المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب القضاء في الأحاديث المختلفة) - حجة الله البالغة - جـ ١

[ولي الله الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(بَاب الإبداع والخلق وَالتَّدْبِير)

- ‌(بَاب ذكر عَالم الْمِثَال)

- ‌(بَاب ذكر الْمَلأ الْأَعْلَى)

- ‌(بَاب ذكر سنة الله الَّتِي أُشير إِلَيْهَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلنْ تَجِد لسنة الله تبديلا} )

- ‌(بَاب حَقِيقَة الرّوح)

- ‌(بَاب سر التَّكْلِيف)

- ‌(بَاب انْشِقَاق التَّكْلِيف من التَّقْدِير)

- ‌(بَاب اقْتِضَاء التَّكْلِيف المجازاة)

- ‌(بَاب اخْتِلَاف النَّاس فِي جبلتهم المستوجب لاخْتِلَاف أَخْلَاقهم وأعمالهم ومراتب كمالهم)

- ‌(بَاب فِي أَسبَاب الخواطر الباعثة على الْأَعْمَال)

- ‌(بَاب لصوق الْأَعْمَال بِالنَّفسِ وأحصائها عَلَيْهَا)

- ‌(بَاب ارتباط الْأَعْمَال بالهيئات النفسانية)

- ‌(بَاب أَسبَاب المجازاة)

- ‌(المبحث الثَّانِي)

- ‌(مَبْحَث كَيْفيَّة المجازاة فِي الْحَيَاة وَبعد الْمَمَات)

- ‌(بَاب الْجَزَاء على الْأَعْمَال فِي الدُّنْيَا)

- ‌(بَاب ذكر حَقِيقَة الْمَوْت)

- ‌(بَاب اخْتِلَاف أَحْوَال النَّاس فِي البرزخ)

- ‌(بَاب ذكر شَيْء من أسرار الوقائع الحشرية)

- ‌(المبحث الثَّالِث)

- ‌(مَبْحَث الارتفاقات)

- ‌(بَاب كَيْفيَّة استنباط الارتفاقات)

- ‌(بَاب الارتفاق الأول)

- ‌(بَاب فن أداب المعاش)

- ‌(بَاب تَدْبِير الْمنزل)

- ‌(بَاب فن الْمُعَامَلَات)

- ‌(بَاب سياسة الْمَدِينَة)

- ‌(بَاب سيرة الْمُلُوك)

- ‌(بَاب سياسة الأعوان)

- ‌(بَاب الارتفاق الرَّابِع)

- ‌(بَاب اتِّفَاق النَّاس على أصُول الارتفاقات)

- ‌(بَاب الرسوم السائرة فِي النَّاس)

- ‌(المبحث الرَّابِع)

- ‌(مَبْحَث السَّعَادَة)

- ‌(بَاب حَقِيقَة السَّعَادَة)

- ‌(بَاب اخْتِلَاف النَّاس فِي السَّعَادَة)

- ‌(بَاب توزع النَّاس فِي كَيْفيَّة تَحْصِيل هَذِه السَّعَادَة)

- ‌(بَاب الْأُصُول الَّتِي يرجع إِلَيْهَا تَحْصِيل الطَّرِيقَة الثَّانِيَة)

- ‌(بَاب طَرِيق اكْتِسَاب هَذِه الْخِصَال وتكميل ناقصها ورد فائتها)

- ‌(بَاب الْحجب الْمَانِعَة عَن ظُهُور الْفطْرَة)

- ‌(بَاب طَرِيق رفع هَذِه الْحجب)

- ‌(المبحث الْخَامِس)

- ‌(مَبْحَث الْبر وَالْإِثْم)

- ‌(مُقَدّمَة فِي بَيَان حَقِيقَة الْبر وَالْإِثْم)

- ‌(بَاب التَّوْحِيد)

- ‌(بَاب فِي حَقِيقَة الشّرك)

- ‌(بَاب أَقسَام الشّرك)

- ‌(بَاب الْإِيمَان بِصِفَات الله تَعَالَى)

- ‌(بَاب الْإِيمَان بِالْقدرِ)

