخْتَلفَة)

- ‌(بَاب أَسبَاب نزُول الشَّرَائِع الْخَاصَّة بعصر دون عصر وَقوم دون قوم)

- ‌(بَاب أَسبَاب الْمُؤَاخَذَة على المناهج)

- ‌(بَاب أسرار الحكم وَالْعلَّة)

- ‌(بَاب الْمصَالح الْمُقْتَضِيَة لتعيين الْفَرَائِض والأركان والآداب وَنَحْو ذَلِك)

- ‌(بَاب أسرار الْأَوْقَات)

- ‌(بَاب أسرار الْأَعْدَاد والمقادير)

- ‌(بَاب أسرار الْقَضَاء والرخصة)

- ‌(بَاب إِقَامَة الارتفاقات واصلاح الرسوم)

- ‌(بَاب الْأَحْكَام الَّتِي يجر بَعْضهَا لبَعض)

- ‌(بَاب ضبط الْمُبْهم وتميز الْمُشكل والتخريج من الْكُلية وَنَحْو ذَلِك)

- ‌(بَاب التَّيْسِير)

- ‌(بَاب أسرار التَّرْغِيب والترهيب)

- ‌(بَاب طَبَقَات الْأمة بِاعْتِبَار الْخُرُوج إِلَى الْكَمَال الْمَطْلُوب أَو ضِدّه)

- ‌(بَاب الْحَاجة إِلَى دين ينْسَخ الْأَدْيَان)

- ‌(بَاب احكام الدّين من التحريف)

- ‌(بَاب أَسبَاب اخْتِلَاف دين نَبينَا صلى الله عليه وسلم وَدين الْيَهُود والنصرانية)

- ‌(بَاب أَسبَاب النّسخ)

- ‌(بَاب بَيَان مَا كَانَ عَلَيْهِ حَال أهل الْجَاهِلِيَّة فاصلحه النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث السَّابِع مَبْحَث استنباط الشَّرَائِع من حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب بَيَان أَقسَام عُلُوم النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب الْفرق بَين الْمصَالح والشرائع)

- ‌(بَاب كَيْفيَّة تلقي الْأمة الشَّرْع من النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب طَبَقَات كتب الحَدِيث)

- ‌(بَاب كَيْفيَّة فهم المُرَاد من الْكَلَام)

- ‌(بَاب كَيْفيَّة فهم الْمعَانِي الشَّرْعِيَّة من الْكتاب وَالسّنة)

- ‌(بَاب الْقَضَاء فِي الْأَحَادِيث الْمُخْتَلفَة)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(بَاب أَسبَاب اخْتِلَاف الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي الْفُرُوع)

- ‌(بَاب أَسبَاب اخْتِلَاف مَذَاهِب الْفُقَهَاء)

- ‌(بَاب الْفرق بَين أهل الحَدِيث وَأَصْحَاب الرَّأْي)

- ‌(بَاب حِكَايَة حَال النَّاس قبل الْمِائَة الرَّابِعَة وَبعدهَا)

- ‌(فصل)

- ‌(الْقسم الثَّانِي

- ‌(فِي بَيَان أسرار مَا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم تَفْصِيلًا)

- ‌(من أَبْوَاب الْإِيمَان)

- ‌(من أَبْوَاب الِاعْتِصَام بِالْكتاب وَالسّنة)

- ‌(من أَبْوَاب الطَّهَارَة)

- ‌(فصل فِي الْوضُوء)

- ‌(صفة الْوضُوء)

- ‌(مُوجبَات الْوضُوء)

- ‌(الْمسْح على الْخُفَّيْنِ)

- ‌(صفة الْغسْل)

- ‌(مُوجبَات الْغسْل)

- ‌(مَا يُبَاح للْجنب والمحدث وَمَا لَا يُبَاح لَهما)

- ‌(التَّيَمُّم)

- ‌(آدَاب الْخَلَاء)

- ‌(خِصَال الْفطْرَة ومأ يتَّصل بهَا)

- ‌(أَحْكَام الْمِيَاه)

- ‌(تَطْهِير النَّجَاسَات)

- ‌(من أَبْوَاب الصَّلَاة)

