الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَمَضَان، ثمَّ وَقع الِاشْتِبَاه فِي صُورَة الْغَيْم، فَكَانَ الحكم مَا عِنْد الْعَرَب من إِكْمَال عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ، وَأَن الشَّهْر قد يكون ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَقد يكون تِسْعَة وَعشْرين، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم " إِنَّا أمة أُميَّة لَا نكتب وَلَا نحسب الشَّهْر كَذَا " الحَدِيث. وكما ورد النَّص فِي الْقصر بِصِيغَة السّفر، ثمَّ وَقع الِاشْتِبَاه فِي بعض الْموَاد، فَحكم الصَّحَابَة أَنه خُرُوج من الوطن إِلَى مَوضِع لَا يصل إِلَيْهِ فِي يَوْمه ذَلِك وَلَا أَوَائِل ليلته تِلْكَ، وَمن ضَرُورَته أَن يكون مسيرَة يَوْم وَشَيْء مُعْتَد بِهِ من الْيَوْم الآخر، فيضبط بأَرْبعَة برد. وَاعْلَم أَن الْعُمْدَة فِي تَخْصِيص النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِحكم من بَين أمته أَن يكون الحكم رَاجعا إِلَى مَظَنَّة شَيْء دون حَقِيقَته، وَهُوَ قَول طَاوس فِي رَكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر إِنَّمَا نهى عَنْهُمَا لِئَلَّا يتَّخذ سلما، وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يعرف الْحَقِيقَة، فَلَا اعْتِبَار فِي حَقه للمظنة بعد مَا عرف
المثنه كتزوج أَكثر من أَرْبَعَة نسْوَة هُوَ مَظَنَّة ترك الاحسان فِي الْعشْرَة الزَّوْجِيَّة وإهمال أمرهن، وَيشْتَبه على سَائِر النَّاس، أما النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَهُوَ يعرف مَا هُوَ المرضى عَنهُ فِي الْعشْرَة الزَّوْجِيَّة، فَأمر بِنَفسِهِ دون مظنته، أَو يكون رَاجعا إِلَى تَحْقِيق الرَّسْم دون معنى تَهْذِيب النَّفس كنهيه عَن بيع وَشرط، ثمَّ ابْتَاعَ من جَابر بَعِيرًا على أَن لَهُ ظَهره إِلَى الْمَدِينَة، أَو يكون مفضيا إِلَى شَيْء بِالنِّسْبَةِ إِلَى من لَيْسَ لَهُ مسكة الْعِصْمَة، وَهُوَ قَول عَائِشَة رضي الله عنها فِي قبْلَة الصَّائِم أَيّكُم يملك أربه كَمَا كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يملك أربه، أَو تكون نَفسه الْعَالِيَة مقتضية لنَوْع من الْبر فَيُؤْمَر بِهِ لِأَن هَذِه النَّفس تشتاق إِلَى زِيَادَة التَّوَجُّه إِلَى الله، وَإِلَى زِيَادَة خلع جِلْبَاب الْغَفْلَة، كَمَا يشتاق الرجل الْقوي إِلَى أكل طَعَام كثير كالتهجد وَالضُّحَى وَالْأُضْحِيَّة على قَول، وَالله أعلم.
(بَاب التَّيْسِير)
قَالَ الله تَعَالَى:
{فبمَا رَحْمَة من الله لنت لَهُم وَلَو كنت فظا غليظ الْقلب لانفضوا من حولك} .
وَقَالَ:
{يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} .
وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأبي مُوسَى، ومعاذ بن جبل رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا لما بعثهما إِلَى الْيمن " يسرا، وَلَا تعسرا، وبشرا
وَلَا تنفرا، وتطاوعا، وَلَا تختلفا، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم " فَإِنَّمَا بعثتم ميسرين، وَلم تبعثوا معسرين ".
والتيسير يحصل بِوُجُوه مِنْهَا أَلا يَجْعَل شَيْء يشق عَلَيْهِم ركنا أَو شرطا لطاعة، وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله صلى الله عليه وسلم " لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة ".
وَمِنْهَا أَن يَجْعَل شَيْء من الطَّاعَات رسوما يتباهون بهَا دَاخِلَة فِيمَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ بداعية من عِنْد أنفسهم كالعيدين وَالْجُمُعَة وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم. " ليعلم الْيَهُود أَن فِي ديننَا فسحة " فَإِن التجمل فِي الاجتماعات الْعَظِيمَة والمنافسة فِيمَا يرجع إِلَى التباهي ديدن النَّاس.
وَمِنْهَا أَن يسن لَهُم فِي الطَّاعَات مَا يرغبون فِيهِ بطبيعتهم لتَكون الطبيعة دَاعِيَة إِلَى مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الْعقل فيتعاضد الرغبتان، وَلذَلِك سنّ تطييب الْمَسَاجِد وتنظيفها والاغتسال يَوْم الْجُمُعَة والتطيب فِيهِ، وَاسْتحبَّ التَّغَنِّي بِالْقُرْآنِ وَحسن الصَّوْت بالاذان.
وَمِنْهَا أَن يوضع عَنْهُم الإصر، وَمَا يتنفرون مِنْهُ بطبيعتهم، وَلذَلِك كره إِمَامَة العَبْد والأعرابي ومجهول النّسَب، فَإِن الْقَوْم ينجحمون من الِاقْتِدَاء بِمثل ذَلِك.