- ‌(بَاب الْإِيمَان بِأَن الْعِبَادَة حق الله تَعَالَى على عباده لِأَنَّهُ منعم عَلَيْهِم مجَاز لَهُم بالارادة)

- ‌(بَاب تَعْظِيم شَعَائِر الله تَعَالَى)

- ‌(بَاب أسرار الْوضُوء وَالْغسْل)

- ‌(بَاب أسرار الصَّلَاة)

- ‌(بَاب أسرار الزَّكَاة)

- ‌(بَاب أسرار الصَّوْم)

- ‌(بَاب أسرار الْحَج)

- ‌(بَاب أسرار انواع من الْبر)

- ‌(بَاب طَبَقَات الاثم)

- ‌(بَاب مفاسد الآثام)

- ‌(بَاب فِي الْمعاصِي الَّتِي هِيَ فِيمَا بَينه وَبَين نَفسه)

- ‌(بَاب الآثام الَّتِي هِيَ فِيمَا بَينه وَبَين النَّاس)

- ‌(المبحث السَّادِس)

- ‌(مَبْحَث السياسات الملية)

- ‌(بَاب الْحَاجة إِلَى هداة السبل ومقيمى الْملَل)

- ‌(بَاب حَقِيقَة النُّبُوَّة وخواصها)

- ‌(بَاب بَيَان أَن أصل الدّين وَاحِد والشرائع والمناهج مُخْتَلفَة)

- ‌(بَاب أَسبَاب نزُول الشَّرَائِع الْخَاصَّة بعصر دون عصر وَقوم دون قوم)

- ‌(بَاب أَسبَاب الْمُؤَاخَذَة على المناهج)

- ‌(بَاب أسرار الحكم وَالْعلَّة)

- ‌(بَاب الْمصَالح الْمُقْتَضِيَة لتعيين الْفَرَائِض والأركان والآداب وَنَحْو ذَلِك)

- ‌(بَاب أسرار الْأَوْقَات)

- ‌(بَاب أسرار الْأَعْدَاد والمقادير)

- ‌(بَاب أسرار الْقَضَاء والرخصة)

- ‌(بَاب إِقَامَة الارتفاقات واصلاح الرسوم)

- ‌(بَاب الْأَحْكَام الَّتِي يجر بَعْضهَا لبَعض)

- ‌(بَاب ضبط الْمُبْهم وتميز الْمُشكل والتخريج من الْكُلية وَنَحْو ذَلِك)

- ‌(بَاب التَّيْسِير)

- ‌(بَاب أسرار التَّرْغِيب والترهيب)

- ‌(بَاب طَبَقَات الْأمة بِاعْتِبَار الْخُرُوج إِلَى الْكَمَال الْمَطْلُوب أَو ضِدّه)

- ‌(بَاب الْحَاجة إِلَى دين ينْسَخ الْأَدْيَان)

- ‌(بَاب احكام الدّين من التحريف)

- ‌(بَاب أَسبَاب اخْتِلَاف دين نَبينَا صلى الله عليه وسلم وَدين الْيَهُود والنصرانية)

- ‌(بَاب أَسبَاب النّسخ)

- ‌(بَاب بَيَان مَا كَانَ عَلَيْهِ حَال أهل الْجَاهِلِيَّة فاصلحه النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌(المبحث السَّابِع مَبْحَث استنباط الشَّرَائِع من حَدِيث النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب بَيَان أَقسَام عُلُوم النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب الْفرق بَين الْمصَالح والشرائع)

- ‌(بَاب كَيْفيَّة تلقي الْأمة الشَّرْع من النَّبِي صلى الله عليه وسلم

- ‌(بَاب طَبَقَات كتب الحَدِيث)

- ‌(بَاب كَيْفيَّة فهم المُرَاد من الْكَلَام)

- ‌(بَاب كَيْفيَّة فهم الْمعَانِي الشَّرْعِيَّة من الْكتاب وَالسّنة)

- ‌(بَاب الْقَضَاء فِي الْأَحَادِيث الْمُخْتَلفَة)

- ‌(تَتِمَّة)

- ‌(بَاب أَسبَاب اخْتِلَاف الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فِي الْفُرُوع)