- ‌(فضل الصَّلَاة)

- ‌(أَوْقَات الصَّلَاة)

- ‌(الْأَذَان)

- ‌(الْمَسَاجِد)

- ‌(ثِيَاب الْمُصَلِّي)

- ‌(الْقبْلَة)

الفصل: ‌(باب الإيمان بصفات الله تعالى)

وَمِنْهَا أَنهم كَانُوا يسيبون السوائب والبحائر تقربا إِلَى شركائهم فَقَالَ الله تَعَالَى:

{مَا جعل الله من بحيرة وَلَا سائبة} . الْآيَة

وَمِنْهَا أَنهم كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِي آناس أَن أَسْمَاءَهُم مباركة معظمة، وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَن الْحلف باسمائهم على الْكَذِب يسْتَوْجب حرما فِي مَاله وَأَهله، فَلَا يقدمُونَ على ذَلِك، وَلذَلِك كَانُوا يستحلفون الْخُصُوم بأسماء الشُّرَكَاء بزعمهم، فنهو عَن ذَلِك وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: من حلف بِغَيْر الله فقد أشرك " وَقد فسره بعض الْمُحدثين على معنى التَّغْلِيظ والتهديد، وَلَا أَقُول

بذلك وَإِنَّمَا المُرَاد عِنْدِي الْيَمين المنعقدة وَالْيَمِين الْغمُوس باسم غير الله تَعَالَى على اعْتِقَاد مَا ذكرنَا.

وَمِنْهَا الْحَج لغير الله تَعَالَى، وَذَلِكَ أَن يقْصد مَوَاضِع متبركة مُخْتَصَّة بشركائهم يكون الْحُلُول بهَا تقربا من هَؤُلَاءِ، فَنهى الشَّرْع عَن ذَلِك، وَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:

" لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد ".

وَمِنْهَا أَنهم كَانُوا يسمون ابناءهم عبد الْعُزَّى وَعبد شمس وَنَحْو ذَلِك فَقَالَ الله:

{هُوَ الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة وَجعل مِنْهَا زَوجهَا ليسكن إِلَيْهَا فَلَمَّا تغشاها} .

وَجَاء فِي الحَدِيث أَن حَوَّاء سمت وَلَدهَا عبد الْحَرْث وَكَانَ ذَلِك من وَحي الشَّيْطَان، وَقد ثَبت فِي أَحَادِيث لَا تحصى أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم غير أَسمَاء أَصْحَابه عبد الْعَزِيز وَعبد شمس وَنَحْوهمَا إِلَى عبد الله وَعبد الرَّحْمَن وَمَا أشبههما، فَهَذِهِ أشباح وقوالب للشرك نهى الشَّارِع عَنْهَا لكَونهَا قوالب لَهُ، وَالله أعلم.

(بَاب الْإِيمَان بِصِفَات الله تَعَالَى)

اعْلَم أَن من أعظم أَنْوَاع الْبر الْإِيمَان بِصِفَات الله تَعَالَى، واعتقاد اتصافه بهَا، فَإِنَّهُ يفتح بَابا بَين هَذَا العَبْد وَبَينه تَعَالَى ويعده لانكشاف مَا هُنَالك من الْمجد والكبرياء.

وَاعْلَم أَن الْحق تَعَالَى أجل من أَن يُقَاس بمعقول، أَو محسوس، أَو يحل فِيهِ صِفَات كحلول الْأَعْرَاض فِي محالها أَو تعالجه الْعُقُول العامية، أَو تتناوله الْأَلْفَاظ الْعُرْفِيَّة، وَلَا بُد من تَعْرِيفه إِلَى النَّاس، ليكملوا كمالهم

الْمُمكن لَهُم، فَوَجَبَ أَن تسْتَعْمل الصِّفَات بِمَعْنى وجود غايتها، لَا بِمَعْنى وجود مباديها، فَمَعْنَى الرَّحْمَة إفَاضَة النعم، لَا انعطاف الْقلب والرقة، وَأَن تستعار أَلْفَاظ تدل على تسخير الْملك لمدينته لتخسيره لجَمِيع الموجودات، إِذْ لَا عبارَة فِي هَذَا الْمَعْنى أفْصح من هَذِه، وَأَن تسْتَعْمل تشبيهات بِشَرْط أَلا