وَمِنْهَا أَن يبقي عَلَيْهِم شَيْء مِمَّا تَقْتَضِيه طبيعة أَكْثَرهم، أَو يَجدونَ عِنْد تَركه حرجا فِي أنفسهم كالسلطان هُوَ أَحَق بالامامة، وَصَاحب الْبَيْت أَحَق بالامامة، وَالَّذِي ينْكح امْرَأَة جَدِيدَة يَجْعَل لَهَا سبعا أَو ثَلَاثًا، ثمَّ يقسم بَين أَزوَاجه.
وَمِنْهَا أَن يَجْعَل السّنة بَينهم تَعْلِيم الْعلم والمواعظة وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ
وَالنَّهْي عَن الْمُنكر؛ لتمتلئ بِهِ أوعية قُلُوبهم، فينقادوا للنواميس من غير كلفة، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالمواعظة.
وَمِنْهَا أَن يفعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم أفعالا مِمَّا يَأْمُرهُم بِهِ أَو يرخصهم فِيهِ ليعتبروا بِفِعْلِهِ.
وَمِنْهَا أَن يدعوا الله تَعَالَى أَن يَجْعَل الْقَوْم مهذبين كَامِلين.
وَمِنْهَا أَن تنزل عَلَيْهِم سكينَة من رَبهم بِوَاسِطَة الرَّسُول، فيصيروا بَين يَدَيْهِ بِمَنْزِلَة من على رَأسه الطير.
وَمِنْهَا أَن يرغم أنف من أَرَادَ غير الْحق بتأييسه كالقاتل لَا يَرث، وَالْمكْره فِي الطَّلَاق لَا ينفذ طَلَاقه، فَيكون كابحا للجبارين من الاكراه إِذْ لم يحصل غرضهم.
وَمِنْهَا أَلا يشرع لَهُم مَا فِيهِ مشقة إِلَّا شَيْئا فَشَيْئًا وَهُوَ قَول عَائِشَة رضي الله عنها إِنَّمَا أنزل أول نزل مِنْهُ سور من الْمفصل فِيهَا ذكر الْجنَّة وَالنَّار، حَتَّى إِذا ثاب النَّاس إِلَى الْإِسْلَام نزل الْحَلَال وَالْحرَام، وَلَو نزل أول شَيْء لَا تشْربُوا الْخمر لقالوا لَا نَدع الْخمر أبدا، وَلَو نزل لَا تَزْنُوا لقالوا لَا نَدع الزِّنَا أبدا.
وَمِنْهَا أَن لَا يفعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا تخْتَلف بِهِ قُلُوبهم، فَيتْرك بعض الْأُمُور المستحبة لذَلِك، وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم لعَائِشَة " لَوْلَا حدثان قَوْمك بالْكفْر لنقضت الْكَعْبَة، وبنيتها على أساس إِبْرَاهِيم عليه السلام ".
وَمِنْهَا أَن الشَّارِع أَمر بأنواع الْبر من الْوضُوء وَالْغسْل وَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصَّوْم وَالْحج وَغَيرهَا، وَلم يَتْرُكهَا مفوضة إِلَى عُقُولهمْ، بل ضَبطهَا بالأركان والشروط والآداب وَنَحْوهَا، ثمَّ لم يضْبط الْأَركان والشروط والآداب كثير ضبط، بل تَركهَا مفوضة إِلَى عُقُولهمْ وَإِلَى مَا يفهمونه من تِلْكَ الْأَلْفَاظ، وَمَا يعتادونه فِي ذَلِك الْبَاب، فَبين مثلا أَنه لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب، وَلم يبين مخارج الْحُرُوف الَّتِي تتَوَقَّف عَلَيْهَا صِحَة قِرَاءَة الْفَاتِحَة وتشديداتها وحركاتها وسكناتها، وَبَين أَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة شَرط فِي الصَّلَاة، وَلم يبين قانونا نَعْرِف بِهِ استقبالها، وَبَين أَن نِصَاب الزَّكَاة مِائَتَا دِرْهَم، وَلم يبين أَن الدِّرْهَم مَا وَزنه، وَحَيْثُ سُئِلَ عَن مثل ذَلِك لم يزدْ على مَا عِنْدهم، وَلم يَأْتهمْ بِمَا لَا يجدونه فِي عاداتهم، فَقَالَ فِي مَسْأَلَة هِلَال شهر رَمَضَان " فَإِذا غم عَلَيْكُم فأكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ " وَقَالَ فِي المَاء يكون فِي فلاة من الأَرْض ترده السبَاع والبهائم " إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل خبثا " وَأَصله مُعْتَاد فيهم كَمَا بَينا.
والسر فِي ذَلِك أَن كل شَيْء مِنْهَا لَا يُمكن أَن يبين إِلَّا بحقائق مثلهَا فِي الظُّهُور والخفاء وَعدم الانضباط، فَيحْتَاج أَيْضا إِلَى الْبَيَان وهلم جرا، وَذَلِكَ حرج عَظِيم من حَيْثُ أَن كل تَوْقِيت تضييق عَلَيْهِم فِي الْجُمْلَة، فَإِذا كثرت التوقيتات ضَاقَ المجال كل الضّيق، وَمن حَيْثُ أَن الشَّرْع يُكَلف بِهِ الأدانى والأقاصي كلهم، وَفِي حفظ تِلْكَ الْحُدُود على