- ‌(بَاب أَسبَاب اخْتِلَاف مَذَاهِب الْفُقَهَاء)

- ‌(بَاب الْفرق بَين أهل الحَدِيث وَأَصْحَاب الرَّأْي)

- ‌(بَاب حِكَايَة حَال النَّاس قبل الْمِائَة الرَّابِعَة وَبعدهَا)

- ‌(فصل)

- ‌(الْقسم الثَّانِي

- ‌(فِي بَيَان أسرار مَا جَاءَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم تَفْصِيلًا)

- ‌(من أَبْوَاب الْإِيمَان)

- ‌(من أَبْوَاب الِاعْتِصَام بِالْكتاب وَالسّنة)

- ‌(من أَبْوَاب الطَّهَارَة)

- ‌(فصل فِي الْوضُوء)

- ‌(صفة الْوضُوء)

- ‌(مُوجبَات الْوضُوء)

- ‌(الْمسْح على الْخُفَّيْنِ)

- ‌(صفة الْغسْل)

- ‌(مُوجبَات الْغسْل)

- ‌(مَا يُبَاح للْجنب والمحدث وَمَا لَا يُبَاح لَهما)

- ‌(التَّيَمُّم)

- ‌(آدَاب الْخَلَاء)

- ‌(خِصَال الْفطْرَة ومأ يتَّصل بهَا)

- ‌(أَحْكَام الْمِيَاه)

- ‌(تَطْهِير النَّجَاسَات)

- ‌(من أَبْوَاب الصَّلَاة)

- ‌(فضل الصَّلَاة)

- ‌(أَوْقَات الصَّلَاة)

- ‌(الْأَذَان)

- ‌(الْمَسَاجِد)

- ‌(ثِيَاب الْمُصَلِّي)

- ‌(الْقبْلَة)

الفصل: ‌(باب القضاء في الأحاديث المختلفة)

وَلكم فِي الْقصاص حَيَاة يَا أولي الْأَلْبَاب} .

وَقَوله تَعَالَى: {علم الله أَنكُمْ كُنْتُم تختانون أَنفسكُم فَتَابَ عَلَيْكُم وَعَفا عَنْكُم} .

وَقَوله تَعَالَى: {الْآن خفف الله عَنْكُم وَعلم أَن فِيكُم ضعفا} .

وَقَوله تَعَالَى: {إِلَّا تفعلوه تكن فتْنَة فِي الأَرْض وَفَسَاد كَبِير} .

وَقَوله تَعَالَى: {أَن تضل إِحْدَاهمَا فَتذكر إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى} .

وَقَوله صلى الله عليه وسلم: " لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده " وَقَوله صلى الله عليه وسلم: " إِن الشَّيْطَان يبيت على خيشومه " ثمَّ مَا أُشير إِلَيْهِ أَو أومئ مثل قَوْله صلى الله عليه وسلم: " اتَّقوا اللاعنين " وَقَوله صلى الله عليه وسلم: " وكاء السه العينان " ثمَّ مَا ذكره الصَّحَابِيّ الْفَقِيه، ثمَّ تَخْرِيج المناط بِوَجْه يرجع إِلَى مقصد ظهر اعْتِبَاره أَو اعْتِبَار نَظِيره فِي نَظِير الْمَسْأَلَة، وَلَيْسَ فِي الْأَمر جزاف فَيجب أَن يبْحَث عَن الْمَقَادِير لم عينت دون نظائرها، وَعَن مخصصات الْعُمُوم لم استثنيت لفقد الْمَقْصد أَو لقِيَام مَانع يرجح عِنْد التَّعَارُض وَالله أعلم.