ص: 122

يقْصد إِلَى أَنْفسهَا، بل إِلَى معَان مُنَاسبَة لَهَا فِي الْعرف، فيراد ببسط الْيَد الْجُود مثلا، وبشرط أَلا يُوهم المخاطبين إيهاما صَرِيحًا أَنه فِي ألواث البهيمية وَذَلِكَ يخْتَلف باخْتلَاف المخاطبين، فَيُقَال يرى، وَيسمع، وَلَا يُقَال يَذُوق، ويلمس، وَأَن يُسَمِّي إفَاضَة كل معَان متفقه فِي أَمر باسم، كالرزاق والمصور، وَأَن يسلب عَنهُ كل مَا لَا يَلِيق بِهِ لَا سِيمَا مَا لهج بِهِ الظَّالِمُونَ فِي حَقه مثل لم يلد وَلم يُولد، وَقد أَجمعت الْملَل السماوية قاطبتها على بَيَان الصِّفَات على هَذَا الْوَجْه، وعَلى أَن تسْتَعْمل تِلْكَ الْعبارَات على وَجههَا، وَلَا يبْحَث عَنْهَا أَكثر من اسْتِعْمَالهَا، وعَلى هَذَا مَضَت الْقُرُون الْمَشْهُود لَهَا بِالْخَيرِ، ثمَّ خَاضَ طَائِفَة من الْمُسلمين فِي الْبَحْث عَنْهَا، وَتَحْقِيق مَعَانِيهَا من غير نَص، وَلَا برهَان قَاطع، قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:" تَفَكَّرُوا فِي الْخلق وَلَا تَفَكَّرُوا فِي الْخَالِق " وَقَالَ فِي قَوْله تَعَالَى:

{وَأَن إِلَى رَبك الْمُنْتَهى} .

" لَا فكرة فِي الرب ".

وَالصِّفَات لَيست بمخلوقات محدثات، والتفكر فِيهَا إِنَّمَا هُوَ أَن الْحق كَيفَ اتّصف بهَا، فَكَانَ تفكر فِي الْخَالِق، قَالَ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث " يَد

الله ملأى "، وَهَذَا الحَدِيث قَالَ الْأَئِمَّة نؤمن كَمَا جَاءَ من غير أَن يُفَسر أَو يتَوَهَّم هَكَذَا قَالَ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة، مِنْهُم سيفان الثَّوْريّ، وَمَالك بن أنس، وَابْن عُيَيْنَة، وَابْن الْمُبَارك: أَنه تروى هَذِه الْأَشْيَاء ويؤمن بهَا، وَلَا يُقَال كَيفَ وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: إِن إِجْرَاء هَذِه الصِّفَات كَمَا هِيَ لَيْسَ بتشبيه، وَإِنَّمَا التَّشْبِيه أَن يُقَال: سمع كسمع وبصر كبصر، وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر: لم ينْقل عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَلَا عَن أحد من الصَّحَابَة من طَرِيق صَحِيح التَّصْرِيح بِوُجُوب تَأْوِيل شَيْء من ذَلِك يعْنى المتشابهات وَلَا الْمَنْع من ذكره وَمن الْمحَال أَن يَأْمر الله نبيه بتبليغ مَا أنزل إِلَيْهِ من ربه، وَينزل عَلَيْهِ:

{الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} .

ثمَّ يتْرك هَذَا الْبَاب فَلَا يُمَيّز مَا يجوز نسبته إِلَيْهِ تَعَالَى مِمَّا لَا يجوز مَعَ حثه على التَّبْلِيغ عَنهُ بقوله: " ليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب " حَتَّى نقلوا أَقْوَاله وأفعاله وأحواله وَمَا فعل بِحَضْرَتِهِ، فَدلَّ على أَنهم اتَّفقُوا على الْإِيمَان بِهِ على الْوَجْه الَّذِي أَرَادَ الله تَعَالَى مِنْهَا،

ص: 123

وَأوجب تنزيهه عَن مشابهات الْمَخْلُوقَات بقوله:

{لَيْسَ كمثله شَيْء} .

