الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التهاون والتكاسل لِأَن الْفجْر وَالْعشَاء وَقت النّوم لَا ينتهض لله من بَين فرَاشه ووطائه عِنْد لذيذ نَومه ووسنه إِلَّا مُؤمن تَقِيّ، وَأما وَقت الْعَصْر فَكَانَ وَقت قيام أسواقهم واشغالهم بالبيوع وَأهل الزِّرَاعَة أتعب حَالهم هَذِه
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " لَا يغلبنكم الْأَعْرَاب على اسْم صَلَاتكُمْ الْمغرب " وَفِي حَدِيث آخر: " على اسْم صَلَاة الْعشَاء " أَقُول: يكره تَسْمِيَة مَا ورد فِي الْكتاب وَالسّنة مُسَمّى شَيْء اسْما آخر بِحَيْثُ يكون ذَرِيعَة لهجر الِاسْم الأول لِأَن ذَلِك دَلِيل يلبس على النَّاس دينهم ويعجم عَلَيْهِم كِتَابهمْ
(الْأَذَان)
لما علمت الصَّحَابَة أَن الْجَمَاعَة مَطْلُوبَة مُؤَكدَة، وَلَا يَتَيَسَّر الِاجْتِمَاع فِي زمَان وَاحِد وَمَكَان وَاحِد بِدُونِ إِعْلَام وتنبيه، تكلمُوا فِيمَا يحصل بِهِ الْأَعْلَام، فَذكرُوا النَّار فَردهَا صلى الله عليه وسلم لمشابهة الْمَجُوس، - وَذكروا الْقرن -، فَرده لمشابهة الْيَهُود - وَذكروا الناقوس، - فَرده لمشابهة النَّصَارَى، فَرَجَعُوا من غير تعْيين، فَأرى عبد الله بن زيد - الْأَذَان وَالْإِقَامَة فِي مَنَامه، فَذكر ذَلِك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:
" رُؤْيا حق ". .، وَهَذِه الْقِصَّة دَلِيل وَاضح على أَن الْأَحْكَام إِنَّمَا شرعت لأجل الْمصَالح، وَأَن للِاجْتِهَاد فِيهَا مدخلًا، وَأَن التَّيْسِير أصل أصيل، وَأَن مُخَالفَة أَقوام تَمَادَوْا فِي ضلالتهم فِيمَا يكون من شَعَائِر الدّين مَطْلُوب، وَأَن غير النَّبِي صلى الله عليه وسلم قد يطلع بالمنام أَو النفث فِي الروع على مُرَاد الْحق، لَكِن لَا يُكَلف النَّاس بِهِ وَلَا تَنْقَطِع الشُّبْهَة حَتَّى يقرره النَّبِي صلى الله عليه وسلم، واقتضت الْحِكْمَة الإلهية إِلَّا يكون الْأَذَان صرف إِعْلَام وتنبيه، بل يضم مَعَ ذَلِك من شَعَائِر الدّين بِحَيْثُ يكون النداء بِهِ على رُءُوس الخامل والنبيه تنويها بِالدّينِ، وَيكون قبُوله من الْقَوْم آيَة انقيادهم لدين الله، فَوَجَبَ أَن يكون مركبا من ذكر الله وَمن الشَّهَادَتَيْنِ والدعوة إِلَى الصَّلَاة ليَكُون مُصَرحًا بِمَا أُرِيد بِهِ.
وللأذان طرق: أَصَحهَا طَرِيقه بِلَال رضي الله عنه، فَكَانَ الْأَذَان على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ وَالْإِقَامَة مرّة مرّة غير أَنه كَانَ يَقُول: قد قَامَت الصَّلَاة قد قَامَت الصَّلَاة.
ثمَّ طَريقَة أبي مجذوره علمه النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْأَذَان تسع عشره كلمة وَالْإِقَامَة سبع عشر كلمة، وَعِنْدِي أَنَّهَا كأحرف الْقُرْآن، كلهَا شاف كَاف.
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " فَإِن كَانَ صَلَاة الصُّبْح قلت: الصَّلَاة خير من النّوم الصَّلَاة خير من النّوم. أَقُول لما كَانَ الْوَقْت وَقت نوم وغفلة، وَكَانَت الْحَاجة إِلَى التَّنْبِيه الْقوي شَدِيدَة اسْتحبَّ زِيَادَة هَذَا اللَّفْظَة.
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " من أذن فَهُوَ يُقيم " أَقُول: سره أَنه لما شرع فِي الْأَذَان وَجب على إخوانه أَلا يزاحموه فِيمَا أَرَادَ من الْمَنَافِع الْمُبَاحَة
بِمَنْزِلَة قَوْله صلى الله عليه وسلم: " لَا يخْطب الرجل على خطْبَة أَخِيه ".
وفضائل الْأَذَان ترجع إِلَى أَنه من شَعَائِر الْإِسْلَام، وَبِه تصير الدَّار دَار الْإِسْلَام، وَلِهَذَا كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِن سمع الْأذن أمسك، وَإِلَّا أغار، وَأَنه شُعْبَة من شعب النُّبُوَّة لِأَنَّهُ حث على أعظم الْأَركان وَأم القربات، وَلَا يرضى الله وَلَا يغْضب الشَّيْطَان مثل مَا يكون فِي الْخَيْر المتعدى، وإعلاء كلمة الْحق،
وَهُوَ قَوْله صلى الله عليه وسلم: " فَقِيه وَاحِد أَشد على الشَّيْطَان من ألف عَابِد " وَقَوله صلى الله عليه وسلم: " إِذا نودى للصَّلَاة أدبر الشَّيْطَان لَهُ ضراط ".
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " المؤذنون أطول النَّاس أعناقا " وَقَوله صلى الله عليه وسلم: " الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مدى صَوته، وَيشْهد لَهُ الْجِنّ وَالْإِنْس " أَقُول. أَمر المجازاة مَبْنِيّ على مُنَاسبَة الْمعَانِي بالصور وعلاقة الْأَرْوَاح وبالأشباح، فَوَجَبَ أَن يظْهر نباهة شَأْن الْمُؤَذّن من جِهَة عُنُقه وصوته، وتتسع رَحْمَة الله عَلَيْهِ أتساع دَعوته إِلَى الْحق.
قَوْله صلى الله عليه وسلم: " من أذن سبع سِنِين محتسبا كتبت لَهُ بَرَاءَة من النَّار وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُبين صِحَة تَصْدِيقه لَا تتَصَوَّر الْمُوَاظبَة عَلَيْهِ لله إِلَّا مِمَّن أسلم وَجهه لله، وَلِأَنَّهُ أمكن من نَفسه غاشية عَظِيمَة من الرَّحْمَة الإلهية.
قَول الله فِي رَاعى غنم فِي رَأس شظية " انْظُرُوا إِلَى عَبدِي هَذَا يُؤذن، وَيُقِيم الصَّلَاة يخَاف مني، قد غفرت لَهُ وأدخلته الْجنَّة " قَوْله: " يخَاف مني " دَلِيل على أَن الْأَعْمَال تعْتَبر بدواعيها المنبعثة هِيَ مِنْهَا، وَأَن الْأَعْمَال أشباح، وَتلك الدَّوَاعِي أَرْوَاح لَهَا، فَكَانَ خَوفه من الله وإخلاصه لَهُ سَبَب مغفرته.
وَلما كَانَ الْأَذَان من شَعَائِر الدّين جعل ليعرف بِهِ قبُول الْقَوْم للهداية