(بَاب الْقَضَاء فِي الْأَحَادِيث الْمُخْتَلفَة)

الأَصْل أَن يعْمل بِكُل حَدِيث إِلَّا أَن يمْتَنع الْعَمَل بِالْجَمِيعِ للتناقض، وَأَنه لَيْسَ فِي الْحَقِيقَة اخْتِلَاف، وَلَكِن فِي نَظرنَا فَقَط، فَإِذا ظهر حديثان مُخْتَلِفَانِ فَإِن كَانَا من بَاب حِكَايَة الْفِعْل، فَحكى صَحَابِيّ أَنه صلى الله عليه وسلم فعل شَيْئا، وَحكى آخر أَنه فعل شَيْئا آخر، فَلَا تعَارض، ويكونان مباحين إِن كَانَا من بَاب الْعَادة دون الْعِبَادَة، أَو أَحدهمَا مُسْتَحبا وَالْآخر جَائِزا إِن لَاحَ على أَحدهمَا آثَار الْقرْبَة دون الآخر، أَو يكونَانِ جَمِيعًا مستحبين أَو واجبين يَكْفِي أَحدهمَا كِفَايَة الآخر إِن كَانَا جَمِيعًا من بَاب الْقرْبَة، وَقد نَص حفاظ الصَّحَابَة على مثله فِي كثير من السّنَن كالوتر بِإِحْدَى عشرَة رَكْعَة وبتسع وَسبع وكالجهر فِي التَّهَجُّد والمخافتة، وعَلى هَذَا الأَصْل يَنْبَغِي أَن يقْضِي فِي رفع الْيَدَيْنِ إِلَى الْأُذُنَيْنِ أَو الْمَنْكِبَيْنِ، وَفِي تشهد عمر وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَفِي الْوتر هَل هُوَ رَكْعَة مُنْفَرِدَة أَو ثَلَاث رَكْعَات، وَفِي أدعية الاستفتاح وأدعية الصَّباح والمساء وَسَائِر الْأَسْبَاب والأوقات

أَو يكونَانِ مُخلصين عَن مضيق إِن تقدم مَا يُوجب ذَلِك كخصال الْكَفَّارَة وكأجزية الْمُحَارب فِي قَول، أَو يكون هُنَالك عِلّة خُفْيَة

توجب، أَو تحسن أحد الْفِعْلَيْنِ فِي وَقت وَالْآخر فِي وَقت، أَو توجب شَيْئا وقتا، وترخص وقتا، فَيجب أَن يفحص عَنْهَا، أَو يكون أَحدهمَا عَزِيمَة وَالْآخر رخصَة إِن لَاحَ أثر الْأَصَالَة فِي الأول وَاعْتِبَار

ص: 238

الْحَرج فِي الثَّانِي وَإِن ظهر دَلِيل النّسخ قيل بِهِ

، وَإِن كَانَ أَحدهمَا حِكَايَة فعل وَالْآخر رفع قَول فَإِن لم يكن القَوْل قَطْعِيّ الدّلَالَة على تَحْرِيم أَو وجوب أَو قَطْعِيّ الرّفْع احتملا وُجُوهًا. وَإِن كَانَ قَطْعِيا حملا على تَخْصِيص الْفِعْل بِهِ صلى الله عليه وسلم أَو النّسخ، فيفحص عَن قرائنهما وَإِن كَانَ قَوْلَيْنِ فَإِن كَانَ أَحدهمَا ظَاهرا فِي معنى مؤلا فِي غَيره، وَكَانَ التَّأْوِيل قَرِيبا حمل على أَن أَحدهمَا بَيَان للْآخر، وَإِن كَانَ بَعيدا لم يحمل عَلَيْهِ إِلَّا عِنْد قرينَة قَوِيَّة جدا أَو نقل التَّأْوِيل عَن صَحَابِيّ فَقِيه كَقَوْل عبد الله بن سَلام فِي السَّاعَة المرجوة إِنَّهَا قبيل الْغُرُوب، فأورد أَبُو هُرَيْرَة أَنَّهَا لَيست وَقت صَلَاة، وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم:" لَا يسْأَل الله فِيهَا مُسلم قَائِم يُصَلِّي " فَقَالَ عبد الله بن سَلام المنتظر للصَّلَاة كَأَنَّهُ فِي الصَّلَاة فَهَذَا تَأْوِيل بعيد لَا يقبل مثله لَوْلَا ذهَاب الصَّحَابِيّ الْفَقِيه إِلَيْهِ، وضابطة الْبعيد أَنه إِن عرض على الْعُقُول السليمة بِدُونِ الْقَرِينَة أَو تجشم الجدل لم يحْتَمل، وَإِذا كَانَ مُخَالفا لايماء ظَاهر أَو مَفْهُوم وَاضح أَو مورد نَص لم يجز أصلا، فَمن الْقَرِيب قصر عَام جرت الْعَادة بِاسْتِعْمَال بعض أَفْرَاده فَقَط فِي نَظِير ذَلِك الحكم على ذَلِك الْبَعْض، وعام يسْتَعْمل فِي مَوضِع جرت الْعَادة بالتسامح فِيهِ كالمدح والذم، وعام سيق لشرع وضع فِي حكم بعد إِفَادَة أصل الحكم، فَيجْعَل فِي قُوَّة الْقَضِيَّة الْمُهْملَة كَقَوْلِه:" مَا سقته السَّمَاء فَفِيهِ الْعشْر " وَقَوله: " لَيْسَ فِيمَا دون خَمْسَة أوسق صَدَقَة " وَمِنْه تَنْزِيل كل وَاحِد على صُورَة إِن شهد المناط وَالْمُنَاسِب، وحملهما على الْكَرَاهِيَة وَبَيَان الْجَوَاز فِي الْجُمْلَة إِن أمكن، وَحمل التَّشْدِيد على الزّجر إِن تقدم لجاج أما قَوْله