فَمن أوجب خلاف ذَلِك بعدهمْ، فقد خَالف سبيلهم.

أَقُول لَا فرق بَين السّمع وَالْبَصَر وَالْقُدْرَة والضحك وَالْكَلَام والاستواء فَإِن الْمَفْهُوم عِنْد أهل اللِّسَان من كل ذَلِك غير مَا يَلِيق بجناب الْقُدس، وَهل فِي الضحك اسْتِحَالَة إِلَّا من جِهَة أَنه يَسْتَدْعِي الْفَم، وَكَذَلِكَ الْكَلَام؟ وَهل فِي الْبَطْش وَالنُّزُول اسْتِحَالَة إِلَّا من جِهَة أَنَّهُمَا يستدعيان الْيَد وَالرجل؟ وَكَذَلِكَ السّمع وَالْبَصَر يستدعيان الْأذن وَالْعين، وَالله أعلم.

واستطال هَؤُلَاءِ الخائضون على معشر أهل الحَدِيث، وسموهم مجسمة

ومشبهة، وَقَالُوا هم المتسترون بالبلكفة، وَقد وضح عَليّ وضوحا بَينا أَن استطالتهم هَذِه لَيست بِشَيْء وانهم مخطئون فِي مقالتهم رِوَايَة ودراية وخاطئون فِي طعنهم أَئِمَّة الْهدى.

وتفصيل ذَلِك أَن هَهُنَا مقامين: أَحدهمَا أَن الله تبارك وتعالى كَيفَ اتّصف بِهَذِهِ الصِّفَات، وَهل هِيَ زَائِدَة على ذَاته أَو عين ذَاته؟ وَمَا حَقِيقَة السّمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام وَغَيرهَا؟ فَإِن الْمَفْهُوم من هَذِه الْأَلْفَاظ بَادِي الرَّأْي غير لَائِق بجناب الْقُدس.

وَالْحق فِي هَذَا الْمقَام أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يتَكَلَّم فِيهِ بِشَيْء، بل حجر أمته عَن التَّكَلُّم فِيهِ والبحث عَنهُ فَلَيْسَ لأحد أَن يقدم على مَا حجره، وَالثَّانِي أَنه أَي شَيْء يجوز فِي الشَّرْع أَن نصفه تَعَالَى بِهِ وَأي شَيْء لَا يجوز أَن نصفه بِهِ، وَالْحق أَن صِفَاته وأسماءه توقيفيه بِمَعْنى أَنا وَإِن عرفنَا الْقَوَاعِد الَّتِي بنى الشَّرْع بَيَان صِفَاته تَعَالَى عَلَيْهَا كَمَا حررنا فِي صدر الْبَاب، لَكِن كثيرا من النَّاس لَو أُبِيح لَهُم الْخَوْض فِي الصِّفَات لضلوا، وأضلوا، وَكثير من الصِّفَات وَإِن كَانَ الْوَصْف بهَا جَائِزا فِي الأَصْل، لَكِن قوما من الْكفَّار حملُوا تِلْكَ الْأَلْفَاظ على غير محملها. وشاع ذَلِك فِيمَا بَينهم، فَكَانَ حكم الشَّرْع النَّهْي عَن اسْتِعْمَالهَا دفعا لتِلْك الْمفْسدَة، وَكثير من الصِّفَات يُوهم اسْتِعْمَالهَا على ظواهرها خلاف المُرَاد، فَوَجَبَ الِاحْتِرَاز عَنْهَا فلهذه الحكم جعلهَا الشَّرْع توقيفية، وَلم يبح الْخَوْض فِيهَا بِالرَّأْيِ.

ص: 124

وَبِالْجُمْلَةِ فالضحك والفرح والتبشبش وَالْغَضَب وَالرِّضَا يجوز لنا اسْتِعْمَالهَا والبكاء وَالْخَوْف وَنَحْو ذَلِك لَا يجوز لنا اسْتِعْمَالهَا، وَإِن كَانَ المأخذان متقاربين، وَالْمَسْأَلَة على مَا حققناه معتضدة بِالْعقلِ وَالنَّقْل لَا يحوم الْبَاطِل من بَين يَديهَا وَلَا من خلفهَا، والاطالة فِي إبِْطَال اقوالهم ومذاهبهم لَهَا مَوضِع آخر غير هَذَا الْموضع.