{حرمت عَلَيْكُم الْميتَة} .

أَي أكلهَا {حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم} .

أَي نِكَاحهنَّ، وَقَوله " الْعين حق " أَي تأثيرها ثَابت " وَالرَّسُول حق " أَي مَبْعُوث حَقًا وَقَوله " رفع عَن أمتِي الْخَطَأ وَالنِّسْيَان " أَي إِثْم مَا وَقعا فِيهِ وَقَوله:" لَا صَلَاة إِلَّا بِطهُور "" لَا نِكَاح إِلَى بولِي "" إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ " أَي لَا يَتَرَتَّب على هَذِه الْأَشْيَاء آثارها الَّتِي جعلهَا الشَّارِع لَهَا، {

ص: 239

إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا} .

أَي إِن لم تَكُونُوا على الْوضُوء فَظَاهر لَيْسَ بمؤل؛ لِأَن الْعَرَب يستعملون كل لَفْظَة مِنْهَا فِي مَحل، ويريدون مَا يُنَاسب ذَلِك الْمحل، وَتلك لغتهم الَّتِي لَا يرَوْنَ فِيهَا صرفا عَن الظَّاهِر، وَإِن كَانَا من بَاب الْفَتْوَى فِي مَسْأَلَة وَالْقَضَاء فِي وَاقعَة، فَإِن ظَهرت عِلّة فارقة قضي على حسبها، مِثَاله: سَأَلَهُ شَاب عَن الْقبْلَة للصَّائِم، فَنَهَاهُ، وَشَيخ، فَرخص لَهُ، وَإِن دلّ السِّيَاق فِي أَحدهمَا دون الآخر على وجود الْحَاجة أَو إلحاح السَّائِل أَو كَونه إغماضا عَن إِكْمَال أوردا للمتعنت المتشدد على نَفسه قضى بالعزيمة والرخصة، وَإِن كَانَا مُخلصين لمبتلى، أَو عقوبتين لجان، أَو كفارتين من حنث جَازَ الْحمل على صِحَة الْوَجْهَيْنِ، وَاحْتمل النّسخ، وعَلى هَذَا الأَصْل يقْضى فِي الْمُسْتَحَاضَة أفتاها تَارَة بِالْغسْلِ لكل صَلَاتَيْنِ، وَتارَة بالتحيض أَيَّام عَادَتهَا أَو أَيَّام ظُهُور الدَّم الشَّديد على قَول إِنَّه كَانَ خَيرهَا بَين أَمريْن، وَأَن الْعَادة ولون الدَّم كِلَاهُمَا يصلحان مَظَنَّة للْحيض فِي الصّيام، وَالْإِطْعَام عَمَّن مَاتَ وَعَلِيهِ