وَلنَا أَن نفسرها بمعان هِيَ أقرب وأوفق مِمَّا قَالُوا إبانه لِأَن تِلْكَ الْمعَانِي لَا يتَعَيَّن القَوْل بهَا، وَلَا يضْطَر النَّاظر فِي الدَّلِيل الْعقلِيّ إِلَيْهَا، وَأَنَّهَا لَيست راجحة على غَيرهَا وَلَا فِيهَا مزية بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عَداهَا، لَا حكما بِأَن مُرَاد الله مَا نقُول، وَلَا إِجْمَاعًا على الِاعْتِقَاد بهَا والإذعان بهَا هَيْهَات ذَلِك، فَنَقُول مثلا لما كَانَ بَين يَديك ثَلَاثَة أَنْوَاع حَيّ وميت وجماد، وَكَانَ الْحَيّ أقرب شبها بِمَا هُنَالك لكَونه عَالما مؤثرا فِي الْخلق وَجب أَن يُسمى حَيا، وَلما كَانَ الْعلم عندنَا هُوَ الانكشاف، وَقد انكشفت عَلَيْهِ الْأَشْيَاء كلهَا بِمَا هِيَ مندمجة فِي ذَاته، ثمَّ بِمَا هِيَ مَوْجُودَة تَفْصِيلًا وَجب أَن يُسمى عليما، وَلما كَانَت الرُّؤْيَة والسمع انكشافا تَاما للمبصرات والمسموعات، وَذَلِكَ هُنَاكَ بِوَجْه أتم وَجب أَن يُسمى بَصيرًا سميعا، وَلما كَانَ قَوْلنَا أَرَادَ فلَان إِنَّمَا نعني بِهِ هاجس عزم على فعل أَو ترك، وَكَانَ الرَّحْمَن يفعل كثيرا من أَفعاله عِنْد حُدُوث شَرط أَو استعداد فِي الْعَالم، فَيُوجب عِنْد ذَلِك مَا لم يكن وَاجِبا، وَيحصل فِي بعض الأحياز الشاهقة إِجْمَاع بعد مَا لم يكن بِإِذْنِهِ وَحكمه وَجب أَن يُسمى مرِيدا وَأَيْضًا فالارادة الْوَاحِدَة الأزلية الذاتية المفسرة باقتضاء الذَّات لما تعلّقت بالعالم بأسره مرّة وَاحِدَة، ثمَّ جَاءَت الْحَوَادِث يَوْمًا بعد يَوْم صَحَّ أَن ينْسب إِلَى كل حَادث حَادث عَن حِدته، وَيُقَال أَرَادَ كَذَا وَكَذَا، وَلما كَانَ قَوْلنَا قدر فلَان إِنَّمَا نعني بِهِ أَنه يُمكن لَهُ أَن يفعل وَلَا يصده من ذَلِك سَبَب خَارج، أما إِيثَار أحد المقدورين من الْقَادِر فَإِنَّهُ لَا يَنْفِي اسْم الْقُدْرَة، وَكَانَ الرَّحْمَن قَادِرًا على كل شَيْء، وَإِنَّمَا يُؤثر بعض الْأَفْعَال دون أضداده لعنايته واقتضائه الذاتي وَجب أَن يُسمى قَادِرًا، وَلما كَانَ قَوْلنَا كلم فلَان إِنَّمَا نعني بِهِ إفَاضَة الْمعَانِي المرادة، مقرونة بِأَلْفَاظ دَالَّة عَلَيْهَا، وَكَانَ الرَّحْمَن رُبمَا يفِيض على عَبده علوما، وَيفِيض مَعهَا ألفاظا منعقدة فِي خياله، دَالَّة عَلَيْهَا ليَكُون التَّعْلِيم أصرح مَا يكون وَجب أَن يُسمى متكلما

ص: 125