صَوْم على قَول، والشاك فِي الصَّلَاة يلغي شكه بِأحد أَمريْن: بتحري الصَّوَاب أَو أَخذ الْمُتَيَقن على قَول، وَالْقَضَاء فِي إِثْبَات النّسَب بالقائف أَو الْقرعَة على قَول، وَإِن ظهر دَلِيل النّسخ حمل عَلَيْهِ، وَيعرف النّسخ بِنَصّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَقَوْلِه:" كنت نَهَيْتُكُمْ عَن زِيَارَة الْقُبُور أَلا فزوروها " وبمعرفة تَأَخّر أَحدهمَا عَن الآخر مَعَ عدم إِمْكَان الْجمع، وَإِذا شرع الشَّارِع شرعا، ثمَّ شرع مَكَانَهُ آخر وَسكت عَن الأول، عرف فُقَهَاء الصَّحَابَة أَن ذَلِك نسخ للْأولِ، أَو اخْتلفت الْأَحَادِيث وَقضى الصَّحَابِيّ بِكَوْن أَحدهمَا نَاسِخا للْآخر، فَذَلِك ظَاهر فِي النّسخ غير قَطْعِيّ، وَقَول الْفُقَهَاء - لما يجدونه خلاف عمل مشايخهم: مَنْسُوخ - غير مقنع، والنسخ فِيمَا يبدونها تغير حكم بِغَيْرِهِ، وَفِي الْحَقِيقَة انْتِهَاء الحكم لانْتِهَاء علته، أَو انْتِهَاء كَونه مَظَنَّة للمقصد الْأَصْلِيّ، أَو لحدوث مَانع من الْعلية، أَو ظُهُور تَرْجِيح حكم آخر على النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِالْوَحْي الْجَلِيّ، أَو بِاجْتِهَادِهِ وَهَذَا إِذا كَانَ الأول اجتهاديا، قَالَ الله تَعَالَى فِي حَدِيث الْمِعْرَاج:{مَا يُبدل القَوْل لدي} .

وَإِذا لم يكن للْجمع والتأويل مساغ، وَلم يعرف النّسخ تحقق التَّعَارُض فَإِن ظهر

ص: 240

تَرْجِيح أَحدهمَا إِمَّا بِمَعْنى فِي السَّنَد من كَثْرَة الروَاة وَفقه الرَّاوِي، وَقُوَّة الِاتِّصَال، وتصريح صِيغَة الرّفْع، وَكَون الرَّاوِي صَاحب الْمُعَامَلَة بِأَن يكون هُوَ المستفتي أَو الْمُخَاطب أَو الْمُبَاشر، أَو بِمَعْنى فِي الْمَتْن من التَّأْكِيد وَالتَّصْرِيح، أَو بِمَعْنى فِي الحكم وعلته من كَونه مناسبا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّة، وَكَونهَا عِلّة شَدِيدَة الْمُنَاسبَة عرف تأثيرها، أَو من خَارج من كَونه متمسك أَكثر أهل الْعلم أَخذ بالراجح وَإِلَّا تساقطا، وَهِي صُورَة مَفْرُوضَة لَا تكَاد تُوجد

، وَقَول الصَّحَابِيّ أَمر، وَنهى، وَقضى، وَرخّص، ثمَّ قَوْله: أمرنَا، ونهينا، ثمَّ قَوْله: من السّنة كَذَا، وَعصى أَبَا الْقَاسِم من فعل كَذَا،

ثمَّ قَوْله: هَذَا حكم النَّبِي ظَاهر فِي الرّفْع، وَيحْتَمل طروق اجْتِهَاد فِي تَصْوِير الْعلَّة الْمدَار عَلَيْهَا، أَو تعْيين الحكم من الْوُجُوب والاستحباب، أَو عُمُومه وخصوصه، وَقَوله. كَانَ يفعل كَذَا ظَاهر فِي تعدد الْفِعْل، وَلَا يُنَافِيهِ قَول الآخر كَانَ يفعل غَيره وَقَوله: صحبته، فَلم أره ينْهَى، وَكُنَّا نَفْعل فِي عَهده ظَاهر فِي التَّقْرِير، وَلَيْسَ نصا.

وَقد تخْتَلف صِيغ حَدِيث لاخْتِلَاف الطّرق وَذَلِكَ من جِهَة نقل الحَدِيث بِالْمَعْنَى فَإِن جَاءَ حَدِيث وَلم يخْتَلف الثِّقَات فِي لَفظه كَانَ ذَلِك لَفظه صلى الله عليه وسلم ظَاهرا، وَأمكن الِاسْتِدْلَال بالتقديم وَالتَّأْخِير وَالْوَاو وَالْفَاء وَنَحْو ذَلِك من الْمعَانِي الزَّائِدَة على أصل المُرَاد، وَإِن اخْتلفُوا اخْتِلَافا مُحْتملا وهم متقاربون فِي الْفِقْه وَالْحِفْظ وَالْكَثْرَة سقط الظُّهُور، فَلَا يُمكن الِاسْتِدْلَال بذلك إِلَّا على الْمَعْنى جَاءُوا بِهِ جَمِيعًا، وَجُمْهُور الروَاة كَانُوا يعتنون برءوس الْمعَانِي لَا بحواشيها، وَإِن اخْتلفت مَرَاتِبهمْ أَخذ بقول الثِّقَة الَّذِي وَالْأَكْثَر والأعرف بالقصة، وَأَن أشعر قَول ثِقَة بِزِيَادَة الضَّبْط مثل قَوْله: قَالَت - وثب - وَمَا قَالَت - قَامَ - وَقَالَت - أَفَاضَ على جلده المَاء - وَمَا قَالَت - اغْتسل - أَخذ بِهِ، وَإِن اخْتلفُوا اخْتِلَافا فَاحِشا وهم متقاربون وَلَا مُرَجّح سَقَطت الخصوصيات الْمُخْتَلف فِيهَا.

والمرسل إِن اقْترن بِقَرِينَة مثل أَن يعتضد بموقوف صَحَابِيّ أَو مُسْنده الضَّعِيف أَو مُرْسل غَيره. والشيوخ مُتَغَايِرَة، أَو قَول أَكثر أهل الْعلم، أَو قِيَاس صَحِيح، أَو إِيمَاء من نَص، أَو عرف أَنه لَا يُرْسل إِلَّا عَن عدل - صَحَّ الِاحْتِجَاج بِهِ وَكَانَ نازلا من الْمسند وَإِلَّا لَا.

وَكَذَلِكَ الحَدِيث الَّذِي يرويهِ قَاصِر الضَّبْط غير مُتَّهم أَو مَجْهُول الْحَال - الْمُخْتَار أَنه يقبل إِن اقْترن بِقَرِينَة مثل مُوَافقَة الْقيَاس، أَو عمل أَكثر أهل الْعلم، وَإِلَّا لَا.

وَإِذا تفرد الثِّقَة بِزِيَادَة لَا يمْتَنع سكُوت البَاقِينَ عَنْهَا فَهِيَ مَقْبُولَة كإسناد

الْمُرْسل

ص: 241

وَزِيَادَة رجل فِي الْإِسْنَاد وَذكر مورد الحَدِيث وَسبب الرِّوَايَة وإطناب الْكَلَام وإيراد جملَة مُسْتَقلَّة لَا تغير معنى الْكَلَام، وَإِن امْتنع كالزيادة الْمُغيرَة للمعنى، أَو نادرة لَا يتْرك ذكرهَا عَادَة لم يقبل، وَإِذا حمل الصَّحَابِيّ حَدِيثا على محمل، فَإِن كَانَ للِاجْتِهَاد فِيهِ مساغ كَانَ ظَاهرا فِي الْجُمْلَة إِلَى أَن تقوم الْحجَّة بِخِلَافِهِ، وَإِلَّا كَانَ قَوِيا، كَمَا إِذا كَانَ فِيمَا يعرفهُ الْعَاقِل الْعَارِف باللغة من الْقَرَائِن الحالية والقالية. أما اخْتِلَاف آثَار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، فَإِن تيَسّر الْجمع بَينهَا بِبَعْض الْوُجُوه الْمَذْكُورَة سَابِقًا فَذَلِك، وَإِلَّا كَانَت الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ، أَو أَقْوَال، فَينْظر أَيهَا أصوب، وَمن الْعلم الْمكنون معرفَة مَأْخَذ مَذَاهِب الصَّحَابَة، فاجتهد تنَلْ مِنْهُ حظا وَالله أعلم.

ص: 242